Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موازنة تقليدية لتونس في 2025 والنتائج مجهولة

وزارة المالية سنت إجراءات لمقاومة الغش والسرقة في استهلاك المحروقات والكهرباء وتراهن على العمق الاجتماعي للدولة

موازنة تونس العام المقبل ستبلغ 25.7 مليار دولار (أ ف ب)

وسط مناخ اقتصادي متعثر في ظل تواضع المؤشرات الاقتصادية الكلية وتدني نسبة النمو وتواصل ارتفاع التضخم وتعطل الاستثمار، رسمت الحكومة التونسية مشروع موازنتها للعام المقبل بهدف تقليدي يتمثل في الإقلاع الاقتصادي وتعافي مختلف المؤشرات.

الحكومة التونسية تقر أن إعداد مشروع قانون المالية وموازنة الدولة لسنة 2025 تم في مرحلة ما زالت محفوفة بتعدد الأخطار الخارجية وضبابية الرؤية على مستوى آفاق استقرار الوضعية الجيوسياسية والنمو الاقتصادي في العالم، وتعدد الرهانات على المستوى الوطني بالعلاقة مع استكمال مختلف الإصلاحات المالية والهيكلية وتحقيق أهداف ملموسة تلبي الحاجات وترتقي إلى تطلعات كل الفئات الاجتماعية ومختلف الفاعلين الاقتصاديين من جهة أخرى.

وتتوقع الحكومة أن يصل حجم الموازنة الجديدة إلى 79.8 مليار دينار (25.7 مليار دولار) مقابل 77.8 مليار دينار (25 مليار دولار).

أهداف قديمة جديدة

على غرار كل عام تستهدف وزارة المالية المشرفة الأولى والوحيدة على إعداد الموازنات جملة من الأهداف التي تتكرر تقريباً عند إنجاز كل موازنة، إذ تستهدف هذا العام استعادة نسق النمو الاقتصادي من خلال تحفيز قطاعات الإنتاج ذات القيمة المضافة العالية، وحسن إدارة الأخطار المرتبطة بالتغيرات المناخية وتأثيرها في القطاع الفلاحي (الزراعي) والقطاعات المرتبطة به، وتشجيع الاستثمار في كافة المجالات وخصوصاً في مجال الطاقات النظيفة والمتجددة وتطوير الاقتصاد الأخضر والأزرق والدائري.

وترنو مواصلة مكافحة الإقصاء المالي ودعم الإدماج الاجتماعي والاقتصادي، من خلال وضع وتطوير البرامج والآليات الملائمة لدعم حوكمة الإدماج المالي وتطوير التمويل الرقمي والتأمين الصغير وحماية مستهلكي الخدمات المالية.

أيضاً، تستهدف الحكومة التحكم التدرجي في التوازنات المالية وتقليص حجم الاستدانة الخارجية قدر الإمكان، والاعتماد على مصادر التمويل المحلية كركيزة أساسية لضمان استدامة المالية العامة ولتكريس السيادة الوطنية والمحافظة على استقلالية القرار الوطني.

توجه اجتماعي

ويرتكز مشروع الموازنة الجديدة على توجه اجتماعي للدولة مدفوعاً من الرئيس التونسي قيس سعيد المرشح للانتخابات الرئاسية في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، لتركيز مقومات الدولة الاجتماعية إثر تدني المرافق والخدمات الاجتماعية في السنوات الأخيرة.

وسعياً لهذا التوجه ستعمل الحكومة العام المقبل على تحقيق التوازن بين البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي، والقائم على التوجه الرامي إلى مقاومة الفقر وضمان الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية لجميع الفئات من دون استثناء، واعتماد سياسة اجتماعية قوامها تكريس مبدأ تكافؤ الفرص وضمان العدالة الاجتماعية عبر إقرار جملة من السياسات لمزيد الإحاطة بالفئات الاجتماعية محدودة الدخل والطبقة الوسطى ودعم القدرة الشرائية للمواطن وتعزيز التمكين الاقتصادي للفئات محدودة الدخل والفقيرة.

