ملخص
شهدت تونس عزوفاً عن الاستثمار في مجال الخدمات الذي عرف انخفاضاً بلغ 12.9 في المئة.
بلغت الاستثمارات الأجنبية في تونس خلال النصف الأول من عام 2024 بنحو 1.38 مليار دينار (453 مليون دولار) مقابل 1.22 مليار دينار (401 مليون دولار) خلال الفترة نفسها عام 2023 بزيادة قدرها 13.8 في المئة وفق بيانات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي (حكومية).
وارتفع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس 7.5 في المئة ليناهز 768 مليون دولار عام 2023، مقابل 714 مليون دولار في 2022، بحسب تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" الذي كشف عن تراجع الاستثمارات الأجنبية في منطقة شمال أفريقيا 12 في المئة مقارنة بعام 2022، لتستقر عند 13.4 مليار دولار، لكن تونس غابت عن قائمة البلدان الثلاثة التي تمكنت من جذب الحصة الأكبر من الاستثمارات.
وبحسب تقرير "أونكتاد"، جاءت مصر في المرتبة الأولى بـ9.8 مليار دولار تليها الجزائر بـ1.2 مليار دولار ثم المغرب بـ1.09 مليار دولار.
وحول بيانات النصف الأول من العام الحالي الراهنة كشفت وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي في تونس عن أن "الاستثمارات الأجنبية المباشرة شهدت ارتفاعاً 26.6 في المئة لتبلغ 1.37 مليار دينار (450 مليون دولار) مقابل 1.08 مليار دينار (355 مليون دولار) في النصف الأول من عام 2023".
بينما تراجع حجم الاستثمار في سوق الأوراق المالية بصورة حادة بنحو 89.9 في المئة ولم تزِد عن 13.6 مليون دينار (4.4 مليون دولار) بعد صعودها إلى 134.4 مليون دينار (44.2 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من عام 2023.
وفي ما يتعلق بالتوزيع القطاعي للاستثمارات الأجنبية المباشرة، استقطب قطاع الصناعات التحويلية استثمارات بنحو 792 مليون دينار (260.5 مليون دولار) خلال النصف الأول من عام 2024، مقابل 521 مليون دينار (171.3 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من 2023.
بينما قدرت الاستثمارات في قطاع الطاقة بـ318.2 مليون دينار (104.6 مليون دولار) مقارنة بـ237.3 مليون دينار (78 مليون دولار)، وسجلت الاستثمارات في قطاع الفلاحة (الزراعة) نمواً 300 في المئة إلا أنها تظل ضئيلة، إذ قفزت من 2.92 مليون دينار (960 ألف دولار) إلى 11.7 مليون دينار (3.84 مليون دولار).
وشهد الاستثمار في قطاع الخدمات تراجعاً 12.9 في المئة بـ253.5 مليون دينار (83.3 مليون دولار) في النصف الأول من عام 2024 مقابل 324.7 مليون دينار (106.8 مليون دولار) سابقاً.
52 في المئة نصيب العاصمة
وأتاح تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة غير المتعلقة بالطاقة، المسجل خلال النصف الأول من عام 2024، إنجاز 610 عمليات استثمار بقيمة إجمالية قدرها 1.05 مليار دينار (345 مليون دولار)، مما سمح بإحداث 4820 فرصة شغل جديد، بحسب المعطيات نفسها.
وشملت عمليات الاستثمار 34 مشروعاً بقيمة 77.2 مليون دينار (25.3 مليون دولار)، وفرت 783 فرصة شغل، في حين بلغت قيمة المشاريع التوسيعية 576 مشروعاً بقيمة 980 مليون دينار (322.3 مليون دولار)، مما وفر 4037 فرصة عمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهرت البيانات تفاوتاً كبيراً في التوزيع الجغرافي للاستثمارات باستيلاء العاصمة تونس وأحوازها على أكثر من 52 في المئة من الاستثمار الأجنبي المباشر بقيمة 553.5 مليون دينار (182 مليون دولار)، لا سيما محافظة تونس بـ314.9 مليون دينار (103.5 مليون دولار) تليها منطقة الشمال الشرقي بأكثر من 26 في المئة من الاستثمار الأجنبي المباشر بقيمة 278.8 مليون دينار (91.7 مليون دولار) وهي مؤشرات غير معبرة عن الوعود الخاصة بدفع التنمية في الجهات الداخلية للبلاد.
فرنسا أول المستثمرين
ويضع توزيع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بحسب البلد فرنسا في المركز الأول بواقع 344.2 مليون دينار (113.2 مليون دولار)، أي أكثر من 32 في المئة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر باستثناء الطاقة.
وتأتي إيطاليا في المركز الثاني بـ141.3 مليون دينار (46.48 مليون دولار)، تليها ألمانيا في المركز الثالث بـ115.3 مليون دينار (37.9 مليون دولار)، ثم إسبانيا رابعاً بـ79.6 مليون دينار (26.18 مليون دولار)، وقطر في المركز الخامس بـ72.5 مليون دينار (23.8 مليون دولار).
ويشار إلى أن تونس أعلنت عن الاستراتيجية الوطنية لتحسين مناخ الأعمال 2023-2025 التي التزمت ضمنها الحكومة تبسيط دفتر الشروط المنظمة للأنشطة الاقتصادية (القانون المنظم)، رداً على الانتقادات الحادة الموجهة إلى قانون الاستثمار من قبل المنظمات ورجال الأعمال الذين وصفوه بغير المشجع والغارق في البيروقراطية والمثقل بالضرائب.
وحذفت الوزارة 52 رخصة إدارية بانتظار حذف قائمة جديدة تضم 33 رخصة، في إطار تسهيل إجراءات الاستثمار، وقالت الحكومة إنها على وشك الانتهاء من رقمنة الخدمات المتعلقة بمنح التراخيص ورقمنة رحلة المستثمر بحلول يونيو (حزيران) 2025، مع إطلاق منصة المستثمر الوطني الموحدة وإنشاء نظام معالجة التظلمات عبر الإنترنت.
وأضافت أنها تتطلع لتحسين البنية التحتية للموانئ والتخطيط لإصدار إطار تنظيمي مخصص للخدمات اللوجستية، مع وضع إطار تنظيمي لتهيئة بيئة محفزة للابتكار من أجل تأكيد توجه الاقتصاد نحو الأنشطة ذات الكثافة التكنولوجية، مع مواجهة تحدي إزالة الكربون من الاقتصاد وضمان الموقع الجيد لتونس وفقاً لإعادة التشكيل الجديدة لسلاسل القيمة العالمية والتغيرات الجيوستراتيجية.
لكن ذلك لم يقنع المراقبين، إذ وصفوا نسق تدفق الاستثمارات الخارجية إلى تونس بـ"البطيء للغاية"، ودعا المحلل المالي عدنان بن صالح في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إلى عدم التعويل على نسبة النمو التي تبدو جيدة نظرياً، بينما يظهر تحليل طبيعة الاستثمار وحجمه أنه لم يزِد على 34 مشروعاً بقيمة 77.2 مليون دينار (25.3 مليون دولار) وهو مؤشر إلى تقلص حجم المشاريع الجديدة، في حين تتمثل بقية الاستثمارات المباشرة في عمليات توسيع (توسيع مشاريع قائمة).
وقال "لم تتجاوز المشاريع المعلنة نوايا الاستثمار في انتظار تجسيدها، أما طبيعتها فهي المؤشر إلى واقع الاستثمارات في تونس"، معتبراً أن غياب الاستثمارات الجديدة في قطاع الفوسفات هو مؤشر إلى غياب التعافي الكلي خلال الفترة الحالية في الأقل.
وأشار إلى أن "المشاريع المستقطبة للاستثمارات ذات مردودية محدودة لا تضمن استمرار الإنتاجية على المدى لطويل المنتظمة في التنمية المستدامة".
ورأى بن صالح أن جاذبية تونس للاستثمارات الأجنبية الضخمة قلّت في الفترة الأخيرة ويستدل على ذلك من خلال طبيعة المستثمرين الوافدين، إذ اقتصرت القائمة على المنتفعين بالامتيازات المقدمة من غير كبار المخاطرين المراهنين على مردودية السوق في تونس، وظلت وجهة جيدة لدى المؤسسات المصدرة كلياً فحسب والمستفيدة من امتيازات وجبت مراجعتها لأنها مهينة في بعض مواضعها.
وأضاف أن "نسق الاستثمارات الخارجية في تونس يعكس واقع الاستثمار المحلي المنهك الذي يعاني إشكاليات التمويل وتثقل كاهله الضرائب ويصطدم بالبيروقراطية والإدارة غير القابلة للرقمنة والإصلاح، وهو في آخر المطاف القاطرة التي تجر الاستثمار الخارجي".
وقال المحلل الاقتصادي جمال بن جميع من جانبه إن "تونس لا تستغل العوامل الجغرافية والموارد البشرية التي تدعمها لتكون الوجهة الأولى الجاذبة للاستثمار في المنطقة"، موضحاً أن "ما يعرقل تطور الاستثمار هو عدم اتخاذ إجراءات كبرى تشجع المستثمر الأجنبي أو التونسي ثم انعدام التسويق للوجهة التونسية وعدم العمل على الملفات المعروضة كفرص استثمار بالاستمرارية المطلوبة إلى حين الظفر بالمستثمرين".
وخص بن جميع بالذكر ما عرض ضمن ندوة طوكيو الدولية حول التنمية في أفريقيا المنعقدة في تونس التي لم تظفر منها تونس بمشروع إلى حد اليوم، ويمثل عدم الاستقرار السياسي والتغيير المستمر للمسؤولين مؤشراً سلبياً يحول دون استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وحول التشريعات قال إنها "لا تكفي بمفردها لاستقطاب الاستثمارات بصورة سريعة".