Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تاريخ معارك عمالقة التكنولوجيا والحكومات: من الفائز؟

يرى متخصصون أن أزمة تعطل نظام تشغيل "مايكروسوفت" قبل أسابيع يمكن تلافيها تشريعياً

 التشريعات الجديدة كانت ولا تزال محل جدال ونزاعات محتدمة بين الحكومات وشركات التكنولوجيا (اندبندنت عربية)

ملخص

لا تزال النزاعات القانونية والتنظيمية العالمية مستمرة حالياً إذ يواجه تطبيق "واتساب" تحديات قانونية في الهند حول سياسة الخصوصية، وتواصل الولايات المتحدة تحقيقاتها ضد "غوغل" في شأن الاحتكار وما زال الاتحاد الأوروبي يجري تحقيقاته بالنسبة إلى "أمازون".

عام 1975 قال العالم باري بوهيم في دراسة له إن قطاع البرمجيات سيستمر في النمو بوتيرة أسرع من الاقتصاد ككل، وفعلاً استمر هذا النمو إلى يومنا هذا، بل بات يتحكم في الاقتصاد العالمي وأصبحت شركات ما سميت "العظماء السبعة" تقود الأسواق المالية، وهذه الشركات هي "ألفابت" و"أمازون" و"أبل" و"ميتا بلاتفورمز" و"مايكروسوفت" و"إنفيديا" و"تيسلا".

خلال العقود الأخيرة، شهد العالم تصاعداً هائلاً في النفوذ والقوة اللذين تتمتع بهما الشركات التكنولوجية الكبرى، وهذا النمو الهائل لم يمر من دون تحديات، إذ دخلت هذه الشركات في مواجهات متكررة مع الحكومات حول العالم، وتراوح هذه الصراعات ما بين قضايا الخصوصية وحماية البيانات ومسائل الاحتكار والرقابة على المحتوى. فما هو تاريخ ومحاور أبرز هذه المعارك؟ وما الأسباب الكامنة وراءها؟ ومن الفائز الحقيقي في هذا الصراع المستمر؟.

قد يلاحظ مستخدم الـ"آيفون الجديد" تغيير منفذ الجهاز إلى "يو أس بي سي"، ثم تليه تغييرات أخرى مثل تمديد دعم البرامج لضمان بقاء الأجهزة صالحة للاستخدام لفترة أطول وتحسين إمكان الإصلاح وتوفير أدلة إصلاح يسهل الوصول إليها وتعزيز جهود الاستدامة باستخدام مواد معاد تدويرها وتغليف صديق للبيئة واتخاذ تدابير خصوصية البيانات وتحسين كفاءة الطاقة، وستتطور سياسات متجر التطبيقات الخاصة بـ"أبل" للسماح بمزيد من المنافسة وخيارات المستهلكين.

 كل هذه وغيرها من التغييرات هي بسبب التشريعات الحالية والتالية من الحكومات والمنظمات الدولية التي كانت وستظل محل جدال ونزاعات محتدمة بين الحكومات وشركات التكنولوجيا.

الاحتكار والممارسات غير العادلة

في بداية القرن الـ20، كانت شركة "أي تي أند تي" تحتكر قطاع الاتصالات في الولايات المتحدة، مما أدى إلى نقص المنافسة وارتفاع الأسعار للمستهلكين، ونتيجة لهذا الاحتكار رفعت وزارة العدل دعوى قضائية ضد الشركة بتهمة انتهاك قوانين مكافحة الاحتكار، ثم في 1982 توصل الطرفان إلى تسوية أدت إلى تفكيك الشركة إلى سبع شركات إقليمية مستقلة تعرف بـ"بيبي بيلز" بهدف تعزيز المنافسة وتحسين خدمات الاتصالات.

تواجه الشركات التكنولوجية الكبرى مثل "مايكروسوفت" و"ألفابت" المالكة لـ"غوغل"، اتهامات متكررة بممارسة الاحتكار والإضرار بالمنافسة العادلة، وعام 1998 رفعت وزارة العدل الأميركية دعوى قضائية ضد "مايكروسوفت" متهمة إياها باستخدام نفوذها في سوق أنظمة التشغيل لفرض متصفح الإنترنت الخاص بها "إكسبلورر"، مما أضر بالمنافسة، وحسمت القضية بتسوية تضمنت التزامات من "مايكروسوفت" لضمان عدم استغلال قوتها السوقية.

