Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سكان غزة يفقدون أوزانهم بحمية إجبارية

القتال أجبرهم على الركض هرباً من القصف وحمل المياه يومياً وإسرائيل تنفي تجويع القطاع

سوء التغذية وفقدان الوزن علامة ترافق أطفال غزة منذ شهور (يونيسيف)

ملخص

بينما يلهث كثر في العالم وراء نظام غذائي دقيق وصارم لإنقاص الوزن والتمتع بقوام رشيق فإن الأمر لدى سكان غزة مختلف، إذ يعتمد أهل القطاع الذي تشن عليه إسرائيل حرباً وحصاراً على أكل المعلبات والحبوب والبقوليات.

كان الفتى صدام ينادي المارة بصوت عال "تعال سم بدنك" وكأنه يعرف ما ستفعله قراءة شاشة ميزان قياس الوزن بقلوب النازحين، وعلى رغم أن نداءه كان مستفزاً للناس فإنه نجح في جذب انتباههم، وفي ساحة وجوده تخالطت المشاعر ضحكاً وبكاءً.

بعد طابور قصير، صعدت غادة على الميزان وضمت يديها في تعبير واضح عن ارتباك أعصابها وأغمضت عينيها بينما كان مؤشر الميزان يقرأ الوزن، وبمجرد ما استقر فتحتهما صارخة بتلقائية "الله لا يوفق الحرب، ماذا فعلت بي... 55 كيلوغراماً؟!". كانت الفتاة تتحدث بتعجب وصدمة ونبرة سؤال في الوقت نفسه.

من دون حمية

قبل الحرب كان وزن غادة 68 كيلوغراماً وطولها 170 سنتيمتراً، وتعتقد الفتاة أن وزنها مثالي بالنسبة إلى طولها، وتضيف "كنت أعرف أن الحرب جعلتني أخسر كيلوغرامات كثيرة من وزني، لكني لم أتخيل أنني فقدت 13 كيلوغراماً".

بينما يلهث كثر في العالم وراء نظام غذائي دقيق وصارم لإنقاص الوزن والتمتع بقوام رشيق فإن سكان غزة الأمر مختلف لديهم، إذ يعتمد الناس في القطاع الذي تشن عليه إسرائيل حرباً وحصاراً على أكل المعلبات والحبوب والبقوليات.

 

 

وبسبب الحصار الذي يرتبط بالحرب، فإن فقدان الوزن كان أمراً متوقعاً لجميع سكان غزة الذين يفتقدون توافر الأطعمة الغنية بالبروتين والدهون والفيتامينات، مما جعل خسارة الوزن أمراً طبيعياً ووارداً.

لا طعام

اعتلى ماجد أداة قياس الوزن، وانتظر استقرار شاشة الميزان وقرأ "100 كيلوغرام، يا إلهي لقد فقدت 26 كيلوغراماً من وزني" ضحك حتى بانت أسنانه. وقال "هذا أمر ليس جيداً بالنسبة لي، إنه يعني فقدان كتلتي العضلية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ماجد رياضي ويلعب رفع الأثقال لكنه توقف عن ذلك خلال الحرب، وعلى مدار 12 شهراً من القتال خسر 26 كيلوغراماً من وزنه، معتقداً أن السبب في ذلك هو حال المجاعة التي يعانيها سكان غزة. ويقول "نلهث وراء اللقمة ولا نجدها، نحن لم نتبع حمية غذائية نحن نشعر بالجوع على رغم عنا".

ويضيف "عانيت الجوع لأسابيع طويلة، كنت أتناول قطعة صغيرة من البسكويت على مدار يوم كامل ولم يكن يتوافر أي غذاء، لقد تحسنت ظروف الغذاء أخيراً إلى حد ما بعد تمرير المساعدات، ولكني لن أنسى أنني عشت في زمن المجاعة".

سمة الجميع

فقدان الوزن الهائل كان السمة الوحيدة التي ظهرت على جميع أجساد سكان غزة خلال فترة الحرب المستمرة، وتراوح الأوزان التي خسرها الأفراد ما بين خمسة كيلوغرامات و40 كيلوغراماً.

يضحك صاحب الميزان الفتى صدام عندما يبدي الأشخاص ردود فعل متباينة على أوزانهم. ويقول "جميع الحالات سيئة كلهم فقدوا من أوزانهم، ومعظم النحفاء نزلوا ما بين سبعة إلى 10 كيلوغرامات، أما الأشخاص السمان فقد خسروا من 15 إلى 40 كيلوغراماً من أوزانهم".

