Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السعودية تعزز علاقتها الدفاعية بالهند..."لكن ليس على حساب باكستان"

سفير الرياض الأسبق لدى إسلام آباد علي عواض عسيري رجح في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن يكون للخطوة انعكاس إيجابي على التوتر بين الجارتين النوويتين

 رئيس أركان الجيش الهندي  إم إم نارافاني مستقبلاً قائد القوات البرية السعودية السابق فهد المطير (واس)

ملخص

 تبدو ترقية التعاون السعودي-الهندي إلى آفاق عسكرية ودفاعية أبعد تحركاً طبيعياً، لكن بالنسبة إلى مراكز الدراسات الهندية أو الآسيوية، فإن التحول في هذا الميدان يأخذ أبعاداً استراتيجية وتحوطية بعيدة النظر، وسط تنامي الحديث عن عالم متعدد الأقطاب، والاستعجال الأميركي قبل بضعة أعوام في ترك المنطقة لمصيرها، ملقية بثقل أعبائها على القوى المتوسطة فيها، بعد عقود كانت هيمنتها تبعث على نوع من الطمأنة لحلفائها، مثل الخليج والهند وباكستان.

ظلت العلاقات بين السعودية والهند إلى عهد قريب تحمل طابعاً اقتصادياً بوصف نيودلهي ثاني أكبر شريك تجاري للرياض، وذلك خلافاً لجارتها باكستان التي كانت العلاقة معها منذ زمن استراتيجية وعسكرية حتى قبل استقلال إسلام آباد، عن جارتها اللدودة الهند.

لكن مياهاً جديدة جرت تحت الجسر كما يقال، إذ تجاوزت العلاقة بين البلدين أبعاد الاقتصاد والتكنولوجيا، وبدأت تتجه أخيراً أيضاً إلى المجالات الدفاعية والعسكرية، في خطوة لا يبدو أنها ستحظى بترحيب باكستان غريمة الهند، إلا أن للحلفاء عادة طريقتهم في طمأنة بعضهم حتى وإن اختلفوا في التوجهات والتفاصيل.

وفي حديث رئيس مركز الخليج للدراسات عبدالعزيز بن صقر إلى "اندبندنت عربية" في شأن هذا الصدد، فسر التوجه الجديد بأنه يعود إلى أن "مثال التطور الهندي العسكري هو أفضل مثال يمكن للمملكة اتباعه، فالهند تحولت من دولة متخلفة عسكرياً إلى دولة تنافس الصين في المجال العسكري".

درس هندي تحتاج إليه السعودية

ورجح أن التركيز في التعاون بين الدولتين الكبيرتين في المنطقة "سيكون على كيفية تطور الصناعات العسكرية الهندية وهو درس تحتاج إليه المملكة لتقارب وضع الدولتين لكونهما دولاً غير صناعية تاريخياً".

أما كيف ستنظر باكستان إلى توجه الرياض الجديد نحو غريمتها التقليدية، فأكد أن ثقة باكستان بالسعودية ستكون أكبر من أن تتأثر بتوسيعها العلاقة مع الهند.

وقال، "لا يوجد بعد تآمري ضد باكستان في تعزيز علاقات التعاون العسكري السعودي مع الهند"، لا سيما أن ذلك يتزامن مع "تعاون تاريخي واسع سعودي مع باكستان لا يزال مستمراً"، بحسب تأكيده الذي وافقه عليه أيضاً سفير السعودية الأسبق لدى باكستان علي عواض عسيري الذي نظر هو الآخر إلى التطور في علاقة السعودية بنيودلهي بعد إسلام آباد على أنه قد يحفزهما على حوار جدي، يخفف وطأة العداوة بينهما إن لم ينهها، بدعم من الرياض صديقة الطرفين أو وساطتها.

يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه وزارة الدفاع السعودية هذا الأسبوع، عقد اللجنة السعودية- الهندية للتعاون الدفاعي اجتماعها السادس في الرياض، إذ بحثت سبل تعزيز التعاون المشترك بين القوات المسلحة في البلدين، وذلك في مجالات التدريب وتبادل الخبرات والتمارين العسكرية المشتركة والتعاون الصناعي الدفاعي والبحث والتطوير.

وكان تأسيس مجلس الشراكة الاستراتيجية "السعودي- الهندي" أسهم في تطوير التعاون بين البلدين في شتى المجالات عبر مواءمة رؤية المملكة 2030 مع مبادرات الهند الرائدة، مثل "اصنع في الهند" و"ابدأ من الهند" و"المدن الذكية" و"الهند النظيفة" و"الهند الرقمية".

"تحول عن النهج التقليدي" المنحاز

 تبدو ترقية التعاون إلى آفاق عسكرية ودفاعية أبعد تحركاً طبيعياً، لكن بالنسبة إلى مراكز الدراسات الهندية أو الآسيوية، فإن التحول في هذا الميدان يأخذ أبعاداً استراتيجية وتحوطية بعيدة النظر، وسط تنامي الحديث عن عالم متعدد الأقطاب، والاستعجال الأميركي قبل بضعة أعوام في ترك المنطقة لمصيرها، ملقية بثقل أعبائها على القوى المتوسطة فيها، بعد عقود كانت هيمنتها تبعث على نوع من الطمأنة لحلفائها، مثل الخليج والهند وباكستان.

وتقرأ مجلة "الدبلوماسي" المتخصصة في شؤون آسيا والمحيط الهادئ، المبادرات الجديدة بين الجيشين السعودي والهندي بأنها "تحول عن النهج التقليدي".

وتشير في أحد تقاريرها بعد استعراض عدد من المناورات التي أجرها جيشا البلدين والزيارات السياسية بين بلديهما إلى أنها "علامة على الاهتمام السياسي المتزايد وإظهار النية من كلا الجانبين للتخلص من نهجهما التقليدي، إذ كانت باكستان وجامو وكشمير نقاط خلاف مهمة".

وذكرت أن هذا واضح على سبيل المثال عند زيارة مستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال إلى المملكة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، عندما ذكرت الحكومة السعودية أن الرياض "أعربت عن تفهمها لنهج الهند وأفعالها في جامو وكشمير"، وهو التعليق الذي أشار إلى إلغاء المادة 370 في القانون الهندي التي كانت تعطي المنطقة المتنازع عليها بين نيودلهي وإسلام آباد ذات الغالبية المسلمة وضعاً قانونياً خاصاً.

واعتبرت أن ذلك "يدل على موقف أكثر دقة من الرياض ودعمها للهند، إذ ويشكل الموقف ’المحايد’ تحولاً مهماً في نهج السعودية تجاه الهند بصورة عامة وجامو وكشمير خصوصاً"، بحسب تعبيرها.

 

أول تمرين بري بعد الجيشين

وتقيم السفارة الهندية لدى الرياض التقدم في الجانب الدفاعي بأن "الشراكة فيه تشكل نمواً هائلاً في الأعوام الأخيرة"، ففي زيارة وصفتها بالتاريخية، نوهت السفارة إلى أن رئيس أركان البحرية الهندية الجنرال مانوج موكوند نارافان زار السعودية في ديسمبر (كانون الأول) 2020، ليترجم ذلك وفق تعبيرها إلى "تعاون بحري واسع النطاق. وحتى الآن، تم اختتام نسختين من التمرين البحري الثنائي ’المحمد الهندي’".

إضافة إلى ذلك، يتعاون الجانبان أيضاً بصورة وثيقة في مجال الصناعات الدفاعية وبناء القدرات، وأجري أول تمرين مشترك للقوات البرية الهندية- السعودية "EX-SADA TANSEEQ-I" في عقدة التدريب الميداني، ميدان الرماية الميداني ماهاجان، راجستان من 29 يناير إلى 10 فبراير (شباط) 2024.

وتوضح السفارة أنه خلال زيارة وزير الدفاع أجاي بهات إلى المملكة في فبراير 2024، وقعت اتفاقية بين شركة "Munitions India Ltd" والسعودية لتصدير أسلحة وأنظمة دفاعية هندية إلى الرياض بقيمة 225 مليون دولار أميركي.

 وتشارك القوات المسلحة السعودية بانتظام في برامج تدريبية في المؤسسات العسكرية الهندية بما في ذلك كلية الدفاع الوطني وكلية إدارة الدفاع وكلية الخدمات الدفاعية والأركان، بحسب "الدبلوماسي" الآسيوية.

الحاجة لطرف يوازن الصين

لكن السعودية ليست الوحيدة في هذه السياسية، على رغم ثقلها الخاص بين منظومتها العربية والخليجية، فهناك تزايد في الاهتمام بالهند، بوصفها قوة صاعدة في المنطقة منافسة للصين، تساعد على عدم الإفراط في الاعتماد على بكين، التي تشترك معها في نقاط عدة مثل التقنيات والقوة البشرية والسوقية الكبيرتين، فيما تمتاز عنها نيودلهي بأنها صديق قديم للإقليم تجمعها به روابط لقرون.

يشجع على هذا الزخم، حاجة هندية كبيرة لسوق جيرانها، ففي الوقت الحالي تعد السعودية ثاني أكبر مورد للنفط الخام للهند. وهذا مؤشر له أهميته، إذ يلاحظ مركز "أوبزرفر" لأبحاث الشرق الأوسط على سبيل المثال، أنه في أعقاب أزمة البحر الأحمر، لجأت المصافي الهندية إلى العراق مع انقطاع الإمدادات الأميركية بسبب ارتفاع أسعار الشحن، ولا يوجد ما يضمن استمرار روسيا في بيع النفط الخام بسعر مناسب.

واعتبر أنه "نظراً لهذه الشكوك، فإن الخليج سيشكل نسبة كبيرة من واردات النفط والطاقة الهندية لفترة طويلة"، ليخلص من ذلك إلى أن "التقارب القوي بين المصالح الاقتصادية والأمنية"، يفرض نفسه على العلاقة بين الهند والشرق الأوسط، ويجعلها "تزدهر بصورة أكبر... ومن الأمثلة على ذلك الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ومبادرتي I2U2".

ومع ذلك، يحذر من أن الهند ينبغي لها أن تضع في اعتبارها التحديات التي تنتظرها، وخصوصاً ديناميكيات الأمن المعقدة الناشئة في المنطقة، وأن تدرك أيضاً التوغلات السريعة التي تحرزها منافستها الإقليمية (الصين) في منطقة الشرق الأوسط، بل لفت إلى أن بكين قد لا تكون فقط منافساً كما هي الآن، وإنما قد تكون تهديداً أمنياً على المنظور المتوسط والبعيد.

تعاون عادي تطور إلى شراكة

وفقاً للأرقام الهندية الرسمية، يعمل 2.65 مليون هندي في السعودية، فهي ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة في حين أن الرياض تعد خامس أكبر شريك تجاري للهند، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية في السنة المالية 2023-2024 43.3 مليار دولار أميركي، تمثل الصادرات الهندية منها 11.56 مليار دولار، بينما بلغت الصادرات السعودية خلال الفترة نفسها 31.8 مليار دولار أميركي.

لهذا يؤكد سفير الهند لدى الرياض سهيل إعجاز خان في تصريحات سابقة لـ"اندبندنت عربية" أن المصالح بين الدولتين طورت التعاون من ثنائي إلى "شراكة استراتيجية متعددة الأوجه، تشمل عدداً من مجالات المشاركة الرئيسة ممثلة في التبادلات الثقافية والتعاون الدفاعي والأمني، وكذلك التجارة والاستثمارات والرعاية الصحية والتكنولوجيا وأمن الطاقة والأمن الغذائي".

