ملخص
اعتبر المتخصص في مجال العلوم السياسية حاج بشير جيدور أن تجربة الإسلاميين في ممارسة النشاط السياسي في الجزائر تعد باهتة وغير مقنعة وقد ترقى لأن توصف بالتجربة الهلامية.
لم تتمكن الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي في الجزائر من اتخاذ قرار موحد بخصوص الانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من سبتمبر (أيلول) الجاري، إذ تفرقت بهم السبل بين مؤيد ومقاطع للاستحقاق، وبين داعم ومتمسك في ما يتعلق بالمترشحين.
وفشل التيار الإسلامي في بلورة موقف "إجماع" بخصوص الانتخابات الرئاسية التي أعلن عنها الرئيس عبدالمجيد تبون، إذ أبدت فئة ترحيبها وانتقدت ثانية تنظيمها في وضع "غير مريح"، وبينهما قاطعت ثالثة الخطوة، وفي النهاية أخفقت أحزاب التيار التي أعلنت مشاركتها في الالتفاف حول قرار واحد.
وسارعت حركة البناء الوطني بقيادة الوزير السابق عبدالقادر بن قرينة، إلى الكشف عن موقفها منذ الوهلة الأولى بدعم المترشح المستقل تبون، كما جددت حركة الإصلاح، في بيان لها، موقفها الداعم لترشح تبون لخوض غمار الرئاسيات، مؤكدة عزمها على حشد الدعم الشعبي اللازم لصالحه، وهي القرارات التي لا تعد مفاجئة بالنظر إلى سوابق الحزبين.
وبينما فضل أكبر حزب إسلامي في البلاد، حركة مجتمع السلم، دخول سباق الرئاسيات بمرشحها ممثلاً في رئيسها عبدالعالي شريف حساني، الذي وجد دعماً من التيار عبر حزب حركة النهضة لزعيمها محمد دويبي، اختارت جبهة العدالة والتنمية ورئيسها عبدالله جاب الله، الاستمرار في "الصمت" ومقاطعة الانتخابات، مما أفرز وضعاً سياسياً إسلامياً منقسماً بين إسلاميي السلطة والمعارضة.
وفي تصريحات لتبرير موقف المشاركة بمرشحها أشار نائب رئيس حركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش إلى أن موقعها في المعارضة مع غياب مرشح توافقي يفرض المنافسة والتدافع الانتخابي بالمرشح حساني، مضيفاً أن التنافس الرئاسي يجسد الحفاظ على سيادة الحركة واستقلالية قرارها وتوسيع قاعدتها الشعبية، علاوة على انسجامها مع مبررات تأسيس الأحزاب، والتعددية على أساس الأفكار والبرامج والرجال من أجل الوصول إلى الحكم عبر الإرادة الشعبية.
في المقابل اعتبر حزب حركة البناء على لسان رئيسه عبدالقادر بن قرينة دعم تبون إنما هو "الخيار القوي الذي ترافقه تحالفات نخب سياسية تدرك بأنه رجل يحظى بدعم شعبي واسع، وذلك "بفضل مساره في بناء الجزائر الجديدة". وأضاف أنه "رشح تبون لأهداف سياسية بحتة منها انسجام مؤسسات الدولة في أداء أدوارها والتخفيف من معاناة الفقراء والمحافظة على الاستقرار، وكذلك دعم القضايا العادلة على غرار قضية الشعبين الشقيقين الفلسطيني والصحراوي". ونفى صحة وجود أهداف أو مصالح حزبية، كما يدعي المشككون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السياق قال عضو المكتب الوطني لحركة النهضة أسامة بوغازي في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن قرار الحزب الذي ينتمي إليه تزكية المترشح حساني شريف عبدالعالي يرجع إلى أسباب عدة تتعلق بالتقارب في المرجعية الفكرية والسياسية، وفي شخص المترشح في حد ذاته، وهو الشخصية المتزنة والواعية والذي تدرج في المسؤولية داخل الحزب وخارجه.
وأكد أن حركتي النهضة ومجتمع السلم من كبرى الحركات ذات التوجه الإسلامي المعتدل والوسطي، وتتقاسمان التحليل نفسه للوضع الراهن في الجزائر، بخاصة فيما يخص التراجع الملحوظ في الحريات الفردية والجماعية بعد حراك 22 فبراير (شباط) 2019، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن، من بين أبرز ما جعل "النهضة" تتخذ هذا القرار.
ورأى بوغازي أن الانتخابات الرئاسية فرصة حقيقية للتغيير وإعطاء فرصة للشعب من أجل التعبير الحقيقي عن طموحاته وتحسين مستقبله في ظل ما اتفق عليه في بيان الثورة التحريرية من إقامة دولة ديمقراطية اجتماعية ذات سيادة في ظل المبادئ الإسلامية.
تجربة باهتة
وفي قراءة لخلفيات هذا التباين السياسي اعتبر المتخصص في مجال العلوم السياسية حاج بشير جيدور أن تجربة الإسلاميين في ممارسة النشاط السياسي في الجزائر تعد باهتة وغير مقنعة وقد ترقى لأن توصف بالتجربة الهلامية. وقال إنه ومن أجل فهم علاقة الحزب الجزائري ذي التوجه الإسلامي بالحراك السياسي يجب إعادة توضيح ثلاثة اعتبارات رئيسة، الأول مرتبط بأقدمية وحداثة التجربة، لأن النظام السياسي في الجزائر كان قد أغلق اللعبة السياسية غداة الاستقلال على كل الفواعل، واحتكرت ساحة العمل السياسي لمصلحة فصيل واحد، بالتالي فإن الإسلاميين ليسوا قديمي عهد بالممارسة السياسة. أما الثاني فهو حركية رد الفعل المتسرع، ذلك أن جل التنظيمات الإسلامية التي انشغلت بالسياسة جاءت في إطار رد فعل ثنائي متسرع، ففي المقام الأول رد فعل على فتح السلطة للعمل السياسي التعددي بموجب دستور 23 فبراير 1989، ورغبتهم في التموقع بالساحة العذراء وإيجاد موطئ قدم لهم، وفي المقام الثاني رد فعل على تعاظم صورة حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المنحل، غداة تشكيله وخوفهم من اكتساحه الساحة وبقائهم خارج إطارها، فتسارعوا إلى تحويل منصات العمل الجهوي والخيري إلى أحزاب منها "النهضة" وحركة المجتمع الإسلامي.
ويرتبط الاعتبار الثالث بالصراع الأيديولوجي داخل المعين الإسلامي والتنافس حول الأحقية بعباءة "الإخوان المسلمين". يضيف جيدور الذي أبرز أنه كان هناك صراع غير معلن داخل الرابطة الإسلامية ذاتها، والتي كانت تؤوي جميع الطيف الإسلامي، وهو صراع حول من يحق له تمثيل تنظيم الإخوان في الجزائر، فكان في هذا الصراع منعكس لحالة التشرذم والتشظي في صفوفهم اليوم، موضحاً أنه من خلال هذه الاعتبارات يمكن النظر إلى هذا التفرق بينهم في النظر إلى الظاهرة الانتخابية بصورة واضحة، بل يصبح الحكم عليها أقرب إلى الواقعية.
أشار المتخصص في مجال العلوم السياسية إلى أن هناك جزئيتين اثنتين يجب التوقف عندهما، الأولى كونهم حديثي العهد لا يمكن أبداً التعاطي معهم كمؤهلين لتبوء دور قار وصلب، أو على أنهم نواة سياسية قوية لها قدرتها على رسم الواقع وتلوينه، لذلك يمكن ببساطة فهم أول جزئية من جزئيات مواقفهم المتفرقة بين الدعم والمعارضة والبعد أو المقاطعة، موضحاً أن الجزئية الثانية ترتبط بالميلاد المتسرع المتأتي من رد الفعل وذلك الصراع غير المعلن داخل البيت السياسي الإسلامي، والذي أسهم بصورة أو أخرى في تكريس حالة الانقسامات الداخلية بين التنظيمات في حد ذاتها. ونوه بأن حركة النهضة انقسمت أربع مرات وتشكلت لها في كل مرة قيادات وأسماء جديدة، وحركة مجتمع السلم انبثق منها في كل مرة فصيل أو حركة جديدة، كما انفصلت عنها كثير من الأسماء المؤسسة كعمار غول وبن قرينة وغيرهم. وختم بأنه وفق ما سبق يكون منطقياً جداً ألا تجد مواقف صلبة وأفكاراً قارة ورجالاً موحدين على فكرة وعلى هدف، بالتالي فإن هذا التشظي والانقسام حيال الرئاسيات أمر وارد ومنطقي ومتوقع جداً.
وسبق لأحزاب التيار الإسلامي "التفرق" خلال انتخابات البرلمان في الـ12 من يونيو (حزيران) 2021 بعدما شاركت كل من جبهة العدالة والتنمية، وحركات الإصلاح و"النهضة" و"البناء" و"مجتمع السلم"، لكن بصورة منفردة بعدما اعتمدوا التكتلات في انتخابات 2012 و2017، لكنها بصورة متفرقة دائماً.
وشهدت الانتخابات البرلمانية لعام 2012 تشكيل تكتل "الجزائر الخضراء" الذي ضم حركتي الإصلاح و"النهضة"، ومجتمع السلم، بينما تم تشكيل تحالفين ضم الأول حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير، في حين شمل الثاني حركات "النهضة" و"العدالة والتنمية" و"البناء".