 

 

وفي الاتحاد الأوروبي، فرضت المفوضية الأوروبية غرامة ضخمة على "غوغل" بقيمة 2.7 مليار دولار عام 2017 بسبب ممارساتها الاحتكارية في مجال البحث على الإنترنت، واعتبرت أن "غوغل" استغلت سيطرتها على سوق محركات البحث للترويج لخدماتها التجارية على حساب المنافسين.

ويتوقع أن تواجه شركة "غوغل" تغييرات كبيرة في عملياتها التجارية بعدما حكم قاضٍ لمصلحة دعوى مكافحة الاحتكار التي رفعتها وزارة العدل الأميركية، والحكم الذي صدر قبل بضعة أسابيع وجد أن "غوغل" دخلت في ممارسات احتكارية، بخاصة في أعمال البحث والإعلانات، مما قد يؤدي إلى تفكيك بعض خدمات الشركة الرئيسة أو فرض لوائح صارمة أو اتخاذ تدابير أخرى تهدف إلى استعادة المنافسة في السوق، بصورة مشابهة لما حدث في 1982 مع شركة "أي تي أند تي".

الخصوصية وحماية البيانات

أحد أبرز النزاعات التي شهدناها في العقد الأخير كان بين شركة "أبل" ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (أف بي آي) حول فك تشفير جهاز "آيفون" لأحد المشتبه فيهم في حادثة إطلاق نار في سان برناردينو عام 2015.

رفضت "أبل" التعاون لفك تشفير الجهاز، مشيرة إلى أن هذا سيشكل سابقة خطرة تهدد خصوصية جميع مستخدميها، فانتهى الأمر بمكتب التحقيقات بالعثور على طريقة لفك تشفير الجهاز من دون مساعدة الشركة العالمية، لكن النزاع أثار جدلاً واسعاً حول حدود الخصوصية والأمن القومي.

التنظيمات والتشريعات

وشهدت الأعوام الأخيرة موجة من التشريعات الجديدة التي تهدف إلى تنظيم نشاط الشركات التكنولوجية، خصوصاً في ما يتعلق بحماية البيانات الشخصية، من أبرزها قانون حماية البيانات العامة الذي أقره الاتحاد الأوروبي عام 2018 والذي يفرض متطلبات صارمة على كيفية جمع البيانات الشخصية للمواطنين الأوروبيين ومعالجتها وتخزينها، ويمنحهم حقوقاً جديدة مثل الحق في نقل البيانات والحق في النسيان.

 

 

وكان تأثير هذا القانون هائلاً في الشركات التكنولوجية التي تعمل في السوق الأوروبية، إذ اضطر كثير منها إلى إعادة تصميم سياساتها وإجراءاتها المتعلقة بالبيانات لضمان الامتثال للقانون، وعلى رغم الانتقادات المتعلقة بكلفة الامتثال، فإن القانون يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز حماية البيانات الشخصية في العصر الرقمي.

التشريعات المقترحة 

وتستمر الحكومات في اقتراح تشريعات جديدة لتنظيم القطاع التكنولوجي، ففي الولايات المتحدة هناك نقاش متواصل حول قوانين مكافحة الاحتكار وتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، وعام 2020 استُدعي رؤساء شركات "أمازون" و"ميتا" و"أبل" و"ألفابت" للشهادة أمام الكونغرس الأميركي حول ممارساتهم التجارية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتهدف هذه الجلسات والنقاشات إلى استكشاف ما إذا كانت هذه الشركات تستغل قوتها السوقية بطرق تضر بالمنافسة والمستهلكين، وبينما لم تصدر تشريعات جديدة بعد، فإن الضغط يتزايد على الشركات التكنولوجية لإظهار قدر أكبر من الشفافية والمساءلة.

