Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بروباغندا بوتين قبل جيوشه... اجتياح مدروس للغرب وأوكرانيا

واشنطن تشن حملة ضخمة ضد وسائل الإعلام الروسية واتهامها بتنفيذ مخططات استخباراتية

يقف بوتين متحدثاً بينما تلتف حوله وسائل إعلام روسية وعالمية (رويترز)

ملخص

انخفض دعم أوكرانيا بين الأميركيين بصورة أكبر خلال عامي 2022 و2023 بفعل الدعاية الروسية التي لعبت على أوتار حساسة لدى الغرب، وبخاصة بين مؤيدي الحزب الجمهوري.

ربما كانت الحرب الروسية - الأوكرانية التي بدأت خلال عام 2014 هي الأولى التي كان فيها الإعلام والبروباغندا وعنصر المعلومات لا يقل أهمية عن العنصر العسكري. وتولت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الكرملين التحضير للحرب منذ الانقلاب الذي حدث في الميدان داخل كييف خلال ذلك العام، فقامت بدعاية منظمة ومدروسة ومنسقة وموجهة ليس فقط لأوكرانيا بل باتجاه الدول الغربية التي تدعمها، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ثم وسعت انتشارها إلى إقليمي لوغانسك ودونيتسك وشبه جزيرة القرم.

واعتباراً من عام 2022 مارست وسائل إعلام الكرملين بروباغندا مدروسة وقوية داخل أراضي الأجزاء الأوكرانية التي سيطرت عليها حديثاً في منطقتي زابوريجيا وخيرسون، وتحولت إلى أداة قوية وفعالة لإضفاء الشرعية على عمليات ضم هذه الأراضي للوطن "الأم" روسيا، وتقويض الثقة في أوكرانيا.

غزو البروباغندا الروسية لأميركا!

انخفض دعم أوكرانيا بين الأميركيين بصورة أكبر خلال عامي 2022 و2023 بفعل الدعاية الروسية التي لعبت على أوتار حساسة لدى الغرب، وبخاصة بين مؤيدي الحزب الجمهوري. وفي بداية الحرب، اعتقد 49 في المئة منهم أن أوكرانيا يجب أن تحصل على مزيد من الأسلحة والآن 17 في المئة فحسب. وأكبر قناة دعاية للبروباغندا الروسية هنا هي قناة "فوكس نيوز" المؤيدة للرئيس السابق ومرشح الرئاسة دونالد ترمب، لكن وسائل الإعلام الأكثر توازناً تنشر أيضاً الروايات الروسية.

ينظر معظم السياسيين والشخصيات العامة الغربية إلى أوكرانيا ومقاومتها العسكرية باعتبارها موالية لهم ولحلف الناتو، ولكن هذه لم تكن الحال دائماً.

لمدة تسعة أعوام شوهت الدعاية الروسية الحقائق ونشرت الأساطير. وبفضل هذا العمل الفذ فحسب كاد مسلحو كتيبة "آزوف" الأوكرانية يوصموا بالعار بعدما سعت الحملة الروسية طويلة الأمد إلى تشويه سمعة هذه الوحدة التي تصفها موسكو بـ"الفاشية". وخلال عام 2015 قرر مجلس النواب في الكونغرس الأميركي بالإجماع وقف تدريب "آزوف" بسبب تصديق الدعاية الروسية حول الأيديولوجية "القومية" المتطرفة لعناصرها، بل إن 40 من أعضاء الكونغرس الأميركي طالبوا بالاعتراف بـ"آزوف" منظمة إرهابية.

 

 

وخلال العام الخامس لبدء الاضطرابات في دونباس فرض الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) غرامة على لاعب كرة القدم أوجنين فوكويفيتش بسبب شعار "المجد لأوكرانيا!". كما تعرض رومان زوزوليا للاضطهاد من قبل المشجعين الإسبان بسبب مساعدته للقوات المسلحة الأوكرانية.

كان ينظر إلى أوكرانيا على أنها جزء غير مفهوم انفصل عن الاتحاد السوفياتي. وتم تفسير الحرب بصورة ملائمة على أنها "صراع داخلي" أو "اضطهاد للسكان الناطقين بالروسية".

الدعاية الروسية تقلص الدعم الأميركي

لا يزال اللوبي الإعلامي الروسي قوياً في الغرب بسبب إنفاقه مليارات الدولارات على الدعاية والبروباغندا. وكل يوم تظهر العشرات من المواد الموالية لروسيا في وسائل الإعلام الغربية الرائدة للترويج لأفكار مفادها أن موسكو لا يمكن هزيمتها، وأنه من الضروري العودة إلى المفاوضات من أجل السلام، وأن كلفة الحرب بالنسبة إلى الغرب مرتفعة للغاية.

لكن هل لمثل هذه الرسائل تأثير في المواطنين العاديين؟ بعد مرور أكثر من عامين على بدء الحرب انخفضت في الولايات المتحدة نسبة أولئك الذين يعتقدون أنه ينبغي منح أوكرانيا مزيداً من الأسلحة، وفقاً لأحدث الأبحاث التي أجراها مركز بيو للأبحاث.

ويعتقد ربع الأميركيين أن دعم واشنطن لأوكرانيا كبير للغاية. على رغم أنه خلال سبتمبر (أيلول) 2023 لم يكن هناك سوى 20 في المئة منهم، وفي بداية الحرب 15.7 في المئة فحسب.

ويتراجع الدعم لأوكرانيا بصورة أكبر بين أنصار الجمهوريين. فإذا كان 49 في المئة منهم في بداية الحرب يعتقدون أن أوكرانيا لا بد وأن تحصل على مزيد من الأسلحة، فإن 17 في المئة فقط من الجمهوريين الآن يؤيدون توسيع المساعدات لكييف. وفي كثير من الأحيان تتعزز الشكوك العامة بتصريحات المسؤولين من كلا المعسكرين. وغير أحد القادة الجمهوريين رون ديسانتيس موقفه بصورة حادة في شأن دعم أوكرانيا. وخلال عامي 2014 و2015 انتقد فريق الرئيس السابق باراك أوباما ودعا إلى توفير "أسلحة دفاعية وهجومية" لكييف. وفي بداية العملية العسكرية الروسية الشاملة انتقد الرئيس جو بايدن لضعفه.

ومع استشعاره للتغيرات في المشاعر العامة فإن هذا المرشح الرئاسي المحتمل مستقبلاً يطالب الآن بالعكس، أي تقليص دور الولايات المتحدة والدعم الذي تقدمه.

وينتقد جمهوري آخر وهو نائب الرئيس السابق مايك بنس الذي لم يتبع أوامر ترمب خلال محاولة الانقلاب في الولايات المتحدة زملاءه أعضاء الحزب بسبب مغازلتهم المفرطة لمصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

يتحدث مؤيدو ترمب الأكثر تطرفاً عن "أميركا أولاً"، ويطالبون بتقليل النفوذ الدولي للولايات المتحدة، بما في ذلك ما يتعلق بدعم أوكرانيا. وبينما يستعد الحزب الجمهوري لسباق رئاسي متقارب أصبح منقسماً على نحو متزايد، ويؤثر هذا الخلاف سلباً في الرأي العام المؤيد لكييف.

"ملك" الدعاية الروسية في أميركا!

أبرز منتقدي أوكرانيا في الولايات المتحدة هو المذيع والمستضيف المعروف تاكر كارلسون الذي يعد من أصدقاء بوتين المقربين، والذي خصه الرئيس الروسي خلال فبراير (شباط) الماضي بأول مقابلة صحافية يجريها مع صحافي غربي منذ بداية الحرب في أوكرانيا. ولدى كارلسون 5.6 مليون متابع على منصة "إكس" وبرنامجه الخاص الذي كان يبث في وقت الذروة على إحدى أكبر وسائل الإعلام الإخبارية الأميركية "فوكس نيوز".

وتحتل قناة "فوكس نيوز" المصممة لمحبي الجمهوريين المرتبة الأولى داخل الولايات المتحدة من حيث عدد المشاهدات بين القنوات الإخبارية (نحو 2-3 ملايين مشاهد في البث المسائي).

ويتحدث تاكر كارلسون في أوقات الذروة على وجه الخصوص عن المختبرات البيولوجية الأوكرانية أو عن خسارة كييف في الحرب، وغالباً ما تتضمن برامجه نقاط حوار مأخوذة من وسائل الإعلام الروسية.

بدأ الديمقراطيون يتهمون شبكة "فوكس نيوز" علانية بالترويج لروسيا من أجل المال. صحيح، ليس في ما يتعلق بتغطية الحرب في أوكرانيا ولكن في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية السابقة داخل الولايات المتحدة. واعترف مؤسس القناة جزئياً بأن شبكة "فوكس نيوز" كانت تنشر الأكاذيب، ولكن من غير المرجح أن تطبق العقوبة على الناطقين بالخطاب المؤيد لروسيا.

 

 

ويفسر هذا التأثير إلى حد كبير سبب تغيير أنصار الحزب الجمهوري وجهات نظرهم في شأن دعم أوكرانيا بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين. ومع ذلك فإن الأفكار المفيدة للكرملين تسمع أيضاً في وسائل الإعلام الديمقراطية. على سبيل المثال تم تخصيص أحد الأعمدة الأخيرة في صحيفة "نيويورك تايمز" بالكامل لحقيقة أن أوكرانيا لن تكون قادرة على الفوز من دون التدخل المباشر لقوات الناتو. وبما أن التحالف لا يستطيع الدخول في حرب مع الاتحاد الروسي فإن استمراره لا طائل منه.

وتظهر الأفكار الأكثر تطرفاً في وسائل الإعلام الغربية من خلال مثل هذه النصوص المؤلفة. وتروج بعض المحتويات التحريرية لوجهات نظر أقل تطرفاً ولكنها متشككة في شأن الحرب.

بالتالي، فإن القارئ الأميركي دائماً ما يكون في حال من عدم اليقين في شأن كيفية إدراك الموقف الروسي. وفي مكان قريب، قد يصادف مقالات حول احتياج كييف إلى المساعدة في كفاحها البطولي وأن الولايات المتحدة تتدخل بصورة كبيرة في "الصراع".

إن الشكوك في وسائل الإعلام تساعد روسيا لأن الساسة ينظرون باستمرار إلى استطلاعات الرأي. عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، سيستمر الصراع ليس فقط بين المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين بل أيضاً داخل الحزب الواحد.

أميركا.. أميركا!

يعتقد معظم الأميركيين أن أوروبا لا بد أن تلعب دوراً قيادياً في دعم أوكرانيا، متجاهلين حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة تمتلك إمكانات عسكرية تفوق عدة أضعاف ما تتمتع به كل دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة.

واختار 54 في المئة من الأميركيين في استطلاع أجرته مؤسسة "المحاربون القدامى المعنيون من أجل أميركا"، خلال سبتمبر 2023 الرسالة التي تتوافق بصورة أفضل مع معتقداتهم، وقالوا "يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في دعم أوكرانيا فقط إذا أظهر الحلفاء الأوروبيون دعماً مماثلاً"، وعلاوة على ذلك اتفقوا على أن الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن تتولى القيادة، حتى لو كانت أوكرانيا قد تفقد أراضيها بسبب تقاعس الدول الأوروبية.

وعلى رغم الشكوك الأميركية وفقاً لمعهد كيل للاقتصاد العالمي فإن الدعم الأميركي أكبر 25 في المئة من نظيره الأوروبي، إذ خصصت واشنطن 73 مليار يورو (81 مليار دولار) لأوكرانيا في حين تقدر المساعدة المقدمة من الاتحاد الأوروبي والدول المشاركة 54 مليار يورو (60 مليار دولار).

ومن حيث الناتج المحلي الإجمالي، قدمت بعض الدول الأوروبية أكثر بكثير من غيرها. ومع ذلك، فإن أوروبا غير متساوية في جهودها وغالباً ما تمنع العمليات البيروقراطية المطولة اتخاذ قرارات سريعة.

سجال البيت الأبيض مع "دلوعة الكرملين"

تسعى الإدارة الأميركية إلى الإعلان عن جهد كبير لتقليص النفوذ العالمي لقناة "آر تي" وكشف ما تقول إنه "الدور الرئيس للشبكة الحكومية الروسية في عمليات الاستخبارات والتأثير العالمي للكرملين، ليس بفضل مهنيتها الصحافية المشكوك فيها وكفاءة صحافييها المتحدرين من مهن لا علاقة لها بالصحافة والإعلام، بل بسبب اتخاذها عميلاً لشراء الذمم والأقلام وتوزيع ونشر الإخبار الكاذبة".

وقال مسؤول في واشنطن وصفته شبكة "سي أن أن" بأنه "رفيع" إن وزارة الخارجية ستكشف عن نتائج استخباراتية أميركية رفعت عنها السرية تثبت أن "قناة ’آر تي‘ مدمجة بصورة كاملة في العمليات الاستخباراتية الروسية في جميع أنحاء العالم"، وستبدأ حملة دبلوماسية لتزويد الدول بمعلومات حول "الأخطار المرتبطة بأنشطة القناة الروسية".

كما قالت مصادر مطلعة أخرى إن "إحدى النتائج الرئيسة التي توصلت إليها الاستخبارات الأميركية الجديدة تفيد بأن الحكومة الروسية أنشأت بهدوء وحدة لجمع المعلومات الاستخباراتية داخل قناة "آر تي" تركز على عمليات تأثيرها حول العالم، وكان هذا النشاط جزءاً مما وصفه المسؤولون الأميركيون بأنه توسع كبير لدور القناة باعتبارها ذراعاً وناطقاً باسم الكرملين في الخارج". وأضافت أن "النشاط يتجاوز الدعاية وعمليات التأثير السرية ليشمل حتى المشتريات العسكرية".

 

 

وأشارت إلى أن "هدف الولايات المتحدة هو التأكد من أن الدول تعلم أن قناة "آر تي" ووكالات الاستخبارات الروسية تعملان معاً في جهود لزرع الانقسام والإضرار بالعمليات الديمقراطية".

ورداً على طلب التعليق من "سي أن أن" ردت القناة الروسية برسالة بريد إلكتروني ساخرة جاء فيها جزئياً "لقد كنا نبث مباشرة من مقر كي جي بي طوال الوقت".

وبحسب شبكة "سي أن أن" "يتطلع الدبلوماسيون الأميركيون خلال الأيام والأسابيع المقبلة بما في ذلك اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى محاولة بناء تحالف من الدول لمواجهة هذا التحدي".

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية خلال الرابع من سبتمبر الجاري فرض عقوبات على رئيسة تحرير قناة "آر تي" التلفزيونية مارغريتا سيمونيان التي تحمل لقب "دلوعة الكرملين"، ونائبيها أنطون أنيسيموف وإليزافيتا برودسكايا. وشملت العقوبات أيضاً نائب رئيس خدمة البث الإخباري للقناة أندريه كياشكو ورئيس قسم مشاريع الإعلام الرقمي قسطنطين كلاشينكوف والموظفة في قسم مشاريع الإعلام الرقمي يلينا أفاناسييفا.

وإضافة إلى ذلك تعمل وزارة الخارجية الأميركية على تشديد قواعد العمل في ما يتعلق بمجموعة "روسيا سيفودنيا" الإعلامية وهياكلها التأسيسية، مع تحديد وضعها على أنها "مكاتب تمثيل أجنبية". وتعد الولايات المتحدة أن هناك "تأثيراً عدائياً" في الانتخابات الرئاسية داخل البلاد، على رغم نفي السلطات الروسية مراراً مثل هذه الادعاءات.

بدورها، أكدت رئيسة تحرير مجموعة "آر تي" مارغريتا سيمونيان أن العقوبات الأميركية لن تكون قادرة على "إسكات قناتنا ومجموعة روسيا سيفودنيا الإعلامية".

ومن جهته، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا تطلق "حملة دبلوماسية" ضد القناة الروسية، وتدعو إلى التعامل مع تصرفات القناة "على أنها استخباراتية". وقال بلينكن إن موظفي القناة ليسوا صحافيين ولا علاقة لهم بمهنة الصحافة، بل يشاركون في الإمدادات العسكرية والمساعدة لأجهزة الاستخبارات الروسية المختلفة.

وقال بلينكن "لقد علمنا أن موظفي ’آر تي‘ يشاركون في الإمدادات العسكرية والمساعدة المختلفة لوكالات الاستخبارات، وهي على اتصال بأجهزة الاستخبارات الروسية". وتابع "يجب أن تتوقف القناة عن نشر الدعاية الروسية وموظفوها يهددون ديمقراطيتنا ويتدخلون في الانتخابات بالولايات المتحدة".

 

 

بحسب بلينكن، فإن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على ثلاثة هياكل واثنين من موظفي القناة بما في ذلك داخل مولدوفا، مؤكداً أن "القناة تجاوزت كونها وسيلة إعلامية وأصبحت كياناً يتمتع بقدرات سيبرانية، ونحث الدول الأخرى على التعامل مع أنشطتها على أنها استخباراتية". ووفقاً له، تلقى الدبلوماسيون الأميركيون في جميع أنحاء العالم تعليمات بتقديم "أدلة" على القدرات المزعومة التي تمتلكها القناة وكيف "تستخدمها" في دول مختلفة.

وستقرر حكومات الدول بنفسها كيفية الرد على هذا التهديد، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستدعو حلفاءها إلى تقييم أنشطة القناة بالطريقة نفسها مع "أنشطة الاستخبارات الروسية الأخرى داخل حدودهم".

سيمونيان: أيها الحمقى نحن نفعل هذا علانية

قبل المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية الأميركي قالت رئيسة تحرير مجموعة "آر تي" مارغريتا سيمونيان "ستعلن وزارة الخارجية الأميركية أننا أهم جواسيس العالم، ترقبوا ذلك". وردت على اتهامات بلينكن بأن موظفي الشبكة يشاركون في الإمدادات العسكرية ويقدمون المساعدة لأجهزة الاستخبارات الروسية المختلفة وعلى دعوته إلى حظر القناة بسخرية قائلة "بعد مرور عامين ونصف العام على حظر حلفاء الولايات المتحدة لقناتنا، يدعو بلينكن إلى فرض حظر عليها. اكتشفت وكالات الاستخبارات الأميركية أننا نساعد الجبهة... أيها الحمقى نحن نفعل هذا علانية، هل أرسل لكم قائمة بكمية ما اشتريته وأرسلته؟ نحن ننشر هذا بانتظام".

وذكرت وزارة الخارجية الأميركية أن أحد أسباب عدم حصول أوكرانيا على القدر نفسه من الدعم في البلدان الأخرى "هو قناة ’آر تي‘. قبل أن ترد سيمونيان "حياتي لم تذهب هباء. أقول ذلك جادة". وأضافت بسخرية وتهكم قائلة "إن ’آر تي‘ كانت تبث طوال هذا الوقت مباشرة من مقر الكي جي بي"، معربة عن مخاوفها من "نفاد الفشار لديها أثناء الجلوس ومشاهدة ما ستتوصل إليه حكومة الولايات المتحدة في شأن هذه القضية".

وكذلك، ردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على تصريح وزير الخارجية الأميركي في شأن "آر تي" وقالت إنه يجب التعامل معه كما لو كان حلقة في سلسلة "البلوك تشين". وأضافت "أقترح التعامل مع سلوك بلينكن كحلقة ضمن سلسلة بلوك تشين".

واقترحت الدبلوماسية الروسية مهنة جديدة لبلينكن وهي "مهنة جديدة في الولايات المتحدة، متخصص في العقوبات المفروضة على روسيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين" هي إحدى التقنيات التي أتاحها التوزيع العالمي لقدرة الحوسبة. ببساطة، تقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين" هي مثل الدفتر الرقمي الذي يتم فيه تسجيل المعاملات.

وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصاً عاماً يقضي بإتمام المعاملات المالية مع مجموعة "روسيا سيفودنيا" الإعلامية بحلول الـ13 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وقال وزير الخارجية الأميركي "أضحى لزاماً على وسائل الإعلام الروسية ومن بينها قناة ’آر تي‘ تقديم لائحة العاملين فيها للخارجية الأميركية".

وكانت وزارة الخزانة فرضت عقوبات على مجموعة "روسيا سيفودنيا" الإعلامية الروسية ومديرها دميتري كيسيليوف. وأوضحت الخارجية الأميركية لاحقاً أن وسائل الإعلام الروسية المدرجة في قائمة العقوبات بما في ذلك مجموعة "روسيا سيفودنيا"، يمكنها الاستمرار في ممارسة أنشطتها داخل الولايات المتحدة.

أوروبا

الاتحاد الأوروبي نظام بيئي ملون. ولا تزال الدول الكبرى ذات الاقتصادات القوية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا لم تتوصل بعد إلى وجهات نظر كاملة حول نتائج دعم أوكرانيا. إن قسماً كبيراً من السكان في هذه البلدان لا يؤمنون بانتصار أوكرانيا، ولكنهم يميلون إلى فكرة مفادها أن أياً من الطرفين لن يتمكن من تحقيق أهدافه.

ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجرتها شبكة "يوروسكوبيا" خلال يناير (كانون الثاني) الماضي داخل تسع دول في الاتحاد الأوروبي، فإن 60 في المئة من الألمان و64 في المئة من النمسويين يريدون إنهاء الحرب خلال أسرع وقت ممكن، حتى على حساب خسارة جزء من الأراضي الأوكرانية. وتتمتع إيطاليا وإسبانيا بمستوى متوسط من الدعم لهذه الفكرة بنحو 50 في المئة والبرتغال 41 في المئة أما بولندا وهولندا فهما الأقل استعداداً للتضحية بالأراضي الأوكرانية بـ27 في المئة إلى 28 في المئة.

ولكن، على النقيض من الولايات المتحدة يضطر الساسة الأوروبيون إلى النظر ليس فقط إلى ناخبيهم بل وأيضاً إلى الضغوط التي يمارسها جيرانهم التقدميون، وبفضل تحالف أصدقاء أوكرانيا - بريطانيا وبولندا ودول البلطيق - تمكنت كييف من التأثير في البيروقراطيين.

"الأطلسي"

نشر المجلس الأطلسي وهو مؤسسة بحثية أميركية تعمل في مجال الأبحاث بمجال العلاقات الدولية والأمن العالمي تقريراً عن الدعاية الروسية منذ عام 2014 حتى بداية حرب الجيش الروسي على أوكرانيا خلال فبراير (شباط) 2022، واصفاً التصريحات الأكثر شيوعاً حول روسيا وأوكرانيا والغرب التي أدلت بها وسائل الإعلام الموالية للحكومة بأنها شكلت تحضيراً نفسياً وإعداداً منسقاً لخوض الحرب.

الدعاية الروسية بين عامي 2014 و2021

وفي إطار الدراسة للفترة من 2014 إلى 2021 درس المحللون تسعة آلاف منشور لمشروعي " StopFake وEUvsDisinfo" اللذين يعملان على التحقق من صحة المواد الدعائية الروسية، واستناداً إلى هذه البيانات جُمعت قائمة تضم 367 بياناً دعائياً حول أوكرانيا نشرتها 14 وسيلة إعلام روسية رئيسة، واحتوت على أشهر التصريحات التالية...

 

 

"الجيش الأوكراني والقوات التطوعية تظهر وحشية ضد الناطقين بالروسية في دونباس" و"أوكرانيا تحولت إلى دولة فاشلة بعد أن اتبعت أوروبا واتجهت نحو حلف شمال الأطلسي" و"النظام الأوكراني الموالي للغرب نازي"، و"الإصلاحات في أوكرانيا موجهة ضد الروس" و"روسيا ليست معتدية ولا دخل لها في الحرب القائمة داخل دونباس بين الأوكرانيين" و"أوكرانيا تدعم الإرهاب".

تكتب وسائل الإعلام الروسية الموالية للحكومة عن حقيقة أن "الأوكرانيين نازيون" و"الجيش الأوكراني وحشي" منذ عام 2014. وظهرت أطروحة "أوكرانيا تحولت إلى دولة فاشلة" خلال عام 2016. وفي الوقت نفسه بدأت الدعاية في نشر العبارة القائلة إن "أوكرانيا تستعد للحرب ضد الناطقين بالروسية على أراضيها، وضد كل ما هو روسي".

الوسائل الدعائية قبل الحرب مباشرة

درس المحللون أكثر من 10 آلاف منشور لوسائل الإعلام الروسية الموالية للحكومة خلال الفترة من الـ16 من ديسمبر (كانون الأول) 2021 إلى الـ24 من فبراير 2022. وغطت المنشورات عدة مواضيع رئيسة مُطالبة روسيا بضمانات أمنية من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وإجلاء سكان دونباس، والاعتراف باستقلال جمهورية دونيتسك الشعبية الديمقراطية وجمهورية لوغانسك الديمقراطية المعلنة ذاتياً. ومن بين المواضيع الشائعة الأخرى "قصف روضة أطفال في دونيتسك" و"التخريب باستخدام الكلور" في أراضي جمهوريات دونباس المعلنة من جانب واحد. وفي هذه المنشورات حدد المحللون عدة تصريحات رئيسة للدعاية الروسية.

"روسيا تريد السلام"

هذا هو البيان الأكثر شيوعاً. بداية ظهر ذلك في سياق مطالبة روسيا بتقديم ضمانات أمنية لها، وفي الوقت نفسه روجت الدعاية للأطروحات التالية...

"روسيا مستعدة للمفاوضات مع الغرب" و"بالنسبة لروسيا، فإن القضية الأمنية ليست مجرد قضية أوكرانية" و"تدعم الدول الأخرى حوار روسيا مع حلف شمال الأطلسي" و"الجيش الروسي سينشر السلام" و"روسيا لن تهاجم أوكرانيا"، و"روسيا ليست طرفاً في الصراع الداخلي داخل أوكرانيا مع دونباس" و"الاعتراف بجمهورية دونباس سيجلب السلام". و"على روسيا واجب أخلاقي بحماية المنطقة".

وتزامناً مع الادعاء الثاني الأكثر شيوعاً في الدعاية الروسية، روجت البروباغندا الروسية خلال الوقت نفسه للأطروحات التالية...

"روسيا تساعد اللاجئين من دونباس" و"روسيا سترد بالقوة إذا لم يتم منحها بضمانات أمنية غربية" و"يجب الاعتراف بجمهوريات دونباس كدول مستقلة" و"بوتين زعيم قوي وسيجد الحل الضروري للمسألة الأوكرانية"، و"ليس أمام روسيا خيار سوى استخدام القوة" و"أوكرانيا ليست دولة صديقة وهي دولة معتدية على حقوق الروس ولغتهم".

ثم البيان الثالث الأكثر شيوعاً الذي أدلت به وسائل الإعلام الروسية الموالية للحكومة مباشرة قبل بدء الحرب "أوكرانيا تخطط لمهاجمة دونباس قريباً" و"أوكرانيا تهاجم دونباس باستمرار"، و"أوكرانيا لا تمتثل لاتفاقيات مينسك" و"أوكرانيا تنظم استفزازات في دونباس" و"أوكرانيا ترتكب أعمال إبادة جماعية في دونباس".

"الغرب يخلق التوتر في المنطقة"

وعثر على هذا البيان في معظم الأحيان في المنشورات المخصصة لمطالب روسيا بالضمانات الأمنية، وفيما يلي النقاط الرئيسة من هذه المنشورات "يجب وقف توسع حلف شمال الأطلسي" و"الغرب لا يأخذ في الاعتبار مخاوف روسيا الأمنية"، و"يريد الناتو زيادة وجوده على الحدود الروسية" و"الغرب لم يلتزم بالاتفاقيات السابقة مع روسيا" و"الغرب يتجاهل الوضع في دونباس"، و"أوكرانيا دمية في يد الغرب".

ووفقاً للدراسة فإن مثل البيانات التالية استخدمت في الدعاية الروسية مباشرة قبل بدء الحرب، وبصورة رئيسة في سياق مطالب روسيا بضمانات أمنية "الولايات المتحدة تسيطر على أوروبا وأوكرانيا"، و"أوكرانيا في مركز المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا" و"الولايات المتحدة تستخدم أوكرانيا" و"الغرب أخذ أوكرانيا رهينة".

لماذا كل هذه البيانات مطلوبة؟

وفقاً لنص نظام روما الأساس فإن جريمة العدوان تنطوي على الإعداد والتحضير لعمل عدواني ضد دولة ذات سيادة. وفي هذا السياق ووفقاً لمحللي المجلس الأطلسي فإن الدعاية والمعلومات المضللة التي بدأت تنتشر داخل روسيا قبل فترة طويلة من بدء حرب واسعة النطاق مع أوكرانيا، قد تكون دليلاً على أن السلطات الروسية كانت تستعد للحرب.

ولهذا السبب يقول التقرير من الضروري توثيق جميع حالات نشر مثل هذه المعلومات، بحيث يمكن بعد انتهاء الحرب استخدام هذه البيانات لإثبات الاتهامات ضد أولئك الذين بدأوا الحرب مع أوكرانيا.

أوكرانيا والدعاية الروسية المناهضة!

قبل بدء العمليات الحربية الروسية واسعة النطاق خلال فبراير 2022 كانت وسائل الإعلام الناطقة بالروسية تتمتع بجمهور كبير داخل أوكرانيا، وكان تأثيرها لا يقاوم. ومع ذلك فقد أظهر الواقع ومن ثم البيانات البحثية واستطلاعات الرأي بين الجماهير الأوكرانية أن المخاوف في شأن تقبل الأوكرانيين لدعاية الكرملين كانت مبالغاً فيها.

وقدمت جامعة "جورج واشنطن" في العاصمة الأميركية أخيراً كجزء من برنامج "أصوات جديدة في أوراسيا" تقريراً، بقلم أستاذ القسم الحائز على شهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة ماكجيل في مونتريال بكندا آرون إرليك، حول نجاحات المقاومة الإعلامية الأوكرانية في مواجهة "الهجوم الضخم" طويل الأمد لدعاية الكرملين. وبالاعتماد على أبحاثه الخاصة وعمل علماء اجتماع وعلماء نفس اجتماعيين آخرين يقدم البروفيسور آرون إيرليك دليلاً على أن الأوكرانيين أثبتوا قدرتهم تماماً على التمييز بين المعلومات المضللة والروايات الكاذبة التي ينشرها الكرملين، والأخبار الموثوقة.

ويرى إيرليك أن هذه الفرص سُهلت من خلال ولاء البلاد الواسع النطاق للمعلومات الأوكرانية، إلى جانب الإصلاحات المؤسسية الأخيرة.

تحول المجتمع الأوكراني

وقال الباحث الذي عمل بصورة أو بأخرى داخل بلدان مختلفة في أوروبا الشرقية بما في ذلك أوكرانيا على مدى 20 عاماً، إن الجمهور الأوكراني شهد تغييرات كبيرة في موقفه تجاه روسيا خلال الأعوام الأخيرة.

وعلى رغم حقيقة أن "الدعاية المناهضة لأوكرانيا" في وسائل الإعلام الروسية "نشطت" انطلاقاً منذ عام 2014، أي منذ أزمة الإطاحة بحكومة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالية لموسكو، فإنها لم تصبح على الفور "مشكلة للشعب الأوكراني بغض النظر عن الخبراء الذين ازداد عددهم" مثل الفطر. وأشار الباحث إلى أن "الأوكرانيين كانوا ببساطة صادقين تجاه عدم ثقتهم في موسكو ودعموا كييف بغالبية ساحقة".

ومع ذلك فإن الوصول الواسع النطاق إلى وسائل الإعلام الحكومية الروسية التي كانت موجودة خلال ذلك الوقت أسهم في ظهور "الثقة" بالمعلومات المضللة والدعاية المؤيدة للكرملين بين جزء من المجتمع الأوكراني، بحسب ما وصف آرون إيرليك الوضع.

في ذلك الوقت، ناقش عدد من مؤسسات الفكر والرأي في واشنطن فضلاً عن مؤسسات مماثلة في أوكرانيا، الرقابة التي تفرضها الحكومة الأوكرانية على وسائل الإعلام الحكومية وشبكات التواصل الاجتماعي المملوكة لروسيا مرات عدة.

 

 

واعتبر هذا غير ديمقراطي وخاطئ، إذ شدد إيرليك على أنه كان هناك كثير من الجدل حول ما إذا كان هذا الأمر نجح أم لا، إضافة إلى ذلك ووفقاً لهذا الباحث شهد المجتمع المدني في أوكرانيا تحولاً واسع النطاق منذ عام 2014.

اليوم، وبحسب الدراسة هناك في أوكرانيا عدد من وكالات مكافحة الدعاية التي تعمل بنجاح في البلاد وتحظى باحترام الجمهور من خلال التحقق السريع والكشف، وتقوم بعمل مبتكر مذهل كل يوم.

الدعاية السوفياتية للكرملين في مواجهة أوكرانيا

 يقول آرون إرليك واثقاً "ربما ما جعل الجمهور الأوكراني أخيراً يقاوم التضليل الروسي هو مسارعة أوكرانيا لحظر وسائل الإعلام الحكومية الروسية على أراضيها، بين عامي 2014 و2016".

لكن الأراضي التي تسيطر عليها موسكو في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم المتاخمة لروسيا ظلت تحت تأثير القنوات التلفزيونية الروسية. وبينما كان المجتمع الغربي يشعر بالقلق إزاء "تسلل" الكرملين إلى الشبكات الاجتماعية كان الكرملين في أوكرانيا يستخدم الاستراتيجيات السوفياتية القديمة لوسائل الإعلام التقليدية.

وحاول الكرملين الدعاية لأفضلية روسيا وإظهار الحياة فيها بصورة أرقى من الدول الأخرى. وعادة بهذه الطريقة يحاولون "تقويض" سلطة حكومة البلد الذي يستهدفونه، إضافة إلى ذلك فإنهم يولون كثيراً من الاهتمام للموضوعات التاريخية والعسكرية والسياسية والثقافية.

فضلاً عن ذلك فإن جزءاً من الاستراتيجية التي تتبناها روسيا يتلخص في خلق "كثير من الضجيج المعلوماتي". ويعتقد إيرليك أن هذا موضوع منفصل للبحث عن كيف نتعامل مع "ضجيج المعلومات" بالمعنى الأوسع؟

ووجدت دراسة مشتركة أجراها مشروع تابع للاتحاد الأوروبي لجمع القصص حول الدعاية الروسية أن الأوكرانيين يجيدون التمييز بين القصص الحقيقية والكاذبة في جميع المواضيع، باستثناء المسائل الاقتصادية. وهذا ليس مفاجئاً نظراً إلى المشكلات الاقتصادية العديدة التي تعانيها أوكرانيا منذ أعوام. إذا كان أي شخص سيولي مزيداً من الاهتمام للمعلومات المضللة، فيعتقد أن الاقتصاد هو المكان الذي يمكن بذل الجهود فيه.

ومع ذلك، فإن أخبار عبور الجيش الروسي إلى داخل الأراضي الأوكرانية وتوجهه بقافلة ضخمة نحو العاصمة كييف، تسببت في إصابة المجتمع الأوكراني كاملاً بصدمة كان لها "تأثير حفزي" واسع النطاق على المستوى الفردي، ونتيجة لذلك تغيرت الآليات النفسية وأصبح الناس أكثر انتقاداً للمواد الإعلامية من ذي قبل.

أساليب الإقناع... أوكرانيا والتجربة العالمية

البروفيسور إيرليك واثق من أنه من الممكن والضروري إقناع الأشخاص الذين تأثروا بالدعاية إذا تم التواصل معهم. "أولاً وقبل كل شيء، هذه هي النصائح والحيل التي تستخدمها بالفعل منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لمحاولة حث المستخدمين على التفكير بصورة أكثر نقداً في شأن المواد التي يرونها. على سبيل المثال "الإعلانات" التي تظهر مثل "هل تريد حقاً مشاركة هذه المعلومات؟ هل قرأت المقال؟" وتذكِّر هذه الأشياء المستخدمين بأنهم في حاجة إلى التفكير في "ما" يشاركونه أو "ما" يفكرون فيه أو "ما" يقرؤونه، كما نصح الباحث الكندي.

وحفزت الحرب التفكير النقدي بين جميع سكان أوكرانيا. وقال إيرليك إنه يتعين القيام بمزيد من العمل "مثل المراسلة بين المناطق التي يمكن أن تساعد الأشخاص الآخرين وليس فقط في أوكرانيا، في محاولة أن يكونوا أكثر انتقاداً لأي حدث أو موقف يعيشونه الآن".

وأشار آرون إرليخ إلى سلسلة من المنشورات الإعلامية الأميركية حول الأقارب "من كلا الجانبين". إنهم "إخوة وأخوات فرقتهم أوكرانيا وروسيا ولم يعودوا يتحدثون مع بعضهم بعضاً بسبب الحرب".

ونتيجة لبحث إيرليك اتضح أن نحو نصف الأوكرانيين أفادوا بأن لديهم قريباً واحداً في الأقل داخل روسيا، ومن بين هؤلاء اعترف نحو 60 في المئة أنهم تحدثوا مع هؤلاء الأقارب حتى بعد بدء الحرب.

ويقول العالم الكندي إن هذه قناة اتصال ضخمة. في المجمل قال 38 في المئة من المشاركين، من عينة تضم أكثر من 500 شخص إنهم يعتقدون أن لديهم "بعض التأثير في أقاربهم".

و"من المعروف أن الناس سيئون في إقناع بعضهم بعضاً، ولكن هناك عدد من التقنيات التي استخدمها علماء النفس الاجتماعي لتعليم الناس كيفية إقناع الآخرين بما يؤمنون به بصورة أفضل. واحدة منها تسمى ’تقبل المحادثة‘". وقال البروفيسور "من الضروري نشر هذه الأساليب وتطويرها في البيئة الأوكرانية، وإذا أمكن في البيئة الناطقة بالروسية".

عملية إعادة التوجيه اللغوي ودورها

على رغم أن السكان الأوكرانيين ثنائيي اللغة فإنهم أصبحوا تدريجاً يتحدثون الأوكرانية أكثر من الناطقين بالروسية. إن عملية إعادة توجيه اللغة التي بدأت منذ فترة طويلة وتسارعت خلا عام 2014 كادت تخرج من نطاقها خلال عام 2022.

"هناك أدلة تجريبية على أن جزءاً كبيراً من السكان الأوكرانيين يحاولون الآن التحول من التواصل باللغة الروسية إلى اللغة الأوكرانية، وهذا سيقلل من الثقة في دعاية الكرملين. ومع ذلك، من المفترض التأكيد أن هذا يجب أن يتم بقدر كبير من التعاطف مع أولئك الذين يتحدثون الروسية". وأشار العالم الكندي إلى أن هذا سيكون مهماً لنجاح أوكرانيا المستمر في الحرب ضد الدعاية.

"إن عدد الأوكرانيين الذين لديهم أقارب في روسيا أمر معقد. على سبيل المثال، هناك أشخاص في أوكرانيا تعود عائلاتهم إلى جذور روسية بالكامل لكن الجيش السوفياتي نقلهم إلى أوكرانيا خلال الثمانينيات وما زالوا يعيشون في هذا البلد". وهنا يؤكد الباحث أن السلطات الأوكرانية سيتعين عليها العمل معهم.

ويعتقد آرون إرليك أن "التواصل مع الناطقين بالروسية" سيكون له "تأثيرات مهمة على المنطقة ككل وسينجح في أماكن مثل مولدوفا وبيلاروس، مما قد يؤثر في وعي عدد من المواطنين من تلك البلدان".

دعاية الكرملين داخل روسيا

المشكلة الأكثر خطورة هي تأثير وسائل الإعلام الموالية للكرملين على وعي الجماهير الروسية المحلية، وأثبت الروس أنهم عرضة للغاية للروايات الإعلامية الكاذبة. وتشير الأبحاث إلى أن "الدفعات" السلوكية التي تشجع المواطنين على التفكير النقدي بصورة أكثر يمكن أن تساعد أيضاً في مكافحة الدعاية الروسية.

إحدى السمات الرئيسة لوسائل الإعلام الروسية أنها استثمرت كثيراً من المال والوقت في إنشاء منشورات وبرامج قيمة للغاية ذات محتوى عالي القيمة، وليس مجرد معلومات. ويحب الروس الأغاني والرقصات والمسلسلات التلفزيونية والبرامج الترفيهية التي تنتجها القنوات التلفزيونية الحكومية. واليوم أصبح كل هذا أيضاً مسيساً تماماً ولا يمكنه جذب المشاهدين الروس.

 

 

وبالفعل خلال عام 2015 في منطقتي لوغانسك ودونيتسك اللتين سيطر عليهما الجيش الروسي تم إيقاف تشغيل التلفزيون الأوكراني، وكانت هناك مشكلات في الاتصال. ولم يلجأ كل ساكن محلي إلى الإنترنت للحصول على الأخبار. والأكثر شيوعاً، في الأقل بالنسبة إلى المجتمعات الصغيرة هو التلفزيون ووسائل الإعلام المطبوعة.

لم تفقد الصحف المحلية بعد شعبيتها ووزنها بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الذين اعتادوا على الثقة بالكلمة المطبوعة، وبخاصة إذا لم تكن الوسائط التي أنشئت حديثاً غير متوافرة بسهولة، ولكن وسائل الإعلام التقليدية مألوفة لك منذ عقود.

الاستقلال أم الانفصال؟!

بالفعل بعد ما يسمى الاستفتاءات حول الانفصال عن أوكرانيا و"الاستقلال"، أصبح التوجه المؤيد لروسيا في المنشورات وفي الصحافة المحلية ملحوظاً للغاية. وعلى رغم أن الخطاب كان في البداية أكثر ارتباكاً "أوكرانيا تخلت عنا، وروسيا لا تحتاج إلينا".

ولكن بسرعة كبيرة بدأ الدعاة الروس على غرار شبه جزيرة القرم في العمل على إنشاء "مجتمع نوفوروسيا" مماثل. وتم التركيز بصورة أساس على القرابة الأخوية بين سكان دونباس والروس، وأصبح شعار "روسيا لن تتخلى عنا" هو السائد في منشورات الصحافة المحلية.

وخلال عامي 2014-2015 بدأت الروايات الدعائية تنتشر عبر وسائل الإعلام المحلية المتعاونة مع الروس، والتي أصبحت "أبدية" وما زالت تستخدم حتى اليوم.

المواضيع الأبدية: "النازية الأوكرانية" و"عودة الحقيقة التاريخية" و"روسيا ستساعدنا"

إحدى الروايات الأكثر شيوعاً والتي لم تختف بل وتكثفت على مدى 10 أعوام هي أن "أوكرانيا دمية في يد الغرب". وظهرت بانتظام على الصفحات منشورات تقول إن "الغرب يستخدم أوكرانيا ولن يقدم أي شيء في المقابل".

وخلال عام 2014 اتهمت الدعاية الروسية الدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة وممثلتها الأوكرانية الأصل فيكتوريا نولاند بإنشاء وتمويل ثورة "الميدان" الملونة، وخلال عام 2015 ركزت على أن الناتو يريد "توسيع حدوده لتهديد روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة".

وظهرت منشورات مفادها أن أوكرانيا ليس لديها فرصة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وأن السفر إلى القارة العجوز من دون تأشيرة على وشك الإلغاء. نشرت كل قضية مواد حول مدى سوء كل شيء في أوكرانيا.

وبصورة عامة، كان موضوع "شيطنة" أوكرانيا شائعاً جداً طوال الأعوام التي أعقبت انقلاب عام 2014 لكنها كانت أكثر عدوانية خلال الأعوام الأولى لإعلان ما يسمى جمهورية دونيتسك الشعبية، ورفيقتها جمهورية لوغانسك الشعبية. وعلى النقيض من "أوكرانيا السيئة"، كانت صورة "روسيا الطيبة" أو "الجمهورية النامية الفتية" مرسومة دائماً.

حتى إن الصحف المحلية في دونباس نشرت لاحقاً مشروعاً كاملاً بعنوان "دولة 404" أي "دولة غير موجودة". وبطبيعة الحال نحن نتحدث عن أوكرانيا، واستمرت لأعوام عدة.

دعاية بوتين تهزم الغرب

يعد كاتب العمود في صحيفة "التايمز" البريطانية إدوارد لوكاس أن الأحداث التي تجري اليوم حول أوكرانيا، هي أكبر أزمة في العلاقات بين الشرق والغرب منذ عقود عديدة، عندما قرر الاتحاد السوفياتي خلال عام 1962 وضع صواريخ في كوبا. وعدت الولايات المتحدة هذا تهديداً وجودياً لنفسها ووجد العالم نفسه على شفا نهاية العالم النووية.

ثم انتصرت الدبلوماسية في نهاية المطاف وعادت السفن السوفياتية المحملة بالصواريخ إلى الوراء، وأزال الأميركيون بهدوء صواريخهم ذات الرؤوس الحربية النووية من تركيا. ومع ذلك فإن الأزمة الحالية لها أبعاد ونشأة مختلفة تماماً.

فالتهديد الوجودي الذي يواجه الكرملين حالياً لا يتمثل في الأسلحة والذخائر والصواريخ الغربية الدقيقة في أوكرانيا، بل في الأفكار الغربية الغريبة كالحرية والشرعية والسيادة والأمن وحرية الاختيار السياسي. إن تحرك أوكرانيا في هذا الاتجاه ومهما كان هشاً وتابعاً والتحاقياً، يعمل على تقويض ركود النظام الأبوي القائم في روسيا منذ وصول بوتين إلى السلطة قبل نحو ربع قرن.

وروسيا لا تنوي التراجع، وبدلاً من ذلك تمكن الكرملين من شن حرب دعائية صاخبة، ومن إخفاء نياته ببراعة. وركز صناع القرار الغربيون الذين ضللتهم وكالات الاستخبارات لديهم على الاحتمال الكئيب ولكن غير المرجح، المتمثل في الحرب المباشرة والاستيلاء على كييف.

وفي الواقع، اتخذ بوتين خطوات بيروقراطية تهدف إلى تقطيع أوصال أوكرانيا وتقسيمها وتعزيز الوجود العسكري في المناطق المنفصلة عنها. حدث ذلك قبل الـ24 من فبراير 2022 بواسطة آلة دعائية جبارة سخر لها الكرملين مليارات الدولارات دون أن يشعر الغرب بالغضب.

 

 

ويتساءل المحللون عما إذا كان الكرملين سينجح نهاية المطاف في تحقيق هدفه بعدم السماح لأوكرانيا أو جورجيا الانضمام إلى "الناتو"، وكذلك الأسباب التي تمنع الكرملين من ترك جيرانه دون اهتمامه المهووس.

أحد هذه الأسباب بحسب المحللين أن روسيا ترى أن لها حقاً تاريخياً في منطقة نفوذ تشمل ما يسمى "المدى الحيوي القريب"، ولا تسمح لأحد بالتعدي على هذا المدى حتى على مستوى العالم، ولو كانت كلفة تدمير العلاقات مع هذا "المدى الحيوي القريب" مرهقة للغاية.

لذلك، بالنسبة إلى الكرملين فإن الشعور بالرفض تجاه روسيا من أوكرانيا أو جورجيا هو ثمن يستحق أن يدفعه لوقف مجيء "الغرباء" من الناتو.

ومن ناحية أخرى، إذا بنينا تقييمنا على أهداف موسكو المعلنة أي الحفاظ على السيطرة الروسية أو في الأقل النفوذ على هذه المناطق المحددة، فيمكننا القول إن الاستراتيجية الروسية كانت ناجحة بالطبع. فجورجيا وأوكرانيا لم ترفضا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بل لهثتا للحصول على عضويته، ولكن في الواقع لم تعد عضويتهما في هذا الحلف تبدو احتمالاً واقعياً، وبغض النظر عن مدى رغبة جورجيا وأوكرانيا في الانضمام إلى "الناتو" فإنهما ببساطة لا تستطيعان ذلك لأن الدعاية الروسية أقنعت دول الحلف وقادته أن هذا خط أحمر، وأن كلفته ستكون باهظة جداً عليهم.

يقول المحلل في الاستراتيجية العسكرية الروسية بجامعة برمنغهام نيكولو فاسولا "على الورق، القوى الغربية هي التي تقرر من سينضم إلى حلف شمال الأطلسي، لكن من الناحية العملية لن تجرؤ على تجاهل موسكو".

المزيد من تحقيقات ومطولات