هل يمكن الجمع بين باكستان والهند؟

 بالعودة إلى ما قد يعنيه توجه الرياض الجديد عسكرياً نحو الهند بالنسبة إلى جارتها باكستان، يشير السفير عسيري الذي رغم مرور نحو 10 أعوام على انتهاء مهمته في إسلام آباد فإنه لا يزال ينشط في تقريب أواصر العلاقة بين الجانبين، بالكتابة الصحافية باللغتين العربية والإنجليزية في أقل الأحوال، إلى أن بلاده دأبت على تنويع مصادر تسليح قواتها بين أميركا والصين وألمانيا وفرنسا وإسبانيا وغيرها، بالتالي فإن "تطور علاقاتها العسكرية مع الهند أمر طبيعي ولا يمكن أن يؤثر سلباً في سابقتها الاستراتيجية والدفاعية مع باكستان التي بدأت منذ عهد الملك عبدالعزيز حتى قبل استقلال إسلام آباد".

ورأى في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن الصلات الروحية والثقافية بين الشعبين ذات الثقل الإسلامي الكبير، "تصعب منافستها من جانب أي طرف أو علاقة، وهي علاقات صمدت أمام كل المؤثرات والمتغيرات، فترى الزعماء في البلدين يتغيرون بينما هي لا تزيد مع الوقت إلا صلابة، وأنا أعرف أن كلا الطرفين ينافس الآخر في استدامة العلاقة"، مؤكداً أن دولاً عدة تحتفظ بدبلوماسية نشطة مع أطراف متنازعة، وهذا أمر شائع في العلاقات الدولية، فواشنطن على سبيل المثال، حليف استراتيجي لكل من الهند وباكستان.

 وكان رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، جدد بعد انتخابه قبل نحو عام تأكيد روابط بلاده مع السعودية، بالقول "إن العلاقات بين البلدين لا تقتصر على فترة 76 عاماً وحدها، بل هي علاقة تاريخية قائمة منذ زمن طويل تسبق تأسيس دولة باكستان"، مشدداً على أن "السعودية لم تتخلَ عن باكستان في أي زمان، سواء في أوقات الازدهار أو في المحن، وأنها لن تتركها أبداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 باكستاني يقود تحالفاً عسكرياً في السعودية

ومن بين المؤشرات التي تظهر استثمار الجانب السعودي في علاقته بحليفته الآسيوية، اعتبار تقارير غربية البرنامج النووي الباكستاني الذي يعد رمز قوة البلاد، إنما جرى بناؤه بتمويل وغطاء سياسي سعودي، من دون أن ينفي أي من البلدين تلك المزاعم.

وأظهر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، الذي تأسس بمبادرة من الرياض، حجم رهانها على حليفتها، إذ نصبت جنرالاً باكستانياً هو راحيل شريف قائداً عسكرياً للتحالف الأكبر من نوعه في العالم الإسلامي، وهو الذي يضم 42 دولة.

ويذكر التحالف عن شريف الذي كان قائداً سابقاً للجيش الباكستاني منذ 2013 قبل أن يتقاعد لاحقاً، أنه "حاصل على وسام الامتياز من المملكة العربية السعودية، وفيلق الاستحقاق من الولايات المتحدة الأميركية، وفيلق الاستحقاق التركي، وميدالية الاستحقاق من الأردن، ووسام الاستحقاق من البرازيل".

وفي هذا السياق قام وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بزيارة باكستان تزامناً مع يومها الوطني الموافق الـ23 من مارس (آذار) الماضي، إذ حضر عرضاً عسكرياً لافتاً نظم بالمناسبة الوطنية، وقلده الرئيس المنتخب حديثاً آصف زرداري أرفع أوسمة البلاد تعبيراً عن امتنان بلاده لوقوف الرياض معها في كل المحطات العصيبة من تاريخها، خصوصاً في مرحلة تشهد تحولات إقليمية ودولية عدة وتعاني فيها إسلام آباد أزمة اقتصادية خانقة.

المزيد من تقارير