ملخص
تتسم فترة الحملة الانتخابية بتنوع العروض السياسية وبعمق النقاشات حول جدوى البرامج الانتخابية، إلا أن حال الانقسام السياسي في تونس وشبح العزوف، لا يزالان يتربصان بالانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد.
انطلقت الحملة الانتخابية لمرشحي الرئاسة المقررة في تونس في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وسط غموض المشهد وتباين التوجهات السياسية للمرشحين الثلاثة لهذه الانتخابات، وهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد ورئيس حركة "عازمون" العياشي زمال والأمين العام لحركة "الشعب" زهير المغزاوي.
ولئن ينادي قيس سعيد بمقاومة الفساد وبأنه يخوض معركة التحرر الوطني ويعمل على الحفاظ على السيادة الوطنية، باعتماد نظام سياسي مختلف أرساه وفقاً لدستور 2022، وبتركيز برلمان جديد منتخب بغرفتين، فإن زهير المغزاوي يرفع شعار الإصلاحات السياسية العاجلة كإلغاء المرسوم 54 الذي يرى أن عدداً من السياسيين والصحافيين يقبعون بمقتضاه في السجون، كما يعد بتركيز المحكمة الدستورية وبالتوازن بين السلطات، إلى جانب الاعتناء بالفئات الهشة والعمل على خلق الثروة. بينما يعمل العياشي زمال المرشح الملاحق قضائياً في عدد من القضايا والقابع في أحد سجون الشمال الغربي في تونس، على "طي صفحة الماضي" والعمل على تجميع التونسيين على المصلحة العليا للبلاد، والعمل على إنعاش الاقتصاد الوطني".
ويتقاسم المرشحان المنافسان للرئيس المنتهية ولايته، نقطة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بينما يتمسك قيس سعيد بأهمية وحدة الدولة والذود عن سيادتها.
الدور الاجتماعي للدولة
يؤكد النائب عن حركة "الشعب" عبدالرزاق عويدات في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "أولويات مرشح الحركة زهير المغزاوي هي تكريس الدور الاجتماعي للدولة ومراعاة الحقوق والحريات والدخول مباشرة في الإصلاحات الكبرى التي ستشمل التعليم والصحة مع التركيز على الثروة الوطنية لمصلحة الشعب التونسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر أن "من بين أسباب أزمة تونس اليوم الأوضاع الاجتماعية المتدهورة كارتفاع نسبة البطالة وضعف النمو الاقتصادي واتساع رقعة الفقر"، موضحاً أن "الإصلاحات السياسية ستركز على تنقيح الدستور والحد من الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية وجعله تحت رقابة المحكمة الدستورية التي سيتم التسريع في تركيزها، علاوة على ضرورة ضمان التوازن بين السلطات".
وشدد البرلماني عويدات على "ضرورة مراعاة الحقوق والحريات وإلغاء المرسوم 54، وتعويضه بقانون يتماشى مع الدستور ومع الاتفاقات الدولية التي وقعتها تونس".
ويهتم برنامج المغزاوي بالسياسة الخارجية، مقترحاً "إدماج تونس في محيطها الإقليمي المغاربي والأفريقي حتى تكون الجسر بين أفريقيا وأوروبا"، ويدعو إلى "الانفتاح على الشرق على غرار الصين وروسيا مع المحافظة على الشراكات الاستراتيجية مع دول الاتحاد الأوروبي".
طي صفحة الماضي
وغير بعيد مما يقترحه المغزاوي، يتبنى المرشح الرئاسي العياشي زمال "مقاربة اقتصادية واجتماعية ترافقها إجراءات لترميم الوضع السياسي عبر طي صفحة الماضي ودخول تونس في مرحلة جديدة تقضي على الفقر والتهميش، من خلال برنامج اقتصادي واجتماعي متكامل يصنع الثروة، ويوفر الشغل والكرامة لعموم التونسيين".
ويعتبر زمال في أحد الفيديوهات التي نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي أن المعركة في تونس اليوم هي معركة حرية وكرامة من خلال جيل سياسي جديد يتبنى أطروحة السياسة التي تنفع الناس، ويؤكد أنه "يمثل بديلاً وطنياً حقيقياً وله مشروع للتغيير"، داعياً التونسيين إلى تحقيق حلمهم بالتغيير عبر صندوق الاقتراع".
وبينما يقبع زمال في السجن، صرحت عضو مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نجلاء عبروقي بأنه "من حق فريق حملته القيام بالحملة الانتخابية لمرشحهم، مع الالتزام بالإعلام المسبق بـ48 ساعة لكل نشاط مبرمج"، وتضيف أن "مشاركة المرشح العياشي زمال في حملته الانتخابية من عدمها هي مسألة من شأن القضاء".
يشار إلى أنه جرى إيداع زمال السجن وإحالته إلى القضاء بتهم تتعلق، أساساً، بـ"تدليس وثائق والتلاعب بمعطيات إلكترونية".
هوية سياسية
في الأثناء، وعد رئيس الجمهورية قيس سعيد بـ"بناء سياسي وإداري جديد في تونس وبدأ فعلاً بتطبيقه منذ الـ25 من يوليو (تموز) 2021، من خلال دستور جديد وبرلمان بغرفتين، علاوة على التوجه نحو وضع مجلس أعلى للتربية والتعليم وتشريك أهل الاختصاص في الإصلاحات القطاعية وإحداث نوع جديد من المؤسسات الاقتصادية وهي الشركات الأهلية".
وأكد أستاذ العلوم الجيوسياسية في الجامعة التونسية رافع الطبيب في تصريح خاص أن "مسار الـ25 من يوليو الذي دشنه سعيد يحتاج اليوم إلى هوية سياسية واضحة وتنزيل الخطاب السياسي إلى أرض الواقع وفرز حقيقي بين من يتبنى روح هذا المسار فعلياً ومن يريد أن يجني منه مكاسب سياسية".
وأضاف أن "أهم الأولويات هي تقديم بدائل اقتصادية واجتماعية لأن التونسيين تبنوا دستوراً وبرلماناً جديدين، والبلاد تحتاج إلى بلورة نموذج اقتصادي واجتماعي يلبي حاجة التونسيين للرفاه والتنمية"، لافتاً إلى أن مسار الـ25 من يوليو "كان ناتجاً من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجتها البلاد قبل 2011 وبعدها".
ودعا أستاذ العلوم الجيوسياسية إلى "التركيز على الرافعات الأساسية للاقتصاد التونسي"، مشيراً إلى "آلية الشركات الأهلية التي أقرها قيس سعيد، إضافة إلى سياسة التعويل على الذات والموارد الذاتية للدولة والتقليص من الاقتراض الخارجي الذي أغرق البلاد طوال عقود في التداين".
ويعول رافع الطبيب على أن يتوجه المرشحون مباشرة عبر وسائل الإعلام إلى المواطنين لتقديم برامجهم الانتخابية التي يجب أن "تقدم البدائل الناجعة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، علاوة على إرسال إشارات إيجابية حول مستقبل البلاد لتحويل أحلام التونسيين في الشغل والرفاه إلى واقع من خلال استراتيجيات عمل وآليات ناجعة لدفع النمو"، مبدياً استغرابه لغياب الهياكل الاقتصادية والاجتماعية كاتحاد الشغل ومنظمة الأعراف في هذا الوقت.
مناخ سياسي غير ملائم
وبينما يتحدث المرشحون للانتخابات الرئاسية عن بدائل اقتصادية واجتماعية، يرفض معارضو هذا المسار أن يكون المناخ السياسي الراهن في تونس ملائماً لإجراء انتخابات رئاسية تنافسية ونزيهة.
ويقول الناشط السياسي الأمين البوعزيزي إن "الحديث عن حملة انتخابية لا يستقيم في ظل إقصاء من تم قبولهم من قبل المحكمة الإدارية، وفي ظل التنكيل بالمرشح العياشي زمال، بينما يمارس رئيس الجمهورية قيس سعيد حملة انتخابية مفتوحة منذ مدة"، مشيراً إلى أن موازين القوى غير متكافئة ولا وجود لتنافس سياسي متوازن.
ويقر بـ"غياب برامج سياسية حقيقية ونقاش عميق في الفضاء العام ووسائل الإعلام حول تلك البرامج الانتخابية لأن المناخ السياسي مشحون ومتوتر، إضافة إلى انعدام الضمانات التي تحمي العملية الانتخابية".
وأكد أن "السياسة ملغاة في تونس في غياب الأحزاب والمنظمات المدنية ووسط التضييق على الفكر الحر"، لافتاً إلى أن "الذين أعلنوا نيتهم الترشح لمنافسة رئيس الجمهورية تم الزج بهم في السجون، بينما يلاحق البقية بالتتبعات القضائية".