 التجسس والاختراقات

أصبحت قضايا التجسس والاختراقات مصدر قلق كبيراً للحكومات والشركات التكنولوجية على حد سواء، فواحدة من أكثر القضايا شهرة هي النزاع بين الولايات المتحدة وشركة "هواوي" الصينية، إذ اتهمت الحكومة الأميركية "هواوي" بالتجسس لمصلحة بكين واستخدام تقنياتها في شبكات الاتصالات لتحقيق أهداف تجسسية، ونتيجة لذلك تم حظر "هواوي" من السوق الأميركية وتعرضت لضغوط مماثلة في دول أخرى.

تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك" كانت في مركز نزاعات سيادة رقمية أخرى، وعام 2020 هددت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بحظر تطبيق "تيك توك" في الولايات المتحدة، مشيرة إلى مخاوف أمنية تتعلق بملكية التطبيق الصينية وإمكان مشاركة بيانات المستخدمين مع حكومة بكين، ليتجدد هذا النزاع حين فرضت الحكومة الأميركية على "تيك توك" بيع شركته في الولايات المتحدة خلال ستة أشهر.

حرية التعبير والرقابة

تواجه منصات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"إكس" ("تويتر" سابقاً) تحديات كبيرة في موازنة حرية التعبير مع الحاجة إلى الرقابة على المحتوى الضار أو المضلل، فخلال الانتخابات الأميركية 2020 كانت هناك ضغوط كبيرة على هذه المنصات للحد من انتشار المعلومات المضللة والتدخل الأجنبي.

في الوقت نفسه تواجه هذه المنصات اتهامات من بعض الحكومات بأنها تفرض رقابة مفرطة على المحتوى، مما يقوض حرية التعبير، وعلى سبيل المثال اتهمت الحكومة الهندية "إكس" بالتدخل في الشؤون الداخلية بعدما حجبت بعض التدوينات.

التكنولوجيا والرقابة الحكومية

بعض الحكومات تستخدم التكنولوجيا نفسها كوسيلة لمراقبة المواطنين وفرض الرقابة، ففي الصين تستخدم الحكومة نظام "السجل الاجتماعي" لمراقبة سلوك المواطنين ومنحهم درجات بناءً على مدى امتثالهم للقوانين والمعايير الاجتماعية، وهذا النظام يثير مخاوف كبيرة حول حقوق الإنسان والخصوصية.

التأثير الاقتصادي

إن معارك الشركات التكنولوجية والحكومات تؤثر بصورة مباشرة في الأسواق المالية، وعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي إعلان الحكومة الأميركية عن تحقيقات ضد شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تقلبات كبيرة في أسعار أسهم هذه الشركات، والمستثمرون يتابعون هذه النزاعات عن كثب، إذ يمكن أن يكون للقرارات التنظيمية تأثير كبير في أداء الشركات وقيمتها السوقية.

 

 

فشركة "إنفيديا" التي تتصدر المشهد حالياً تأثرت ولا تزال تتأثر بالتشريعات الحكومية، مثل قيود التصدير والقيود التجارية عام 2020 التي حدّت من قدرتها على بيع تقنيات متقدمة مثل وحدات معالجة الرسوميات (جي بي يو) إلى بعض الدول، بخاصة الصين.

وعام 2021، خضعت "إنفيديا" لتدقيق مكافحة الاحتكار، لا سيما مع محاولة الاستحواذ على شركة "آرم" القابضة، مما عرض الشركة لمراجعات تنظيمية طويلة واحتمالية إلغاء الصفقات، وزادت التشريعات البيئية من كلف الامتثال، مما يتطلب عمليات تصنيع أكثر استدامة. إضافة إلى ذلك، فرضت قوانين خصوصية البيانات مثل النظام الأوروبي العام لحماية البيانات في 2018 وقانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا في 2020 استثمارات كبيرة في البنية التحتية للأمن السيبراني وإجراءات حماية البيانات، مما أثر في تطوير الذكاء الاصطناعي والكلف التشغيلية لـ"إنفيديا". وتؤثر هذه اللوائح بصورة جماعية في قيمة الشركة السوقية وكفاءتها التشغيلية وأدائها المالي.

الاستثمار والابتكار

التشريعات والقيود الجديدة يمكن أن تؤثر في قدرة الشركات على الابتكار والاستثمار في التقنيات الجديدة، إذ تخصص الشركات التكنولوجية الكبرى جزءاً كبيراً من إيراداتها للبحث والتطوير، وأي قيود تنظيمية قد تؤثر في هذه الاستثمارات، ومع ذلك فإن هذه التشريعات في المقابل يمكن أن تحفز الابتكار من خلال فرض معايير أعلى للتنافسية والنزاهة.

وخلال الأعوام الأخيرة، شهد العالم تصاعداً في النزاعات بين الحكومات والشركات التكنولوجية الكبرى مع التركيز على تنظيم الممارسات الاحتكارية وحماية الخصوصية، ففي 2022 أقر الاتحاد الأوروبي قانوني الخدمات الرقمية والأسواق الرقمية لتنظيم منصات الإنترنت الكبرى مثل "أمازون" و"غوغل" و"فيسبوك".

وفي الولايات المتحدة، استمرت وزارة العدل ولجنة التجارة الفيدرالية في تحقيقاتها حول ممارسات شركات التكنولوجيا الكبرى، ورفعت دعوى قضائية ضد "فيسبوك" في يونيو (حزيران) 2022 بتهمة استخدام ممارسات احتكارية، أما في الصين فأطلقت الحكومة حملة تنظيمية مكثفة ضد شركات التكنولوجيا المحلية مثل "علي بابا" و"تينسنت"، بينما أقر البرلمان البريطاني قانون الأمان على الإنترنت في 2023 الذي يفرض على منصات الإنترنت إزالة المحتوى الضار وتقديم تقارير منتظمة حول إدارة المحتوى.

وحالياً، تستمر النزاعات القانونية والتنظيمية، إذ يواجه تطبيق "واتساب" تحديات قانونية في الهند حول سياسة الخصوصية، وتواصل الولايات المتحدة تحقيقاتها ضد "غوغل" في شأن الاحتكار، وما زال الاتحاد الأوروبي يقوم بتحقيقاته بالنسبة إلى "أمازون"، ومن المتوقع كذلك أن يدرس الكونغرس الأميركي تشريعات جديدة لمكافحة الاحتكار تستهدف شركات التكنولوجيا الكبرى، بينما يعمل الاتحاد الأوروبي على تطوير قانون لتنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي لضمان استعمالها بصورة أخلاقية ومسؤولة، علماً أن هذه المعارك القانونية والتنظيمية تظل ضرورية لتحقيق توازن بين الابتكار وحماية المستهلكين وتعزيز المنافسة العادلة في السوق الرقمية المتسارعة.

نتائج الصراعات

وفي كثير من النزاعات لا يمكن تحديد فائز واضح، فالشركات التكنولوجية غالباً ما تضطر إلى تقديم تنازلات للامتثال للمتطلبات التنظيمية، في حين تحقق الحكومات أهدافها بفرض القوانين واللوائح.

وفي معظم الأحيان على المدى القصير، تكون الشركات متضررة، أما على المدى الطويل فقد يتحول هذا الضرر إلى فائدة، وعلى سبيل المثال أصبحت القيمة السوقية للشركات السبع المجتمعة في قضية "أي تي أند تي"، أكبر من قيمتها لو ظلت شركة واحدة.

 

 

ومع ذلك، يمكن القول إن الفائز الحقيقي هو المستهلك، إذ تسهم هذه الصراعات في تحسين الشفافية وحماية الخصوصية وتعزيز المنافسة وإتاحة خيارات أكثر وتحسينات في جودة المنتجات وتحفيز الابتكار وخفض الأسعار، وتظل أهمية قضايا الأمان الرقمي والسيادة الوطنية الأولوية الأولى والمحرك الأول لهذه النزاعات.

الحكومات ومواكبة التسارع التكنولوجي

تشير التوجهات المستقبلية إلى زيادة في التشريعات والتنظيمات التي تستهدف الشركات التكنولوجية، ومع تزايد القلق حول الخصوصية والاحتكار، من المتوقع أن تستمر الحكومات في فرض قواعد جديدة، وفي الوقت نفسه ستستمر الشركات في الابتكار والتكيف مع البيئة التنظيمية الجديدة، إلا أن التسارع التكنولوجي سيشكل تحدياً كبيراً للحكومات.

آراء وتوقعات المتخصصين

يرى الدكتور خالد مهدي وهو مسؤول حكومي سابق ومهندس "رؤية الكويت 2035" أن ‏دور الحكومات بصورة عامة هو حماية المستهلك والمنافسة في الأسواق، مما يطلق عليه أحياناً تنظيم الأعمال الموجودة والأنشطة الموجودة في السوق.

ويقول "أحياناً يكون هذا التنظيم صارماً جداً مما يعوق نمو هذه السوق، وأحياناً يترك من غير تنظيم واضح غير كافٍ لحماية المنافسة أو حماية المستهلك، فلهذا تلجأ حكومات عدة إلى تنظيم الأنشطة الاقتصادية عبر قوانين وتشريعات ولوائح تنظيمية تهدف إلى حماية المنافسة والمستهلك".

‏وفي ما يتعلق بشركات التكنولوجيا، يوضح أن وتيرة التطور والابتكار سريعة في هذه الشركات، بخاصة التي تمتلك براءات الاختراع ‏من أجل أن تنمو اقتصادياً وتجارياً وهذه الابتكارات تصطدم بعدم وجود أطر تنظيمية أو تشريعات قانونية، وهذه التكنولوجيا الناشئة وما تسمى في التكنولوجيا أو التقنيات الثورية وتعتبر أساساً للتطور في الأسواق التكنولوجية تتم بصورة متسارعة وعادة ما تعمل خارج اللوائح التنظيمية والقوانين التشريعية الموجودة لعدم وجود ما ينظمها حتى تنشأ الحاجة إلى أن تخلق هناك أنظمة حمائية للمستهلك وللمنافسة.

في الوقت نفسه يجب مراعاة أن تطور هذه التكنولوجيا يستلزم أيضاً مساحة كبيرة جداً من الحرية لتحفيز ابتكارات الشركات وتعزيز نموها الاقتصادي، مما يجعل الحاجة إلى وضع اللوائح بصورة إطارية من أجل السماح لهذه التقنيات بأن تتطور ولكن تظل الحاجة إلى وجود حماية للمنافسة وحماية للمستهلك وهو الدور الذي يجب أن يقع على عاتق الحكومة وهو دور لا تستطيع أن تقوم به من دون التعاون والتنسيق مع الشركات التكنولوجية وأصحاب هذه التكنولوجيا من أجل التنسيق في خلق بيئة عادلة كفيلة أن تحمي المستهلك وتحمي أيضاً المنافسة في السوق وتحفز الابتكار، بحسب مهدي.

‏وعن مدى تضرر الشركات التكنولوجية من اللوائح التنظيمية وممارسات الحكومات، ربط مهدي الإجابة بالنهج الذي تتبعه الحكومة عبر السياسات العامة التي تتبناها في كيفية فرض هذه الحماية، فعادة الدول المتقدمة تلجأ إلى التدرج في فرض الحماية التي لا تعوق النمو الاقتصادي بصور تنظيمات ذات الطبيعة التدريجية أو الأنظمة التشريعية والقانونية ذات الطبيعة المتدرجة بالتنسيق مع الأطراف ذوي العلاقة والمصلحة وهذا يتم في الاقتصادات المتقدمة باعتبار أن الدورة التشريعية في ما يخص الأنشطة المتعلقة بنمو الاقتصاد تكون متجانسة مع فرض القوانين الحمائية.

 

 

وقال "بعض الحكومات تلجأ إلى نهج صارم وخانق مما يتسبب في إضعاف نمو هذا الشركات، فنجد أن الدول التي تسعى إلى جذب الاستثمارات والابتكارات لها والاستثمارات ذات الطبيعة التكنولوجية تلجأ إلى فرض حماية قوانين وتنظيمات أكثر مرونة وتعتبر هذه قيمة مضافة وجاذبة للاستثمار لأيٍّ من هذه الأسواق حتى تلجأ إليها الشركات الناشئة أو الشركات ذات العلاقة بالتكنولوجيا". وختم أن نهج الدول الحاضنة لهذه الشركات هو ما يحدد النفع والضرر لنمو التكنولوجيات الثورية المتقدمة.

على الجانب الآخر، ترى المستشارة القانونية للأعمال والاستثمار السويسرية ميهتاب تاري التي تقدم خدمات التحكيم الدولي إلى الاتحاد الأوروبي، أن الحكومات تبذل الجهود اللازمة لتشكيل أنظمتها القانونية كي تتناسب مع حاجات المجتمع والبيئة الرقمية، وتوضح أن هناك ركيزتين رئيستين في المجال القانوني لتنظيم هذه البيئة، الأولى هي تقييم الأخطار وتشريعات الحظر، والثانية هي التنظيم من أجل ممارسة أفضل في مجال التكنولوجيا، فاليوم لدى معظم الحكومات قوانين تنظم البيئة المذكورة مثل قوانين الذكاء الاصطناعي وحماية البيانات والخصوصية وحقوق الملكية الفكرية والاتصالات والتصدير والتجارة الإلكترونية وحماية المستهلك. وأخيراً أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أيضاً "اتفاقية متعددة الأطراف لمعالجة تحديات الضرائب الناجمة عن العولمة والرقمنة".

بالتوازي مع ذلك، تبذل الحكومات قصارى جهدها لدعم الابتكار من خلال إنشاء شركات التكنولوجيا إلى جانب الجهود التعليمية من خلال الجامعات والدورات المؤسسية لمساعدة الأجيال المقبلة في التكيف مع التكنولوجيا. لذلك، فإن السلطات الحكومية بصفتها صانعة للقوانين تواجه بيئة معقدة ومليئة بالتحديات لكنها ضرورية.

وتعرب ميهتاب عن اعتقادها بأن "الحكومات تتحرك بأسرع ما يمكن مع الحاجة إلى تمكين المجتمع وتعزيز الاقتصاد في حين أن الأنظمة القانونية موجودة لضمان النظام وحماية الحقوق وحل النزاعات، لذلك يحتاج صانعو التشريعات إلى كثير من النقاشات والاقتراحات والمشاورات التي تأخذ وقتاً مع تعقيدات التطورات التكنولوجية الجديدة. حتى إن كانت شركات التكنولوجيا تتحرك أسرع من الهيئات التشريعية، فإنها عملية طبيعية، يمكننا أن نسمي هذا ’نظاماً ملائماً زمنياً‘".

وتقول إن المستقبل مشرق، إذ ستسهل شركات التكنولوجيا وخدماتها ومنتجاتها الحياة وتجلب كثيراً من الحلول لهذا العالم السريع النمو، مؤكدة أننا "نحتاج إلى مزيد من التكنولوجيا لحل مشكلات نقص المياه والكهرباء والتعليم والصحة والمساواة بين المجتمع وأفراده".

 وتفتح التكنولوجيا إمكانات جديدة للدول النامية أو التي في طور النمو، فالمعلومات والمعرفة متاحة بصورة ديمقراطية للجميع. وبطريقة ما، تعتبر شركات التكنولوجيا ضرورية لعالم أفضل وتجني كذلك الهيئات التشريعية جميع الفوائد التي تأتي منها، بالتالي فإن الكيانين من المفترض أن يعملا معاً.

من هنا يتضح أن الصراع بين الشركات التكنولوجية والحكومات هو صراع معقد ومتعدد الأبعاد، ولا يمكن تحديد فائز واضح في هذا الصراع، ولكن يمكن القول إن النتيجة النهائية يجب أن تكون مصلحة المستهلك وحماية حقوقه من خلال التوازن بين التشريعات والتنظيمات والابتكار، ويمكن تحقيق بيئة تكنولوجية مستدامة وآمنة للجميع، وسيظل التحدي الرئيس هو تسارع التكنولوجيا، خصوصاً في عصر الذكاء الاصطناعي وصعوبة مواكبته من قبل الحكومات تشريعياً، فما حدث في يوليو (تموز) الماضي من توقف نظام تشغيل "مايكروسوفت" بسبب شركة "كراود سترايك" قد يمكن تلافيه مستقبلاً عبر فرض الحكومات ضوابط أكثر لضمان استمرارية الأعمال ووضع آليات أكثر صرامة لعمليات التحديث وممارسة مزيد من الحوكمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات