ملخص
في إطار التعاون، سيتم في المرحلة المقبلة تكوين 35 ألف عون من الحرس الوطني في تونس وهي خطوة وصفها جوي هود بـ"الثورة المهمة في العلاقات بين تونس والولايات المتحدة".
في القاعدة الجوية العوينة، تسلمت تونس أربع طائرات من طراز "C208" من قبل الولايات المتحدة الأميركية في خطوة تعكس إعطاء العلاقات بين واشنطن وتونس زخماً جديداً إثر مخاوف من تمدد روسي–صيني في البلد الواقع شمال أفريقيا.
وتشهد تونس منذ أيام حراكاً أميركياً ترجمته تصريحات للسفير جوي هود الذي كشف عن ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية معها "بما سيؤهلها لتصدير الأمن إلى محيطها الإقليمي والأفريقي" من دون أن يكشف مزيداً من التفاصيل.
لكن تصريحات هود جاءت بعد أيام من إعلانه مشاطرة الولايات المتحدة الأميركية المخاوف الأوروبية من تنامي النفوذ الروسي-الصيني في تونس مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت التحركات الأميركية الأخيرة لقطع الطريق أمام بكين وموسكو.
وفي الأشهر الماضية تكررت الزيارات بين المسؤولين التونسيين والصينيين والروس مما أثار حفيظة القوى الأوروبية التي عبر عنها بصورة علنية مفوض السياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل.
حفاظ على الهيمنة الغربية
الطائرات التي تسلمتها تونس تبلغ قيمتها نحو 55 مليون دولار أميركي (نحو 170 مليون دينار) وهي طائرات تستهدف "القدرات العسكرية والعملياتية للجيش الوطني في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود"، بحسب ما كشف وزير الدفاع التونسي المُعين حديثاً، خالد السهيلي.
وتزامن تسليم الطائرات العسكرية الأميركية مع تدشين مركز أبحاث طبي ممول من السفارة الأميركية لدى تونس قُدرت كلفة إنشائه بـ5 ملايين دولار أميركي.
وقال الدبلوماسي التونسي، عبد الله العبيدي، إن "هناك تصريحات وزيارات في الأشهر الأخيرة أظهرت رغبة تونس في التوجه شرقاً نحو روسيا والصين وغيرهما، لذلك يأتي تحرك الولايات المتحدة الأميركية الأخير في إطار المحاولات للحفاظ على الهيمنة الغربية ولمنظومة حلف شمال الأطلسي على المنطقة".
وتابع العبيدي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "هذا التحرك يهدف إلى تعزيز هيمنة منظومة الناتو على المنطقة والتصدي لما عسى أن يُضعف وجودها أو يُقلل من شركائها في المنطقة. الولايات المتحدة لا تتعامل مع النظام في تونس فقط بل مع الدولة ككل".
وشدد على أن "واشنطن تريد الحفاظ على حدود أوروبا لأنها مثل شركائها الأوروبيين لا يهمها تدفق المواطنين الأفارقة إلى تونس بقدر ما يقلقها أن يسعى هؤلاء إلى الوصول للسواحل الأوروبية".
واعتبر العبيدي أن "المزايا التي منحتها الولايات المتحدة الأميركية لتونس إذا جاز القول ترمي إلى تأمين الضفة الجنوبية لأوروبا".
وبالفعل، تسلمت تونس في أغسطس (آب) الماضي زوارق سيتم استخدامها على الأرجح في عمليات الإنقاذ واعتراض المهاجرين غير النظاميين الذين يسعون إلى الوصول للضفة الأخرى من المتوسط.
غموض دبلوماسي تونسي
وهذه التطورات تأتي في وقت لم يتردد فيه هود في الإعلان عن دعم أميركي للدور الأمني الإقليمي لتونس، وذلك في خضم تعقيدات كبيرة تشهدها المنطقة حيث تتصاعد الاشتباكات في منطقة الساحل الأفريقي التي تغلغلت فيها روسيا بعد موجة انقلابات عسكرية، وأيضاً ليبيا حيث يتفاقم التوجس من عودة التصعيد العسكري هناك.
وأخيراً، زار القائد العام للقوات الأميركية في أفريقيا التي تُسمى اختصاراً "أفريكوم" الجنرال مايكل لانغلي، ووفد مرافق له، تونس حيث عقدوا جلسات عمل مع وزير الدفاع خالد السهيلي وضباط عسكريين من البلدين.
وقال الباحث السياسي، وسام حمدي، إن "التعاون الأمني والعسكري بين تونس والولايات المتحدة الأميركية ليس بالجديد بل من التقاليد الدبلوماسية والدفاعية منذ إنشاء قوات الجيش التونسي والحرس الوطني وبقية فروع وزارة الداخلية".
وأردف حمدي في تصريح خاص قائلاً "دائماً من خلال عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم تمنح الولايات المتحدة الأميركية تونس معدات لوجستية، لكن هذا التطور يثير عدداً من التساؤلات خصوصاً لجهة التوقيت والظرف الذي يأتي فيه لأن حقيقة الدبلوماسية التونسية تتسم بالغموض ولا نعرف إلى أين تسير، مرة نذهب إلى الشرق ومرة نعود إلى الغرب".
وأضاف أن "هذا تُرجم أخيراً بدبلوماسية تونس بقيادة قيس سعيد الذي يتجه تارةً نحو الصين وروسيا ثم يعود إلى المعسكر التقليدي أي أوروبا والولايات المتحدة، وخير دليل على ذلك لاحظنا تراجع الرئيس التونسي عن إطلاق تصريحات تصعيدية مع الغرب على غرار تصريحاته حول فلسطين ورأينا حتى امتناعه عن إدانة اغتيال إسماعيل هنية رئيس حركة ’حماس‘".
مخاوف من انغماس شرقي
تجاوزت قيمة الدعم الأمني والعسكري الذي قدمته الولايات المتحدة الأميركية لتونس منذ 2011 المليار دولار، بحسب ما ذكر جوي هود أخيراً في معرض حديث له عن تطور العلاقات بين واشنطن وتونس.
وعانت تونس لأعوام ويلات الإرهاب وهجماته الدموية، وبموازاة تلك المعاناة عززت البلاد علاقتها مع الولايات المتحدة إذ وقعت عام 2015 اتفاقية منحتها وضعية "الشريك المميز" وامتيازات "الشريك غير العضو في حلف شمال الأطلسي".
وفي إطار التعاون، سيتم في المرحلة المقبلة تكوين 35 ألف عون من الحرس الوطني في تونس وهي خطوة وصفها جوي هود بـ"الثورة المهمة في العلاقات بين تونس والولايات المتحدة".
في المقابل، بدأت تونس بتسليم الولايات المتحدة 50 وحدة روبوت متخصص في الأمن والحماية بحضور هود، مما يعكس انتعاشة في العلاقات بين البلدين.
وقال حمدي إن "تونس تتعامل مع الولايات المتحدة الآن بتحفظ ولا تريد أية خطوات تصعيدية معها، أما واشنطن فهي متخوفة بالفعل من غرس المعسكر الشرقي الذي تقوده روسيا والصين في شمال أفريقيا وقد لاحظنا ذلك من قبل منذ الحديث عن محاولات إغراق تونس بالمهاجرين، فهناك شكوك بوقوف موسكو خلف ذلك على رغم أن السلطات التونسية تتهم أطرافاً داخلية بالضلوع في ذلك وتتهمهم بالخيانة والتآمر، لكن في الكواليس هناك حديث عن ضلوع يد روسية من أجل إغراق أوروبا بالمهاجرين وقد تحدثت عن ذلك أيضاً الصحافة الإيطالية".
ولفت إلى أن "الولايات المتحدة الأميركية من خلال تزويدها تونس بزوارق بحرية وطائرات تبعث بإشارة إلى القوى المتنازعة في أفريقيا مفادها بأنها لا تزال موجودة في القارة وستقوم بحماية مصالحها وتقف حاجزاً أمام تغير مواقف بعض الدول تجاه واشنطن مثل تونس".
وأفاد وسام حمدي بأنه "يجب أن تتعامل تونس ورئيسها مع كل الأطراف على قدر المساواة لأن المصالح يجب تنويعها ولا يمكن لدولة أن تشهد انتعاشة من خلال اصطفافها خلف معسكر واحد، تونس عُرفت بدبلوماسية الحياد الإيجابي وإبقاء علاقات جيدة مع كل الدول وهو أمر مفيد لها على جميع الصُعد".