ملخص
وقعت عشرات الأخطاء أثناء تزود الطائرات بالوقود جواً منذ بدء القيام بهذه العمليات، ولكن لم يكن يبلغ عنها، خصوصاً في بدايات التجارب بأوائل القرن الـ20 بسبب الأضرار الطفيفة الناجمة عنها، ولكن منذ عام 1961 تضررت 8 طائرات أثناء إعادة التزود بالوقود جواً.
تتزود كل المعدات والمركبات الكبيرة والصغيرة من الدراجات النارية والسيارات إلى أضخم حاملات الطائرات بالوقود على الأرض، فلماذا لا تتزود الطائرات المدنية والتجارية والعسكرية بالوقود في السماء في حال اضطرت إلى إكمال رحلتها من دون الهبوط في مطار، أو في حال كانت فوق المحيطات التي قد تستغرق رحلة الطيران فوقها ساعات طويلة؟
شغلت هذه الفكرة المهندسين العسكريين أولاً منذ صارت الطائرة الحربية سلاحاً فعالاً وأساساً في الحروب، ثم ازداد انشغالهم مع تضخم حجم الطائرات، وتحديداً منها الطائرات التجارية التي تنقل البضائع بين القارات، ثم صار السؤال أكثر إلحاحاً مع الطائرات الضخمة التي تحوي ما يشبه طابقاً كاملاً يضم عدداً كبيراً من الموظفين الذين يطيرون لأيام وأسابيع فوق مناطق معينة بغية التجسس وجمع المعلومات. ولهذه الحالات المختلفة صار موضوع تزويد الطائرات بالوقود بينما تطير في السماء أمراً لا بد منه، فعمل معظم شركات الطائرات العالمية على تطبيق هذه الفكرة ونجحت في ذلك، وبات تزويد الطائرات بالوقود جواً أمراً عادياً منذ عقود.
وتطور تزويد الطائرات بالوقود جواً ليشمل الطائرات المروحية الضرورية والحيوية لعديد من العمليات المدنية والعسكرية والإغاثية في حالات كثيرة. وبات يمكن تزويدها بالوقود جواً، ولو أنه عملياً لا يزال معقداً مقارنة بالطائرات النفاثة بسبب شيفرات مراوحها، ولأنه يجب أن تكون ناقلة الوقود قادرة على التحرك ببطء كافٍ بالنسبة إلى المروحية، أو يجب أن تتحرك المروحية بسرعة كافية بالنسبة إلى الناقلة، ولهذا لأن أنبوب تزويد المروحيات بالوقود طويل جداً مقارنة بغيره، لربط الناقلة والمروحية، لأنه يجب أن يكون بعيداً بما يكفي من شيفرات المروحية الدوارة.
يستطيع بعض الطائرات تزويد المروحيات بالوقود على ارتفاعات منخفضة حين تكون مزودة برادارات تجنبها التضاريس، وبعضها يمكنه القيام بهذا العمل على ارتفاع 250 قدماً ولو في ظروف جوية غير مواتية. وبينت الدراسات منذ بدء تطبيق عملية التزود بالوقود جواً بأن إقلاع الطائرة بوقود أقل والتزود بالوقود في الجو أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. وتشير التقديرات إلى أن التزود بالوقود جواً يوفر ما بين 35 و45 في المئة من كلف الوقود.
كيف بدأت الفكرة؟
حصل المهندس ألكسندر دي سيفرسكي على براءة اختراع على ابتكاره طريقة تزويد الطائرات بالوقود جواً. وكان دي سيفرسكي مهندساً يعمل في وزارة الحرب الأميركية. وفي عام 1921 تم أول تزويد بالوقود جواً بين طائرة كبيرة، وهي من نوع لينكولن ثنائية الأجنحة مع طائرة صغيرة من نوع "كيرتس جيني".
في عام 1923 حلقت طائرتان ببطء وبصورة متوازية، وبالسرعة نفسها، ثم قامت إحدى الطائرتين بتمرير خرطوم من خزان وقود محمول باليد نحو فتحة ملء خزان الطائرة الأخرى، ونجح الأمر. وفي العام نفسه أجريت عملية تزويد بالوقود في الجو بين طائرتين ثنائيتي الأجنحة تابعتين للجيش الأميركي، ونجحت هذه العملية بدورها، وكانت فاتحة تطوير عملية التزود بالوقود جواً.