وينتظر في هذا الصدد تدعيم نفقات التدخلات في الميدان الاجتماعي باعتبارها نفقات تهدف بالخصوص إلى إعادة توزيع عادل للدخل ومقاومة الفقر وإعادة توازن برامج التضامن الوطني والسكن الاجتماعي، ومزيد دعم الصحة والتربية من خلال منح للطلبة والترفيع في عدد العائلات محدودة الدخل 2025 والإعانات المدرسية والجامعية، وستتم زيادة مبالغ المنحة المالية المسندة لكل عائلة بالموازنة الجديدة، ومن المنتظر ان تبلغ نفقات الأجور العام المقبل 24.7 مليار دينار (7.9 مليار دولار)

فرضيات مبهمة

في غضون ذلك، لم تفصح الوزارة التونسية عن فرضيات إعداد موازنة البلاد في عام 2025، خصوصاً على مستوى ضبط نسبة النمو المستهدفة أو سعر صرف الدينار مقابل الدولار الأميركي تخوفاً من العمليات الاحتكارية التي قد تعصف بهشاشة العملة المحلية، معولة على استقرار سعر صرف الدينار التونسي أمام العملات الرئيسة.

ومقابل ذلك كشفت وثيقة إعداد الموازنة أن الوزارة وضعت فرضية معدل سعر برميل النفط خام "برنت" في حدود 77.4 دولار للبرميل.

وفي الأثناء، توقع تقرير صندوق النقد العربي صادر في يوليو الماضي، أن يرتفع نمو اقتصاد تونس إلى 2.2 في المئة في عام 2025، مع إمكانية انحسار التضخم عند مستوى 5.7 في المئة مدفوعاً بـ"التقدم في الإصلاحات الهيكلية" التي تنفذها السلطات

الضغط على الانتدابات في الوظائف الحكومية

تقريباً للعام الثامن، تواصل مختلف الحكومات التونسية المطلعة من كثب على وضعية المالية العامة المتدهورة للبلاد، ضغطها على الانتدابات في الوظائف الحكومية بترشيدها وتوجيهها بحسب الأولويات القطاعية (الصحة والتعليم والامن) مع عدم تعويض الشغورات، والسعي إلى تغطية الحاجات المتأكدة بإعادة توظيف الموارد البشرية المتوافرة أو من طريق ما يسمى "الحراك الوظيفي" (تنقل الموظفين من إدارة إلى أخرى).

ويفترض هذا الإجراء مواصلة العمل على التحكم في كتلة الأجور والنزول بها إلى نسب معقولة من الناتج المحلي الإجمالي، بالعمل على النزول بنسبة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى 12.6 في المئة مقابل 13.5 في المئة مقدرة في عام 2024.

مقاومة الغش والسرقة

ربما الإجراء اللافت للنظر في توجهات وملامح موازنة تونس العام المقبل هي مقاومة الغش والسرقة في كل ما يهم المحروقات، إذ يقترح المشروع المعروض مواصلة التحكم في منحة الدعم خلال عام 2025، بخاصة من خلال اتخاذ إجراءات لتحسين الأداء والتقليص من كلفة الإنتاج لكل من الشركة التونسيــة للكهرباء والغاز والشركة التونسية لصناعات التكرير.

 وتتمثل الإجراءات من هذا المنظور تنفيذ إجراءات للحد من الانتفاع غير المشروع من الكهرباء والغاز وتحسين تحصيل الفواتير غير المستخلصة، وذلك بغاية تقليص الخسائر عبر شبكة الكهرباء والغاز، لا سيما أن خسائر الشركة الحكومية فاقت 3600 مليون دينار (1161.2 مليون دولار) إلى حدود منتصف هذا العام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقترح المشروع ذاته، مراقبة مسالك التوزيع بالنسبة لقوارير الغاز المعدة للاستهلاك المنزلي في ظل تنامي استعمال هذه القوارير لأغراض تجارية وفي العديد من المهن والحرف في البلاد.

وبشأن محور دعم المواد الأساسية فإن مشروع الموازنة لم يأت بالجديد في التعاطي مع هذا الملف الشائك، إذ لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية لتحسين التزويد أو توفير المواد الاستهلاكية المدعمة التي تفقد في السوق من وقت لآخر ما يغذي السوق السوداء. واكتفى مشروع الموازنة المطروح بالتأكيد على مواصلة العمل على تحسين كفاءة منظومة الدعم بترشيد الاستهلاك وتعزيز مراقبة مسالك التوزيع ومقاومة مظاهر الاحتكار والمضاربة والتهريب.

مواصلة الإصلاح الضريبي

ضمن هذا المحور حمل مشروع موازنة تونس للسنة المقبلة بعض الأفكار والوجهات من بينها، إعداد تصور جديد لإرساء نظام ضريبي عادل يتماشى مع أولويات وأهداف المرحلة والرؤية الاستراتيجية للبلاد، ويسهم في تكريس مبادئ العدالة الاجتماعية.

وسيتم ذلك عبر حزمة من الإجراءات من أهمها، إعادة التوزيع العادل للعبء الجبائي بين مختلف الفئات الاجتماعية كل بحسب مستوى دخله، وتخفيف هذا العبء على الفئات الاجتماعية متوسطة ومحدودة الدخل ودعم قدرتها الشرائية.

ويقترح أيضاً مواصلة التصدي للتهرب الضريبي وتوسيع قاعدة الأداء وإدماج القطاع الموازي مع التحكم في النفقات المالية والجبائية، من خلال العمل على مواصلة ترشيد الامتيازات وتوجيهها نحو القطاعات ذات الأولوية ودعم تنافسية المنتجات التونسية مقارنة بمثيلاتها الموردة التي يتم تسويقها بالسوق المحلية.

لا زيادة في أسعار المحروقات

وتعليقاً على مجمل توجهات مشروع الموازنة الجديد قال بسام النيفر المتخصص المالي إن المشروع لم يحمل الجديد وإن هناك خطة وطنية للإصلاح وهي بصدد تنفيذها تدريجاً، معتبراً في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن مشروع الموازنة وفي خطوطها العريضة لم يحمل إجراء زيادة في أسعار المحروقات بصورة عامة، مستدركاً "لكن نص على التحكم في فاتورة المحروقات من خلال التقليص من كلفة إنتاج الكهرباء بالتركيز على الإنتاج المتأتي من الطاقات المتجددة".

جهود لتحسين الاستثمار العمومي

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد النقدي بجامعة قرطاج معز السوسي ـ إن "مشروع الموازنة الجديد حمل انسجاماً أكثر مع توجهات المخطط التنموي لأعوام 2027"، معتبراً أن هناك جهوداً هامة ملموسة في مجال النهوض بالاستثمار العمومي لمعالجة قضايا شائكة على غرار إيجاد حلول للشح المائي والتغيرات المناخية والنهوض بإنتاج الطاقات المتجددة.

ولفت في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إلى أن محور الإصلاح الضريبي حمل معه إجراء اعتبره مهماً، والمتمثل في التقليص من الأداءات (الضرائب) على الموظفين والعاملين في القطاعين العام والخاص ما سيسمح بزيادة قيمة أجورهم لمجابهة تواضع قدرتهم الشرائية.

وأبرز في هذا الصدد أن "المشروع أعطى أكثر عمق للسياسة الاجتماعية للدول مستدلاً في ذلك على الإجراءات المنتظر تفعيلها والمتمثلة في زيادة في جرايات العائلات الفقيرة"، متوقعاً أن تزيد موازنة تونس العام المقبل ما بين ستة وسبعة في المئة، مطالباً في الوقت نفسه بضرورة مراقبة خدمة الدين التي قال إنها "تظل من أهم التحديات".

اقرأ المزيد