Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدراما الأميركية شوهت صورة الرئيسة فهل يصححها الواقع؟

يأمل مؤيدو هاريس أن تخالف خيال المبدعين الذي يشكك في قدرة النساء على قيادة البلاد ويقدم صورة سلبية تتبناها الثقافة الشعبية

قدمت ميريل ستريب دور رئيسة لا تأبه إلا بمصالحها الشخصية في "لا تنظروا للسماء" (مواقع التواصل)

ملخص

طالما شكك صناع الدراما في قدرات النساء على الإدارة في السياسة الأميركية وألصقوا وفق مخيلتهم الفنية قائمة من الصفات شديدة السلبية بأية امرأة تتولى منصب رئيس الولايات المتحدة، بالتالي فإن كامالا هاريس تواجه أكثر من تحد. فهل تخالف توقعات المبدعين كافة وتثبت جدارتها كسياسية ناجحة؟

العبء الكبير الذي تتحمله كامالا هاريس كمرشحة لمقعد الرئيس في الانتخابات الأميركية المرتقبة لا يتعلق فقط بالمعركة الانتخابية أمام خصم عنيد كمرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب الحالم بالعودة مرة أخرى إلى مقعده في البيت الأبيض، وإنما يبدو التحدي مضاعفاً لأسباب أخرى تتعلق بكونها امرأة ملونة متحدرة أصول مختلطة، وتحاول أن تثبت قدراتها خلال عصر يتعاظم فيه تأييد اليمين المتطرف داخل غالبية الدول الصديقة لبلادها، كذلك تأتي المعركة محملة بأمل أن تنجح في ما أخفقت فيه سياسيات سابقات حاولن إثبات أن الولايات المتحدة دولة يمكن أن تقودها امرأة بجدارة على غرار بلدان كثيرة كانت سباقة في هذا المضمار، وأن الجميع يتمتعون بالفرص نفسها بمساواة وعدالة، كما أن عليها عبئاً في حال حققت هذا الحلم أن تكسر صورة نمطية شديدة السلبية تسكن على ما يبدو أدبيات وثقافة المواطن الأميركي، وهي الصورة التي طالما رافقت خيال كتاب السيناريو في الأفلام والمسلسلات العالمية حول شخصية سيد البيت الأبيض. فعلى رغم وصول 46 رئيساً للحكم في الولايات المتحدة فإنهم جميعاً كانوا رجالاً بينما كان التمثيل النسائي في هذا المنصب يقتصر فقط على الدراما، التي تحذر من مستقبل مضطرب إذا ما تحقق هذا الخيال.

وبينما تمضي كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي ذات الـ59 سنة قدماً في خطواتها نحو صنع التاريخ إذا ما حالفها الحظ بالطبع، إذ تتقدم في استطلاعات الرأي وتعمل وفق خطة مدروسة تنال الإعجاب ومنحت الحيوية للسباق، خصوصاً في ما يتعلق باستهداف الناخبين مختلفي الأعراق والتوجهات وحشدهم، فإن لدى المجتمع الأميركي تراثاً كبيراً من الشخصيات النسائية التي وصلت إلى هذا المقعد الرفيع على الشاشة، إذ اختبر المواطنون عدداً من الرئيسات اللاتي يحضرن في المخيلة بقوة نظراً إلى شعبية تلك الأعمال، كما أن كثيراً من الوقائع تتواءم مع هذا الطرح إذ إن هيلاري كلينتون قطعت شوطاً جيداً ولكنها لم توفق في الانتخابات أمام ترمب خلال جولة 2016، كما أن جو بايدن نال ثقة الحزب الديمقراطي في الترشح مقابل إقصاء منافسته حينها إليزابيث وورن، لكنه ترك منفذاً مفتوحاً لنساء من خلال اختياره هاريس نائبة له، مما منحها فرصة القيام بجولة قوية مرتقبة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل موعد الاستحقاق الانتخابي.

نائبة الرئيس المضطربة

وعلى رغم أن كفة كل مرشح من المرشحين الرئيسين في السباق تعادل الآخر تقريباً فإن هناك من يستبقون الأحداث ويكيلون الافتراضات متسائلين في حال وصول هاريس إلى مبتغاها والفوز بالمعركة الانتخابية، من ستشبه؟ وهل يمكن أن تكون فكهاية وانتهازية وأنانية أيضاً كجاين أورليان في "لا تنظروا إلى السماء"، أم أنها أقرب لميشيل ترافرز ضعيفة الشخصية في "العميل الليلي"، أم ستعاني جنون العظمة مثل سيلينا ماير في "نائبة الرئيس".

 

 

كل هذه صفات سلبية ألصقها صناع الترفيه في الولايات المتحدة وبعض الإنتاجات الأوروبية بالرئيسة التي يمكن أن تحكم أميركا. وفي ما يتعلق بمسلسل "Veep" (نائبة الرئيس) الذي عرض على مدار سبعة مواسم من 2012 إلى 2019، فقد ربط كثير من الأميركيين بين قصته ومسيرة هاريس، لدرجة أن مشاهداته زادت بأكثر من ثلاثة أضعاف عبر المنصات خلال ساعات من إعلان بايدن تنحيه عن الترشح لولاية ثانية قبل نحو ستة أسابيع، إذ تدور أحداثه حول السيناتور سيلينا ماير التي تجسد دورها جوليا لويس دريفوس وتجد وتجتهد في العمل السياسي حتى تصل إلى منصب نائب الرئيس، وبعد أن يضطر الأخير للاستقالة لأسباب شخصية تصبح هي الرئيسة بدلاً منه، وهو سيناريو فيه كثير من ملامح حياة هاريس السياسية خلال الأعوام القليلة الماضية، لكن سيلينا كرئيسة تعاني الأنانية الشديدة وتصبح مكروهة ممن حولها ومشكلاتها النفسية تؤثر سلباً في قراراتها.

العمل حقق نجاحاً ملحوظاً ولا يزال في قوائم الأعلى مشاهدة بفضل تماشيه مع الدراما التي تجري على أرض الواقع في المجتمع الأميركي، مما جعل بطلته تصرح أخيراً بأنها لا تجد شبهاً أبداً بين شخصيتها في العمل التي وصفتها بأنها معتقلة اجتماعياً وشخصية هاريس الحقيقية، وأن الشبه الوحيد هو كونهما كانتا نائبتين للرئيس، بل إن جوليا لويس دريفوس التي تدعم هاريس بقوة قالت في برنامج "ذا ليت شو" إن تلك الصفات السيئة ربما تنطبق على مرشح آخر، قاصدة دونالد ترمب.

سذاجة سياسية مفرطة

كامالا هاريس التي بدأت حياتها محامية وتدرجت في العمل السياسي حتى نالت الثقة لتترشح على مقعد الرئاسة كممثل عن الحزب الديمقراطي واجهت تشكيكاً في قدراتها وخبراتها، وبخاصة في ملفات مثل السياسة الخارجية والهجرة وتواجه أيضاً عقلاً جمعياً "درامياً" إن جاز التعبير، يتعلق بالثقة في مؤهلات النساء السياسيات، مما لن يكون في صالحها إذا ظل منعكساً على الموقف الجمعي على أرض الواقع وترجم في صناديق الاقتراع، فحتى حينما كانت الرئيسة نزيهة وتعمل لمصلحة البلاد ولا تتعاطى مع أفكار الإقصاء أو تنخرط في مؤامرات شريرة، ظهرت مهزوزة الشخصية ومن السهل خداعها والسيطرة عليها بل كانت بعيدة من الاحترافية ورباطة الجأش التي ينبغي أن تتمتع به من هي في مثل منصبها، وهو أمر ينطبق على شخصية ميشيل ترافرز في مسلسل "العميل الليلي" الذي بثته "نتفليكس" العام الماضي ويتم التحضير حالياً لموسمه الثاني، إذ تسببت الرئيسة التي قامت بدورها كاري ماتشيت بسبب سذاجتها السياسية في منح الفرص لمسؤولين لا يستحقون تسببوا في حوادث مأسوية للشعب الأميركي، بمن فيهم نائب الرئيس الذي اختارته بنفسها، وكذلك كبيرة موظفي البيت الأبيض.

تنبؤات سوداء

لكن خيال المخرج والمؤلف آدم مكاي ذهب بعيداً في توقع الأسوأ من خلال فيلمه "Don't Look Up" (لا تنظروا للسماء) الذي عرض قبل ثلاثة أعوام، وقدمت فيه ميريل ستريب دور الرئيسة جاني أورليان التي لا تأبه بداية بتحذيرات العلماء من وجود نيزك عملاق يقترب من الأرض ليبيد كل ما عليها، وذلك بسبب سلبيتها وعنجهيتها وعدم أهليتها للمنصب بالمرة، لكنها تدريجاً تصاب بالذعر وتحاول أن تنجو بنفسها تاركة ابنها الوحيد يواجه مصيره بعد أن تخلت عن الجميع لتلقى نهاية مأسوية على رغم كل احتياطات الهرب إلى مكان آمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحديث عن إمكانية وصول كامالا هاريس إلى مقعد الحكم في الولايات المتحدة بدأ منذ أن اختارها بايدن نائبة له، وتعمق أكثر مع ظهورها اللافت في حفل التنصيب يناير (كانون الثاني) الماضي كأول امرأة تتولى هذا المنصب في البلاد، إذ بدت قوية وثابتة وكأنها تقوم ببروفة لما يمكن أن تؤول إليه الأحداث مستقبلاً، وبالطبع لم يمر ظهورها بالبذلة البنفسجية وعقد اللؤلؤ مرور الكرام، إذ تم الربط على الفور بين هذا المظهر وإطلالة ليزا سيمبسون في مسلسل "عائلة سيمبسون" الشهير، وذلك في حلقة عرضت عام 2000 بعنوان "Bart to the Future"، إذ كانت ليزا تقدم دور أول امرأة تتولى منصب رئيس الولايات المتحدة، وهو العمل المعروف باستعراضه أحداثاً بدت وكأنها تنبؤات وقعت في ما بعد، كما أنه معروف بشخصياته السلبية وإن كانت ليزا أكثرهن ذكاء وانفتاحاً واهتماماً بقضايا البيئة والعدالة والحريات، لكنها أيضاً كانت تمتلك صفات سيئة.

فساد سياسي وإنساني

لكن منتقدي كامالا هاريس لا يزالون يربطون بين طريقة وصولها إلى مرحلة الترشح التي قربتها كثيراً من المنصب وأعمال عدة، فبخلاف مسلسل "نائب الريس" الذي دخلت فيه البطلة المكتب البيضاوي صدفة، فإن كلير أندروود (كلير دانس) أصبحت أيضاً رئيسة الصدفة بعد أن فارق زوجها الرئيس الحياة، واشتهرت شخصية فرانك أندروود كمتلاعب وانتهازي متسلق لا يتورع عن القتل وإفساد حياة الآخرين من أجل تحقيق طموحه السياسي الأعمى في مسلسل "هاوس أوف كاردز" الذي بثت أولى حلقاته مطلع فبراير (شباط) 2013، إذ كانت الزوجة تشغل منصب نائب الرئيس وتخفق أيضاً في أن تقدم فترة رئاسية حافلة بالنجاحات، بل كانت أعواماً عاصفة حصدت فيها نتاج الشرور والمؤامرات التي اقتسمتها مع شريكها الراحل، وأظهرت من خلالها وجهاً قاسياً وفشلاً ساحقاً في غالبية الملفات وفي الإيفاء بالوعود، إذ فقدت ثقة الناخبين بسرعة فائقة.

 

 

وعلى رغم النزاهة التي قدمت بها شخصية الرئيسة إليزابيث كين التي جسدتها إليزابيث مارفيل في مسلسل "أرض الوطن"، فإنها لم تستطع حماية منصبها ولا سمعتها ولا حتى استقرار بلادها بسبب افتقادها الذكاء السياسي وحتى الاجتماعي، إذ بنت عداوات كثيرة مع كبار رجال الحكومة لتقع خلافات بينها ورؤساء الهيئات الأمينة في البلاد لتتحول الأوضاع إلى فوضى عارمة وتغادر البيت الأبيض قبل أن تنتهي ولايتها.

كذلك فإن أليسون تايلور رئيسة الولايات المتحدة التي قدمتها شيري جونز في مسلسل "24" تتمتع بحكمة ونزاهة وقدرة على مواهة الصعاب، ولكنها لا تتمكن من الصمود والمواجهة كثيراً، إذ تدخل السجن خلال الموسم الثامن من العمل، وكذلك تدخل ماكينزي ألين التي قدمت دورها جينا ديفيس في مسلسل "القائد الأعلى" لعبة الرئاسة بالصدفة بعد أن يتوفى الرئيس بصورة مفاجئة فتتولى هي المنصب كونها النائب المنتخب له، وتواجه تحديات داخلية متشعبة بسبب عدم ثقة الحزب بكفاءتها في إدارة البلاد ولا بخبراتها السياسية.

عشرات الأعمال العالمية غالبيتها من إنتاج أميركي استعرضت توقعاتهم الدرامية حينما تصل امرأة إلى مقعد الرئيس في البيت الأبيض، مما رسخ مفهوماً شديد السلبية عن تلك الفكرة في الثقافة الشعبية للجماهير، سواء بسبب الفساد السياسي الذي تتمتع به تلك الشخصيات، أو حتى بسبب ميلهن إلى ارتكاب الحماقات وعدم التمتع بالحنكة والانشغال في فاصيل غير مجدية، وهو ما اتضح في مسلسلات عديدة منها "تحية إلى الرئيس" و"الهرب من السجن" و"الفضيحة" و"سوبر غيرل" وغيرها. كذلك كرست مجموعة من الأفلام السينمائية أفكاراً مشابهة تنوعت ما بين الكوميدي والخيال العلمي والدراما السياسية، وبينها "مافيا" و"السماء الحديدية" و"هجوم المريخ" و"قبلات لرئيسي" و"ملائكة ووحوش".

المزيد من فنون