Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل تقترب من تحقيق حلم تدشين قناة بديلة للسويس؟

من المتوقع أن تدر لها ما لا يقل عن 6 مليارات دولار سنوياً وتضمن لها السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالمياً

أعدت وزارة الطاقة الأميركية عام 1963 مخططاً سرياً لـ"قناة بن غوريون" كبديل عن قناة السويس بعد أن أغلقت بوجه الملاحة الإسرائيلية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر (رويترز)

ملخص

إحكام السيطرة على شمال القطاع، سيقرب وفقاً لتحليلات، تنفيذ مشروع "قناة بن غوريون" التي تربط إيلات (جنوب إسرائيل) على البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، وسيختصر على إسرائيل نحو 100 كيلومتر من الطول السابق المخطط للقناة، ويكون ميناء غزة هو وجهة الوصول والمغادرة بين البحرين الأبيض والأحمر.

خلال ما يقارب عاماً على الحرب، أعاد الجيش الإسرائيلي تشكيل قطاع غزة وفقاً لحاجاته، وأنشأ منطقة عازلة تطوق القطاع وسوّى كل المباني الموجودة داخلها بالأرض تقريباً ومنع الفلسطينيين من دخولها.

وبينما تعتبر قضية عودة مليون فلسطيني هجروا من شمال القطاع إلى مساكنهم إحدى النقاط الساخنة على جدول أعمال مفاوضات تبادل الأسرى بين حركة "حماس" وإسرائيل، تتجه أنظار مؤسسة الحرب الإسرائيلية باستمرار نحو السيطرة التامة على شمال القطاع. وإلى جانب تأكيد وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت أول أمس الأحد أن "الجيش أصبح مستعداً لنقل مركز ثقله إلى الشمال"، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن الجيش يدرس خطة جديدة لتهجير ما بقي من فلسطينيي شمال غزة الذين يقدر عددهم بنحو 300 ألف شخص عبر الممرات الآمنة التي يحددها الجيش خلال أسبوع، من خلال تضييق الخناق على الفصائل الفلسطينية هناك ودفعها إلى مواجهة خيار الموت أو الاستسلام، ضمن ما يعرف "بخطة الجنرالات" التي دعا ضمنها عشرات من كبار ضباط الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، إلى "تحويل منطقة شمال ممر نتساريم بأكملها، بما يشمل مدينة غزة وجميع أحيائها، إلى منطقة عسكرية مغلقة". ووفقاً لتحقيق إسرائيلي نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية يستند إلى صور للأقمار الاصطناعية ومصادر عسكرية، "يستولي الجيش اليوم على 26 في المئة من أراضي القطاع".

 

إلى جانب الأهمية الأمنية لشمال قطاع غزة، يغرّد محللون وخبراء بين فينة وأخرى، أن إسرائيل تسعى إلى فرض سيطرتها التامة هناك، ليس فقط من أجل تحقيق حلم المستوطنين بإعادة الاستيطان، على رغم ما فيه من تحدٍّ للقانون الدولي، بل أيضاً لتحقيق أهداف استراتيجية وحيوية كبرى لتل أبيب ظلت حبيسة الأدراج لعقود، إذ إن إحكام السيطرة على شمال القطاع، سيقرّب وفقاً لتحليلات، تنفيذ مشروع "قناة بن غوريون" التي تربط إيلات (جنوب إسرائيل) على البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، وسيختصر على إسرائيل نحو 100 كيلومتر من الطول السابق المخطط للقناة، ويكون ميناء غزة هو وجهة الوصول والمغادرة بين البحرين الأبيض والأحمر.

وكانت وزارة الطاقة الأميركية ومختبر لورانس ليفرمور الوطني أعدا عام 1963 مخططاً سرياً لقناة بديلة عن "قناة السويس"، بعد أن أغلقتها مصر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر بوجه الملاحة الإسرائيلية، إلا أن هذا المشروع لم ينفذ آنذاك نظراً إلى الصعوبات الكبيرة التي اعترضت مساره الجغرافي وطول القناة الزائد ما لم تخترق قطاع غزة وكلفته المرتفعة التي تقدر بما بين 16 و55 مليار دولار.

 

فرصة جديدة

بحسب المخطط وقتئذ، لا تمر "قناة بن غوريون" في قطاع غزة، بل تمتد من إيلات جنوباً على خليج العقبة ثم إلى وادي عربة بمسافة تبلغ 100 كيلومتر بين جبال النقب والمرتفعات الأردنية ثم تنحرف غرباً قبل بلوغ البحر الميت وحوضه، حيث تتجه القناة إلى وادٍ في سلسلة جبال النقب ثم تنحرف شمالاً مرة أخرى متجهة إلى أسدود على البحر المتوسط، على بعد كيلومترات قليلة إلى شمال قطاع غزة، بحيث تكون القناة أعرض وأعمق من قناة السويس بطول يصل إلى نحو 292 كيلومتراً وبعمق نحو 50 متراً، وهي ذات مسارين متوازيين، إلا أنهما منفصلان، مما يجعلها مناسبة لعبور أضخم السفن وإقامة الفنادق والمدن والموانئ العائمة، ونمو منتجعات سياحية، وشركات عابرة للقارات، ومناطق اقتصادية حرة، من شأنها أن تمنح إسرائيل السيطرة على واحدة من أهم نقاط الشحن في العالم. ووفقاً للمذكرة التي رفعت السرية عنها عام 1996 ونشرتها صحيفة "بيزنس إنسايدر"، كانت الخطة تعتمد على استخدام 520 قنبلة نووية لشق الممر المائي، وحفر قناة البحر الميت عبر صحراء النقب، إلا أنه وبعد اتفاق "كامب ديفيد" للسلام بين مصر وإسرائيل عام 1978، سلّمت إسرائيل لصعوبة الفكرة وغاب الحديث عنها كلياً، قبل أن تظهر مجدداً عام 2015 حين نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" مقالة بيّنت حجم الاستفادة الاقتصادية المتوقعة لإسرائيل إذا ما طبق مشروع القناة في الحقيقة، بل اقترح إعطاء مصر مقعداً في مجلس إدارة القناة المنشودة لضمان تكاملها مع "قناة السويس" وتوزيع الحركة التجارية العالمية في ما بينهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت حادثة جنوح سفينة الحاويات الضخمة "إيفرغيفن" في قناة السويس عام 2021 لستة أيام، وتوقف ما لا يقل عن 369 سفينة في طابور للمرور من القناة ببضائع بقيمة 9.6 مليار دولار، أثارا مخاوف دول عظمى من احتمال أن يصبح هذا الشريان الحيوي للشحن العالمي نقطة اختناق، على اعتبار "قناة السويس" نقطة عبور حيوية لتجارتها ولمرور أساطيلها الحربية كذلك.

وأسهم انضمام مصر إلى عضوية مجموعة "بريكس" وتقاربها مع روسيا والصين أخيراً في زيادة دعم الولايات المتحدة حليفتها الاستراتيجية بالنسبة إلى شق "قناة بن غوريون"، ودفع كذلك نقل السيادة على جزيرتي "تيران" و"صنافير" من مصر إلى السعودية، تل أبيب للإعلان عن الاستعدادات للبدء بتنفيذ القناة كبديل عن "قناة السويس" التي تستحوذ حالياً على نحو 20 في المئة من حركة النقل في البحار بنحو 92 سفينة يومياً، وعبرت خلال عام 2022 نحو 22 ألف سفينة منها، مما يمثل 12 في المئة من التجارة العالمية وبعائد مالي على الخزانة المصرية يصل إلى نحو 10 مليارات دولار سنوياً، فضلاً عن أنها شريان حيوي لشحنات السلع المصنعة والحبوب والوقود الأحفوري. وتشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى أن "خمسة في المئة تقريباً من النفط الخام في العالم و10 في المئة من المنتجات النفطية وثمانية في المئة من تدفقات الغاز الطبيعي المسال المنقولة بحراً تمر عبر قناة السويس".

 

أهمية استراتيجية

نظراً إلى الأهمية الجيوسياسية لقطاع غزة لأنه منطقة مهمة على ساحل البحر المتوسط، وزادت أهميته أكثر بعد اكتشاف الغاز في هذه المنطقة من حوض المتوسط، يرى خبراء أن المساعي الإسرائيلية لتنفيذ مشروع "قناة بن غوريون" ينبع بالأساس من أسباب اقتصادية، فالمتوقع أن تدر لها القناة ما لا يقل عن ستة مليارات دولار سنوياً قابلة للزيادة، وفي المقابل ستنخفض إيرادات "قناة السويس" إلى نحو اربعة مليارات دولار سنوياً.

 أما استراتيجياً، فتلك القناة ستضمن لإسرائيل السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالمياً، وستصبح موانئها حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا، وتصبح مصالح الدول المستوردة للنفط والغاز مرتبطة بالحفاظ على مصالح إسرائيل. وبحسب تحليل موسع لمركز "أوراسيا رفيو" للأبحاث أعده الكاتب ماتيجا سيريتش، فإن القوى الغربية، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لديها دوافع لخلق بدائل عن "قناة السويس"، وإلى جانب أن القناة ضيقة وليست عميقة ومن الممكن أن تُسد بسهولة وفيها اختناقات مرورية متكررة، فإن هذه القوى ترى في مصر الحليف الوثيق لروسيا الاتحادية التي يعتبرها الغرب تهديداً أمنياً كبيراً.

وبحسب سيريتش، فإن "قناة بن غوريون" ستكون أكثر كفاءة من "قناة السويس" لأنها إضافة إلى قدرتها على استيعاب عدد أكبر من السفن، فإنها ستمكن من النقل المتزامن بين الاتجاهين للسفن الكبيرة من خلال تصميم فرعين للقناة.

 

 

وعلى عكس "قناة السويس" التي تقع على طول الشواطئ الرملية، فإن القناة الإسرائيلية ستكون لها جدران صخرية لا تحتاج إلى أي صيانة تقريباً وسيكون عمق كل فرع مقترح للقناة 50 متراً وعرضه نحو 200 متر، وسيكون أعمق من "قناة السويس" بـ 10 أمتار، ويمكن للسفن التي يبلغ طولها 300 متر وعرضها 110 أمتار أن تمر عبر القناة، وسيستغرق بناء القناة خمسة أعوام وسيشارك في عملية البناء 300 ألف مهندس وفني من جميع أنحاء العالم. ويقول سيريتش إن سيطرة إسرائيل على القناة لن يكون له تأثير كبير في سلاسل التوريد الدولية للنفط والغاز والحبوب فحسب، بل أيضاً في التجارة العالمية بصورة عامة بما يجعل تل أبيب أقل عرضة لضغوط الدول الأخرى.

ويرى رئيس قسم الجغرافيا وبرنامج الجيوإنفورماتكس في جامعة بيرزيت مروان غانم أن أطماع إسرائيل بشق القناة مروراً من قطاع غزة "يرجع إلى طبيعة تضاريس القطاع الرملية والرسوبية السهلة التي تختصر كثيراً من الجهد والوقت والمال، مقارنة بالمخطط القديم للقناة الذي يتطلب المرور عبر صخور نارية وقاسية"، وأكد أن "الكلفة الباهظة المقدرة لتنفيذ ’قناة بن غوريون‘ لن تقف عائقاً أمام تل أبيب التي تتلقى الدعم الكامل من الولايات المتحدة الأميركية".

 

بديل بري

في الثاني من أبريل (نيسان) عام 2021، أعلنت إسرائيل أنه من المتوقع أن يبدأ العمل في القناة بحلول يونيو (حزيران) من العام ذاته، لكن ذلك لم يحدث، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كشف رسمياً في يوليو (تموز) من العام الماضي عن خطة بـ27 مليار دولار لتحديث شبكة السكك الحديد وبناء خط جديد من إيلات جنوباً إلى أسدود شمالاً بطول 350 كيلومتراً، وهو الخط الذي تطرحه إسرائيل بصورة صريحة كخط بديل عن "قناة السويس" في التجارة الدولية، بحيث تصل البضائع إلى ميناء إيلات وتنتقل براً إلى ميناء أسدود، أو العكس، وسيمكّن هذا الخط من نقل البضائع والسلع بانسيابية كبيرة وفي غضون يوم أو يومين، بدلاً من الحاويات العابرة لقناة السويس التي يستغرق النقل عبرها أكثر من 10 أيام. وبحسب الخطة الاستراتيجية لشركة السكك الحديد الإسرائيلية لعام 2040، من المتوقع أن يصل حجم الإنفاق على شبكات السكك الحديد وإدخال قطارات عالية السرعة لربط المدن والمراكز الرئيسة إلى نحو 35 مليار دولار.

وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن إدراك الولايات المتحدة لأهمية "قناة بن غوريون" سيمكّنها من محاصرة مجموعة "بريكس" ومن مواجهة مشروع "طريق الحرير" الذي باشرت الصين في إقامته ويرتبط ارتباطاً وثيقاً برؤية "مصر 2030" لخطة التنمية التي أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وسيمكنها كذلك من بناء محور منافس يضيّق على الصين وحلفائها في المنطقة وخارجها.

 

ومقابل انخفاض الاستثمارات الأميركية في مصر بنسبة 31 في المئة، زادت الاستثمارات الصينية فيها في الفترة ما بين 2017 و2022 بنسبة 317 في المئة، مما يبرر وفق محللين دعم الولايات المتحدة المطلق لإسرائيل في حربها على قطاع غزة وتزويدها المكثف بالسلاح والعتاد.

وكان جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، صرح خلال لقاء في جامعة هارفارد في مارس (آذار) الماضي بأن "الواجهة البحرية لقطاع غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة للغاية لإسرائيل التي يجب عليها إزالة المدنيين الفلسطينيين منها ونقلهم إلى صحراء النقب"، وبحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، فإن تصريحات كوشنر تعطي لمحة عن سياسة دونالد ترمب للشرق الأوسط إذا عاد إلى البيت الأبيض.

الاستيطان أولاً

وكشفت صحيفة "هآرتس" أمس الإثنين عن نتنياهو وحكومته اليمينية يستعدان للمرحلة المقبلة من الحرب على غزة التي تشمل التحضير للاستيطان وضم شمال القطاع. ووفقاً لتحليل رئيس تحرير الصحيفة ألوف بن، فإن إسرائيل تدخل المرحلة الثانية من الحرب على غزة عبر محاولتها استكمال سيطرتها على شمال القطاع حتى محور نتساريم. وأضاف أن المنطقة سيتم إعدادها تدريجاً للاستيطان اليهودي والضم إلى إسرائيل، اعتماداً على درجة المعارضة الدولية التي ستنشأ بعد مثل هذه الخطوات، وقال إنه إذا نُفذت الخطة، فسيتم إخراج السكان الفلسطينيين الذين بقوا في شمال غزة من هناك، وسيكون هذا انتصار نتنياهو المطلق.

وأشارت الصحيفة إلى أن تعيين العميد إلعاد غورين رئيساً للجهود الإنسانية المدنية في قطاع غزة ضمن وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الـ28 من أغسطس (آب) الماضي الذي يعادل رئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية، هو بمثابة إعلان دخول إسرائيل في المرحلة الجديدة من الحرب.

ويرى الباحث والمحلل السياسي عصمت منصور أن التعويل على الردود الدولية لإيقاف استيطان غزة وتدشين "قناة بن غوريون "مستقبلاً وغيرها من المشاريع، "ضرب من السذاجة"، مضيفاً أنه "ليس متوقعاً من المجتمع الدولي الذي تقاعس عن حشد الزخم الكافي لإيقاف الإبادة الجماعية ومنع إسرائيل من استخدام الجوع سلاحاً لعقاب المدنيين، أن ينتفض عند زرع المستوطنين شمال القطاع، أو أن يعتبر تدشين قناة من شأنها تغيير وجه الشرق الأوسط خطاً أحمر".

المزيد من تحقيقات ومطولات