ملخص
تزيد محدودية خبرة هاريس في السياسة الخارجية من أهمية البحث في مواقف مستشارها فيليب غوردون وطريقة تفكيره، إذ يتوقع أن يكون مهندس عقيدتها السياسية في حال فوزها بالانتخابات وذلك بعدما كان المسؤول عن تجهيز نائبة الرئيس للقاءاتها مع أكثر من 150 زعيماً، ومؤتمرات دولية لا حصر لها.
في يونيو (حزيران) 2021 وصف 22 مسؤولاً سابقاً وحالياً في الإدارة الأميركية ومكتب نائبة الرئيس كامالا هاريس جو العمل معها بأنه "غير صحي"، وفقاً لتقرير مطول في مجلة "بوليتيكو"، مدللين بعدد الاستقالات في فريقها، إذ تشير التقارير إلى أنه بحلول يوليو (تموز) 2022 غادر أكثر من 13 من كبار مساعدي هاريس مناصبهم، ومنهم كاتب خطاباتها ومستشار سياستها المحلية.
وفيما تخلى كثيرون عن هاريس التي لم يراهن أحد على قيادتها الحزب الديمقراطي حتى الـ 21 من يوليو الماضي عندما انسحب جو بايدن من الانتخابات، بقي بعضهم إلى جانبها ومن أبرزهم مستشارها للأمن القومي منذ مارس 2022، فيليب غوردون، الذي قد يقطف ثمار إخلاصه لهاريس عبر تولي منصب أرفع، إذ أفاد مسؤولون حاليون وسابقون لصحيفة "وول ستريت جورنال" بأن المرشحة الديمقراطية قد تزيح جيك سوليفان من منصبه كمستشار الرئيس للأمن القومي في حال فوزها في الانتخابات المقبلة، لتمنح هذا المنصب لغوردون.
عقيدة هاريس
ويقول الأكاديمي الأميركي بول سوليفان لـ "اندبندنت عربية" إن هاريس لا تتمتع بخبرة بايدن الدولية التي تمتد لعقود من الزمن، ولذلك ستمضي وقتاً وجهداً كبيراً للتعلم والتفكير في مواقفها، بخاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط، مشيراً إلى أنها تبدو "أكثر تركيزاً على القضايا المحلية وسياسات الهوية".
وتزيد محدودية خبرة هاريس في السياسة الخارجية من أهمية البحث في مواقف غوردون وطريقة تفكيره، إذ يتوقع أن يضع لمساته المميزة ويكون مهندس عقيدتها السياسية في حال فوزها بالانتخابات.
وكان غوردون المسؤول عن تجهيز نائبة الرئيس للقاءاتها مع أكثر من 150 زعيماً، ومؤتمرات دولية لا حصر لها، وإحاطات استخباراتية، وقال مسؤول أميركي كبير سابق لصحيفة "وول ستريت جورنال" "إن نائبة الرئيس تثق به وهو آخر من تتحدث معه قبل أن تصبح آخر من يتحدث مع الرئيس".
الشرق الأوسط
في عام 2021 كان بايدن متحمساً لسحب القوات الأميركية من أفغانستان تمهيداً لما سيعتبره لاحقاً أحد إنجازات إدارته، وهو إنهاء أطول الحروب في تاريخ بلاده، وعلى رغم أن هاريس دعمت قرار بايدن إلا أن غوردون أوصى بالحفاظ على وجود محدود للقوات الأميركية لإبقاء "طالبان" تحت السيطرة، وتجنب أزمة لاجئين وتدهور حقوق المرأة الأفغانية، إضافة إلى مواجهة المنظمات الإرهابية التي قد تعيد ترتيب صفوفها في غياب الوجود الأميركي.
وتكشف معارضة غوردون للانسحاب عن طبيعة علاقته مع هاريس وإمكانية أن تتبنى إدارة هاريس نهجاً ليس بالضرورة مطابقاً لما قد يتبناه بايدن، لكن أية تغييرات تدخلها هاريس على السياسة الخارجية وتحديداً في الشرق الأوسط ستكون محدودة بحسب سوليفان، لأن نائبة الرئيس أسهمت في تطوير سياسات بايدن في الشرق الأوسط ولا يمكنها أن تقول إنها تريد تغيير ما عملت عليه.
