Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتصاد غزة... هل أخرجته الحرب عن الخدمة؟

سيستغرق تعافي القطاع المحاصر حتى 2092 لاستعادة مستويات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022

ما يصل إلى 62 في المئة من مؤسسات القطاع الخاص في غزة تدمرت بصورة كاملة مع تقييم 17 في المئة من تلك المؤسسات مدمرة جزئياً (أ ف ب)

ملخص

أمام أطنان من الكومات الخرسانية المدمرة بفعل القصف، تبدو اليوم استعادة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة قبل الصراع في غزة، في حاجة إلى عقود من الزمن.

حرصت إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب على خنق غزة اقتصادياً وجعلها مكاناً غير صالح للسكن دفعاً إلى إخلاء القطاع المحاصر منذ أعوام باعتباره مصدر تهديد لأمنها القومي، وعمدت إلى تعميق حربها منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 من العام الماضي، لتطال البنية التحتية بصورة كاملة، وهو ما عزز البؤس الاقتصادي لذلك الشريط الضيق على نحو مزر.

جاءت الحرب في أعقاب عامين بالغي الشدة على الصعيد الاقتصادي على السكان البالغ تعدادهم 2.2 مليون نسمة تقريباً، في واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان في العالم، وأمام ما عاناه القطاع قبل السابع من أكتوبر 2023، من عدم كفاية الوصول إلى المياه النظيفة، وإمدادات الكهرباء المتقطعة، وغياب نظام الصرف الصحي المناسب، كان من المتوقع أن يعيش نحو ثلثي السكان في الفقر، وتعطل 45 في المئة من القوى العاملة بالقطاع، بحسب تقديرات أممية، وهي العوامل التي تقول حركة "حماس"، إنها هيأت الظروف نحو هجوم عناصرها على مستوطنات غلاف غزة في الربع الأخير من العام الماضي.

نزوح 85 في المئة من السكان

عدد من التقارير الدولية المتخصصة أشارت إلى وضع القطاع المحاصر اقتصادياً قبل أكتوبر 2023، غير أن هذا الوضع الصعب صار أكثر تعقيداً مع توقف النشاط الاقتصادي، ونزوح 85 في المئة من السكان بعد الحملة العسكرية الإسرائيلية، وأمام أطنان من الكومات الخرسانية المدمرة بفعل القصف، تبدو اليوم استعادة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة قبل الصراع في غزة، في حاجة إلى عقود من الزمن، إضافة إلى مساعدات أجنبية كبيرة، بحسب ما يشير تقرير منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، إذ لم يعد نحو نصف القطاع صالح للسكن.

باستخدام صور الأقمار الاصطناعية المبتكرة والبيانات الرسمية، تقدر "الأونكتاد" أن اقتصاد غزة انكمش بالفعل بنسبة 4.5 في المئة في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023، ومع ذلك، أدت العملية العسكرية إلى تسريع هذا التراجع بصورة كبيرة، مما أدى إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 24 في المئة، وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 26.1 في المئة طوال العام.

التعافي نهاية القرن الحالي

وإذا انتهت العملية العسكرية الحالية على الفور وبدأت إعادة الإعمار على الفور، واستمرت اتجاهات النمو في الفترة 2007-2022 بمعدل نمو متوسط ​​قدره 0.4 في المئة، فسيستغرق الأمر من غزة حتى عام 2092 فقط لاستعادة مستويات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022، مع انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والظروف الاجتماعية والاقتصادية بصورة مستمرة، بحسب ما يقدر التقرير.

 

وحتى مع السيناريو الأكثر تفاؤلاً الذي ينص على أن الناتج المحلي الإجمالي قد ينمو بمعدل 10 في المئة سنوياً، فإن الأمر سيستغرق حتى عام 2035 حتى يعود نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في غزة إلى مستواه قبل الحصار في عام 2006.

وينبه التقرير إلى أن تعافي اقتصاد غزة من العملية العسكرية الحالية سيتطلب التزاماً مالياً أكبر بمرات عدة من مبلغ 3.9 مليار دولار الذي نتج من العملية العسكرية في غزة عام 2014، وسيتطلب جهداً دولياً متضافراً لاستعادة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة قبل الصراع.

قيود اقتصادية وحصار

ويلفت إلى أن القيود الاقتصادية التي يعانيها قطاع غزة، والتي تعود جذورها إلى 56 عاماً من الاحتلال و17 عاماً من الحصار، تتطلب فهماً شاملاً واستراتيجيات واقعية لإطلاق العنان لإمكانات النمو من خلال التدابير التي تشمل ترميم مطار غزة الدولي الذي أصبح اليوم غير صالح للتشغيل، وبناء ميناء بحري، وتمكين الحكومة الفلسطينية من تطوير حقول الغاز الطبيعي التي اكتشفت في تسعينيات القرن الـ20 في البحر الأبيض المتوسط ​​قبالة سواحل غزة للمساعدة في تمويل إعادة بناء البنية الأساسية.

وبحسب تقرير منظمة العمل الدولية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تسببت أول ثمانية أشهر فقط من القتال في قطاع غزة في فقدان الوظائف وسبل العيش على نطاق واسع وانخفاض حاد في الناتج المحلي الإجمالي في الأرض الفلسطينية المحتلة، إذ بلغ معدل البطالة في قطاع غزة إلى 79.1 في المئة وفي الضفة الغربية، التي تأثرت بشدة بالأزمة أيضاً، وصل معدل البطالة إلى 32 في المئة.

انكماش الناتج المحلي

في قطاع غزة، توقفت جميع مؤسسات القطاع الخاص تقريباً عن الإنتاج بصورة كاملة أو قلصته بصورة كبيرة، إذ خسر القطاع 85.8 في المئة من قيمة إنتاجه، أي ما يعادل 810 ملايين دولار، خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحرب فقط، في وقت يقدر تقرير حديث للبنك الدولي، انكماش الناتج المحلي في غزة بصورة أكبر، مع انخفاض متوقع في الناتج المحلي الإجمالي يتجاوز 50 في المئة على أساس سنوي في عام 2024، إضافة إلى الانكماش الحاد في نهاية عام 2023، مع استمرار آثار تدمير رأس المال.

يتوقع البنك الدولي، انكماش الاقتصاد الفلسطيني ككل بنسبة تراوح ما بين 6.5 و9.4 في المئة خلال عام 2024، فيما لا تزال التوقعات الاقتصادية للأراضي الفلسطينية في عام 2024 بأكمله غير مؤكدة إلى حد كبير، اعتماداً على شدة الصراع ومدته، والتغيرات في السياسات الإسرائيلية في الغرب.

 

وتضرر القطاع الخاص وبنيته الإنتاجية في قطاع غزة على نحو بالغ، مما أدى فعلياً إلى القضاء على القدرة الإنتاجية في عدد من مؤسساته، إذ تشهد القطاعات الاقتصادية الرئيسة توقفاً كاملاً للإنتاج والمبيعات، باستثناء بعض الأنشطة في مجالات الإغاثة الإنسانية والصحة والمخابز والتجارة الداخلية التي تركز على الغذاء والدواء.

القطاع الخاص في غزة

وحتى مايو (أيار) الماضي، كانت تقديرات البنك الدولي تشير إلى تدمير ما يصل إلى 62 في المئة من مؤسسات القطاع الخاص في غزة مع تقييم 17 في المئة من تلك المؤسسات مدمرة جزئياً، وقدرت الأضرار التي لحقت بمنشآت القطاع الخاص في قطاعات التجارة والصناعة والخدمات حتى نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من اندلاع الحرب، بنحو 1.655 مليار دولار، ومع احتساب المعدات والآلات والمخزون المفقود، فمن المتوقع أن ترتفع تقديرات الأضرار التي لحقت بالقطاع الخاص في غزة.

وأوقفت الحرب نشاط نصف منشآت القطاع الخاص في الضفة الغربية وقطاع غزة، إما توقف كامل عن الإنتاج أو سجلت انخفاضاً فيه، في نتيجة مباشرة للتوقف شبه الكامل للأنشطة التجارية في غزة وانخفاض العمليات في الضفة الغربية، إذ يعتقد البنك الدولي، أن 29 في المئة من المنشآت الاقتصادية الخاصة في الضفة الغربية توقفت عن الإنتاج أو شهدت انخفاضاً في قدرتها الإنتاجية، ومن ثم، تشير التقديرات إلى أن الخسائر المتراكمة في الضفة الغربية وغزة في الفترة من أكتوبر 2023 إلى يناير 2024 بلغت 2.3 مليار دولار، أو نحو 19 مليون دولار يومياً، في حين تأثر قطاع البناء بصورة ملحوظة، إذ وصلت نسبة الشيكات المرتجعة في القطاع إلى 60 في المئة من الإجمالي، ويواجه المطورون العقاريون البارزون تحديات مالية صعبة، مما يضع بعضهم على حافة الإفلاس.

تدمير شبكة الكهرباء

وقدرت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للكهرباء في غزة بنحو 280 مليون دولار وفقاً لأحدث تقييم كامل بعد أول ثلاثة أشهر فقط من الحرب، كما تأثر قطاع الأغذية الزراعية بشدة، مما أدى إلى تفاقم البطالة والفقر، وكذلك انعدام الأمن الغذائي.

يقول البنك الدولي، إنه قبل النزاع، أسهمت الزراعة الأولية بنحو ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان قطاع الأغذية الزراعية الأوسع يمثل نحو 15 في المئة، وكان هذا القطاع مصدراً مهماً لفرص العمل، ولعب دوراً حاسماً في ضمان الأمن الغذائي، سواء من خلال إنتاج الغذاء المحلي أو من خلال تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لسكان غزة.

تجريف القطاع الزراعي

ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن بين 81 إلى 96 في المئة من الأصول الزراعية في غزة تعرضت للأضرار أو التدمير، مما يصل إلى 629 مليون دولار من الخسائر، ويشمل ذلك أصول الإنتاج المختلفة، مثل البنية التحتية للري، ومزارع الماشية، والبساتين، والحيازات الزراعية، والآلات، ومرافق التخزين، ومحطات البحوث، وتركز أكثر من 60 في المئة من الأضرار في محافظتي شمال غزة وخان يونس.

 

وأدت القيود الإسرائيلية المفروضة على الاستيراد إلى منع دخول المواد الغذائية بما في ذلك التمور وبعض الأسمدة الزراعية والمواد الضرورية لتطوير وصيانة البنية الأساسية، مثل الخرسانة، إلى غزة، كما أدت الضوابط المفروضة على المواد ذات الاستخدام المزدوج إلى تدمير البنية الأساسية للكهرباء، وأسهمت في عجز مزمن في الطاقة في جميع أنحاء غزة، مما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي من خلال جعل التبريد غير موثوق به.

وواجهت قطاعات الطاقة والمياه والنقل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات اضطرابات كبيرة، مما أدى إلى توقف تقديم الخدمات الأساسية وأثر بشدة على الاتصالات، ويستمر أيضاً عدد الأشخاص الذين ليس لديهم منزل في الارتفاع، إذ تشير بيانات الأضرار عبر الأقمار الاصطناعية إلى زيادة في الأضرار التي لحقت بالمساكن، مما أدى إلى تشريد 1.1 مليون شخص.

وتعرضت البنية التحتية للنقل والطاقة للخطر، إذ تأثر ما يقارب ثلثا الطرق والموانئ والخطوط المغذية، وبينما لا تزال معدات التوليد الرئيسة في محطة توليد الكهرباء في غزة جاهزة للعمل، فقد تعرضت أنظمتها المساعدة لأضرار جزئية.

تضرر قطاعا الصحة والتعليم

وتشير تقديرات البنك الدولي حتى مايو الماضي، إلى أن أكثر من 83 في المئة من المرافق الصحية تعرضت للضرر أو الدمار، ويعاني قطاع التعليم بالمثل، إذ تضررت أو دمرت ما يقارب 78 في المئة من المرافق، مما أدى إلى توقف المدارس عن العمل.

وتلفت التقديرات إلى أن أكثر من 59 في المئة من البنية التحتية لقطاع المياه والصرف الصحي تضررت، مما ترك خدمات المياه والصرف الصحي في حالة يرثى لها، فيما شهد قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خسائر في أصوله تقدر بـ70 في المئة، مما أدى إلى انقطاع الاتصالات على نطاق واسع ولم يبق سوى التشغيل الجزئي للاتصالات الصوتية بسبب ازدحام الشبكة، وتدمير أبراج الاتصالات الخاصة بالمشغلين المحليين.

شيوع البطالة في سوق العمل

على هذه الخلفية، تضررت سوق العمل الفلسطينية الضعيفة بالفعل من الصراع في غزة والانكماش الاقتصادي في الضفة الغربية، مما أدى إلى ارتفاع مفاجئ وكبير في البطالة في نهاية عام 2023، وبناءً على التقارير الأخيرة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ومنظمة العمل الدولية، تشير التقديرات إلى أن معدل البطالة في غزة ارتفع إلى 75 في المئة في الربع الرابع من عام 2023، وأن أكثر من 201 ألف وظيفة فقدت في القطاع، حتى نهاية يناير 2024. علاوة على ذلك، فقد 148 ألف عامل من الضفة الغربية الذين عملوا سابقاً في إسرائيل والمستوطنات عملهم بسبب إلغاء أو تعليق تصاريح العمل.

 

ولم تحظَ محنة آلاف العمال الفلسطينيين بقطاع غزة من حملة تصاريح العمل في إسرائيل باهتمام كاف بوسائل الإعلام خلال أسابيع الحرب الأولى، فواقع الحال أن سياسة إسرائيل تجاههم تعد امتداداً لسياستها الأوسع حيال العمال الفلسطينيين منذ عام 1967، بحسب ما تشير مذكرة حديثة لمركز "كارنيغي للشرق الأوسط"، إذ استخدمتهم إسرائيل كأداة للتهدئة في إطار جهودها الرامية إلى إدارة الفلسطينيين واحتوائهم وتثبيت استقرار حكمها في الأراضي المحتلة، لكنها في كثير من الأحيان تعاملت معهم كعمال يسهل الاستغناء عنهم، وأخضعتهم إلى سياسة العقاب الجماعي نفسها التي تنتهجها بحق الفلسطينيين.

الأيدي العاملة الفلسطينية

يضيف المركز، أنه منذ أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة عقب الحرب العربية الإسرائيلية في يونيو (حزيران) 1967، تمثلت إحدى الركائز الأساسية لسياستها تجاه الأراضي الفلسطينية المحتل في دمج اقتصادها مع اقتصاد إسرائيل، خصوصاً من خلال جعله معتمداً على الاقتصاد الإسرائيلي، ولخص وزير الدفاع الإسرائيلي خلال حرب يونيو 1967 موشيه ديان، بوضوح هذه العلاقة المتصورة بين الاقتصادين، مشيراً إلى أن الأراضي المحتلة ستؤمن "سوقاً مكملة للسلع والخدمات الإسرائيلية من جهة، ومصدراً لعناصر الإنتاج، لا سيما اليد العاملة غير الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الإسرائيلي، من جهة أخرى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالفعل، شكل اعتماد اليد العاملة الفلسطينية على إسرائيل جانباً رئيساً من جوانب العلاقة الاقتصادية بين الأراضي المحتلة وإسرائيل على مدى العقود التالية، فبين عامي 1967 و1990، عملت نسبة تراوح ما بين 35 و40 في المئة من القوة العاملة الفلسطينية في إسرائيل، وشغلت على وجه الخصوص وظائف متدنية الأجر، كما يضيف المركز.

ويوضح أن ثمة عوامل اقتصادية وسياسية عدة دفعت إسرائيل إلى دمج العمال الفلسطينيين في سوق عملها وزيادة اعتمادهم عليها، فعلى المستوى الاقتصادي، كانت إسرائيل تواجه نقصاً في اليد العاملة، مما عرض ازدهارها الاقتصادي في فترة ما بعد الحرب للخطر، فيما ضمت الأراضي المحتلة أعداداً كبيرة من العمال العاطلين من العمل، نظراً إلى أن نصف العمال هناك تقريباً فقدوا وظائفهم خلال الأعوام الأولى من الاحتلال، لذا رأت إسرائيل في العمال الفلسطينيين يداً عاملة رخيصة.

تصاريح العمل الإسرائيلية

الأهم من ذلك، اعتبرت إسرائيل أن البطالة في صفوف الفلسطينيين تشكل مصدراً محتملاً للمعارضة وانعدام الاستقرار، وأن دمج العمال الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلية هو وسيلة لتحسين معيشتهم من جهة، وزيادة اعتمادهم على سوق العمل الإسرائيلية كمصدر أساسي لتأمين الدخل، وكان المنطق خلف هذا التفكير هو أن حرمان الفلسطينيين سيؤدي إلى اشتداد المعارضة لإسرائيل، في حين أن تحقيق الازدهار الاقتصادي وربط دخل الفلسطينيين بإسرائيل قد يسهمان في ثنيهم عن دعم أنشطة المقاومة، ما من شأنه توطيد استقرار الحكم الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، كما يوضح المركز.

لكن، مع أن إسرائيل كانت تعد العمال الفلسطينيين عاملاً أساسياً في سياستها الرامية إلى إدارة الفلسطينيين واحتوائهم، ظلت تعاملهم كعمال يسهل الاستغناء عنهم، فكانوا يتعرضون للاستغلال على أيدي أصحاب العمل الإسرائيليين، بسبب محدودية قدرتهم على اللجوء إلى القضاء وافتقارهم إلى التأمين الصحي، على رغم عملهم في قطاعات عالية الأخطار (مثل البناء والتصنيع) يرتفع فيها احتمال التعرض إلى حوادث عرضية.

واصل الإسرائيليون اعتماد هذه السياسة ذات الوجهين تجاه العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة بعد توقيع اتفاقات أوسلو في عام 1993، وهكذا، بعد سيطرة "حماس" على غزة في عام 2007، وفرضت إسرائيل حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على القطاع، شددت السلطات الإسرائيلية بصورة كبيرة القيود المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع من القطاع وإليه، ومنذ ذلك الحين ووصولاً إلى عام 2014، حظرت إسرائيل دخول العمل من غزة إلى نطاقها، لكن في أواخر عام 2014، سمحت بصورة غير رسمية بدخولهم مجدداً، لكن وفق نسب محدودة جداً بموجب تصاريح التجار، وصل عددها عشية اندلاع الحرب الراهنة إلى نحو 18500 ترخيص.

وبحسب مركز "كارنيغي"، شكل ذلك جزءاً من سياسة إسرائيلية أوسع هدفها "إنعاش الوضع الاقتصادي" في غزة، من خلال تحسين مستوى معيشة سكان القطاع للحفاظ على "الهدوء" وتجنب انفجار الأوضاع بسبب الظروف الاقتصادية المزرية.

على الأرجح، نجحت إسرائيل في تقويض قدرات غزة الإنتاجية على استعادة قدراتها السابقة قبل الحرب على ما كانت عليه حتى من وضع مزر، ويبدو أن غزة ستظل تعاني لعقود طويلة آثار هذه الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل، وهو ما سيضع تحديات صعبة ومعقدة في وجه السلطات التي ستحكم القطاع في اليوم التالي للحرب.

اقرأ المزيد