ملخص
في مجزرة المواصي دفنت أشلاء الجثامين بين الرمال، لكن أقارب الضحايا تعرفوا إلى الجثث من بقايا الأسنان والثياب
هرع أيمن إلى مكان القصف الإسرائيلي الذي استهدف خيام النازحين في منطقة المواصي وبدأ يتفقد الضحايا الذين تطايرت أجسادهم في أرجاء المكان ويبحث عن شقيقه الذي يعيش في منطقة الإيواء نفسها.
كان المشهد الذي خلفته القنابل الارتجاجية الثلاث التي ألقتها المقاتلات الإسرائيلية مروعاً للغاية، ينظر أيمن إلى حفرة بعمق تسعة أمتار، يقول "القصف غير معالم المنطقة، كل شيء هنا خراب" يتفقد المكان، ثم يتأكد من أن مركز سقوط الصاروخ أصاب خيمة أخيه بصورة مباشرة.
سن من ذهب
من دون تردد نزل أيمن إلى آخر نقطة في الحفرة التي سببها القصف الإسرائيلي ليساعد فرق الإنقاذ في البحث عن شقيقه، وهناك وجد الجثث قد تقطعت إلى أشلاء تطايرت بين الرمال إلى درجة أنها باتت مدفونة تحت التراب.
انتشل أيمن قدماً من بين الرمال نظر إليها بتمعن، ومن زاوية أخرى انتشل قطعة قماش مخضبة بالدم وفحصها "هذه ليست سترة أخي"، ألقى بها وأخذ يبحث بين الأشلاء عن أي بقايا لشقيقه.
في خضم عملية البحث وجد أيمن رأساً مقطوعاً، حمله ونظر إليه، كان محروقاً ومشوهاً وبلا معالم، وعلى الفور شد انتباهه فك أسنانه، إذ وجد سناً من معدن الذهب، بسرعة حضن الرأس وقبله وأخذ يصرخ: لقد مات شقيقي.
بعدما هدأ أيمن وتمالك نفسه يقول، "سمعت صوت انفجار كبير، خرجت لتفقد المكان، وحينها وجدت ناراً كبيرة مشتعلة في خيام النازحين، وبدأت أبحث عن شقيقي على ضوء كشاف الهاتف، وجدت كل من كانوا في الخيام عبارة عن أشلاء، كانوا أشلاء". ويضيف، "بعد ساعة من البحث وجدت رأس شقيقي، كان مفصولاً عن جسده، ووجهه كان مشوهاً بالكامل. تسلمت أشلاء بشرية ودفنتها، وقال لي الطاقم الطبي اعتبر أنك تسلمت أشلاء شقيقك طالما معك رأسه وتعرفت عليه من أسنانه".
يوضح أيمن أن شقيقه الذي سقط ضحية الغارة الإسرائيلية ركب له طبيب الأسنان سناً من ذهب، وكان ذلك شيئاً مميزاً فيه، وهذا ما جعله يتعرف إلى رأسه على رغم أنه كان متفحماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلفية عن مجزرة المواصي
في ساعات فجر الثلاثاء الـ10 من سبتمبر (أيلول) الجاري ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة مروعة في منطقة المواصي التي يصنفها إنسانية وقصفها من الجو بأكثر من ثلاثة صواريخ ارتجاجية تسبب في سقوط 100 ضحية بين قتيل ومصاب.
وتنتشر في المنطقة المستهدفة خيام مصنوعة من القماش. ويقول المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل، "الغارات استهدفت تجمعاً مكوناً من 200 خيمة مأهولة بالسكان في منطقة ادعى الجيش أنها إنسانية". ويضيف، "تضررت نحو 40 خيمة بشدة نتيجة القصف الذي استخدم فيه الجيش أكثر من أربعة صواريخ ارتجاجية ثقيلة تسببت في حفر يصل عمقها إلى تسعة أمتار، وهذا يعني أن مخيم نازحين بأكمله دفن تحت الرمال نتيجة القصف المكثف".
ويوضح بصل أن المجزرة هي واحدة من أبشع ما خلفته الحرب، إذ اختفت فيها عائلات كاملة، وبسبب الصواريخ تقطعت الجثث إلى أشلاء، وأدى عصف الانفجار إلى تشوه الضحايا، وهذا جعل من المستحيل تحديد هوية الضحايا.
ويؤكد المتحدث باسم الصحة الفلسطينية خليل الدقران أن طواقم الإسعاف واجهت صعوبات في انتشال ضحايا مجزرة المواصي، مرجعاً ذلك إلى وقوع الاستهداف في مكان كثيف الرمال، مما يصعب مهام أطقم الإسعاف.
تبرير الجيش ونفي "حماس"
وفي تبرير الجيش الإسرائيلي يقول المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي "كان هجوماً دقيقاً قضينا فيه على عدد من عناصر ‘حماس‘ الذين أقاموا مجمع قيادة وتحكم تم تمويهها داخل المنطقة الإنسانية في خان يونس". ويضيف، "حاولنا تجنيب المدنيين، لكن منظمة ‘حماس‘ تتمادى في وضع عناصرها وبناها التحتية العسكرية في المنطقة الإنسانية، وفي استخدامها الممنهج للمدنيين كدروع بشرية. نحن تأكدنا قبل الهجوم من وجود الهدف، وتم إنجاز عملية جمع معلومات استخباراتية طويلة ومراقبة جوية استمرت لساعات سبقت الغارات".
بسرعة نفت حركة "حماس" أنها تستخدم المنطقة الإنسانية لأنشطتها، ويقول متحدثها أسامة حمدان "ادعاءات إسرائيل عن وجود عناصرنا في مكان الاستهداف كذب مفضوح، لدينا تعليمات صارمة بضرورة تجنب وجود مقاتلينا بين المدنيين".
ندبات وبقايا ملابس
على أي حال فإن الغارة الدامية تسببت في تقطيع أشلاء الجثث، وواجه أهالي الضحايا صعوبة في تحديد هويات أقاربهم، وعديد منهم استدلوا على الجثامين من علامات جسدية وبقايا ثياب، وآخرون استحال عليهم التعرف إلى ذويهم.
هرعت منال الزعيم إلى مكان الغارة لتفقد مصير زوجها، وبعد البحث المستمر وجدت قطعة من قماش قميصه الأحمر المرسوم عليه ورد وأزهار. اقتربت من ثياب زوجها تقول، "وجدت جثمانه متفحماً ملتصقاً ببقايا من ثيابه". وتضيف، "غريبة هذه الغارة، لم أرَ في حياتي من قبل جثثاً متفحمة وجثامين متفتتة بهذه الصورة، يبدو أن الأمر يعود إلى درجة الحرارة الهائلة المنبعثة من الصواريخ الإسرائيلية التي تسببت في عدم معرفتنا هويات الجثامين".
اقربت رندا من جثة بطنها مفتوحة، خافت السيدة من المنظر وحاولت إغماض عينيها، لكنها تشجعت للنظر إلى وجه الضحية. تقول، "كان وجهه محروقاً بالكامل، ولكن شعر لحيته شد انتباهي، كان أخي لحيته مميزة فيها خصلة لونها برتقالي وباقي شعره أسود". وتضيف، "لقد كان الرأس مفتتاً على الأرض ولا توجد له ملامح، ما شاهدته بجثمان أخي مرعب، شيء لا أقدر على وصفه".
لرائد الهيقي قصة مؤلمة عن انتشال أشلاء ابنه فارس، يقول "بحثت عنه حتى وجدت أشلاءً منه فقد كانت أرجله مقطوعة وبطنه مفتوحاً وخرجت أحشاؤه، وكان جسده مفصولاً عن رأسه، وقدرت أن هذه جثة ابني مما تبقى من ساقه، فقد كان مصاباً بها في وقت سابق، وكانت ندبات الإصابة واضحة".