ملخص
شرعت قوات "الدعم السريع" فعلياً في إنشاء أجهزة قانونية وإدارية وشرطية بشكل جزئي في بعض المناطق والأحياء التي تسيطر عليها بالعاصمة الخرطوم عبر ما يسمى باللجان الأمنية ومكافحة الظواهر السالبة.
مع توسع رقعة انتشارها الجغرافي لجأت قوات "الدعم السريع" إلى تشكيل إدارات مدنية في مناطق سيطرتها بالعاصمة والولايات، غير أنها ما زالت تواجه تحديات اجتماعية وأمنية كبيرة ومعقدة في إدارة تلك المناطق، وسط اتهامات بعجزها عن توفير مقتضيات الاستتباب الأمني والحد الأدنى من الخدمات بتلك المناطق بسبب نفور المجتمعات المحلية وعدم تفاعلها مع تلك الخطوة، فهل تنجح في إدارة مناطق نفوذها بالشكل الملائم في العقبات والتحديات الكبيرة التي تهدد بفشلها؟
بين الفشل والنجاح
إلى جانب إعلانها تأسيس أول إدارة مدنية تابعة لها بولاية الجزيرة وسط السودان في مارس (آذار) الماضي، سارعت قوات "الدعم السريع" كذلك إلى تشكيل إدارات مدنية في كل من ولايات جنوب ووسط وشرق وغرب دارفور الذي تسيطر فيه على أربع ولايات من أصل خمس.
وشرعت فعلياً في إنشاء أجهزة قانونية وإدارية وشرطية بشكل جزئي في بعض المناطق والأحياء التي تسيطر عليها بالعاصمة الخرطوم عبر ما يسمى باللجان الأمنية ومكافحة الظواهر السالبة.
رئيس الإدارة المدنية بجنوب دارفور الزين أحمد الحاج أعلن تشكيل هيكل تنفيذي من 10 وزارات تكوينها بالتوافق مع الفعاليات المحلية بالولاية، وأكد في تصريحات صحافية عقب توليه لمنصبه أن من أولويات حكومته بسط الأمن وتقديم الخدمات المختلفة لمواطني الولاية، مع الاتجاه إلى ترشيد الصرف وزيادة الإيرادات ووضع موازنة طوارئ لمجابهة التحديات الراهنة.
انفلات ومعاناة
لكن مصادر محلية في جنوب دارفور كشفت عن تفاقم معاناة المدنيين في العاصمة نيالا وبقية محليات الولاية من شح وغلاء السلع الغذائية والأدوية منذ تشكيل الإدارة المدنية بالولاية، إلى جانب الانهيار الأمني وانتشار عمليات النهب المسلح والسطو، على رغم قرار الإدارة المدنية تسيير دوريات أمنية وحظر التجوال ليلاً داخل المدينة.
وأوضحت المصادر أن شح الموارد المالية وتراجع الإيرادات بالولاية شكل أكبر التحديات أمام الإدارة المدنية بجنوب دارفور، بخاصة بعد تعثر الموسم الزراعي وتأخر عمليات موسم الحصاد.
وفي ولاية الجزيرة هاجمت منصة "مؤتمر الجزيرة" الإدارة المدنية لـ"الدعم السريع" وتسببها في تدهور مريع للأوضاع في كل مناطق ولاية الجزيرة، إذ تعيش جميعها من دون أية خدمات مياه وكهرباء أو دواء أو تعليم، بما فيها مدينة ود مدني عاصمة الإدارة "المغتصبة"، بحسب تعبيرها.
عدد بيان للمنصة مدعم بالأرقام 13 "مجزرة" وانتهاكاً ارتكبتها قوات "الدعم السريع" في مناطق ولاية الجزيرة المختلفة، مجدداً إدانته لعمليات التهجير والإرهاب التي تمارسها "الميليشيات" في حق أهل الولاية، وعزمه على ملاحقتها قانونياً في شأن الجرائم التي ارتكبتها في حق المدنيين.
فراغ السلطة
في السياق قال المتخصص في الحكم والإدارة مجذوب الحسن إن الحكم هو عملية سياسية وتنفيذية حساسة ومعقدة ولا تنشأ بين يوم وليلة أو وفق رغبات التنظيمات أو الأفراد، كما لن تنجح إلا بتوفر الأسس والمقومات المطلوبة وعلى رأسها الاستقرار والأمن والتنظيم الإداري والموارد المالية.
