Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تيليغرام"... صديق المصريين ترفيها وتسويقا

التطبيق يوفر تنوعاً هائلاً في المواد النوعية ويعده المستخدمون وسيلة لمتابعة الأخبار بلا قيود ويقدم تجربة تسويقية لتجار التجزئة

عالم "تيليغرام" يبدو مغرياً للغاية بالنسبة إلى قطاعات كبيرة في مصر (أ ف ب)

ملخص

تغلغل "تيليغرام" في الثقافة الشعبية بمصر إذ بات مفضلاً بقنواته المتنوعة التي تتيح ترفيهاً نوعياً غير مدفوع، بخاصة في ما يتعلق بمشاهدة المسلسلات والأفلام المتاحة فقط باشتراك مالي شهرياً عبر منصات محددة، ورغم عدم مشروعية هذا السلوك فإنه واحد من الأسباب القوية التي عززت وجود هذا التطبيق في البلاد

بينما لا يزال مؤسس تطبيق تيليغرام" بافيل دوروف ممنوعاً من السفر على خلفية اتهامات عدة وجهت إليه من قبل سلطات التحقيق الفرنسية، بينها التحريض على الجرائم المنظمة والاحتيال وعدم التعاون مع المحققين وإخفاء معلومات مهمة عن كيفية عمل التطبيق، فإنه وعلى بعد نحو 500 ألف كيلومتر وفقاً لمسار الطيران بين القاهرة وباريس يجلس حارس عقار في منطقة وسط البلد العريقة يتابع مسلسلاً بوليسياً جديداً بدأ عرضه على المنصات المدفوعة، لكنه حظي به مجاناً من خلال قناة يشترك بها على "تيليغرام".

كان الرجل الخمسيني مستمتعاً وهو المتيم بالدراما التشويقية إذ تهوِّن عليه الوقت، وبخاصة بعد أن ينام السكان وتنتهي طلباتهم فيما باقة الإنترنت لا يحمل لها هماً، بعدما حصل بالتراضي على كلمة السر الخاصة بشبكات عدد من المقيمين في البناية التي يتولى حمايتها منذ 15 عاماً.

قصة الولع بتطبيق "تيليغرام" بين كثير من المصريين يمكن استكشافها بسهولة في أوقات السمر الليلية وأيضاً خلال شهر رمضان، إذ تكون المائدة الدرامية عامرة، وكذلك بين الطلبة الذين يتبادلون دروساً مصورة بالفيديو وأخرى على هيئة ملفات في فترات الاختبارات من خلال هذا التطبيق، الذي يعين محبي التسلية ومحبي الاطلاع ويدعم الدردشات السرية أيضاً، وربما الأخيرة هي التي يمكن الولوج لها من طريق نظام شيفرات خاص يُجرى تغييره بمعرفة المنصة كل فترة.

عالم "تيليغرام" يبدو مغرياً للغاية بالنسبة إلى قطاعات كبيرة، وسواء كانت أنواع التسلية مشروعة أم تتحايل على القوانين فإن المنصة تفتح ذراعيها للراغبين في قضاء الوقت ومعايشة أخرى نوعية لا تتيحها باقي التطبيقات المنافسة بسهولة، وبخاصة فيما يتعلق بالمحتوى الترفيهي.

ترفيه مجاني

الحارس الممتن لتطبيق "تيليغرام" لا يعرف شيئاً عن حقوق الملكية، وغير مقتنع بأن مشاهدته عملاً فنياً مقرصناً تجعله مستهلكاً لمادة جرى الحصول عليها بطرق غير مشروعة، وبخاصة أن قنوات "تيليغرام" من هذه النوعية تحقق شهرتها بين المشاركين بعرضها مواد ترفيهية من دون فواصل إعلانية وبجودة عالية في خدمة تقارب ما تفعله منصات البث الإلكتروني المدفوعة، التي تتيح للمشتركين بها المشاهدة الحصرية باشتراك شهري.

يرى الأكاديمي أستاذ تكنولوجيا المعلومات بجامعة القاهرة أبو العلا عطيفي أنه على رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة متاحة خلال الوقت الحالي من جهات محلية حول عدد ونشاط مستخدمي تطبيق "تيليغرام" في مصر، "فإن هناك اهتماماً شعبياً ملحوظاً به خلال الأعوام الأخيرة". معتقداً أن هناك عوامل كثيرة تؤثر في تمتع "تيليغرام" بقبول بين المستخدمين "أبرزها المحتوى".

 

 

ويوضح عطيفي أن تطبيقات مثل "فيسبوك" و"واتساب" و"إنستغرام" لها جاذبيتها وبها ميزات متعددة، لكن ما يتمتع به "تيليغرام"، "يتعلق بالمحتوى النوعي العميق والمطول حول مجالات بعينها وسهولة تبادلها عبر مجموعات الدردشة أو القنوات". مضيفاً أن "هناك أدوات كثيرة يسعى وراءها المستخدم، ويتيحها ’تيليغرام‘ مثل سهولة تبادل الفيديوهات والروابط والملفات، فالمحتوى المشبع أياً كان مصدره يمثل نقطة قوة كبيرة، إضافة بالطبع إلى أنه مثل باقي تطبيقات التواصل الشهيرة من دون مقابل".

ويعتقد الأستاذ بكلية الحاسبات والمعلومات أنه ينبغي على الجهات الرسمية الاهتمام بصورة كبيرة ببحوث هذه التطبيقات وإحصاءاتها، ونشر ما تستخلصه من معلومات عن أعداد المستخدمين ونوعية أنشطتهم وكذلك توزيعهم الجغرافي وأعمارهم، لما له من فائدة كبيرة على اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية على مستوى الدولة وأيضاً على مستوى الأفراد والشركات الصغيرة والكبيرة وأصحاب الأعمال التجارية، إذ ستعينهم البيانات الرسمية السليمة على تطوير خططهم وتحقيق الأهداف.

وتشير المعلومات المتاحة إلى أنه حتى الآن هناك 900 مليون مستخدم للتطبيق نشطين حول العالم، ومن المتوقع أن يصل الرقم قريباً إلى نحو مليار ونصف المليار مستخدم، واللافت أن بعض المواقع العالمية أعطت ملمحاً عن الدول الأكثر استخداماً للتطبيق، فجاءت الهند في المركز الأول بـ104 ملايين مستخدم، فيما حلت مصر في المركز السادس بعدد مرات تحميل تزيد على الـ14 مليوناً، وذلك وفق موقع مراجعات سكان العالم المعني بتقديم الإحصاءات والبيانات تبعاً للتوزيع الجغرافي، أي نحو 15 في المئة من سكان مصر البالغ عددهم 111 مليون نسمة.

ووفقاً للتحليلات فالرقم تقريبي، إذ إنه من المتوقع أن يكون عدد من يستخدمون التطبيق في البلاد أعلى من هذا الرقم، وعلى رغم أن النسبة لا تزال أقل بكثير في مصر من نسبة مستخدمي "واتساب" الذين يزيدون على الـ50 مليوناً وفقاً لبيانات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية، وكذلك مستخدمي "فيسبوك" وعددهم أيضاً يوازي تقريباً نصف عدد السكان، فإن نوعية استخدام "تيليغرام" تبدو مختلفة تماماً.

بديل شعبي للمنصات المدفوعة

ومن جانبه، يرى الباحث الإعلامي محمد عبدالرحمن أن "’تيليغرام‘ فشل في تجربة التواصل اليومي لتبادل الرسائل النصية، وكثر في العالم يفضلون حتى الآن ’واتساب‘ و’ماسنجر‘ في هذا الصدد، ولا يتم اللجوء إلى ’تيليغرام‘ إلا في حال حدوث أعطال في التطبيقين الشهيرين".

لكن عبدالرحمن يستدرك بأنه على رغم كل ذلك فهو "يتمتع بمزايا ضخمة تتعلق بالمستخدم الذي يرغب في الوصول لمواد معينة من الصعب الوصول إليها من طريق ’يوتيوب‘ و’تيك توك‘ و’إنستغرام‘ وغيرها، لأن عليه مواد هائلة من خلال مجموعات متخصصة كثيرة سواء تثقيفية أو ترفيهية أو دراسية أو متعلقة بالرياضة تلبي كل الاهتمامات، مدعومة بمواد يجري تبادلها وليس روابط فقط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم دعم "تيليغرام" خواص اعتيادية مطلوبة مثل الدردشة والمكالمات الصوتية وكذلك مكالمات الفيديو، فإن استخدامه في هذه الأغراض يأتي في مرتبة متأخرة مقارنة بمنصات أخرى، في حين أنه يبقى على قائمة التفضيلات في ما يتعلق بكونه بديلاً رخيصاً، ويؤدي الغرض لمتابعة الإنتاجات الجديدة وكذلك بث مباريات الكرة التي تُعرض على قنوات مشفرة، على رغم عدم المشروعية القانونية.

