ملخص
لا تقتصر التحركات الأوكرانية في أفريقيا على الأمور العسكرية بل تتعداها إلى عمليات حشد دبلوماسية قامت بها كييف خلال وقت سابق، في مسعى إلى تعزيز موقفها في ظل حربها مع روسيا.
دخلت أوكرانيا التي تواجه حرباً ضد روسيا منذ عامين ونصف العام في معركة النفوذ داخل أفريقيا، ليس من بوابة الآليات الدبلوماسية والسياسية فقط لكن أيضاً العسكرية، مما يثير تساؤلات حول دلالات ذلك وما إذا كانت كييف ستكون لاعباً جديداً في القارة السمراء أم وكيلاً للقوى الغربية التي تآكل نفوذها خلال الأعوام الأخيرة.
وسلط المكمن الذي نصبه المتمردون في مالي للجيش ومجموعة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية خلال أغسطس (آب) الماضي والذي أوقع العشرات من القتلى داخل الجيش المالي وحلفائه، الضوء على هذا الدخول الأوكراني للقارة السمراء.
ولم يتردد رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف في الإقرار بأنه "تم تزويد المتمردين بالمعلومات اللازمة مما مكنهم من تنفيذ عملية عسكرية ناجحة ضد مجرمي الحرب الروس"، وفق قوله. وأوضح أن "الوكالة لن تناقش التفاصيل خلال الوقت الحالي، ولكن سيكون هناك مزيد في المستقبل".
ذراع للناتو
وفيما أضرت التصريحات الأوكرانية بسمعة كييف بصورة كبيرة في أفريقيا خصوصاً بعد قطع النيجر ومالي علاقتهما معها، فإنها فتحت الباب أمام التكهنات في شأن مستقبل كييف داخل القارة الأفريقية، خصوصاً أن وسائل إعلام أفريقية وأوكرانية بثت لقطات مصورة للمتمردين في شمال مالي وهم يلوحون بأعلام أوكرانيا.
ولم تذكر السلطات الأوكرانية ما إذا كان لديها حضور على الأرض، لكن كييف سبق أن واجهت تهماً بتقديم دعم عسكري للجيش السوداني أيضاً في مواجهة قوات "الدعم السريع" المدعومة من روسيا، مما يشي بتحول أفريقيا إلى ساحة جديدة للصراع بين موسكو وكييف.
وقال الباحث السياسي المالي عبدول نيانغ إن "أوكرانيا هي ذراع لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الساحل الأفريقي والقارة السمراء بصورة عامة. لكن ما يتغافل عنه كثر أن روسيا مجرد شريك لدول الساحل وبلدان أخرى".
وتابع نيانغ في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "الجيوش الوطنية في أفريقيا ستكون معنية أكثر من روسيا بالتصدي لأية محاولات سواء أوكرانية أو من طرف آخر لزعزعة الاستقرار، لأن الغرب باختصار يسعى إلى الفوز بمعركة النفوذ في أفريقيا من خلال بوابة أوكرانيا، أي إنه يسعى إلى تفادي صدام مباشر مع الروس في القارة".
وشدد على أن "الجيوش الوطنية لتحقيق ذلك، أي منع محاولات زعزعة الاستقرار، ستكون مدعوة لخلق تحالف عسكري مشترك وتعزيز قدراتها العملياتية وتعزيز شراكاتها مع الدول المخلصة".
وأردف نيانغ أن "الأهم هو تعزيز الموارد البشرية والمالية للجيوش المحلية من أجل تحقيق أهدافها وهي القضاء على الحركات المسلحة سواء المتمردة أو غيرها واستباق أية محاولات لزعزعة استقرار بلداننا".
لاعب جديد
وهذه من المرات النادرة التي تقر فيها أوكرانيا علناً بتدخل في مواجهة ما داخل أفريقيا، على رغم أن دبلوماسيين أوكرانيين على غرار السفير الأوكراني لدى دكار استفزوا سابقاً أنظمة في أفريقيا، إذ نشر على سبيل المثال مقاطع فيديو تظهر دعماً للمسلحين والانفصاليين الطوارق في مالي مما أثار حفيظة الحكومة السنغالية.
وقال الباحث السياسي السوداني المتخصص في الشؤون الأفريقية محمد تورشين "في تقديري التصريحات الأوكرانية في شأن التدخل المباشر في مالي تعكس محاولة لنقل الصراع والمواجهات المسلحة إلى أفريقيا وبخاصة أن مناطق مثل الساحل باتت ضمن اهتمام الجانب الروسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال تورشين في تصريح خاص "لذا، أعتقد أن هذا الأمر خطر وسيفتح المنطقة أمام مواجهات واحتكاك بين القوى الإقليمية والدولية لا سيما أن الواضح أن أوكرانيا لن تتوقف عن دعم المجموعات المسلحة مثل الطوارق في مالي، بالتالي المواجهات ستستمر وتكون حاضرة". ولفت إلى أن "الدعم الأوكراني لن يتوقف في اعتقادي وهذا يعني أن هناك لاعباً جديداً وواقعاً جديداً أيضاً في القارة الأفريقية لا يمكن تجاهله بأية حال من الأحوال".
وأكد أن "الخطر الآن أن تتحول هذه المواجهات إلى حرب بالوكالة وسنشهد وضعاً أشبه بوضع المرحلة التي كانت في الماضي أي مرحلة الحرب الباردة، الدعم الذي يقدم إلى القوى المتصارعة يهدد بذلك".
حملة أوكرانية
في الواقع، التحركات الأوكرانية في أفريقيا لم تقتصر على الأمور العسكرية بل تتعدى ذلك إلى عمليات حشد دبلوماسية قامت بها كييف خلال وقت سابق في مسعى إلى تعزيز موقفها في ظل حربها مع روسيا.
وقبل بداية الحرب خلال الـ24 من فبراير (شباط) 2022 كان لأوكرانيا فقط 11 سفارة لدى أفريقيا موزعة كالتالي (مصر وتونس والجزائر وأنغولا وإثيوبيا وليبيا وكينيا والمغرب ونيجيريا وجنوب أفريقيا والسنغال). لكن مع دخول الحرب عامها الثاني فتحت أوكرانيا ست سفارات جديدة داخل أفريقيا في كل من (غانا وكوت ديفوار وبوتسوانا وموزمبيق ورواندا والكونغو الديمقراطية)، فيما يتم الآن التجهيز لفتح أربع جديدة في كل من موريتانيا وتنزانيا والسودان والكاميرون.
وقال الباحث السياسي إيريك توبونا إن "هناك ما يشبه الحملة الأوكرانية الواسعة في أفريقيا وهذا كان متوقعاً، إذ وضع الضغط الميداني الذي مارسته روسيا طوال الأشهر الماضية ضد كييف أمام حتمية التحرك في الخارج، ورأينا هذا التحرك الذي تجسد في هجمات داخل العمق الروسي مثل ما حدث في كورسك أو من خلال نقل الصراع إلى مواقع جديدة".
وأوضح أن "الحملة تتجسد على سبيل المثال في الزيارات المكثفة التي قام بها وزير الخارجية الأوكراني السابق ديمتري كوليبا إلى عدد من الدول الأفريقية، في مسعى إلى شرح موقف كييف وحشد الدعم لها".
وزاد أن "المعطى الآخر هو دبلوماسية الحبوب، إذ قبل اجتياحها خلال عام 2022 كانت أوكرانيا تبيع القمح إلى أفريقيا لكن بعد هذا الاجتياح كثيراً ما أرسلت كييف شحنات حبوب بالمجان إلى القارة السمراء، مما يعني بالفعل أن الحملة الأوكرانية واسعة في القارة وتشمل عدداً من المجالات".
وفي ظل هذه التطورات فإنه من غير الواضح ما إذا كانت أوكرانيا ستنجح في فرض نفسها رقماً صعباً في معادلة التنافس على النفوذ في أفريقيا الغنية بثرواتها، والتي أصبح لها ثقل دولي خصوصاً في ظل الدعوات لمنحها مقعدين دائمين في مجلس الأمن الدولي، وهي دعوات تدعمها الولايات المتحدة.