ملخص
تقول الأمم المتحدة إن القتال في الفاشر تسبب في فرار نحو 136 ألف شخص خارج المدينة، بينما أكدت حكومة ولاية شمال دارفور أن معارك الفاشر أدت إلى مقتل أكثر من 2000 مدني غالبهم من النساء والأطفال والنازحين.
ما زال التوتر الشديد يتسيد الوضع في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تشهد عمليات قصف مدفعي وجوي مستمر، مما أدى إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، فضلاً عن فرار معظم سكانها منذ انفجار القتال في هذه المدينة التي لا يزال الجيش موجوداً فيها بعد سيطرة "قوات الدعم السريع" على أكثر من 90 في المئة من مناطق هذا الإقليم، في الأثناء كشف المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو عن قيام "قوات الدعم السريع" حالياً بتحشيد قواتها حول هذه المدينة لشن هجوم آخر عليها.
وأشار بيرييلو في منشور له على منصة "إكس"، بمناسبة مرور 500 يوم على اندلاع الحرب في السودان إلى أنه في وقت تعمل "قوات الدعم السريع" على تجميع قواتها لشن هجوم على هذه المدينة يستمر الجيش السوداني في عمليات القصف، مما يتسبب في إيقاع خسائر في صفوف المدنيين، داعياً طرفي القتال إلى مطالبة قواتهما بالتراجع، لمنع مزيد من الفظائع والدمار في هذه المنطقة التي ضربتها المجاعة.
وقال "لا يزال الشعب السوداني يعاني آثار القتال، وأفاد العاملون في المجال الإنساني في الخطوط الأمامية بظروف يائسة تعيشها مدينة الفاشر"، ودعا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان الطرفين إلى وقف الأعمال العدائية والسماح للمساعدات بالوصول إلى المدنيين الآن والامتثال للالتزامات بحماية المدنيين.
كر وفر
في الأثناء قال أحد سكان المدينة معتصم آدم أن "المناوشات بين الدعم السريع وقوات الجيش تدور داخل مدينة الفاشر، إذ تتمركز الأخيرة في قيادة الفرقة السادسة التابعة لها تساندها القوة المشتركة الموجودة في محاور عدة بالمدينة، فيما تستمر عمليات الكر والفر بين الجانبين، مع استمرار عمليات القصف المدفعي المتبادل بين الفينة والأخرى خصوصاً في الجهتين الجنوبية والشرقية من المدينة، فضلاً عن القصف الجوي من الطيران الحربي التابع للجيش".
وأضاف "هذه العمليات العسكرية أحدثت أضراراً كبيرة في المباني والمنشآت العامة، مما أدى إلى مقتل عشرات المواطنين، في وقت تستمر حركة النزوح القسري إلى المحليات التي تقع بالقرب من مدينة الفاشر مثل كبكابية وكتم وطويلة وشعيرية، لكن المشكلة أن غزارة الأمطار حدت من حركة النازحين لمسافات طويلة في ظل معاناة إنسانية بالغة بسبب نقص الغذاء وتعطل سير حركة الشاحنات التي تحمل المواد الإغاثية عبر معبر أدري في الحدود السودانية - التشادية، فحتى اللحظة لم تصل إليهم أية معونات من أية جهات محلية أو خارجية، والوضع مزر للغاية من ناحية نقص الغذاء والدواء".
"تضليل إعلامي"
من جانبه قال المتحدث الرسمي باسم القوات المشتركة أحمد حسين مصطفى "أدروب" إن "الأوضاع في مدينة الفاشر هادئة ولا توجد أي اشتباكات ومعارك على الأرض منذ هزيمة الدعم السريع في العاشر من أغسطس (آب)، فهناك فقط قصف من خارج المدينة من الميليشيات مستهدفة الأعيان المدنية والأسواق والمستشفيات ومعسكرات النازحين ومراكز الإيواء والأحياء المدنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع مصطفى في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "أما مسألة الحشود فهي مجرد تضليل إعلامي تبثه الغرف الإعلامية التابعة للميليشيات، وذلك من أجل تخويف المدنيين وبث الروح الانهزامية وسط سكان المدينة، إذ تريد إفراغ مدينة الفاشر من سكانها".
وأردف "ما يحدث في الفاشر ليس حصاراً بالطرق العسكرية المعروفة، بل تعمل الميليشيات على قطع الطرق ونهب أية مواد إغاثية أو إنسانية أو قوافل تجارية، فمثلاً هناك قافلة إغاثية تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود قامت الميليشيات باحتجازها في محلية كبكابية وهي قادمة إلى معسكر زمزم للنازحين الواقع بالقرب من الفاشر، كما أن هناك قافلة أخرى تتبع لمنظمة التضامن الفرنسية قامت باحتجازها في محلية مليط وهي قادمة أيضاً إلى معسكرات النازحين، فهذ هو الحصار الذي تقصده الميليشيات، وغالبية سكان المدينة لم يغادروها بتاتاً".
وختم المتحدث الرسمي باسم القوات المشتركة بقوله إن "الجيش والقوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة موجودان في كل أنحاء مدينة الفاشر، في حين توجد ميليشيات الدعم السريع خارج المدينة، وأحياناً تتسلل إلى الأحياء الطرفية الشرقية للمدينة، وذلك بغرض نهب وسلب منازل المدنيين".
"الطرف المتعنت"
في المقابل أوضح الكاتب سيبويه يوسف بأن "ما يحدث في الفاشر هو أنه منذ بداية هذا الصراع جرى حوار داخل المكونات القبلية والاجتماعية والأهلية التي تمثل إقليم دارفور، أفضى إلى أن تقف الحركات المسلحة في جانب الحياد وأن ليس لها علاقة بما يدور من حرب بين طرفي القتال، خصوصاً وأن هذا الإقليم عانى 20 عاماً حرباً راح ضحيتها نحو 300 ألف قتيل ونزوح وتشريد ما لا يقل عن مليوني شخص، فضلاً عما أحدثته من دمار للأعيان المدنية ونفوق الثروة الحيوانية وحرق للمزارع والبساتين، بالتالي فهي لا تحتمل جراح جديدة".
وأضاف سيبويه "بعد خروج بعض هذه الحركات عن الحياد تأزم الوضع في الفاشر التي تتمركز فيها القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح وتعرضت للقصف الجوي المكثف من الطيران الحربي التابع للجيش لما يسمى بحواضن (الدعم السريع) باستهدف الأحياء السكنية والمستشفيات وغيرها، لذلك أصبح من الضرورة أن تسعى قوات الدعم السريع إلى دخول هذه المدينة والسيطرة عليها".
وواصل "عندما أعلن منبر جدة برعاية الوساطة السعودية - الأميركية لإيقاف هذه الحرب مطلع مايو (آيار) 2023 وافقت قيادة الدعم السريع على مبدأ التفاوض، وأبدت مرونة كبيرة تجاه وقف العمليات العسكرية، لكن هناك من لا يريد توقف القتال وبالتالي تدور هذه المعركة في الفاشر وغيرها".
ومضى الكاتب السوداني في القول "المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان يعلم جيداً من الطرف المتعنت الذي يسعى إلى استمرار هذه الحرب، ومن يقف خلفها من سياسيين يعملون على وقف أي مسار يتجه لإيقافها، لذلك لا بد من إيجاد ضغوط من المجتمع الدولي على قيادات الجيش حتى يوافقوا على منهج تفاوضي ينهي هذا الصراع الذي تتسع رقعته يوماً بعد يوم".
2000 قتيل
وتقول الأمم المتحدة إن القتال في الفاشر تسبب في فرار نحو 136 ألف شخص خارج المدينة، التي قدرت عدد سكانها بنحو 800 ألف، بينما أكدت حكومة ولاية شمال دارفور أن معارك الفاشر أدت إلى مقتل أكثر من 2000 مدني غالبهم من النساء والأطفال والنازحين.
ويستخدم طرفا القتال الأسلحة الثقيلة والمسيرات وعمليات القصف الجوي المكثف التي أحدثت دماراً كبيراً في المستشفيات والمنشآت العامة والأحياء في حين يتبادل الطرفان مسؤولية التصعيد الخطر.