ملخص
مع تزايد القلق في شأن ركود نمو مبيعات الهواتف الذكية تسعى الشركات الكبرى مثل "أبل" و"غوغل" و"سامسونغ" إلى استعادة حماسة المستخدمين من خلال إدخال تحسينات مدعومة بالذكاء الاصطناعي في أجهزتها الجديدة، على أمل أن تعيد هذه التقنية إحياء اهتمام الناس بها
في نظرة إلى الماضي، ربما يتراءى لنا أن الجميع قد سارعوا آنذاك إلى شراء أول هاتف من "آيفون" ولكن الحقيقة كانت مغايرة، في عامها الأول 2007 نقلت شركة "أبل" 1.4 مليون جهاز "آيفون" فقط إلى الأسواق العالمية مقارنة بـ231.8 مليون جهاز حققتها المبيعات خلال العام الماضي. وفي تلك الفترة جاءت بعض التقييمات سيئة وقاسية، إذ اشتكت من أن الجهاز ضعيف ويفتقر إلى خصائص أساس ومهمة.
في الحقيقة، ليس كل من شعر باستياء وعدم رضا عن الهاتف الجديد كان على خطأ. كان الجهاز آنذاك باهظ الثمن بصورة غير عادية إذ كان سعر النموذج الأقل كلفة منه 499 دولاراً، علماً أن كلفة الموديلات التي تصدرها الشركة اليوم تبلغ ضعف هذا المبلغ تقريباً. إلى أن النسخة القديمة من الهاتف لم تحتو أية تطبيقات رقمية أو فيديوهات، ولم تكن مدعومة بخدمة الجيل الثالث من الشبكة الخلوية المتنقلة أو اختصاراً "3 جي" 3G، حتى إن سرعة أدائها كانت شديدة البطء.
ولكن سرعان ما تشكلت لدى المستخدمين حول العالم قناعة في شأن "الآيفون"، بل لنقل في شأن الهواتف الذكية عموماً. وتزامناً مع انتشار هذا الرأي الجديد بالمنتج ظهر إلى السطح أيضاً أسلوب مختلف تماماً من العيش وإنفاق الأموال، الافتراض السائد أن الناس سينفقون مبالغ كبيرة على خطط دفع شهرية ويبتاعون أحدث الإصدارات من الجهاز كل عامين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما زال هذا النمط مستمراً اليوم. وإذ ينجلي الصيف نبلغ منتصف ذروة الدورة السنوية لأعمال الشركات، فقد أطلقت شركتا "سامسونغ" و"غوغل" جهازيهما الجديدين، ومن المقرر أن تطرح "أبل" [سلسلتها الجديدة من هواتف "آيفون"] في غضون أسبوعين (تقول مزاعم إن الشركة ستعقد في هذه المناسبة مؤتمرها للخريف خلال العاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل في ولاية كاليفورنيا الأميركية).
كل عام، تعقد هذه الشركات مؤتمراتها وتكشف عن مجموعة كاملة من الأجهزة الجديدة. ولكن عاماً تلو آخر تبدو هذه الهواتف أقل فرادة إلى حد ما، ذلك أنه مع بلوغ الهواتف الذكية مرحلة التطور المكتمل صار وضع التوقعات في شأنها أكثر سهولة بعض الشيء، كذلك الحال بالنسبة إلى تحديثاتها السنوية.
ربما يبدو المشهد أحياناً كما لو أن كل حلم اجتهدت الشركات في سبيل تحقيقه أضحى حقيقة واقعة الآن، لوح ذكي يتميز بتصميم نحيف إنما في الوقت نفسه متين، ومزود بكاميرات على واحد من جانبيه فيما تلمع شاشة العرض على الجانب الآخر وقد حشرت بينهما الحياة الرقمية الكاملة للمستخدمين.
وفي الجهة المقابلة، يبدو أن رغبات العملاء بالنسبة إلى هذه الهواتف صارت في متناولهم أيضاً. بناء عليه نجد أنه خلال الأعوام الأخيرة انحسر نمو مبيعات "آيفون" بل إنه أخذ اتجاهاً معاكساً في بعض الأحيان، وأظهرت أحدث النتائج الصادرة خلال وقت سابق من الشهر الجاري انخفاضاً بنسبة 1 في المئة على أساس سنوي.
بالعودة إلى عام 2015 عندما كان الإصدار "آيفون 6" الطراز الأحدث ضمن هذه السلسلة من الهواتف، قالت شركة البحوث "آرغوس إنسايت" إن العملاء يعانون ما وصفته بـ"إرهاق التحسينات". وصحيح أن الرسوم البيانية حيث يظهر تزايد المبيعات اللا محدود تمثل ببساطة حقيقة منقاضة لهذا الكلام، ولكنها [الرسوم البيانية] تقيس بصورة عامة عدد الزبائن الذين يشترون الهواتف، وليس حجم حماستهم حيال القيام بذلك.
ولكن هذا العام كانت لدى شركات الهاتف الثلاث الكبرى وشركات غيرها كثيرة خطة جديدة تحمل الناس على الانشغال والانغماس أكثر بأجهزتها، وتتمثل في الذكاء الاصطناعي. وهكذا، كشفت الشركات كافة عن إصدارات مختلفة من تلك التكنولوجيا سواء في نوع التحديثات التي أدخلتها على برمجيات الهواتف أو على الأجزاء الملموسة من الأجهزة [الشاشة والأزرار ومكبرات الصوت والميكروفون والكاميرا والمعالج والبطارية...] علها تجعل حياة الناس أكثر سهولة.
النموذج الجديد من "بيكسل" Pixel [سلسلة الهواتف التي طورتها "غوغل"] مثلاً، مصمم وفق كلام "غوغل" ليتناسب مع "مرحلة جيميناي" Gemini [تسمح بنية الجهاز بإطلاق العنان لإمكانات هذا الذكاء الاصطناعي]، في إشارة إلى الاسم الذي اختارته الشركة لأدواتها المدعومة بالذكاء الاصطناعي. هكذا، سيستخدم "بيكسل" الذكاء الاصطناعي بغية تنظيم اللقطات المأخوذة عن الشاشة (سكرين شوت)، ويسمح لك بإنشاء صور جديدة تماماً أو حتى وضع نفسك فيها، على سبيل المثال لا الحصر.
ارتأت "أبل" بدورها أن تطلق الاسم "أبل إنتليجنس" Apple Intelligence (أي ذكاء أبل) على باقة أدواتها من الذكاء الاصطناعي، ولكنها كانت قائمة على الأفكار نفسها. سيتولى هذا الذكاء تلخيص ما يصلك من تنبيهات ويتيح لك إنشاء رموز جديدة من الرسوم التعبيرية الكرتونية "ميموجي" Memoji، إضافة إلى أنه يجعل من المساعد الذكي المدمج في الهاتف "سيري" Siri أكثر فهماً ونفعاً. "آيفون 16" الجديد الذي من المنتظر إطلاقه في غضون أسبوعين، ربما يجلب معه عدداً أكبر من التحديثات المدعومة بالذكاء الاصطناعي "أبل إنتليجنس".
ولمن لا يعرف أبت "أبل" منذ فترة طويلة استخدام الكلمتين "ذكاء اصطناعي" artificial intelligence في الأساس، كانت تنزع إلى وصف الخصائص التي تتميز بها أجهزتها دونما التطرق إلى طريقة عملها، ثم استخدمت المصطلح الأكثر جدوى في الحقيقة ألا وهو "التعلم الآلي" machine learning، قبل أن تستخدم مدفوعة من المستثمرين ووسائل الإعلام، الكلمة "أي آي" AI [اختصار الذكاء الاصطناعي artificial intelligence]، وإن كان هذان الحرفان يخفيان خلفهما كلمة أخرى.
ويحدو جميع هذه الشركات أمل في أن تكون الميزات التي يتسم بها الذكاء الاصطناعي والهواتف التي ستحمل هذه الخصائص إلى حياتنا، كافية لتستعيد العلاقة التي بنيناها مع أجهزتنا نشاطها مرة أخرى. قبل حلول العام المقبل، لن نعرف ما إذا كانت هذه المحاولة ستجدي نفعاً، أي بعد طرح هذه الهواتف الذكية الجديدة للبيع وصدور البيانات في شأنها.
واللافت في كثير من الميزات الجديدة أنها لا ترمي إلى حمل الناس على صرف مقدار أكبر من وقتهم محدقين في شاشات هواتفهم، ذلك أن العملية التسويقية، في الأقل، تتمحور حول الحرص على استمتاع الناس بحيواتهم، وليس بأجهزتهم. وفي حين يبدو صعباً أن نعرف السبب المحدد الذي قاد إلى الركود في نمو مبيعات الهواتف الذكية، يأتي هذا التغيير في وقت أسقط فيه المستخدمون من حساباتهم على ما يبدو التأثيرات السلبية التي تطرحها الأجهزة بين أيديهم على حيواتهم.
بيد أن الشركات المصنعة للأجهزة تعرف أن قلقاً يعترينا في شأن اتصالنا بأجهزتنا. خلال عام 2018 مثلاً قدمت "أبل" و"غوغل" ميزات جديدة تهدف إلى تشجيع الناس على استخدام أجهزتهما بصورة أقل، وذلك من طريق تتبع حجم وقت يمضيه هذا المستخدم أو ذلك منشغلاً بالتطبيقات الرقمية الموجودة على الهاتف، من ثم حث المستخدمين على إيقاف تشغيلها.
وخلال الأعوام التالية، أصبحت هذه الميزات مدموجة أكثر في المنتجات، وعندما طرحت "أبل" نظارات "فيجن برو" Vision Pro العام الماضي، أشار جزء كبير من الحملة الترويجية إلى حقيقة أنها ستسمح للناس بالتفاعل بصورة أكبر مع العالم، عوض الابتعاد منه.
ربما كانت النظارة تلك بمثابة اعتراف أيضاً بأن التطور المكتمل للهاتف الذكي أدى إلى تركيز جديد على الأجهزة المحمولة التي ستصدر في المستقبل. وقد حاولت الشركات المنافسة الإشارة إلى أن ثورة الذكاء الاصطناعي لن تتحقق من طريق إدخال الذكاء الاصطناعي في أجهزتنا الحالية، بل عبر صنع أجهزة جديدة تماماً.
ولكن صعوبات كبيرة وقفت صداً منيعاً أمام محاولات ابتكار هواتف جديدة. الجهازان الذكيان مشبك "هيومان" Humane [يمكن التحدث إليه وطرح الأسئلة وفي مقدوره مثلاً ترجمة اللغات وتحويل أسعار العملات] و"رابيت آر 1" Rabbit R1 [جهاز بحجم كف اليد يمكنه أن يتعلم كيفية استخدام التطبيقات نيابة عنا وهو قادر على الإجابة عن الأسئلة وطلب سيارة أجرة مثلاً] حاولا أن يدمجا الذكاء الاصطناعي في جهازين مخصصين وقد تعرضا لانتقادات شديدة من النقاد، حتى نظارات "ميتا" الذكية الأفضل شهرة منهما لم تدخل بعد في الاتجاه السائد. ولعل السبب أن الذكاء الاصطناعي لا يرقى إلى مستوى هذه المهمة، أو لأن هواتفنا الذكية تبقى الأفضل على الإطلاق. وعلى رغم كل الشكاوى التي تقول إننا قد مللنا منها، لا يبدو أن الناس يولون اهتماماً كبيراً بأي جهاز ربما يحل محلها.
ربما تتلخص المشكلة المركزية التي تشغل بال كل الشركات المصنعة للأجهزة اليوم في التالي، إذا كانت لدى الناس شكون ما في شأن هواتفهم الذكية، فهي أنها ممتعة جداً ومن ثم فإن أية تحسينات تهدف إلى جعلها أكثر إثارة للاهتمام تمثل بشرى وتهديداً في الوقت نفسه.
وعلى رغم كل شيء ما زلنا نحب هواتفنا. ولكن هذه الحقيقة لن تحول دون أن تسعى بعض أكبر الشركات في العالم إلى حملنا على الوقوع في حبها مرة أخرى هذا العام، مستعينة بالذكاء الاصطناعي.
© The Independent