Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هجرة عكسية للتونسيين نحو أفريقيا للاستثمار والعمل

شركات تعمل على مشاريع كبرى في دول مثل السنغال وساحل العاج

توفر أفريقيا سوقاً واعدة في ظل الثروات التي تزخر بها القارة (أ ف ب)

ملخص

اختار تونسيون التوجه نحو دول أفريقية مثل ساحل العاج والنيجر ومالي للاستثمار أو العمل هناك، مما يمنحهم آفاقاً جديدة في ظل ما تعانيه بلادهم من مشكلات مالية واقتصادية

في وقت تتصاعد فيه المخاوف في تونس من إغراق البلاد بالمهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، الذين يحدوهم أمل الوصول إلى السواحل الأوروبية انطلاقاً من تونس، اختار تونسيون سواء كفاءات أم مؤسسات التوجه نحو دول أفريقية مثل ساحل العاج والنيجر ومالي للاستثمار أو العمل هناك.

وجسدت هذه الظاهرة ما يشبه الهجرة العكسية داخل أفريقيا التي تئن بالفعل تحت وطأة أزمات أمنية واقتصادية وسياسية، وهو ما يمنح التونسيين آفاقاً جديدة في ظل ما تعانيه بلادهم من مشكلات مالية واقتصادية.

أخطار استثنائية

أمين الماجري تونسي يعمل في مجال الاستشارات قرر قبل نحو خمسة أعوام مغادرة بلاده نحو النيجر، البلد الذي كثر الحديث عنه العام الماضي إثر انقلاب عسكري نفذه قائد الحرس الرئاسي عبدالرحمن تياني، ضد الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم.

وقال الماجري في حديث لـ"اندبندنت عربية" إن "التجربة أو مسار العيش في النيجر ليست سيئة، لكن الذهاب نحو دول مثل الساحل الأفريقي في هذه المرحلة محفوف بأخطار مثل حدوث الانقلابات العسكرية مثل ذلك الذي حدث في النيجر".

وتابع أن "هذه الانقلابات قد تعكر صفو العمل أحياناً، إذ يمكن أن تتسبب في سقوط صفقات أو تمويلات، بالنسبة إلى العمل في دول أفريقيا جنوب الصحراء يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أنواع بالنسبة إلى التونسيين، هناك المؤسسات التي تنشئ فروعاً هناك وتبدأ العمل في مجالات مثل الكهرباء والبنى التحتية وغير ذلك، وهذا الشكل نجده بشكل رئيس في السنغال وساحل العاج".

وأوضح الماجري أن "الفئة الثانية هي للمستقلين الذين خرجوا للبحث عن عمل ثم فتح مشروع مستقل، وشخصياً اخترت هذا الطريق، وقمت باستشارات في النيجر، ثم أنشأت مؤسسة خاصة بي، أما الفئة الثالثة فهم العمال والموظفون مثل المهندسين الذي يتسلمون مناصبهم في مؤسسات أجنبية".

وتشهد النيجر مثل سائر دول غرب أفريقيا أزمات أمنية مرتبطة بانتشار حركات تمرد وجماعات متشددة، وهو أمر دفع في البداية السلطات السابقة إلى الاستعانة بفرنسا، المستعمر القديم لهذه الدولة، من أجل إسنادها في مواجهتها لهذه الجماعات، لكن بعد الانقلاب العسكري الذي نفذه تياني في الـ26 من يوليو (تموز) 2023 قررت السلطات الجديدة تغيير الحليف والتوجه نحو روسيا.

ومع ذلك يقول الماجري "في الواقع، الأزمة الأمنية لم تقلقنا خصوصاً في النيجر، إذ هناك شعب مسالم ولم تحدث أي تعقيدات أو مشكلات اجتماعية، المشكلات ربما على الحدود في النيجر مثل أي بلد آخر قد يواجه تهديدات على حدوده أم على مستوى الإرهاب".

غياب الدعم

وعلى رغم أن أفريقيا توفر سوقاً واعدة في ظل الثروات التي تزخر بها القارة، إلا أن كثيراً من التونسيين يشكون غياب دعم السلطات لهم لاسيما على مستوى وضع استراتيجيات للعمل هناك في ظل التنافس مع قوى دولية عملاقة مثل الصين التي تضخ استثمارات ضخمة.

وفي مايو (أيار) الماضي استقبل رئيس الوزراء النيجري المعين حديثاً محمد الأمين زين، وفداً من المستثمرين التونسيين الذين عرضوا التعاون مع نيامي في مجالات مثل الصحة والفلاحة والطاقة.

وقال المستثمر التونسي والمهندس كريم الفرياني إن "السلطات في تونس لم تقدم استراتيجية مهيكلة وواضحة للعمل في أفريقيا، ولا توجد تسهيلات إدارية أو غيرها تمكن المستثمرين من الانتقال بسلاسة للعمل في أفريقيا".

وتابع الفرياني "على المستوى الأفريقي هناك فراغ اليوم تتركه فرنسا بعد انسحابها، وهو فراغ يسمح للتونسيين بلعب دور متقدم من أجل ملئه، لكن الصعوبات تكمن في التمويل بشكل رئيس لأن التحويلات المالية وغيرها عادة ما تتم عبر البنك الفرنسي وغير ذلك من الإجراءات الصعبة والمعقدة، في مالي وبوركينافاسو والنيجر على سبيل المثال هناك محاولات من الفرنسيين لتعطيل عملنا".

وشدد على أن "هناك صعوبات أخرى تتمثل في التنقل خصوصاً داخل النيجر في ظل الاضطرابات الأمنية التي تحدث أحياناً، وهذه الصعوبات تتجسد بشكل خاص في نقل السلع والبضائع من ميناء إلى آخر أو غير ذلك".

وأفاد الفرياني بأنه "على رغم ذلك فإن للتونسيين ميزة مهمة وهي أنهم يعملون بجودة متساوية مع الفرنسيين وغيرهم، وبرواتب أقل من الفرنسيين والغربيين بشكل عام، ناهيك عن ميزة اللغة، إذ نتقن نحن التونسيون الفرنسية بشكل جيد، مما يسمح لنا بالاندماج سريعاً في المجتمعات الأفريقية الفرنكفونية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجود كبير ولا تشويش

وتشهد تونس منذ أعوام هجرة الكفاءات من مهندسين وأطباء وغيرهما، وذلك في وقت ترتفع فيه نسب البطالة في البلاد التي طاولت حتى النخب.

وقال رئيس الغرفة النقابية للمستشارين في التصدير رياض عزيز إن "الثابت أن الوجود التونسي في أفريقيا جنوب الصحراء هو وجود كبير نسبياً، إذ نجد في النيجر مثلاً ما لا يقل عن 300 شخص يعملون في مجال الاستشارات وغيره، وفي ساحل العاج أكثر من 2000 تونسي من الكفاءات التي تشمل المهندسين وغيرهم".

وأردف عزيز في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "هناك شركات تونسية تعمل على مشاريع كبرى في دول مثل السنغال وساحل العاج، وهذا الوجود مستمر على رغم التنافس من دول مثل كندا وبعض الدول المغاربية، وذلك بالنظر إلى مغادرة فرنسا التي حسم الأمر في شأنها من الأفارقة".

ولفت إلى أن "هناك معطى آخر يخدم الحضور التونسي وهو الحياد الإيجابي الذي تتوخاه تونس على المستويين الدبلوماسي والسياسي، إذ ليس لدينا أي نزاعات مع دول يمكن أن تشوش علينا".

واستنتج عزيز أن "الحضور التونسي على مستوى الكفاءات أو المستثمرين ليس وليد اللحظة، إذ كان في البداية بالستينيات ثم انخفض، لكن شهدنا عودة قوية في الألفينات، إذ سجلنا هجرة كثير من المستشارين التونسيين للعمل في عدد من الدول الأفريقية، لكن تنقصنا الإحصاءات حول أعداد هؤلاء الذين يعملون هناك".

نزيف للكفاءات

وعلى رغم أن توجه التونسيين للاستثمار أو العمل في أفريقيا يرسخ حضوراً لبلادهم هناك، إلا أن ذلك يطرح من جديد معضلة نزف الكفاءات التي تغادر البلاد صوب دول أجنبية.

وفي عدد من الدراسات سواء الرسمية أم تلك التي قامت بها منظمات غير حكومية في تونس، فإن آلاف الأطباء اختاروا الرحيل للعمل في دول أوروبية أو كندا أو أفريقيا وهو ما يشكل تحدياً أمام السلطات التي تقف عاجزة عن وضع حد لنزف الكفاءات.

وعلى رغم أن جائحة كورونا سلطت الضوء على نزف الكفاءات الطبية وغيرها، لكن ذلك لم يشكل حافزاً لإيجاد حلول لهذه المعضلة.

وقال وزير الأشغال السابق فوزي عبدالرحمن إن "هناك واقعاً يفرض على آلاف التونسيين الهجرة سنوياً سواء نحو أفريقيا أم غيرها من الوجهات، مثل ظروف العمل السيئة في المستشفيات وغير ذلك".

وأضاف عبدالرحمن في تصريح خاص أن "غياب المشروع المجتمعي الذي من شأنه أن يكرس وحدة وطنية يجعل التونسيين يقبلون على الخلاص الفردي كملاذ لانتهاء السردية الجماعية التي تمكن التونسيين من العيش مع بعضهم بعضاً".

وفي ظل التنافس المحموم بين قوى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا على النفوذ في الساحل الأفريقي، فإن المحك الحقيقي هو احتفاظ التونسيين بمجالات عملهم في هذه المنطقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير