ملخص
تقول إسرائيل إنها حصلت على وثيقة تعترف فيها "حماس" بانهيار قدراتها القتالية، لكن كيف يبدو وضع الحركة حالياً؟
من داخل أروقة شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" كشف وزير الدفاع يوآف غالانت عن وثيقة حمساوية تقر فيها الحركة بانهيار قدراتها القتالية في الحرب، وتعترف بأن دماراً شديداً لحق بترسانتها العسكرية.
واثقاً من نفسه، يقف غالانت في غرفة أرشيف "وحدة جمع الوثائق والمواد التقنية" في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ويحمل بيديه ورقة مكتوبة بخط النسخ بواسطة جهاز إلكتروني، ويقول "أريد أن أريكم رسالة تعكس ما يقوله قادة ’حماس‘ عن وضعهم".
نص الوثيقة
يعرض غالانت رسالة كتبها قائد لواء خان يونس في حركة "حماس" رافع سلامة وجاء فيها "تم تدمير 95 في المئة من القدرات الصاروخية ونحو 70 في المئة من القاذفات المضادة للدبابات، لقد فقدنا 70 في المئة من إجمال أسلحتنا الخفيفة". ويضيف سلامة في نص رسالته "لقد ارتقى وأصيب 50 في المئة من مقاتلي الحركة، وهناك 25 في المئة من كوادرنا نستطيع التواصل معهم، هؤلاء في وضع صعب، لم يعد الشعب قادر على تحملهم أو التسامح معهم، إنهم أصبحوا محطمين نفسياً وجسدياً".
يبتسم غالانت قليلاً ويعقب على حديث سلامة قائلاً "هذه الرسالة موجهة إلى الأخوين يحيى ومحمد السنوار. قادة ’حماس‘ يشعرون بمعاناة حقيقية تؤثر فيهم فعلاً، لقد باتوا مكسورين على المستوى العقلي والجسدي".
جانب الصفقة
ويبدو أن الضباط الإسرائيليين في "وحدة جمع الوثائق والمواد التقنية" تمكنوا من الحصول على وثيقة قائد لواء خان يونس في حركة "حماس" رافع سلامة بعد مقتله، إذ شن سلاح الجو الخاص في تل أبيب هجوماً على منطقة المواصي خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، قتل فيه كاتب الرسالة إلى جانب قائده العام محمد الضيف.
ويتفاخر غالانت بإنجازاته العسكرية، مضيفاً "كل هذا بفضل الجهود التي بدأت من أجلها الحرب، كما قتلنا سلامة سنصل إلى جميع قادة ’حماس‘ وهذه الرسالة للأخوين السنوار، ونحن سنصل إليهما أيضاً ونقضي عليهما".
ولم يكن هذا فحوى الرسالة فحسب، بل عقب فيها قائد لواء خان يونس الراحل على عرض تقدم فيه الرئيس الأميركي جو بايدن لتنفيذ صفقة تبادل ووقف إطلاق النار، وكتب سلامة "أولاً عدد المختطفين الذين سيطلق سراحهم في الجولة الأولى سيكون 33 مختطفاً وفي هذه الجولة سيطلق سراح الأطفال والنساء وكبار السن والمجندات، ثانياً المفتاح للنساء والأطفال سيرتفع إلى 30 سجيناً، ثالثاً سيزيد مفتاح الكبار أيضاً إلى 30 أسيراً وسيرتفع مفتاح الجنود إلى 50 أسيراً، ومن بينهم يجب أن يكون 30 من ذوي الأحكام العالية و20 آخرون من المحكوم عليهم بالسجن المؤبد، سيفرج عنهم وفق الأقدمية".
مطبوعة؟
لم يركز غالانت كثيراً على مفتاح الصفقة، بقدر ما حاول التفاخر باعتراف "حماس" بتدمير قدراتها، فهل فعلاً انهارت الحركة وباتت عاجزة عن مواصلة الحرب، وماذا نعرف عن قدرات "حماس" بعد 12 شهراً من القتال؟
في البداية، ظهرت الوثيقة الحمساوية مطبوعة عبر الحاسوب وليست مكتوبة بخط اليد مما أثار استغراب المراقبين العسكريين، إذ يقول الباحث في الشؤون العسكرية اللواء رائد صافي "مستحيل أن تعتمد ’حماس‘ في وقت الحرب على مراسلات إلكترونية، يبدو الأمر عسكرياً غريباً".
وبغض النظر عن ذلك، فإن للواء صافي رأي يعتقد فيه أن غالانت عرض الوثيقة في إطار مساعيه للتأثير في الرأي العام الإسرائيلي، والترويج لأن الضغط العسكري أدى إلى إضعاف "حماس" ويتيح إبرام صفقة تبادل يعرقلها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غالانت يدعم إعادة الرهائن
وقبل الكشف عن الوثيقة، ذكر غالانت أن "إعادة الرهائن المحتجزين في غزة هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، وأن التوصل إلى اتفاق هو فرصة استراتيجية تمنح إسرائيل فرصة كبيرة لتغيير الوضع الأمني على جميع الجبهات". لكن رئيسه نتنياهو اتخذ موقفاً معاكساً يقول إن "على إسرائيل مواصلة الحرب حتى تدمير القوة العسكرية لـ’حماس‘"، وأن "الضغط العسكري أدى إلى إضعاف الحركة وتسبب في انهيار قدراتها".
كيف ترى إسرائيل وضع "حماس"؟
لوضع حركة "حماس" الحالي وجهتي نظر، الأولى إسرائيلية وفيها يرى غالانت "حماس" لم تعد موجودة كتشكيل عسكري، وهي منخرطة في حرب عصابات، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي سيواصل مقاتلة مسلحي ’حماس‘ وملاحقة قيادتها".
وعن ذلك يوضح غالانت أن "’حماس‘ منهكة وغير قادرة على التعافي، بينما يصل الجيش إلى أماكن لم تحلم الحركة أبداً أن نصل إليها، وسنواصل حتى لا تتمكن ’حماس‘ من إعادة بناء قوتها"، لافتاً إلى أن "النتائج على الأرض مثيرة للإعجاب للغاية".
وفي الواقع، يتحدث غالانت من دون أية أدلة، إذ يجهل الجيش الإسرائيلي حجم مخزون حركة "حماس" من الصواريخ ولا يستطيع تقدير مخزون أسلحتها. ويتنافى حديث وزير الدفاع الإسرائيلي مع بيانات "حماس" التي لا تزال تصدرها حول استمرارها في مقارعة الجيش بكل ثقة وتمضي قدماً في تحقيق ما تريده.
ومن غير الواضح ماذا فعلت إسرائيل بشبكة أنفاق متشعبة تمتد على 500 كيلومتر تمتلكها "حماس" تحت الأرض، وكذلك ما زال مجهولاً كيف تصرف جيشها مع ترسانة "حماس" من صواريخ أرض - أرض التي تمتلكها، كما لا يزال مصير 40 ألف مقاتل يعملون في الحركة مجهولاً.
لم تفصح إسرائيل رسمياً عن إنجازاتها وكان من المفترض أن يقدم نتنياهو عرضاً حول ذلك لكنه أجله، لكن الباحث العسكري الإسرائيلي العقيد موشيه إلعاد يقول "نجحنا في القضاء على 22 كتيبة من أصل 25". ويضيف أن "إسرائيل دمرت المنطقة الصناعية الرئيسة لتصنيع الصواريخ والأسلحة بوسط قطاع غزة، إضافة إلى تخريب شبكة أنفاق واسعة تحتها ضمت بعض المنشآت. الجيش قضى على 17 ألف عنصر من ’حماس‘ والفصائل الأخرى المقاتلة في غزة".
ويقر إلعاد أن الجيش لم يقض بعد على كامل الحركة وإنما شلَّ 90 في المئة من قدرات "حماس" العسكرية، لافتاً إلى أن القضاء على "حماس كمنظمة" لا يمكن تحقيقه أيديولوجياً، وفي الوقت نفسه لا ينفي تلقي "حماس" ضربة قوية جداً كمنظمة.
كيف ترى "حماس" نفسها وماذا يقول الباحثون العسكريون؟
أما وجهة النظر الثانية لوضع "حماس" الحالي فهي رؤية الحركة لنفسها، وهنا يتحدث رئيس العلاقات الوطنية في "حماس" علي بركة قائلاً "ما زالت لدينا القدرة على أن نمنع الأسرى الإسرائيليين من رؤية النور، كما أننا ما زلنا نملك مصانع لكل شيء، وعلى رأس ذلك الصواريخ ومدافع الهاون والقذائف ومصانع الكلاشينكوف والرصاص".
ويقول الباحث العسكري اللواء رائد صافي إن "’حماس‘ والفصائل الفلسطينية ما زالت موجودة وتقاتل وتنفذ عمليات وضربات موجعة ضد الجيش الإسرائيلي، وإذا تأكد سقوط نصف مقاتلي ’حماس‘ فهذا لا يعني أنها انتهت عسكرياً". ويضيف أن "’حماس‘ تدرك أن الحرب قد تطول بالتالي لا تخرج كل قوتها في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وهي في الوقت ذاته تعيد ترتيب أوراقها وبناء قوتها. وفي الوقت ذاته يدرك الجيش الإسرائيلي أن البقاء في غزة مرهق و’حماس‘ تجهزت لذلك. القضاء على حماس يكون ببناء حكم فلسطيني جديد وليس تولي إسرائيل مسؤولية أمن غزة".