ويصف الباحث الإعلامي "تيليغرام" بأنه "يعد مساحة ومتنفساً بعيداً من الرقابة"، لافتاً إلى أن كثيراً من تلك المواد التي يتضمنها التطبيق "لها حقوق بالطبع، وتداولها على هذا النطاق يعد مخالفاً، مثل الأفلام التي تعرض في السينما خلال الوقت نفسه على سبيل المثال". مشيراً إلى أن هناك "عوامل ثقافية واجتماعية معينة لعبت دوراً أيضاً في انتشار التطبيق على نطاق ملحوظ بين أفراد طبقات بعينها".

وقبل أكثر من عامين ومع اشتعال الحرب الروسية – الأوكرانية حقق التطبيق شعبية مضاعفة بعد الأزمة مباشرة، عقب حجب منصات شركة ميتا في روسيا ليتحول "تيليغرام" وقتها إلى الوسيلة التي خاطبت بها وسائل الإعلام الروسية العالم.

ويتابع عبدالرحمن للتشديد على أن عدم وجود قيود على التطبيق مقارنة بأخرى تحجب بصورة تعسفية أي محتوى لا يوافق السياسة المتبعة، "جعله التطبيق الأفضل بالنسبة إلى المستخدمين خلال الحرب على غزة أيضاً، إذ يجري تداول الأخبار والفيديوهات بعيداً من الضوابط التي يراها كثر عمياء، مما جعله وسيلة مفضلة لدى المهتمين بمتابعة ما يجري. فقد اكتسب أهمية كبيرة إذ إن الجهات الرسمية في غالبية الدول تهتم بوضع موادها على حساباتها الرسمية من خلاله".

تنوع هائل وقلق مشروع

وإذا كان عدم وجود قيود يعد سلاحاً ذا حدين، إذ إنه في نظر المراقبين بات مرتعاً للأخبار المضللة، لكنه أيضاً يبقى منصة بعيدة من الرقابة ومليئة بكم هائل من المواد الإخبارية التي قد لا تبث عبر الوسائل المعتادة، وهو ما يمثل كنزاً بالنسبة إلى المتابعين الراغبين باستمرار في الاستزادة من القصص التي لا تأخذ حقها بفعل توجهات وسائل الإعلام التقليدية.

ومن أرض الواقع يمكن ملاحظة أن كثيراً من المسوقين عبر الإنترنت يفضلون "تيليغرام" لعرض خدماتهم السلعية ويدعون زبائنهم المحتملين للاشتراك بقنواتهم عليه، وكذلك من الشائع أن تستخدمه المحال التجارية في مصر للتسويق والترويج لبضائعها وبث عروض حصرية من خلاله لجذب المستهلكين، نظراً إلى تمتعه بموثوقية وانتشار بين فئات متعددة من المستهلكين، وفق ما تقول نيرة التي تعمل موظفة تحصيل في محل ملابس بأحد شوارع منطقة الدقي داخل محافظة الجيزة. مشددة على أنها تطلب عادة من الزبائن المشاركة في القناة الخاصة بهم للحصول على خصم إضافي وعروض خاصة، مشيرة إلى أنها تجد ترحيباً كما أن الغالبية منهم يكون لديهم التطبيق بالفعل على الهاتف.

ومر التطبيق الذي تأسس قبل نحو 11 عاماً بمراحل كثيرة وأُدخلت عليه عديد من التعديلات، وحقق شعبيته ببطء وروسوخ حتى بات منافساً قوياً للتطبيقات المشابهة الأساس، وقد عُرف عنه أنه بلا رقيب يحذف ويبيح ويمنع، ونظراً إلى كونه يدعم المحتوى السري الآمن ويدعم خاصية عدم الكشف عن الهوية في بعض غرف الدردشة أقلق المراقبين بصورة عامة، نظراً إلى أنه من السهل أن يتحول إلى أداة في أيدي الخارجين عن القانون وأن يصبح بمثابة "دارك ويب شرعي" ووسيلة للتواصل بين أعضاء شبكات الإجرام. وربما هذا ما أوصل بافيل دوروف لغرف التحقيق لمدة أربعة أيام ليخرج موقتاً بعد دفع كفالة قدرها 5 ملايين يورو.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات