Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يكنى "تيليغرام" بـ"منصة النازيين"

التطبيق يوفر "مساحة آمنة" و"منصة مهمة" للعنصريين والفاشيين وأشباههم

أسس بافيل دوروف "تيليغرام" عام 2013 (أ ب)

ملخص

"تيليغرام" يُطلق عليه "منصة النازيين" لأنه يُستخدم كمساحة آمنة للعنصريين والفاشيين لنشر محتويات متطرفة وغير قانونية. على رغم جهود بعض الشركات لإزالة المحتوى الضار، إلا أن "تيليغرام" تحت قيادة بافيل دوروف يتجنب الرقابة، مما يجعله ملاذاً للمتطرفين

مهما حاولنا، لا يمكن لأحدٍ بمفرده أن يطهر وسائل التواصل الاجتماعي من المحتوى السلبي والمتطرف. وقد نسعى جاهدين لتنقية المحتوى الذي نراه، ولكن من المستحيل أن نحصن أنفسنا تماماً، ولذا، تقع على عاتق المشرفين في الموقع مسؤولية إزالة المحتوى غير القانوني أو الذي ينتهك قواعد المنصة - وعادة ما يكون كلاهما.

ففي غياهب هذه المنصات، تظهر صور القطط البريئة إلى جانب المشاهد الفظيعة لقطع الرؤوس، وتتنافس فيديوهات "مستر بيست" المسلية مع دعوات المتطرفين إلى القتل. إنها بيئة مظلمة تنتشر فيها بحرية مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال، والعنصرية البغيضة، والتطرف الأيديولوجي المقيت، والتحريض على الإرهاب. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أصبحت هذه المنصات مرتعاً للتنمر والمضايقات وانتهاك الخصوصية، بما في ذلك "الابتزاز الجنسي" الذي يستهدف المراهقين الأبرياء. لقد تحول "المجتمع" الرقمي إلى ساحة للإجرام المتفشي.

وفي خطوة تستحق الإشادة، بادرت بعض شركات التكنولوجيا العملاقة بتوظيف آلاف المشرفين للتصدي لطلبات إزالة المحتوى المتطرف أو الخطير، سواء كانت تلك الطلبات واردة من جهات خاصة أو منظمات غير حكومية أو حكومات. وعلى رغم أن هذه الخطوة تمثل بداية إيجابية، إلا أنها لا تزال قاصرة عن تحقيق الهدف المنشود.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المقابل، نجد أن منصات أخرى ومالكيها يتخذون موقفاً متحدياً، رافضين الانصياع لمثل هذه المطالب. وبينما قد يتبادر إلى الذهن اسم "تويتر"/ "إكس" ومالكه إيلون ماسك كمثال على هذا الموقف، إلا أن صاحب العرش الحقيقي لمذهب حرية التعبير المطلقة يحتله بافيل دوروف، البالغ من العمر 39 سنة، والذي يحمل جنسيات متعددة؛ روسية وإماراتية وسانت كيتس ونيفيس وفرنسية.

وقد اكتسب دوروف - الذي يخضع للتحقيق الرسمي ويُمنع من مغادرة فرنسا منذ اعتقاله يوم الأحد (25 أغسطس/ آب] - شهرته في حقبة من الرقابة الحكومية الشديدة. ففي عام 2006، أسس موقع فكونتاكتي Vkontakte [وتعني حرفياً: على تواصل]، وهي النسخة الروسية من "فيسبوك"، وغادر البلاد بعد ثماني سنوات بعد رفضه تسليم بيانات المستخدمين إلى أجهزة بوتين.

وأعلن صراحة أن "البلاد غير ملائمة لقطاع أعمال الإنترنت في الوقت الحالي"، معلناً عزمه على تأسيس "شبكة تواصل اجتماعي جديدة عبر الهاتف المحمول". وسرعان ما وجد هو وشقيقه نيكولاي ملاذاً في جزيرة سانت كيتس ونيفيس، حيث منحهم "تبرع" واحد بقيمة 250 ألف دولار (189 ألف جنيه استرليني) فرصة الحصول على جوازات سفر، وحرية الترحل.

ولدت "تيليغرام" من رحم هذا الصراع المحتدم بين دعاة "الرقابة" (أو كما يحلو للبعض تسميتها "المساءلة") وأنصار "حرية التعبير المطلقة". وبعد عقد من الزمان، تحولت هذه المنصة إلى إمبراطورية رقمية تضم قرابة مليار مستخدم حول العالم، يديرها فريق هندسي محدود للغاية لا يتجاوز 30 فرداً. أما عدد المشرفين على المحتوى، فيُقدر بأنه لا يتجاوز مشرفاً واحداً لكل 50 مليون مستخدم، وربما أقل من ذلك. وفي نهاية المطاف، كانت البيئة الرقمية الحرة وغير المقيدة هي الميزة التنافسية التي يتفرد بها "تيليغرام".

لقد كرستُ حياتي لدراسة التطرف اليميني، وهناك إجماع واسع بين الخبراء والمستشارين في مجالي على أن "تيليغرام" تُوفر "مساحة آمنة" و"منصة مهمة" للعنصريين والفاشيين وأشباههم. ويؤكد مطلعون بسرور أن سياسة "تيليغرام" المتساهلة في التعامل مع المحتوى لطالما اعتُبرت بمثابة الكناري المحتضر في منجم الفحم [أي إشارة تحذير مبكرة لخطر داهم]. ولم يُطلق عليها لقب "فيسبوك اليمينيين" من فراغ.

وعلى سبيل المثال، في عام 2020، أطلقت مجموعة من مستخدمي "تيليغرام" على أنفسهم اسم "جماعة تيروغرام" Terrogram collective [في مزج لكلمتي "تيليغرام" و"إرهاب" بصيغتيهما الإنكليزية]، وقاموا بنشر مئات الصفحات من البيانات النازية الجديدة الصريحة، والتي تحرض على القتل والإبادة الجماعية والعنصرية العنيفة بشكل لا يمكن تصوره (وأنا على يقين مما أقول). ولم يقتصر هذا التحريض وتمجيد الإرهاب على العالم الافتراضي، بل امتد إلى أرض الواقع، بالطبع.

وبحلول أواخر عام 2022، اتُهمت جماعة "تيروغرام" بإلهام عمليتي إطلاق نار جماعي منفصلتين في براتيسلافا، سلوفاكيا، وأراكروز، البرازيل. وقد ترك قاتل براتيسلافا بياناً من 65 صفحة يبدأ بالجملة التالية التي تكشف عن هويته: "إنهم اليهود. إنهم اليهود. إنهم اليهود". وبعد أن قتل شخصين من مجتمع الميم أمام حانة، تم الترحيب به كأول "قديس" لـ "تيروغرام".

وبعد أسابيع قليلة من إصدار "تيروغرام" ما أسمته بـ"فيلمها الوثائقي" الأول، والذي لم يكن سوى مهرجان دموي مدته 24 دقيقة يمجد 105 "قديسين" فاشيين، وُصفوا بأنهم "قتلة أيديولوجيون للأبرياء"، تحولت الكراهية الرقمية إلى مأساة حقيقية في أراكروز. وفي 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، أطلق مراهق يبلغ من العمر 16 سنة النار في مدرستين، مُزهقاً أرواح أربعة أشخاص وإصابة 14 آخرين. كان القاتل يرتدي زياً من صنع يده يحمل شارة الصليب المعقوف وقناعاً على شكل جمجمة. وضمت قائمة الضحايا الأبرياء سيلينا زاغريلو، الطالبة المتفوقة التي لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها وهي أصغر ضحية سناً في هذا الهجوم.

لم يكن رد فعل "تيليغرام" على هذه الأحداث إلا الرفض والتجاهل. ففي البرازيل، رفضت الشركة تسليم بيانات حول خلايا النازيين الجدد التي تزدهر على منصتها، مما أدى إلى حظر قصير الأمد على التطبيق في العام الماضي. وفي أبريل (نيسان) من هذا العام، أصبحت بريطانيا أول دولة في التاريخ تحظر مجموعة عبر الإنترنت، مما جعل الانتماء إلى "جماعة تيروغرام" أو الدعوة إلى دعمها جريمة جنائية، يُعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 14 عاما.