بحلول أغسطس (آب) من عام 1923 جرى تسجيل رقم قياسي للتحمل بين جهاز استقبال وخزانين. بقيت طائرة الاستقبال في الجو لمدة 37 ساعة باستخدام تسع عمليات تزويد بالوقود في الجو لنقل ما يقارب 700 غالون من بنزين الطائرات ونحو 40 جالوناً من زيت المحرك، بحسب صفحة "هيئة سلامة الطيران الدولية". في العام نفسه تم تأكيد فائدة وفاعلية هذه التقنية عندما طارت طائرة من واشنطن إلى كندا إلى المكسيك، وهبطت في سان دييغو، وأعادت التزود بالوقود في الجو مرات عديدة لتهبط بأمان ومن دون وقوع أي نوع من أنواع حوادث تسرب الوقود أثناء ملء الخزانات التي كانت تقع في معظم المحاولات السابقة.
ومع ذلك يجب أن تتوافق سرعة الطائرة الناقلة مع سرعة الطائرة المستقبلة للوقود، إما من طريق التسريع أو الإبطاء. ويمكن أن يجبر الارتفاع الأقصى للمستقبلة تغيير مستوى ارتفاع الطائرة الناقلة والطيران على ارتفاع أقل. فالسرعة والوزن من العوامل التي يمكن أن تؤثر في العملية، ويمكن أن تتسبب نتيجة الارتفاع والوزن والسرعة في حدوث عديد من الاختلالات في المجال المحيط بالناقلة.
وقعت عشرات الأخطاء أثناء التزود بالوقود جواً منذ بدء القيام بهذه العمليات، ولكن لم يكن يتم الإبلاغ عنها، خصوصاً في بدايات التجارب في أوائل القرن الـ20 بسبب الأضرار الطفيفة الناجمة عنها، ولكن منذ عام 1961، تضررت ثماني طائرات أثناء إعادة التزود بالوقود جواً. ومن أنواع الأضرار حالات تلف الجناح المحدود إلى حالات تدمير الطائرات.
كيف يتم التزود بالوقود جواً؟
يجري التزود بالوقود جواً باستخدام طائرة متخصصة تسمى "ناقلة الوقود"، وهي مجهزة بنظام خرطوم وسلة تسمى "دروغ" أو بنظام "الذراع الطائرة". وتتم العملية عبر تحليق الطائرة الناقلة إلى جانب الطائرة المتلقية، ويتم توصيل الطائرتين باستخدام "دروغ"، وهو أحد الأنظمة المعتمدة أو عبر توصيل الذراع الطائرة، وهي عملية تشبه ملء الوقود بالسيارة عبر خرطوم الوقود في محطة البنزين الأرضية، لكن ما يتطلبه الأمر في الجو هو قدرة الطيران الكبيرة على التركيز كي يدخل "دروغ" بالمستقبل في الطائرة المتلقية. كما أنه أمر بات سهلاً جداً مع تطور التقنيات، ولكن حتى الستينيات من القرن الـ20 كان لا يزال دونه أخطار كثيرة. ولا يجري نقل الوقود من الطائرة المرسلة إلى المتلقية إلا بعد إحكام إقفال الاتصال بينهما والتأكد منه بنسبة كاملة من دون أي هامش للخطأ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهناك نظامان عالميان لدى سائر قطاعات الطيران معتمدان للتزود بالوقود جواً، وهما نظام "الخرطوم والدروغ" ونظام "الذراع"، وهما طريقتان مختلفتان، فنظام "الخرطوم والدروغ" يتضمن استخدام خرطوم مرن مع سلة مخروطية الشكل تسمى "دروغ" متصلة بنهايته. تطلق طائرة الناقلة "الدروغ" لتستقبله الطائرة المتلقية عبر مجس مثبت فيها. أما نظام "الذراع" فيستخدم ذراعاً صلبة قابلة للطي وتتمتع بالمرونة. تمتد الذراع من الطائرة الناقلة وتوجيهها إلى موقعها عبر لوحة تحكم بصرية لمحاذاة الذراع مع فتحة التزود بالوقود في الطائرة المتلقية. وبمجرد توصيل الذراع، تنقل الناقلة الوقود إلى الطائرة المتلقية عبر الذراع.
ويكمن الفرق بين النظامين في مستوى التحكم والدقة. فيعتمد نظام "الخرطوم والدروغ" على طياري الطائرتين للحفاظ على وضع مستقر ومتصل، وهو أمر يمكن أن يكون تحدياً في ظروف السرعة العالية أو الاضطرابات الجوية والرياح أو الحالات الحربية التي تتطلب تركيزاً عالياً من الطيارين في الطائرتين وبمجرد وصول الخرطوم إلى أقصى امتداد له، ويجب على الطيار المستقبل إدخال مسبار قابل للسحب. وفي معظم تصميمات الطائرات يتم تثبيت المسبار القابل للسحب على أنف الطائرة. ويجب السحب في السلة أو المصفاة. ويجري المهندس والطيار المستقبل مناورة للمسبار برفق حتى يتم تثبيته في السلة.
ويوفر نظام "الذراع" بدوره تزويداً بالوقود أكثر دقة وكفاءة لأنه يعطي للطيار نصف المهمة وللأجهزة الإلكترونية وكمبيوترات الطائرتين، النصف الآخر من المهمة. وفي حال كانت المناورة صعبة للغاية لا تضخ الناقلة إلا عندما يكون هناك اتصال واضح وثابت ومستقر بين السلة والخرطوم.
فوائد التزود بالوقود جواً
يتيح التزود بالوقود جواً للطيار الطيران لمسافة أطول دون هبوط، ويمكنه أن يساعد في إنقاذ الطيارين القادمين من المناطق الخطرة أو المجال الجوي القتالي، ويمكنه أن يوسع دائرة القتال للطيارين في المهام الأكثر تعقيداً. وهناك عديد من الفوائد لاستخدام التزود بالوقود جواً. واحدة من الفوائد الرئيسة هي أنها تتيح للطائرات العسكرية تنفيذ مهام طويلة المدى دون الحاجة إلى الهبوط. ويكون مفيداً بصورة خاصة في الحالات التي يكون فيها من غير الممكن أو غير الأمن الهبوط، مثل مناطق القتال أو المناطق التي تفتقر إلى البنية التحتية، وأيضاً في زيادة مرونة العمليات العسكرية والاستجابة بسرعة أكبر للتغيرات في الأوضاع على الأرض، مثل عمليات الإغاثة في الكوارث أو مهام البحث والإنقاذ.
وقد يتساءل البعض عن سبب عدم هبوط الطائرة للتزود بالوقود، ثم الإقلاع مجدداً بدل كل هذه العملية المعقدة، فإن الإجابة تكمن في أن محركات الطائرة تعمل بجهد أكبر عندما تحمل حمولات ثقيلة عند إقلاعها، ومن هذه الحمولات الوقود، وتبين أن إقلاع الطائرة بوقود أقل والتزود بالوقود في الجو أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. ويحمل بعض الصهاريج ما يصل إلى 29 ألف غالون من الوقود، ويمكن للطائرة الناقلة الحديثة أو ما يسمى الرافعة نقل ما يصل إلى 900 غالون في الدقيقة. وهذا مهم جداً لأن بعض الطائرات ذات خزانات الوقود الكبيرة تحتاج إلى التزود بالوقود بسرعة، لذلك فإن الطائرات الرافعة هي بمثابة محطات وقود ضخمة وشبه ثابتة تطير نحوها الطائرات كي تتزود منها بالوقود، وذلك بسبب حملها الضخم من الوقود وتوفيراً منها لاستخدامه في الوصول إلى الطائرات التي تحتاج إلى التزود منه.
ويمكن للطائرات الرافعة المزودة بالصهاريج الضخمة تزويد طائرتين أو ثلاث طائرات بالوقود في وقت واحد. وتستخدم القوات الجوية الأميركية والبريطانية والصينية الرافعات الطائرة، إذ تطير الطائرات المستقبلة في تشكيل إلى الصهاريج.