وقال الباحث الأميركي إن "هاريس لم تكن واضحة في شأن كثير من قضايا المنطقة، فيما عدا اعترافها الصريح والصادق فيما يبدو بالفلسطينيين ومحنتهم، وأمل ألا يكون هذا فقط للحصول على أصوات الشباب والعرب"، مضيفاً "لقد خسر بايدن كثيراً من أصوات هذه الشريحتين خلال الأعوام الماضية، ويتعين على هاريس أن تناور بحذر نظراً إلى أن السياسات الأميركية في المنطقة غالباً ما تكون أكثر ارتباطاً بالسياسة الداخلية أكثر من ارتباطها بالإستراتيجية الكبرى".
وكان غوردون أحد المؤيدين لضرب القوات الصربية بهدف إخراجها من كوسوفو عام 1999 أثناء خدمته في مجلس الأمن القومي في عهد كلينتون، ثم في عام 2013 أراد المسؤول الأميركي من باراك أوباما فرض "خطه الأحمر"، وحثه على التدخل العسكري بعد استخدام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية.
ومع ذلك فهناك من يصف المسؤول الأميركي بأنه مقاوم للاستخدام الكامل للقوة الأميركية في الخارج، ووصفه بعض الجمهوريين بأنه ضعيف مما يشكل خطراً على واشنطن في الساحة العالمية، مستشهدين بدعمه الاتفاق النووي مع إيران وانتقاده العلني حملة "الضغط الأقصى" التي تبنتها إدارة دونالد ترمب.
ووصف الباحث في مجلس العلاقات الدولية ستيفن كوك مستشار هاريس بأنه "ليبرالي أممي"، أي مؤيد لتعزيز الترابط بين الدول، لكنه أكثر تشككاً مما كان عليه في الماضي، إذ انتقد سياسة تغيير الأنظمة في كتاب نشره عام 2020 بعنوان "خسارة اللعبة الطويلة: الوعد الزائف بتغير الأنظمة في الشرق الأوسط"، إذ ناقش إخفاقات واشنطن في المنطقة مستدلاً بالتدخل في العراق وإطاحة معمر القذافي التي زادت حال عدم الاستقرار في ليبيا، والتدخل المحدود في سوريا الذي خلق مشكلات امتدت إلى أوروبا والولايات المتحدة.
ويرى فرانك لوينشتاين الذي شارك مع غوردون في وساطات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال سنوات أوباما أن تأثيره في خطابات هاريس حول الحرب في غزة واضح، فخلال خطابها أمام المؤتمر الوطني الديمقراطي تعهدت نائبة الرئيس بدعم حق إسرائيل في الدفاع، وفي الوقت نفسه إنهاء الصراع الذي دمر الفلسطينيين.
براغماتية متوقعة
وتصف "وول ستريت جورنال" مستشار هاريس للأمن القومي بأنه براغماتي ومستعد لاتخاذ قرارات مبنية على الحقائق، وهي سمعة ارتبطت به بعد قيادته ملف الشرق الأوسط في البيت الأبيض في عهد أوباما، إذ شهد تعثر الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة للإطاحة ببشار الأسد بعد تدخل روسيا وصعود "داعش".
وأعرب غوردون عن تشاؤمه في أواخر عام 2013 حيال قدرة الولايات المتحدة على إسقاط الأسد، وكان كثيراً ما يخاطر في غرفة العمليات بأفكار غير شعبية، مثل السعي إلى وقف إطلاق النار الموقت في مناطق معينة، وإدخال بعض اللامركزية في الحكم بهدف نزع الشرعية عن الأسد مع مرور الوقت، وبحسب مسؤول سابق فقد لاقت آراؤه آنذاك ردود فعل عنيفة من وزير الخارجية جون كيري والسفيرة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور، مشيراً إلى أن كبار المسؤولين رأوا أن الولايات المتحدة يجب أن تستمر في دعم المعارضة السورية التي يمكنها، بدعم كاف من واشنطن، أن تزيح الأسد خارج دمشق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان غوردون يعتقد أن قوة المعارضة الأصغر حجماً والأقل تجهيزاً لا تضاهي الجيش السوري المدعوم من روسيا، وأن صعود تنظيم "داعش" في نهاية المطاف جعل هزيمته أهم، وأن أي شيء لن يغير ديناميكيات المعركة أقل من دخول أميركا الحرب، وهو ما لم يكن أحد في غرفة العمليات، وبخاصة أوباما، راغباً فيه، وما توصل إليه غوردون أن هناك حدوداً للقوة الأميركية نتيجة لسنوات من فشل التدخلات الأميركية.
وعلى رغم أن مستشار هاريس من دعاة الدبلوماسية فإنه كثيراً ما يتوخى الحذر حيال فرص نجاح المفاوضات، فبينما كان كيري يجوب الشرق الأوسط سعياً إلى التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كان غوردون كثيراً ما يقول للوزير وغيره من المسؤولين في إدارة أوباما إن الجانبين لا يريدان التوصل إلى اتفاق، وبخاصة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لا يرى مصلحة من التصالح مع السلطة الفلسطينية على حد رأيه.
خبير بأوروبا
ويعد غوردون خبيراً بأوروبا، ليس نظرياً في ضوء كتبه وأبحاثه الأكاديمية، بل إن الأميركي المتزوج سيدة من أصل بريطاني أقام في المملكة المتحدة مدة طويلة حيث شغل وظائف تدريسية وبحثية، وتأثر لسانه باللهجة البريطانية، كما عمل في المجال الأكاديمي في فرنسا وقدم أطروحته للدكتوراه في جامعة جونز هوبكنز حول السياسة الأمنية الفرنسية، وساعدته خبرته الأوروبية على تولي منصبي رئيس الشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي في عهد بيل كلينتون، ومساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية بين عامي 2009 و2013.
ويؤمن غوردون بقيم أساسية ومهمة في واشنطن، ومنها تعزيز التعاون مع الحلفاء والدفاع عن السيادة وضمان التدفق الحر لرأس المال، ولا يمانع استخدام القوة لحماية حقوق الإنسان، ويعتبر داعماً لأوكرانيا في حربها مع روسيا لتكريس قيمة سيادة الدول على أراضيها، كما عرف بمعارضته الشديدة لموسكو عندما كان في إدارة أوباما.
وفي عام 2018، أي قبل أربعة أعوام من التوغل الشامل لروسيا في أوكرانيا، كتب مقالة في مجلة "فورين أفيرز" طالب فيها بمزيج سياسات مكون من العقوبات ومكافحة عمليات التضليل في وسائل التواصل، وتسريب معلومات محرجة عن فلاديمير بوتين، من بين خطوات عدة لمواجهة روسيا.
وقال مستشار هاريس في يوليو الماضي إن "دعم الولايات المتحدة للشعب الأوكراني مستمر"، مشيراً إلى أن عدوان روسيا "ليس هجوماً على حياة وحرية الشعب الأوكراني وحسب، بل هو أيضاً هجوم على القواعد والمعايير والمبادئ الدولية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة".
ووصف إيفو دالدر، الممثل الأميركي سابقاً لدى حلف شمال الأطلسي في عهد أوباما والذي يشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لمجلس شيكاغو للشؤون العالمية، غوردون بأنه "خبير مستعد وحقيقي في السياسة الأوروبية والشرق الأوسط"، بينما كتب السفير السابق لدى روسيا مايكل ماكفول بأنه "لا أحد في إدارة بايدن بأكملها يعرف عن أوروبا أكثر من غوردون"، باستثناء بايدن نفسه.
وذكر الصحافي جيمس مان في كتابه "الصراع داخل البيت الأبيض لإعادة تعريف القوة الأميركية" أن غوردون "من جيل الديمقراطيين الذين تعلموا كيفية إدارة السياسة الخارجية خلال تسعينيات القرن الـ 20، وكانوا حريصين على إظهار أن الديمقراطيين ليسوا مجرد مجموعة من دعاة السلام pacifists، بل يفهمون قضايا الأمن القومي وعلى استعداد لاستخدام القوة الأميركية عند الضرورة".
وأفادت مقالة في "مركز تحليل السياسة الأوروبية" بأن هناك أموراً غير معروفة حول السياسة الخارجية المحتملة لإدارة هاريس، إذ تغير كثير خلال الأعوام الأخيرة بعد حرب أوكرانيا وهجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في إسرائيل، ومع ذلك فهناك مؤشرات واضحة على الاتجاه الذي قد يفضله غوردون، فخلال إدارة ترمب عام 2019 نشر مقالة في مجلة الشؤون الخارجية بعنوان "كيف قتل ترمب الحلف الأطلسي: وكيف يمكن للرئيس المقبل استعادته"، وفيها زعم أن ترمب اقتلع بنية الـ "ناتو" التقليدية تاركاً المجال لعلاقة جديدة أكثر تبادلية.
واعتبرت المقالة أن غوردون من بين هؤلاء المفكرين في السياسة الخارجية الذين كانوا يأملون في علاقة أفضل مع الكرملين خلال العقد الأول من القرن الـ 21 وما قبله، لكنهم خلصوا "على مضض" إلى أن "الولايات المتحدة بحاجة إلى مواجهة روسيا بقوة أكبر في مواجهة الأعمال العدوانية الروسية المتكررة".