ملخص
الجدل القانوني بين مؤسسات الدولة تحول إلى صراع سياسي بين مناصري ومعارضي الرئيس الحالي قيس سعيد، وجعل عدداً من مكونات المجتمع المدني تتدخل.
أثار قرار هيئة الانتخابات في تونس رفض أحكام المحكمة الإدارية بقبول طعون ثلاثة مرشحين مستبعدين من الانتخابات الرئاسية جدلاً قانونياً وسياسياً واسعاً حول أي المؤسستين لها الأحقية في اتخاذ القرار الأخير حول قبول أو رفض المرشحين للانتخابات.
وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنه بعد اطلاعها على نسخ الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية ثبت قطعاً أنها لم تقض بصفة واضحة وصريحة بإدراج الطاعنين في القائمة النهائية للمترشحين، بل كانت أحكاماً موقوفة على شرط تثبت الهيئة من تمتع المترشحين المرفوضين بجميع حقوقهم المدنية والسياسية في غياب وجود بطاقة السوابق العدلية لهم والمشترطة في القرار الترتيبي للهيئة، مؤكدة في بلاغ لها أنه تعذر تنفيذ تلك الأحكام حتى ولو أُعلمت الهيئة بها في الآجال القانونية.
إخفاء جنسية ثانية
وأوضح عضو هيئة الانتخابات أيمن بوغطاس أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية لم تنص بوضوح على إدراج المترشحين الذين قدموا طعوناً ضمن القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
كما أعلمت الهيئة العليا أنها أحالت ملف أحد المترشحين المرفوضين للانتخابات الرئاسية 2024 والذي قبلت المحكمة الإدارية ترشحه إلى النيابة العمومية في تونس، بتهم "التحايل والإدلاء بشهادة مدلسة وتعمد إخفاء حال من حالات الحرمان التي نص عليها القانون الانتخابي، وهي جنسيته الأجنبية التي تعد مانعاً دستورياً وقانونياً من الترشح لانتخابات الرئاسة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأصدر المرشح الرئاسي عماد الدايمي المتهم بإخفاء جنسيته الفرنسية بياناً اتهم فيه هيئة الانتخابات بمواصلة مسار العبث وتجاهل أحكام المحكمة الإدارية، مشيراً إلى توجيه العملية الانتخابية لمصلحة الرئيس المنتهية ولايته من خلال إقصاء غير قانوني لمنافسيه.
وأكد الدايمي أن أعضاء الهيئة يتحملون المسؤولية كاملة فرداً وجماعة، في إفساد العملية الانتخابية التي وصفها بأنها غير شرعية، محذراً من تبعات استمرار هذا المسار.
وقال المرشح منذر الزنايدي في كلمة وجهها إن من يقصي مرشحين بطريقة غير قانونية يتلاعب بمستقبل البلاد واستقرارها، مضيفاً أن إقصاءه عبارة عن إقصاء نسبة من الشعب، ومؤكداً أنه مرشح للانتخابات الرئاسية بموجب قرار المحكمة الإدارية ولا يعترف بقرار هيئة الانتخابات لأنه ليس قانونياً، وأن "عدم احترام قرارات المحكمة الإدارية التي منحت حق الترشح له يفتح باب التشكيك في نتائج الانتخابات المقبلة".
وأعربت الجمعية التونسية للقانون الدستوري عن قلقها من فقدان الانتخابات الرئاسية المقبلة شرعيتها على الصعيدين الوطني والدولي بعد تجاهل هيئة الانتخابات قرارات المحكمة الإدارية بإعادة ثلاثة مرشحين للرئاسة إلى السباق الانتخابي.
تهديد السلم الأهلي
هذا الجدل القانوني بين مؤسسات الدولة تحول إلى صراع سياسي بين مناصري ومعارضي الرئيس الحالي قيس سعيد وجعل عدداً من مكونات المجتمع المدني تتدخل، وفي هذا الصدد نبهت حركة الشعب في بيان لها إلى أن "تبعات خطرة ستترتب حتماً على مثل هذا السلوك الذي أقدمت عليه هيئة الانتخابات، والذي لا يقود فقط إلى التشكيك في نزاهة وصدقية هذا المسار بل قد يهدد بنسفه برمته، مع ما يتضمنه ذلك من مجازفة بالسلم الأهلي وبأحد أهم المكاسب التي حققها شعبنا بعد ثورة الـ 17 من ديسمبر (كانون الأول) 2010".
