Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحول الجنسي: صراع الهوية والبيولوجيا

في بعض الحالات يكون ضرورة طبية لكنه في أحيان أخرى قد يكون خياراً شخصياً وحياتياً

لا يقتصر التحول الجنسي على عملية طبية بحتة، بل هو تجربة شاملة تتضمن تغييرات جسدية ونفسية واجتماعية (أرشيفية - رويترز)

ملخص

التحول الجنسي هو العملية التي يقوم بها الأفراد لتعديل مظهرهم الجسدي وتعريفهم الاجتماعي ليتناسب وما يعتبرونه هويتهم الجنسية الحقيقية. ويمكن أن تشمل هذه العملية مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تحقيق تطابق بين الهوية الجنسية الداخلية للشخص ومظهره الخارجي، ما يساعد في تحسين جودة حياته وشعوره بالانسجام مع ذاته.

في افتتاحية بطولة الألعاب الأولمبية الصيفية الأخيرة في باريس، أثار المشهد المستوحى من لوحة "العشاء الأخير" لليوناردو دا فينشي جدلاً كبيراً. وضمت اللوحة الحديثة، التي حاكت المشهد التاريخي الشهير، شخصيات تجسد هويات جنسية متنوعة، بما في ذلك شخصيات ذات مظهر يوحي بالتحول الجنسي، ولاقى هذا الاختيار الجريء ردود فعل متباينة من الجمهور والنقاد على حد سواء.

فبينما اعتبر بعضهم هذه اللوحة تجسيداً للتنوع والتقدم الاجتماعي، وأنها تعكس التزاماً بالفنون التي تعبر عن التحولات الاجتماعية، رأى آخرون أن هذا التفسير يتجاوز حدود التقاليد الثقافية ويعتبر تغييراً غير مناسب للرموز الدينية والتاريخية. ويسلط الجدل الذي أثارته هذه اللوحة الضوء على الانقسامات التي تحركها قضايا التحول الجنسي في النقاشات العامة.

 

ما التحول الجنسي؟

هو العملية التي يقوم بها الأفراد لتعديل مظهرهم الجسدي وتعريفهم الاجتماعي ليتناسب وما يعتبرونه هويتهم الجنسية الحقيقية، ويمكن أن تشمل هذه العملية مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تحقيق تطابق بين الهوية الجنسية الداخلية للشخص ومظهره الخارجي، مما يساعد في تحسين جودة حياته وشعوره بالانسجام مع ذاته. وفي كثير من الأحيان، يخلط بين مصطلحات التحول الجنسي والهوية الجنسية والتوجه الجنسي. ويتضمن التحول الجنسي Gender Transition تغييرات في الاسم ونمط الملابس، وعلاجاً هرمونياً أو جراحة لتعديل الأعضاء التناسلية، والهدف هو تحقيق تطابق بين ما يشعر به الفرد داخلياً وما يظهر به خارجياً. أما الهوية الجنسية Gender Identity، فهي الشعور الداخلي للشخص في شأن جنسه، الذي قد يكون مختلفاً عن الجنس الذي ولد به. وتتعلق الهوية الجنسية بما يشعر به الشخص كنوع اجتماعي، مثل الذكر أو الأنثى أو غير ذلك. وهي تجربة ذات طابع داخلي ولا تعتمد على المظاهر الجسدية أو التوقعات الاجتماعية. وبالنسبة إلى التوجه الجنسي Sexual Orientation فهو يشير إلى الجاذبية العاطفية أو الجنسية التي يشعر بها الفرد تجاه الآخرين. ويمكن أن يكون التوجه الجنسي موجهاً نحو الجنس الآخر أو الجنس نفسه أو كلا الجنسين. والتوجه الجنسي هو جانب منفصل عن التحول الجنسي، إذ يصف ميل الشخص العاطفي والجنسي وليس كيف يعبر عن جنسه.

ومن الضروري هنا أيضاً التفريق بين الهوية الجنسية والجنس البيولوجي، ففي حين تعبر الأولى عن كيفية رؤية الشخص لذاته في سياق جنسه، إذ يشعر بعضهم بأنهم ذكور أو إناث أو ثنائيو الجنس، قد تكون لديهم هويات جنسية أخرى خارج هذه التصنيفات التقليدية، وتتعلق الهوية الجنسية بالشعور الشخصي والفردي وقد تكون متأصلة في الذات بشكل عميق.

 

أما الجنس البيولوجي فهو التصنيف الذي يعطى للأفراد عند الولادة بناء على الخصائص الجسدية والكروموسومية، مثل الأعضاء التناسلية والهرمونات والكروموسومات، ويصنف الأشخاص عادة كذكور أو إناث بناء على هذه المعايير البيولوجية.

وفي بعض الحالات، قد يتطابق الجنس البيولوجي مع الهوية الجنسية للفرد، ولكن في حالات أخرى قد يكون هناك اختلاف بينهما، مما يدفع الشخص ربما إلى اتخاذ خطوات لتصحيح هذا التباين من خلال عملية التحول الجنسي.

دوافع عدة

وأحد الأسباب الرئيسة التي تدفع الأفراد إلى التحول الجنسي هو الرغبة في تحقيق التوافق بين الهوية الجنسية الداخلية والمظهر الخارجي، وتظهر دراسة نشرت في "مجلة البحث الجنسي" أن نحو 75 في المئة من الأفراد المتحولين جنسياً شعروا بتحسن ملحوظ في حالتهم النفسية والجسدية بعد إجراء التحولات الجراحية والهرمونية. وعانى هؤلاء الأفراد تفاوتاً بين هويتهم الجنسية الداخلية وما يتوقعه المجتمع بناء على الجنس البيولوجي، مما دفعهم إلى الإقدام على التحول.

كذلك يمكن أن يكون للاضطراب النفسي والإجهاد الناتجان من عدم التوافق بين الهوية الجنسية والجنس البيولوجي تأثيرات سلبية كبيرة في الصحة العقلية. وتؤكد دراسة نشرت في "المجلة الأميركية للصحة النفسية" عام 2018 أن الأشخاص الذين يتلقون الرعاية الطبية المناسبة للتحول الجنسي يظهرون معدلات أقل من الاكتئاب والقلق مقارنة بأولئك الذين لا يتلقون العلاج.

وقد يختار الأفراد المتحولون جنسياً هذه الرحلة لتحسين علاقاتهم الشخصية والاجتماعية، ووجدت دراسة أجرتها "مجلة التحول الجنسي" في عام 2020 أن 90 في المئة من الأشخاص الذين خضعوا لتحولات جنسية قد أبلغوا عن تحسن كبير في علاقاتهم الشخصية ومستوى الرضا عن حياتهم. لكن بعضاً منهم قد يختارون التحول الجنسي بسبب تجارب شخصية أو ظروف حياتية تعزز رغبتهم في التغيير. وأشار بحث نشرته الدورية النفسية من مجلة "لانسيت" عام 2019 إلى أن 40 في المئة من الأفراد المتحولين واجهوا صعوبات في التكيف مع أدوار الجنس البيولوجي المحددة لهم، مما أدى إلى رغبتهم في تحقيق تغيير شامل يتناسب مع هويتهم الداخلية.

مؤثرات مختلفة

ووفقاً لتقرير "جمعية الصحة المهنية للأفراد المتحولين جنسياً" فإن النسبة العامة للأفراد المتحولين جنسياً تقدر بنحو 0.6 في المئة من إجمالي السكان في الدول المتقدمة، وتشير الدراسات إلى أن نسبة الأفراد الذين يقومون بالتحول من الذكور إلى الإناث تميل إلى أن تكون أعلى مقارنة بالتحول من الإناث إلى الذكور. وأظهرت دراسة نشرت في "مجلة الطب الجنسي" أن نحو 60 إلى 70 في المئة من الأشخاص المتحولين هم ذكور يختارون أن يصبحوا إناثاً.

وتشير الدراسات أيضاً إلى أن معدلات الرجوع إلى الجنس الأصلي نادرة نسبياً، وتبين دراسة نشرتها أجرتها "الجمعية الأميركية للطب التناسلي" أن أقل من واحد في المئة من الأفراد المتحولين جنسياً يقررون العودة لجنسهم البيولوجي بعد إجراء عملية التحول.

ويمكن أن تؤثر التصورات الاجتماعية والضغوط الثقافية في نسب التحول، وفي بعض المجتمعات قد تكون هناك تصورات أكثر قبولاً للتحول من الذكور إلى الإناث مقارنة بالعكس، مما يمكن أن يؤثر في قرارات الأفراد. كذلك تختلف الرغبات الشخصية والاحتياجات لكل فرد بناء على هويته الجنسية وتجربته الشخصية، كما أن نسب التحول تتأثر بشكل كبير بالعوامل العرقية والإثنية والاجتماعية والمادية. ويمكن أن تعكس الفروقات في النسب بين الأعراق والإثنيات والحالة الاجتماعية والمادية تأثيرات متعددة في قرارات الأفراد وخياراتهم المتعلقة بالتحول الجنسي.

وفي بعض الثقافات ربما يكون هناك قبول أكبر للتحول الجنسي بينما تفرض أخرى مقاومة أو تحفظات، وبينت دراسة "مجلة صحة المتحولين جنسياً" السابقة أن الأفراد من المجتمعات ذات الخلفيات العرقية المتنوعة قد يواجهون تحديات إضافية في الحصول على رعاية صحية مناسبة. كذلك قد يعاني المتحولون المنحدرون من أقليات عرقية وإثنية من مستويات أعلى من التحديات النفسية والاجتماعية. وأظهرت دراسة لـ"المجلة الأميركية للصحة العامة" أن الأفراد من خلفيات عرقية غير ممثلة قد يواجهون صعوبات أكبر في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية المتخصصة بسبب الحواجز الثقافية والتمييز.

بدوره يؤثر الوضع الاجتماعي والاقتصادي بشكل كبير في القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة للتحول الجنسي، وقد يكون من الصعب تغطية تكاليف الإجراءات الطبية والتحولات الجراحية بالنسبة إلى الأشخاص من خلفيات اقتصادية منخفضة، بينما يتمتع أولئك الذين يعيشون في مناطق حضرية ذات قدرات اقتصادية جيدة بوصول أفضل وأسهل إلى المتخصصين في التحول الجنسي. كذلك يلعب التمييز الاجتماعي والعنصري والمخاوف الاجتماعية دوراً كبيراً في قرار الأفراد من خلفيات عرقية وإثنية محددة، مما قد يؤثر في قدرتهم على التقدم في عملية التحول الجنسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رحلة مضنية

ولا يقتصر التحول الجنسي على عملية طبية بحتة، بل هو تجربة شاملة تتضمن تغييرات جسدية ونفسية واجتماعية. وقد يختار بعض منهم التحول الجنسي الكامل، بينما يفضل آخرون التغييرات الجزئية أو حتى السعي فقط إلى تأكيد هويتهم الجندرية من دون اللجوء إلى التعديلات الجسدية.

وتتنوع العلاجات المتاحة في يومنا هذا للأشخاص المتحولين جنسياً، وتشمل بداية العلاج الهرموني الذي يستخدم إما لتعزيز الخصائص الجسدية الأنثوية مثل تطور الثدي وتخفيف الشعر الزائد، أم لتطوير الخصائص الجسدية الذكورية مثل زيادة الكتلة العضلية ونمو الشعر على الوجه والجسم. ويمكن أن يكون العلاج الهرموني فعالاً في تحقيق تغييرات جندرية ملموسة، ولكنه يحتاج إلى متابعة طبية منتظمة.

 

 

وهناك أيضاً جراحة تغيير الجنس التي تشمل عمليات مثل تكبير أو زراعة الثدي واستئصال الثدي، وجراحة إعادة تشكيل الأعضاء التناسلية، أما جراحة الوجه الجندرية فتهدف إلى تعديل ملامح الوجه لتتناسب مع الهوية الجنسية للفرد.

وتعتبر ليلي إليس الأولى التي خضعت لجراحة تحويل جنس موثقة، وإليس المولودة ذكراً باسم إينار فيغينر عام 1882 في الدنمارك، وكانت تعاني منذ صغرها من اضطراب الهوية الجندرية.

وفي أوائل ثلاثينات القرن الـ20، خضعت ليلي لعمليات عدة شكلت أول تجربة تحويل جنس مسجلة، وذلك في ألمانيا على يد الطبيب ماكس شيرر، الذي يعتبر من الرواد في هذا المجال.

وبموازاة العلاجات المادية، يلعب العلاج النفسي دوراً حاسماً في رحلة التحول، إذ يقدم الدعم اللازم لمساعدة المتحولين في التعامل مع التغيرات النفسية والعاطفية المرتبطة بالتحول. ولا يقتصر الدعم النفسي على ما قبل التحول بل يستمر طوال العملية وبعدها، لضمان صحة نفسية جيدة وتوفير الاستقرار النفسي.

تحديات قانونية واجتماعية

وشهدت حقوق الأشخاص المتحولين جنسياً خلال السنوات الأخيرة تقدماً ملاحظاً على الأصعدة الاجتماعية والقانونية في عدد من الدول. وتطورت القوانين لتشمل حماية الحقوق الأساسية للأشخاص المتحولين جنسياً، مثل الحق في تغيير الاسم والجنس في الوثائق الرسمية، والحصول على الرعاية الصحية المرتبطة بالتحول، والتقبل الإيجابي في مكان العمل.

وكانت الأرجنتين الدولة الأولى في العالم التي تمنح حقوقاً متقدمة للأشخاص المتحولين جنسياً بشكل شامل. ففي عام 2012 أصبحت الأرجنتين رائدة عالمياً عندما أقرت "قانون الهوية الجندرية" الذي يسمح للأفراد بتغيير اسمهم وجنسهم في الوثائق الرسمية وفقاً لهويتهم الجندرية الذاتية، من دون الحاجة إلى الحصول على موافقة طبية أو الخضوع لأي إجراءات جراحية.

وتشمل التغيرات الاجتماعية التي شهدتها دول كثيرة زيادة الوعي والقبول العام، مما أدى إلى تحسين الدعم المجتمعي والتقليل من وصمة العار المرتبطة بالتحول الجنسي. واعتمدت في بلدان عديدة تشريعات تدعم دمج الأشخاص المتحولين جنسياً في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك التعليم والعمل والخدمات الصحية. ومع ذلك لا تزال هناك تحديات قانونية كبيرة في بعض المجتمعات، إذ يواجه الأشخاص المتحولون صعوبات في تأمين حقوقهم، مثل حقوق الزواج والتوظيف والحماية من التمييز. كذلك لا تزال بعض الدول تجرم التحول الجنسي وتفرض قيوداً صارمة على العلاجات الهرمونية والجراحية. وفي عام 2020 على سبيل المثال، تعرض شخص متحول جنسياً في نيجيريا لملاحقة قانونية بسبب خضوعه لعلاج هرموني. ويجرم القانون النيجيري التحول الجنسي بشكل غير مباشر عبر القوانين الخاصة بالمثلية الجنسية والتمييز. مثلاً، يمنع قانون "حظر زواج المثليين" الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2014 زواج المثليين ويجرم الأنشطة التي تعتبر غير تقليدية، مما يؤثر في الأشخاص المتحولين جنسياً أيضاً، إذ قد يتعرض الأفراد الذين يضبطون وهم يتلقون علاجات هرمونية أو يخضعون لجراحة تحويل جنسي لعقوبة السجن.

وبالتأكيد أنا لست بصدد تقييم التغييرات التي طرأت على النظرة المجتمعية أو القوانين التي تتعامل مع المتحولين، ولا تقييم حقهم في اتخاذ قرارهم، لكنني أرى من حقي، كشخص متذوق للفن ومحترم للتاريخ، أن أقيم الرخصة التي منحها لنفسه مصمم مشهد "العشاء الأخير" في افتتاح الألعاب الأولمبية بـ"تحويل" عمل بهذا القدر والقيمة ويجسد حدثاً بمثل هذه الأهمية والقدسية إلى مثار للجدل والسخرية.

المزيد من تحقيقات ومطولات