رياضات مختلفة

نصر فقد 30 كيلوغراماً من وزنه، ويقول "سياسة التجويع وفقدان الغذاء هي السبب في خسارة الوزن، نحن نمارس الرياضة بالإجبار، إذ كل يوم أركض مسافات طويلة هرباً من الموت".

يهرب نصر من مكان القصف ركضاً مرات متتالية خلال اليوم. ويضيف "كما أنني أمارس رياضة الانتظار وأقف في طابور المياه والطعام نحو أربع ساعات، هذا ما نضطر إليه ويسبب لنا الإرهاق الشديد وخسارة الوزن، لأننا نأكل يومياً وجبة واحدة فقط غير مكتملة العناصر الغذائية المطلوبة".

 

 

وتعاني آلاء توتراً وقلقاً دائمين، فكلما ذهبت إلى النوم انتفضت من مكانها على صوت القصف العنيف، وتقول إن القلق والخوف يأكلان معدتها ويجعلانها لا تشتهي الطعام على مدار يومها، مما جعلها تخسر نحو 23 كيلوغراماً من وزنها.

وتضيف آلاء "القلق مميت والشهية مقفولة والله ما في نفس للأكل"، وبسخرية تكمل حديثها "الحرب سبب في إنقاص وزني، كنت أنوي بالفعل ممارسة الرياضة لكن الحرب بدأت وجعلتني أخسر وزني وألعب رياضة بصورة أخرى، رياضة حمل الماء ورفعه".

وبعد انتظار دورها في تعبئة المياه تحمل آلاء على كتفها العبوات صعوداً على درج البيت أكثر من مرة في اليوم، وكان ذلك سبباً آخر في فقدها كثيراً من وزنها.

حتى المعتقلين والأطفال خسروا وزنهم

خسارة الوزن لا تقتصر على النازحين فحسب، بل أيضاً تشمل المعتقلين الذين أفرجت إسرائيل عنهم بعدما أسرتهم من داخل القطاع. ويشرح مؤمن ذلك قائلاً "فقدت نحو 40 كيلوغراماً من وزني بسبب تعرضي لسوء التغذية والتعذيب خلال الاعتقال".

ويضيف "لم يستطع أقربائي التعرف علي عندما أفرج عني، كنت أعاني الهزال الشديد والإعياء وفقداناً كبيراً في الوزن، إدارة السجون كانت تقدم للمعتقلين قطعة خبز صغيرة وفي بعض الأحيان نصف تفاحة كل ثلاثة أيام".

وحتى الأطفال المواليد فقدوا أوزانهم، وهذا حصل مع الرضيع عصام النجار الذي ولد بوزن 3.6 كيلوغرام، لكن بعد ثلاثة أشهر انخفض وزنه إلى 2.3 كيلوغرام بسبب حرمانه من الحليب والمواد الغذائية الأساس لبناء جسده.

تفسير طبي

تسببت الحرب الإسرائيلية في فقدان الأمن الغذائي وانتشار سوء التغذية وغابت اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك الطازجة عن الأسواق العامة. ويقول المتخصص في التغذية الطبيب شريف مطر "مشكلة سوء التغذية داخل قطاع غزة أخطر وأعقد مما يعتقد الجميع".

ويضيف مطر "الفكرة ليست في أن يأكل الفرد ويشبع لكن ماذا يأكل، تقريباً هناك طعام واحد يتمثل في الخبز، لا يوجد أكل سليم ولا متنوع، والجسم يحتاج إلى طعام متكامل يحوي المعادن والبروتينات والفيتامينات، وهذا غير متوافر".

 

 

ويوضح مطر أن خسارة نسبة كبيرة من أهالي قطاع غزة أوزانهم خلال الحرب ترجع إلى أسباب متعلقة بتغيير أنظمة الغذاء اليومية، وكذلك الحال النفسية المتردية، إضافة إلى أن التأثير الأكبر للعدوان يتمثل في حال التجويع الجماعي التي تنتهجها إسرائيل عبر منع دخول المواد الغذائية.

ويلفت مطر إلى أن لخسارة الوزن هناك تأثيراً في الهيئة العامة للجسم وعلى نضارة البشرة وصحة الشعر والعقل، كما أن الفزع جراء معايشة المجازر والنزوح المتواصل في ظروف قاسية والعيش بطريقة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الآدمية، كلها تخلف تأثيرات صحية ونفسية.

بصورة قاطعة تنفي إسرائيل وقوفها وراء أزمة الجوع وخسارة الوزن. ويقول رئيس مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية العقيد إيلاد غورين "لا توجد مجاعة في غزة، نحن نسمح بتدفق الغذاء وفق السعرات الحرارية، نمرر 2300 سعرة حرارية للفرد الواحد، لكن هناك مشكلة في توزيع الطعام داخل القطاع".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات