ملخص
ظاهرة البلوغ المبكر بين الأطفال في ارتفاع ملحوظ وجائحة كورونا لعبت دوراً في ذلك. كيف يتدخل الأهل لمواجهة هذه الحالة المقلقة التي لها آثار سلبية على الطفل على الصعيدين النفسي والجسدي؟
يلاحظ الأطباء في عياداتهم أخيراً ارتفاعاً مقلقاً في معدلات البلوغ المبكر بين الأطفال، من فتيات وأولاد. فإذا كان البلوغ المبكر الذي لا سبب مرضياً له أكثر شيوعاً سابقاً بين الفتيات، بات شائعاً بين الصبيان أيضاً لأسباب عدة. لهذه الحالة تداعيات لا يمكن الاستهانة فيها، ومن الضروري أن يحرص الأهل على التدخل في الوقت المناسب عبر اتخاذ الإجراءات اللازمة، منها طبية ومنها يرتبط بنمط الحياة. وكما يبدو واضحاً، أن تداعيات جائحة كورونا التي ظهرت آنذاك، لم تشكل إلا جزءاً بسيطاً من كل ما ترتّب عنها وقد ظهر لاحقاً، ومنها البلوغ المبكر.
بلوغ الفتيات أولاً
تدخل الفتيات في مرحلة البلوغ عادة في سن ثماني سنوات وتستمر هذه المرحلة حتى عمر 13 سنة. أما الأعراض الأولى التي يمكن ملاحظتها عندها فهي نمو الثديين، ويسبق ذلك نمو الشعر، ورائحة التعرق، ونمو الشعر في الأعضاء التناسلية أو تحت الإبط، وبداية الدورة الشهرية، وكل الأعراض الباقية تأتي لاحقاً، وفق ما توضحه الطبيبة الاختصاصية في أمراض الغدد الصم والسكري لدى الأطفال ليندا محفوظ. ويتحدد موعد بداية الدورة الشهرية انطلاقاً من موعد نمو الثديين، فيأتي بعد 18 إلى 24 شهراً منه، وبالنسبة للصبيان، هم يصلون إلى مرحلة البلوغ بعد الفتيات، وتحديداً بين عمر تسع سنوات و14 سنة، وأول المؤشرات تكون في زيادة حجم الخصيتين لدى الصبي. وسواء بالنسبة للصبي أو الفتاة، يحصل البلوغ على إثر ارتفاع مستويات الهرمونات التي لها علاقة بالغدة النخامية، فترتفع مستويات التيستوستيرون لدى الصبي والأوستراديول لدى الفتاة.
عندما يكون البلوغ المبكر مقلقاً
أي بلوغ يسبق الموعد الطبيعي يعتبر مبكراً، ويتحدد ذلك على أساس ظهور المؤشرات قبل سن ثماني سنوات لدى الفتاة، ما يجعلها عرضة لبداية الدورة الشهرية في سنّ مبكرة أيضاً، أي قبل عمر تسع سنوات. كذلك في حال البلوغ المبكر لدى الصبي، تحصل زيادة في حجم الخصيتين في مرحلة مبكرة. وتوضح محفوظ أن البلوغ المتأخر وارد أيضاً، ويحصل ذلك عندما يتأخر البلوغ إلى ما بعد عمر الـ 13 سنة للفتيات و14 للصبيان، ولا تظهر المؤشرات. "في السابق، أي قبل نحو 20 سنة من اليوم، كان متوسط عمر البلوغ هو تسع سنوات أو تسع سنوات ونصف السنة لدى الأفريقيات، وتسع سنوات ونصف السنة إلى 10 سنوات لدى الفتيات اللواتي لهنّ بشرة بيضاء. كما كانت الدورة الشهرية تبدأ في عمر 12 سنة ونصف السنة تقريباً. أما الآن فنلاحظ في عياداتنا انخفاضاً في عمر البلوغ، مع كل ما لذلك من تداعيات سواء على الصعيد النفسي أو الجسدي. فيبدو أن البلوغ يحصل في عمر ثماني سنوات ونصف السنة مع بداية الدورة الشهرية في عمر 10 سنوات أو 10 سنوات ونصف السنة. وهناك عدد متزايد من الحالات على مستوى العالم ككل. وينطبق ذلك أيضاً على بلوغ الصبي مع ظهور أول مؤشراته في سن مبكرة. هذا ما يبدو واضحاً من أربع سنوات إلى اليوم تقريباً من الحالات التي نراها في عياداتنا، وهي زيادة مقلقة لا يمكن الاستخفاف بها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كورونا وأسباب أخرى
كما يبدو واضحاً، ليس "كوفيد-19" بذاته السبب وراء انخفاض سن البلوغ بين الأطفال، إنما مما لا شك فيه أن انتشار الجائحة لعب دوراً مهماً في ذلك، إذ فرض انتشار الفيروس نمط حياة غير صحي بشكل عام يغلب عليه الركود، وقلة ممارسة الرياضة، واتباع نظام غذائي غني بالدهون والوحدات الحرارية، كما لوحظ ارتفاع واضح في معدلات السمنة على إثر ذلك، ما يؤثر على مرحلة البلوغ حكماً ويسبب اضطرابات فيها.
من جهة أخرى، تشير محفوظ إلى عوامل أخرى يمكن أن تكون قد لعبت دوراً كالتلوث، وزيادة المواد الحافظة في الأطعمة التي يفرط الأطفال في تناولها، والتركيز على الأطعمة المصنعة "فهذه العوامل تؤثر إلى حد كبير في الهرمونات وتسبب خللاً فيها، إضافة إلى قلة الحركة والجلوس أمام الشاشات لساعات طويلة، كما حصل مع انتشار فيروس كورونا. فقد حصل في فترة انتشار الجائحة فوضى على مستوى الأكل والرياضة. وأجريت دراسات كثيرة في هذا المجال، شددت على تحديد فترات جلوس الأطفال أمام الشاشات وأخطار قلة ممارسة الرياضة. فهناك فرق لافت في هذه الحالة، وهذا ما تسبب في حصول تغيير كبير بعد انتشار فيروس كورونا".
من جهة أخرى، ثمة أسباب أخرى مرضية يمكن أن تسهم في البلوغ المبكر. ولكشف ذلك، يجرى للصبي أو الفتاة فحص دم، وصورة صوتية، وأحياناً صورة بالرنين المغناطيسي للغدة النخامية. علماً أنه قبل سنوات من اليوم، كانت نسبة 80 في المئة من حالات البلوغ المبكر، تسجّل بين الفتيات من دون سبب مرضي، أما اليوم فيلاحظ أيضاً بلوغ مبكر من دون سبب مرضي بنسبة عالية بين الصبيان، وإن كان البلوغ المبكر من دون سبب مرضي أقل شيوعاً بين الصبيان في السابق.
نتائج لا يمكن الاستخفاف بها
حصول البلوغ المبكر لا يخلو من التداعيات على الصعيدين النفسي والجسدي، فهي مسألة لا يمكن التهاون بها والتعامل معها باستخفاف. فعلى الصعيد النفسي، تسبب بداية الدورة الشهرية في عمر مبكر ضغطاً نفسياً على الفتاة، فتكون مضطرة إلى التعامل مع هذا التغيير في سن مبكرة، وهي لا تزال غير مستعدة، عندها، هي تكبر قبل الأوان ويتغير شكل جسمها، يضاف إلى ذلك أن الضغوط كثيرة في فترة المراهقة التي تعتبر مرحلة دقيقة أصلاً تكثر فيها الأسئلة التي يطرحها المراهق في مرحلة قبول التغيير الحاصل في جسمه ورفض تقبل الذات، وتشعر عندها الفتاة أنها كبرت فجأة وبسرعة، يضاف هذا الضغط النفسي إلى الضغوط المرافقة لمرحلة المراهقة، وللدورة الشهرية تأثير كبير هنا على الطفل وأهله. بالنسبة للصبي أيضاً، يتأثر نفسياً إلى حد كبير بنموه وازدياد طوله بشكل سريع وزائد بالمقارنة مع رفاقه، حتى أنه بسبب البلوغ المبكر، يصل الصبي كما الفتاة، إلى الطول الأقصى في مرحلة مبكرة، بما أن الهرمونات تؤدي إلى نمو سريع في العظام فيخسر من الطول النهائي الذي كان من المفترض أن يكون عليه.
انطلاقاً من ذلك، من الضروري أن يتدخل الأهل في الوقت المناسب لدى ملاحظة أول مؤشرات البلوغ في سن مبكرة لدى الطفل، كبروز رائحة التعرق، أو نمو الثديين لدى الفتاة والخصيتين لدى الصبي، واستشارة الطبيب المختص لتقويم الوضع، وتحديد الأسباب، والتدخل علاجياً بالشكل المناسب للحد من هذا النمو إلى أن يحين موعده الطبيعي. فثمة حالات كثيرة من الممكن التدخل لمعالجتها لتأخير البلوغ. ولدى الفتاة بشكل خاص، يمكن الاستناد إلى الفرق في الرحم، والمبيض، والهرمونات، ونمو العظام حرصاً على الطول النهائي وعلى حالتها النفسية. من جهة أخرى، من المهم اتخاذ إجراءات معينة تساعد على مواجهة هذه الظاهرة عبر توجيه الطفل نحو العادات السليمة:
-التركيز على نمط حياة صحي يعتمد فيه الطفل نظاماً غذائياً صحياً قليل الدسم والسكريات والمقليات والنشويات.
-تجنب البدانة.
-التركيز على ممارسة الرياضة بانتظام.
-اختصار الأوقات أمام الشاشات والحد منها.