وبعد أشهر قليلة من إعلان بريطانيا الحرب على "جماعة تيروغرام" المتطرفة، جاء الدور على فرنسا للتصدي للـ"تيليغرام" ومؤسسها بافيل دوروف. ففي خطوة مفاجئة، تم اعتقال دوروف فور وصوله إلى مطار لو بورجيه نهاية الأسبوع الماضي، ليقضي ثلاثة أيام رهن الاحتجاز قبل إطلاق سراحه أمس تحت الإشراف القضائي، وذلك بعد دفعه كفالة قدرها 5 ملايين يورو (ما يعادل 4.2 مليون جنيه استرليني) - وهو مبلغ يعد نقطة في بحر ثروته التي تتجاوز 10 مليارات جنيه استرليني. ولا يزال يخضع للتحقيقات في فرنسا بتهم تشمل "التواطؤ" في أنشطة إجرامية مثل تجارة المخدرات، وبيع الأسلحة، والمواد الإباحية للأطفال، والإرهاب.

وقد تتجاوز تداعيات ما سيحدث في قضية "تيليغرام" أي حدث شهدناه منذ إقرار القانون الأميركي لآداب الاتصالات عام 1996 (ولا سيما الفقرة 230 التي تعتبر شركات الإنترنت مجرد مواقع مستضيفة "حسنة النية" وليست "أداة نشر" خاضعة للمعايير المطبقة على جميع أشكال الإعلام الأخرى). نعم، الأمر بهذه الخطورة.

وفي تقديري الشخصي، أعتقد أن دوروف سيخرج حراً بحلول عيد الميلاد [25 ديسمبر/ كانون الأول]. وكما هو معلوم، لا يبدو أن هناك معاهدة لتسليم المجرمين بين فرنسا وسانت كيتس ونيفيس (وهي دولة من دول الكومنولث في منطقة البحر الكاريبي يبلغ عدد سكانها أقل من 50 ألف نسمة). لكن القضية ليست مجرد مسألة قانونية أو حتى مصير "تيليغرام". فنموذجها قابل للتكرار بسهولة في المستقبل من قبل منصة أخرى (على رغم أن تغييرات كبيرة تلوح في الأفق بالتأكيد في هذه الأثناء).

لا يكمن جوهر قضية "تيليغرام" في مصير دوروف القانوني، بل في السؤال الجوهري الذي تطرحه: من يملك السلطة الأكبر، الدول أم الشركات الخاصة؟ فحتى دول بحجم أستراليا اضطرت للتكيف مع عمالقة التكنولوجيا مثل "ميتا" و"غوغل". فأين يضع ذلك ميزان القوى والسيطرة والنفوذ في عالمنا المعاصر؟

يُبرر اعتقال دوروف بأنه نتيجة للتشريعات الأوروبية الأخيرة، مثل قانون الخدمات الرقمية واللوائح المتعلقة بالمحتوى الإرهابي عبر الإنترنت. ومع ذلك، لا يحتوي أياً منها على أحكام تتيح توجيه اتهامات جنائية. وفي الواقع، لا يوجد في فرنسا تشريع لتجريم أباطرة التكنولوجيا "المتواطئين" المحتملين عندما تتجاوز منصاتهم الحدود إلى عالم الإجرام.

وأمام بريطانيا فرصة تاريخية لقيادة العالم في مواجهة تحديات التطرف الرقمي. وعلى رغم إقرار قانون السلامة على الإنترنت العام الماضي، إلا أن أعمال الشغب الأخيرة، التي لعبت فيها "تيليغرام" دوراً لا يستهان به، دفعت حكومة كير ستارمر الجديدة لإعادة النظر في "صلاحيات القانون". وفي أعقاب اعتقال دوروف، لا بد أن يشمل هذا إعادة النظر في إمكانية مساءلة إدارة منصات التواصل الاجتماعي عن الأنشطة الإجرامية التي تحدث عليها.

وبإعادة النظر في قانون السلامة على الإنترنت وتشديد توصياته، يمكن لبريطانيا أن تكون أول دولة تعلن صراحة أن الدول هي التي يجب أن تمتلك سلطة تنظيم الشركات الخاصة، وليس العكس. يجب أن يشمل ذلك الشركات العابرة للحدود وأباطرة التكنولوجيا.

بإمكاننا أن نكون السباقين في ضمان أن تكون لوائح الاتهام الجنائية قوية وفعالة في تحقيق العدالة. وبمناسبة الحديث عن العدالة، لدينا بالفعل معاهدة لتسليم المجرمين مع سانت كيتس ونيفيس...

© The Independent

المزيد من آراء