من جهته أوضح الاتحاد العام التونسي للشغل أن قرار الهيئة، بغض النظر عن الأسماء المترشحة ومن دون انحياز إلى أحد، تأكيد على غياب المناخ الملائم والشروط الضرورية لانتخابات ديمقراطية وتعددية وشفافة ونزيهة.
ونبه الاتحاد إلى أن "مثل هذه القرارات تكرس النهج الانفرادي والتسلطي، ولا تزيد الوضع إلا انغلاقاً وتوتراً"، محذراً من التمادي فيه ومن عواقبه على البلاد.
ويرى المتخصص في الحوكمة المحلية والمتابع للشأن الانتخابي محمد الضيفي أن الجدل الحاصل هو "معركة سياسية باعتماد أدوات قانونية"، موضحاً أن "الخلافات بدأت مع هيئة الانتخابات منذ صدور قرارها الترتيبي لتعويض عدم تنقيح القانون الانتخابي حتى تتلاءم شروط الترشح التي كان من المفروض أن يتضمنها قانون انتخابي، مع الشروط الواردة في دستور عام 2022، وهذا القرار الترتيبي زاد من تضييق شروط الترشح وأدرج شروطاً جديدة لم ترد في القانون الانتخابي، على غرار الاستظهار بالبطاقة عدد 3 الخاصة بالسجل القضائي للمترشح".
معضلة القضاء والسياسة
ويواصل الضيفي أن "الخلاف بين المحكمة الإدارية وهيئة الانتخابات يخفي في الأصل خلافاً بين القضاء العدلي الجزائي في مواجهة القضاء الإداري، فإجراءات القضاء الجزائي لا تزال في الطور الأول ولم تكتمل بعد حتى يقع اعتمادها، ولا يزال ما نُسب إلى المرشحين المقصين من شبهة تدليس لم يتأكد عدلياً، ولذلك كان قرار المحكمة الإدارية صائباً، لكن الهيئة ترى سياسياً أن خطورة ما ينسب للمترشحين الثلاثة لأعلى منصب وهو رئاسة الجمهورية من تدليس التزكيات وإخفاء جنسية ثانية يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، ولكن موقفها هنا ضعيف لغياب السند القانوني المقنع لعدم تقيدها بقرار المحكمة الإدارية، كما أن الزمن القضائي الجزائي الذي اعتمدته الهيئة بطيء خلافاً للزمن القضائي الانتخابي السريع الذي اعتمدته المحكمة الإدارية".
من جهة أخرى يقول المحلل السياسي رياض جراد إنه "من المؤسف أن أشاهد بعضهم يتخبط في ارتباكه وكذبه ونكرانه للحقيقة، متعللاً بإبلاغ الحكم في الآجال من قبل المحكمة الإدارية، والتي بدورها دخلت حلبة السياسة وكرست مأسسة الظلم الممنهج لفائدة عصابات الفساد والعملاء، والحال أن أحكامها تصدر باسم الشعب".
ويضيف جراد، وهو المناصر لمشروع الرئيس الحالي، أنه "خلافاً لما يروجونه من أكاذيب فإن أسباب الرفض عدة ومتلازمة ولا تنحصر في سبب واحد وهو عدم التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية، وأهم هذه الأسباب وجود 400 قضية منشورة بخصوص تدليس التزكيات والتحايل وشراء الذمم، والتي تعلقت بالمترشحين المرفوضين، وأيضاً وجود حكم جزائي يمنع أحدهم من الترشح مدى الحياة، ثم تدليس معطيات بتاريخ التصريح على الشرف بخصوص شرط الجنسية، والعبرة بتاريخ تحرير المعطيات المادية بالشهادة".