واستبعد الحسن أن تتمكن الأجهزة الخدمية من استئناف عملها في وقت قريب تحت أي ظرف قبل أن تخضع لإعادة تأهيل واسعة، بخاصة بعد التخريب والنهب الذي طاول مؤسسات الدولة الخدمية ونزوح معظم الموظفين والكوادر بالعاصمة والولايات.
يرى المتخصص في الحكم والإدارة أن الإدارات المدنية التابعة لـ"الدعم السريع" في مناطق سيطرته عمل سياسي يرمي بالدرجة الأولى إلى تقليص نفوذ السلطة المركزية على البلاد، من دون أن تمتلك القدرة على القيام بدور وواجبات الحكومة، مما سيخلف فراغاً أمنياً وتنفيذياً يفضي إلى مزيد من الفوضى والجوع بتلك المناطق.
ويصف الحسن تجربة قوات "الدعم السريع" الإدارية في مناطق سيطرتها بالضعف الكبير ومحاولتها التنصل من المسؤولية وترك الأمور للإدارات والفعاليات الأهلية، في وقت باعدت الانتهاكات الرهيبة التي ما زالت ترتكبها في تلك المناطق بينها وبين الوجدان الشعبي.
ويردف "صحيح أن الواقع يشير إلى الانتشار الجغرافي الواسع لقوات الدعم السريع، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنها تسيطر، لأن مفهوم السيطرة يقوم بشكل أساس على المقدرة التحكم في الأوضاع الأمنية والإدارية، وهو ما تفتقده المناطق التي يسيطر عليها حتى الآن".
نفور وفوضى
من جانبه يربط الناشط الحقوقي الزين محمد عباس، بين جرائم وانتهاكات قوات "الدعم السريع" وعدم نجاحها في إدارة مناطق نفوذها، لأن ما يسمونه بـ"الانفلات الأمني" أصبح هو الأصل وليس استثناء في ممارساتها بتلك المناطق، مشيراً إلى أن التجربة الإدارات المدنية كشفت عن صعوبات كبيرة في إمكان تعايش المواطنين مع تلك القوات بدليل الفرار الجماعي للسكان من كل المناطق التي تدخلها.
يتابع عباس "شكل عدم قبول قوات الدعم السريع وسط المجتمعات المحلية بمناطق سيطرتها المعضلة الأساسية، التي جعلت الإدارات المدنية معزولة عن القواعد وتسببت في فشلها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على نحو متصل حذرت نقابة الصحافيين السودانيين من الانهيار الأمني والفوضى الشاملة التي تعيشها البلاد وتتفاقم بصفة خاصة في مناطق سيطرة قوات "الدعم السريع"، وحمل بيان للنقابة "الدعم السريع" المسؤولية الكاملة عن اختطاف قوة تتبع لها أحد الصحافيين من منزله بمنطقة شرق النيل التي تسيطر عليها بولاية الخرطوم، ومطالبتها بفدية مالية كبيرة في مقابل الإفراج عنه.
حكومة وتضامن
وكان مستشار قائد قوات "الدعم السريع" الباشا طبيق، قال إن تعنت قيادات الجيش السوداني ورفضها للتفاوض وترجيحها لخيار الحرب والتصعيد العسكري قد يؤدي إلى إعلان حكومة في الخرطوم لحماية المدنيين ونزع الشرعية من قائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
وقال طبيق في تغريدة على حسابه بمنصة (إكس)، إن مهمات الحكومة المزمعة ستكون فتح علاقات دبلوماسية مع الدول وشراء طائرات حربية وأنظمة دفاع جوي متطورة لتحييد طيران الجيش، وأضاف أنه سيكون من ضمن مهمات الحكومة تأسيس نظام مصرفي لحماية اقتصاد وأموال المواطنين في مناطق سيطرة "الدعم السريع" وفتح أسواق لتصدير المحاصيل النقدية والثروة الحيوانية والصمغ العربي.
إلى ذلك أصدر المتحدث الرسمي لقوات "الدعم السريع" بياناً تضامنياً مع متضرري كارثة السيول والفيضانات ومفاقمتها للأوضاع الإنسانية والمجاعة بالبلاد، وناشد البيان المنظمات الدولية والإقليمية والمجتمع الدولي بالاستجابة العاجلة وسرعة لتوصيل الغذاء والمأوى والمساعدات الأساسية للتخفيف من آثار هذه الكارثة في الذين نكبتهم السيول والأمطار.
واتهم "الحكومة السودانية باللامبالاة ومحاولة إخفاء الواقع القاتم الذي تواجهه البلاد، والإسراف في الصرف وشراء الأسلحة في حين تتضاعف معاناة السودانيين كل يوم بسبب الحرب".
تجارب مماثلة
وفي مقارنة مع تجربة حركة جيش تحرير السودان (عبدالواحد محمد نور) في إدارة (المناطق المحررة) التي تسيطر عليها بدارفور بصورة مستقلة عن الحكومة، أوضح المتحدث باسم الحركة محمد عبدالرحمن الناير أن كل من حركة جيش تحرير السودان في مناطق جبل مرة بدارفور، والحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو بمنطقة كاودا جنوب كرفان، كانت لديهما منذ نشأتهما التجربة والخبرات المتراكمة في إدارة الشأن المدني بمناطق سيطرتهما.
وأوضح الناير أن كلتا الحركتين تمكنتا عبر تجربتهما الطويلة من تشكيل إدارة مدنية لرعاية نجحت في إدارة شؤون المواطنين والمؤسسات المدنية والخدمية بكفاءة عالية على رغم شح الإمكانات، بحيث أصبحت الأراضي المحررة هي أكثر مناطق السودان أمناً واستقراراً في الوقت الحالي.
وتابع "ربما أرادت (الدعم السريع) استنساخ تلك التجارب في مناطق سيطرتها، لكن مدى نحاجها يرتبط بشكل الإدارة التي تنتهجها وأن يكون المواطن هو حجر الزاوية في هذه الإدارة، ومشاركته في إدارة نفسه بنفسه، وأن تكون هناك عدالة ومساواة بين الجميع وأن يطبق القانون على الكل من دون محاباة وحسن إدارة التنوع".
خريطة السيطرة
المتحدث باسم حركة جيش تحرير السودان محمد عبدالرحمن الناير يرى أن سيطرة قوات "الدعم السريع" على مناطق يوجد فيها مواطنين تعني ضرورة تكوين آليات حكم وإدارة لتصريف شؤونهم وعلى رأسها توفير الخدمات والحماية لهم، وأن تضع في اعتبارها بأن إدارة الأجسام العسكرية تختلف عن الكيانات المدنية.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش و"الدعم السريع" منتصف أبريل (نيسان) من عام 2023، وتوسع رقعتها الجغرافية من الخرطوم إلى الأطراف، يتنازع الطرفان السيطرة على مناطق عدة بالعاصمة وبقية أنحاء البلاد.
وبعد أن استولت على معظم مناطق ولاية الجزيرة وأجزاء من ولاية سنار وسط البلاد، تمكنت "الدعم السريع" من بسط سيطرتها على أربع من ولايات إقليم دارفور هي (جنوب وغرب ووسط وشرق) دارفور باستثناء ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر التي ما زال الصراع الدامي يدور حول السيطرة عليها بسبب وضعها الاستراتيجي لكلا الطرفين.
تقاسم العاصمة
وفي داخل العاصمة السودانية تتركز سيطرة الجيش على مناطق عدة، أبرزها محلية كرري وأحياء الثورات شمال مدينة أم درمان، وسلاح المهندسين وبعض أحياء منطقة الصالحة والمربعات غرب المدينة، فيما لا تزال قوات "الدعم السريع" موجودة في عدد من مناطق محلية أم بدة.
كما تسيطر قوات "الدعم السريع" على عدد من المناطق جنوب الخرطوم خصوصاً محلية جبل أولياء، فيما لا يزال الجانبان يتنازعان السيطرة على المناطق بمحيط منطقة الشجرة العسكرية وسلاح المدرعات.
وباستثناء المناطق الواقعة في تخوم سلاحي الأسلحة والإشارة والكدرو وبعض أحياء الحلفايا والسامراب شمال مدينة الخرطوم بحري، يفرض الجيش سيطرته على مناطق قاعدة حطاب العسكرية بمحلية شرق النيل بينما ينتشر "الدعم السريع" بمعسكر العيلفون وبعض المناطق شمال شرقي العاصمة.
في هذا الوقت لا تزال معظم مقار الوزارات والمؤسسات الحكومية وعدد من المستشفيات والبنوك بما فيها القصر الجمهوري، بجانب مطار الخرطوم الدولي وجزء من محيط القيادة العامة للجيش، في وسط مدينة الخرطوم تحت نفوذ "الدعم السريع".