ملخص
ترى الحكومة أن الشكايات المقدمة في مجال الأموال العمومية غالبيتها كيدية تطغى عليها حسابات سياسية وصراعات حزبية.
اشتد حبل التوتر في الأوان الأخيرة بين الحكومة المغربية والجمعيات التي تعنى بقضايا حماية المال العام، على خلفية توجه الحكومة، ممثلة في وزارة العدل نحو اعتماد قانون جنائي جديد يقيد حق المجتمع المدني ومنظماته الحقوقية في التبليغ عن جرائم المال العام.
ويعتبر حماة المال العام، لا سيما الجمعيات والمنظمات المدنية في المغرب، هذا التوجه الحكومي نوعاً من التقييد والتضييق على حقهم في فضح مختلسي المال العام، وذلك يعني، وفقهم، حماية ضمنية لسارقي أموال الدولة، بينما ترى الحكومة أن الشكايات المقدمة في مجال الأموال العمومية غالبيتها كيدية تطغى عليها حسابات سياسية وصراعات حزبية.
موقف الحكومة
ينص مشروع القانون الجنائي على أنه لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام إلا بطلب من السلطات القضائية، أو المفتشيات العامة لبعض الوزارات والإدارات العمومية، أو بناء على إحالة من هيئة النزاهة والوقاية من الرشوة.
وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي، لم يخف في أكثر من مناسبة التعبير عن رفضه تقديم حماة المال العام في المغرب لشكاوى قضائية ضد سياسيين ومنتخبين ومسؤولين بتهم اختلاس المال العام أو تبذير أموال الدولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق وزير العدل المغربي أيضاً، فإن شكايات الجمعيات المشتغلة بملفات حماية المال العام يتم استغلالها في الغالب بصورة سيئة من أجل تصفية حسابات سياسية وصراعات حزبية، مما يُفقد هذا الشكايات صدقيتها.
ويتهم وزير العدل جمعيات حماية المال العام بأنها تمارس نوعاً من الابتزاز في حق عدد من المنتخبين، بدعوى تقديم شكاوى قضائية ضدهم بخصوص سوء تدبير مشاريع عمومية، أو سوء صرف أموال الدولة، وغيرها من التهم المتعلقة بجرائم المال.
ولمواجهة ما تعتبره الحكومة توظيفاً سيئاً وسياسياً لشكايات جرائم المال العام من طرف منظمات وجمعيات حقوقية متخصصة بهذه الملفات، أقرت في صياغتها للقانون الجنائي الجديد عقوبة بسجن "أصحاب الوشايات الكاذبة" 10 أعوام كاملة.
محاربة الفساد
أفضى تحديد هيئات ومؤسسات بعينها يحق لها رفع دعاوى أو شكاوى ضد مختلسي المال العام، من دون إشراك جمعيات المجتمع المدني المهتمة والمشتغلة بهذا الملف، إلى إثارة غضب عارم لهذه المنظمات الحقوقية.
كما أن الاتهامات المتوالية من وزير العدل تحديداً لهذه الجمعيات دفعت جمعيات حماة المال العام إلى سلسلة من الاحتجاجات، والتفكير في إنشاء هيئة موحدة لمجابهة مظاهر الفساد واختلاس الأموال العامة.
يرد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي، على إقصائهم من تقديم شكاوى قضائية بهذا الخصوص، بالقول إن الحكومة تحاول من خلال سن القانون الجنائي الجديد تقييد حركة هذه الجمعيات في ممارسة مهماتها وأدوارها المرتبطة بمراقبة وتخليق الحياة العامة.
ووفق الغلوسي، فإن جمعيات حماية المال العام هي هيئات حقوقية تجسد نبض المجتمع المدني، وتمارس أدوارها كما حددها لها الدستور نفسه في الفصل الـ12، الذي اعتبر المجتمع المدني شريكاً رئيساً في تقييم وإعداد السياسات العمومية.
ووفق الفصل الـ12 من الدستور المغربي "تُؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وتمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون، وتسهم في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها".
ورداً على اتهامات الحكومة لجمعيات حماية المال العام بالابتزاز وتصفية الحسابات السياسية، أكد الغلوسي أنهم بصفتهم حقوقيين ينشطون في مجال حماية المال العام يرفضون كل أساليب الابتزاز أو تصفية الحسابات، لكنهم حريصون على التبليغ عمن تخول له نفسه المس بالمال العام، بهدف محاربة الفساد الذي يتعين ألا يكون شعاراً يردد بل واقعاً يعاش.
المسؤولية والمحاسبة
من جهته أفاد عبدالإله الخضري مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، أنه على مر العقدين الأخيرين، أي منذ تولي محمد بوزوبع وزارة العدل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2000، اتسم تفاعل الوزراء المتعاقبين مع جمعيات المجتمع المدني وبخاصة حماة المال العام بالإيجابية، وفي أسوأ الأحوال بالحياد، بخلاف الفترة الحالية التي تشهد تصادماً بين هذه الجمعيات والسلطة التنفيذية.
وأوضح أن الذي دفع الحكومة، وتحديداً وزير العدل إلى محاولة تقييد يد جمعيات المجتمع المدني في قضايا جرائم الأموال العامة، هو محاولة قطع الطريق أمامها لاجتناب مقاضاة شخصيات تنتمي إلى أحزاب الغالبية الحكومية، وأيضاً بهدف تقويض سلطات النيابة العامة في تحريك المتابعات المتعلقة بجرائم الأموال العامة.
وتابع الحقوقي ذاته أن هذه المساعي من شأنها أن تتناقض مع روح الدستور المغربي، بسبب المس بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتبخيس الأدوار التي بات يلعبها المجتمع المدني في إطار المقاربة التشاركية التي منحها له الدستور في تدبير الشأن العام ومحاسبة المخلين بواجباتهم وأماناتهم، وتقويض لاستقلالية القضاء ودوره في بسط يده لمراقبة الحياة العامة.
وخلص الخضري إلى أن هذا المنحى لا يخدم البتة "مغرب القرن الـ21" الذي يتطلع إلى تكريس مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في تدبير الشأن العام.
الجدير بالذكر أن عدداً من المسؤولين والمنتخبين خضعوا للتحقيق أمام محاكم جرائم الأموال، بسبب تهم اختلاس أموال عمومية، أبرزهم الوزير السابق محمد مبديع القابع حالياً في سجن "الدار البيضاء" بتهمة تبذير أموال عمومية عندما كان يسير شؤون مدينة الفقيه بن صالح، وذلك بناء على شكاية قدمتها الجمعية المغربية لحماية المال العام في 2017، قبل أن تبدأ التحريات الأمنية بهذا الملف عام 2023.