Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي تغير في أفغانستان تحت إدارة "طالبان"؟

تشهد البلاد استقراراً سياسياً واقتصادياً نسبياً مقارنة بالفوضى العارمة خلال العقود الأخيرة على رغم إخفاقات الحركة في بعض المجالات

مسيرة دراجات ضمن عرض عسكري في مدينة غزنة خلال احتفال إحياء الذكرى الثالثة لاستيلاء "طالبان" على أفغانستان (أ ف ب)

ملخص

يعتبر تعليم الفتيات من أكثر القضايا مثيرة للجدل داخل أفغانستان وخارجها، وينقسم قادة "طالبان" على هذه المسألة أيضاً، إذ يدعم القادة العمليون تعليم الفتيات والنساء، بينما يخالفه الزعماء المتشددون.

 

أكملت حكومة "طالبان" في أفغانستان عامها الثالث في السلطة منتصف الشهر الماضي، وقد تحسنت خلالها بعض جوانب حياة المواطنين بينما تدهورت في جوانب أخرى، وسط ازدواجية من قبل "طالبان" بين السياسة البراغماتية أحياناً والمتشددة أحياناً أخرى.

صعدت "طالبان" للسلطة بعد أشهر من انسحاب القوات الأميركية لتواجه تحديات داخلية وسمت بالخلافات الشخصية والأيديولوجية والعرقية داخل الحركة، وذلك أثناء تحولها من حركة تمرد ضد القوات الأجنبية والحكومة الموالية لها إلى حكومة رسمية للبلاد. 

على سبيل المثال تشعر الفصائل الأوزبكية والطاجيكية في حكومة "طالبان" بأنها تتعرض للتمييز العرقي من قبل البشتون، بينما ينقسم البشتون في إدارة كابل الجديدة بين فصيل القندهاري والحقاني، وترى المجموعة الأولى أن الجهود الدبلوماسية التي بذلها الملا بارادار في قطر مهدت الطريق لتحقيق النصر من خلال تسهيل اتفاق 2020 في الدوحة، مما سهل الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وفي المقابل يزعم الفصيل الحقاني أن الضغط في ساحة المعركة أجبر الولايات المتحدة على التراجع.

وعلى رغم هذه الخلافات فإن قندهار هي مركز القوة لحركة طالبان، ويظل المرشد الأعلى هيبة الله أخونزاده شخصية موحدة وزعيماً غير مثير للجدل بالنسبة إلى الحركة.

تعليم الفتيات

يعتبر تعليم الفتيات من أكثر القضايا إثارة للجدل داخل أفغانستان وخارجها، وينقسم قادة "طالبان" على هذه المسألة أيضاً، فيدعم القادة العمليون تعليم الفتيات والنساء بينما يخالفه الزعماء المتشددون، مما أدى إلى حرمان 1.4 مليون فتاة أفغانية حق التعليم، وعلى رغم زيادة معدل التحاق الفتيات بالمدرسة خلال الأعوام الأخيرة غير أنه لا يسمح لهم بمتابعة الدراسة بعد الصف السادس الابتدائي.

وفي هذا الصدد مُنع المدافعون عن حقوق المرأة وتعليم الفتيات وزعماء المجتمع المدني من مؤتمر الدوحة الأخير الذي عقد بين زعماء "طالبان" وسفراء العالم، وهو ما كان بمثابة انتكاسة كبيرة للجهود الرامية إلى استعادة تعليم الفتيات.

التحديات الأمنية

لم تواجه حكومة "طالبان" خلال الأعوام الثلاثة الماضية تحديات أمنية كبيرة سوى سعيها إلى فرض السيطرة والتعامل مع التهديد الذي يمثله تنظيم "داعش"، وعلى رغم أن أفغانستان، وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي 2024، من بين الدول الـ 10 الأكثر تضرراً من الإرهاب في العالم، فإن حالات العنف قد انخفضت بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة.

وتعمل حركة "طالبان" على توسيع قدراتها العسكرية فضلاً عن قدراتها العملياتية، مع خطط لتجنيد 200 ألف شرطي تحت إشراف وزارة الداخلية، و3.5 مليون جندي تحت إشراف وزارة الدفاع، لكن الأمر الذي يمثل عائقاً أمام هذه الخطط هو الصعوبات المالية التي تواجهها الحكومة على رغم أنها تنفق 40 في المئة من موازنتها على الدفاع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من ناحية أخرى يسعى "تنظيم الدولة في خراسان" إلى تقويض مكانة "طالبان" الأيديولوجية والقانونية وقدرتها على الحكم من خلال الهجمات العسكرية والأيديولوجية، وقد قوض "داعش" مزاعم "طالبان" في شأن الوفاء بالتزاماتها في مجال مكافحة الإرهاب بموجب "اتفاق الدوحة" بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات إرهابية خارجية، إذ ترتبط كثير من الخلايا الإرهابية في روسيا وأوروبا وتركيا وإيران وآسيا الوسطى وباكستان بـ "تنظيم الدولة في أفغانستان" الذي يبدع طرقاً جديدة في مواجهة "طالبان".

وإلى جانب ذلك تواصل جبهة حرية أفغانستان بقيادة رئيس أركان الجيش الوطني الأفغاني السابق ياسين ضياء وجبهة المقاومة الوطنية بقيادة أحمد مسعود نضالهما ضد "طالبان"، إلا أنهما لم يحققا نجاحاً معتبراً إلى الآن.

علاقات قديمة

من جهة أخرى تتمتع "طالبان" بعلاقات قديمة مع تنظيم "القاعدة" الذي قلل أنشطته بعد وفاة أيمن الظواهري في كابول حتى لا يخلق تحديات دبلوماسية وأمنية لـ "طالبان"، لكنه لا يزال يقدم مساعدات إستراتيجية لحكومتها.

 

 

ووفقاً لتقارير مختلفة صادرة عن فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة، فإن "القاعدة" يعمل على تحسين قدرته العملياتية وإعادة بناء العلاقات مع الجماعات المسلحة الإقليمية مرة أخرى من داخل أفغانستان، وإضافة إلى ذلك تتمتع حركة "طالبان – باكستان" بعلاقات وثيقة مع حركة "طالبان" وتواصل تنفيذ هجمات عشوائية داخل باكستان مما أدى إلى تدهور علاقة حكومة "طالبان" مع إسلام أباد.

الاقتصاد والعلاقات الخارجية

المؤشرات الاقتصادية لأفغانستان، مثل بقية الشؤون، تجمع بين توجهات إيجابية وأخرى سلبية، إذ لا يزال الاقتصاد الأفغاني على حافة الانهيار منذ تولي "طالبان" السلطة، وعلى رغم محاولات "طالبان" الإصلاح الاقتصادي فإن الهجرة الخارجية وأصول الدولة المجمدة، إضافة إلى القيود المصرفية العالمية على البلاد تقوض جهود الإدارة الجديدة، وأدت إلى خسارة 26 في المئة من الناتج المحلي خلال عامي 2021 و2022، وانكماش الاقتصاد وانتشار الفقر.

وتعتمد حكومة طالبان على المساعدات الخارجية في الغالب، بخاصة وأن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بأصول أفغانية تبلغ قيمتها 7 مليارات دولار، وقد حوّل نصف هذا المبلغ إلى صندوق ائتماني سويسري في سبتمبر (أيلول) 2022 لمساعدة أفغانستان على استقرار اقتصادها، لكنه لم يستخدم حتى الآن.

 

 

في المقابل تشير بعض المؤشرات إلى نجاحات معتبرة عبر المجال الاقتصادي في ظل إدارة "طالبان"، فعلى سبيل المثال نجحت الحكومة الحالية في تحصيل الضرائب أكثر من الحكومة الماضية، ووفقاً لمسح أجراه البنك الدولي فقد حاولت 62 في المئة من الشركات تجنب النظام الضريبي من طريق دفع رشاوى لـ 82 في المئة من موظفي الجمارك قبل أغسطس (آب) 2021، لكن نسبة الرشاوى انخفضت في هذه القطاعات إلى ثمانية في المئة فقط. 

وطبقاً لتقديرات البنك الدولي فإن صادرات أفغانستان السنوية تضاعفت لتصل إلى ملياري دولار، في ظل تراجع معدل التضخم أيضاً بصورة كبيرة.

وفي السياق بدأت الصين العمل على منجم النحاس ميس عينك الذي يضم ثاني أكبر مخزون للنحاس في العالم، واستثمرت بكين 49 مليون دولار في مجال إنتاج النفط في أفغانستان مما أدى إلى زيادة إنتاج البلاد اليومي من النفط بمقدار 1100 طن متري، ووفقاً للأمم المتحدة فقد نجحت أفغانستان في خفض إنتاج المخدرات بـ 95 في المئة، مما يجعلها أنجح حملة لمكافحة المخدرات في أي مكان في العالم، وقد شنت الحركة بعد توليها السلطة حملة ضد جميع أنواع المخدرات، وقبضت على مدمني المخدرات وتجارها وقامت بإتلاف محاصيل الأفيون والقنب.

وعلى الجبهة الدبلوماسية لم تعترف أي من الدول رسمياً بحكومة "طالبان"، إلا أن الصين وروسيا تقاربتا مع كابول، في حين أجبرت الهند أيضاً الدبلوماسيين الأفغان التابعين للحكومة الأفغانية السابقة على إخلاء سفارتهم في دلهي. 

ويعتبر هذا القرار خطوة صغيرة في اتجاه زيادة التمثيل الدبلوماسي وتعيين السفراء في وقت لاحق، وعلى رغم فشلها في إقناع الدول الأخرى بالاعتراف بحكومتها إلا أن "طالبان" كانت نشطة للغاية على الجبهة الدبلوماسية، إذ عقد ممثلوها 1864 اجتماعاً مع 92 دولة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، وفقاً لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وكانت معظم اللقاءات مع ممثلي الصين وتركيا وإيران وقطر وباكستان.

وباستثناء باكستان وطاجيكستان فقد تحسنت علاقات "طالبان" مع الصين وروسيا وأوزبكستان وقطر، في حين تمكنت من الحفاظ على علاقة عمل مع حكومة الهند والإمارات العربية المتحدة وتركيا ودول أخرى.

وتخلت الولايات المتحدة عن سياسة العزلة مع "طالبان" وواصلت تعاونها معها سراً في بعض القضايا، وبخاصة في ما يتعلق بالتعامل مع الجماعات الخطرة مثل "داعش - خراسان".

وعلى رغم توطيد سلطة "طالبان" لكن أفغانستان تظل في حال هشة في غياب دستور فعال، ويمكن القول إن النجاحات التي حققتها الحركة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية لم تكن كبيرة بالدرجة الكافية لكسب الاعتراف الدبلوماسي لحكومتها، في حين لم تكن الإخفاقات خطرة بالدرجة التي تؤدي إلى انهيار نظام "طالبان".

نقلا عن "اندبندنت أوردو"

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير