Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة اختطاف كلوي آيلينغ: بين الحقيقة والتشويه الإعلامي

دراما جديدة من إنتاج "بي بي سي" تسعى إلى توضيح حقيقة حادثة عام 2017 وإظهار ما عاشته عارضة الأزياء البريطانية من رعب الاختطاف وما تلاه من موجة شكوك بدلاً من التعاطف

كانت الفتاة البالغة من العمر 20 سنة آنذاك موضع تدقيق مكثف من قبل الصحافة البريطانية عند عودتها من محنة مروعة هددت حياتها (كلوي آيلينغ/إنستغرام)

ملخص

تتناول دراما "مخطوفة: قصة كلوي آيلينغ" حادثة اختطاف عارضة الأزياء البريطانية عام 2017. تعرضت آيلينغ للتخدير والاحتجاز، لكنها واجهت الشكوك والإعلام السلبي عند عودتها. السلسلة تسعى إلى توضيح الحقيقة وإبراز المعاناة الحقيقية التي مرت بها

هل تذكرون قصة كلوي آيلينغ التي حدثت عام 2017؟ نعم، "تلك العارضة التي اختلقت حكاية اختطافها". ربما تتذكرون كيف ركز الناس على ذهابها "لشراء الأحذية" مع مختطفها، أو كيف كانت "تبتسم كثيراً" عند عودتها، أو ارتدائها ملابس وُصفت بأنها "كاشفة للغاية". لكن ما نسيه الجميع هو أنها حُقنت بمادة الكيتامين، واحتُجزت في منزل معزول، وقيل لها إنها ستباع جارية جنسية. ما يغيب عن أذهاننا هو أن الرجل الذي اختطفها أُدين بالفعل وحُكم عليه بالسجن لمدة 16 عاماً.

هذه الفجوة في ذاكرتنا الجماعية هي ما تسعى الدراما الجديدة من إنتاج "بي بي سي" إلى معالجته. ففي العمل الدرامي "مخطوفة: قصة كلوي آيلينغ" Kidnapped: The Chloe Ayling Story، يتم تقديم تحليل دقيق لحادثة اختطاف آيلينغ في يوليو (تموز) 2017. ومن خلال حلقاتها الست، التي تجسد فيها الممثلة ناديا باركس دور كلوي، نتابع كيف بدأت القصة بحجز جلسة تصوير في ميلانو، انتهت بتخديرها وتكميم فمها وتقييدها، ثم وضعها في صندوق سيارة بعد وصولها إلى الاستوديو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قضت كلوي آيلينغ ستة أيام في الأسر في ريف إيطاليا، حيث كانت محتجزة في مكان معزول ومجهول. أخبرها خاطفها، لوكاش هيربا، أن عصابة إجرامية على غرار المافيا تُدعى "الموت الأسود" - التي تبين لاحقاً أنها من بنات أفكاره- تخطط لبيعها على الإنترنت كجارية. وخلال تلك الفترة، قاما برحلة واحدة إلى بلدة قريبة لشراء بعض الحاجات، بينما كان هيربا يحذرها من أن هناك عصابة تراقب كل تحركاتها. وفي النهاية، قرر إطلاق سراحها، بشرط أن تدفع هي فدية لنفسها وتوافق على أن تكون خليلته عندما يعودان إلى المملكة المتحدة. ثم تركها عند القنصلية البريطانية في ميلانو، وبعد استجواب مطول من قبل الشرطة الإيطالية - التي كانت لديها شكوك بسبب رحلة التسوق - سمحوا لها بالعودة إلى وطنها.

لكن عندما عادت آيلينغ، اكتشفت أن كابوسها لم ينته بعد، بل في الواقع قد بدأ للتو. فقد انقضت عليها الصحافة البريطانية، لتنتقدها وتشكك في صدقية قصتها، لأنها لم تبدُ مضطربة بما يكفي في نظرهم. انتشرت في كل مكان رواية تزعم أن الحادثة كانت مجرد حيلة دعائية من تخطيطها، وبخاصة بعد نشر صور لها وهي تمسك بيد هيربا أثناء التسوق. لكن ما تكشفه السلسلة الدرامية هو أن كلوي كانت ترتعش من الخوف وهي تسير بجانبه، تحاول أن تزن في عقلها ما إذا كانت تستطيع الهرب أم لا. يعرض "مخطوفة" بوضوح شديد كيف أُجبرت آيلينغ على التظاهر بالعاطفة تجاه خاطفها، خوفاً من أن يقوم بقتلها إذا لم تفعل.

وتقول كاتبة السيناريو جورجيا ليستر إنها شعرت بالدهشة عندما قرأت كتاب كلوي آيلينغ الصادر عام 2018 تحت عنوان "مخطوفة"، حيث كانت "التفاصيل الدقيقة لما مرت به كلوي صادمة ومختلفة تماماً عما تناقلته وسائل الإعلام". وعندما تعمقت أكثر وقرأت محاضر الشرطة، وجدت أن القصة "تشعرها بالغضب أكثر وأكثر". تتذكر ليستر كيف قالت لنفسها: "يا إلهي، علينا أن ننقل هذه القصة إلى الشاشة". حتى كلوي نفسها شعرت بالذهول عندما رأت بعض التفاصيل تتكشف في السلسلة. في الحلقة السادسة، نشهد محاكمة هيربا عام 2018، التي لم تكن كلوي حاضرة فيها ولم تقرأ نصها على الإطلاق من قبل، وتظهر كيف استغل هيربا القصة المتداولة في بريطانيا عن كونها مجرد حيلة دعائية كجزء من دفاعه. زعم أن كلوي كانت متواطئة في الخطة بأكملها. لكن قصته انهارت بسرعة، ليس فقط بسبب عجزه عن الحفاظ على تسلسلها، بل لوقوعه أيضاً بصورة متكررة ضحية أكاذيبه. في النهاية، حُكم عليه بالسجن 16 عاماً بتهمة الخطف والابتزاز. أما شقيقه ميشال، الذي ساعده في الجريمة، فخضع للمحاكمة أيضاً وحكم عليه بعقوبة مشابهة في العام التالي.

يمكن تلخيص أسوأ جوانب تعامل الإعلام مع آيلينغ في ذلك الاستجواب القاسي الذي أجراه بيرس مورغان في برنامج "غود مورنينغ بريتن" (صباح الخير بريطانيا) Good Morning Britain في أكتوبر (تشرين الأول) (2017)، بعد أقل من ثلاثة أشهر من نجاتها. أعيد تمثيل هذا الحوار في المسلسل بحرفيته، إذ يقول فيه مورغان بنبرة هجومية: "إذا كنتِ ستجرين مقابلات صحافية في مقابل المال، وتكتبين كتاباً سيكسبك آلاف الجنيهات قبل حتى أن تبدأ المحاكمة، فأعتقد أن من حقنا طرح أسئلة صعبة". كانت هذه المقابلة بمثابة الضوء الأخضر للمتصيدين عبر الإنترنت لإطلاق حملة من الكراهية ضد آيلينغ، إذ تلقت رسائل تتهمها بالكذب وتطالبها بالانتحار.

ولم يتضح إلا بعد أعوام مدى تعقيد الموقف الذي وجدت آيلينغ نفسها فيه: إن لم تتحدث عن الصدمة، فلن يصدقها أحد؛ وإن تحدثت، فلن يصدقها أحد أيضاً. تصف ليستر هذه الحلقة المفرغة بقولها: "من المفارقات أن هناك دورة خبيثة... كلما تحدثت كلوي أكثر عما حدث لها، زاد الشك حولها، لأن الناس يعتقدون أنها تسعى إلى الشهرة والمال".

وعلى رغم أن أحداً لم ينتقد ذلك في حينه، فإن التحيز الجنسي الذي تعرضت له آيلينغ يتضح الآن بجلاء، كونها عارضة أزياء لامعة، كانت هناك ادعاءات بأنها "جلبت الأمر على نفسها". تقول ليستر: "نحن سريعو الحكم على النساء والفتيات في مجتمعنا... لقد عملت في تلفزيون الواقع، لذا أعلم جيداً كيف يتلاعب الإعلام برفع النساء ثم إسقاطهن بسرعة، وفقاً لأهواء الصحافة".

وكانت هناك أيضاً عناصر واضحة من التمييز الطبقي في الحكم على آيلينغ، إذ تعرضت للانتقاد لأنها حصلت على المال من خلال مشاركتها في مقابلات تروي فيها تجربتها المروعة. تتساءل ليستر: "لماذا لا يحق لها كسب المال؟ هذه شابة لديها مسؤوليات مالية، وقد سُلبت منها وسيلة عيشها الوحيدة بعدما مرت بتجربة مروعة لا يمكن تصورها". تشير ليستر إلى أن آيلينغ، عند عودتها إلى المملكة المتحدة، كانت لديها فواتير مستحقة وكانت تُعرض عليها مبالغ مالية "تفوق أقصى أحلامها" في مقابل إجراء مقابلة مع "ديلي ميل" The Daily Mail أو الظهور في برنامج "دكتور فيل" Dr Phil. وتضيف: "كان هناك عدد من الأشخاص الآخرين -الصحف الشعبية وأصدقاؤها- الذين يكسبون المال من قصتها، فلماذا لا يحق لها أن تتقاضى المال عن التجربة التي مرت بها؟"

وترى ليستر في هذا السياق تشابهاً محزناً بين ما تعرضت له آيلينغ وما واجهته عائلة جاي سليتر، التي تعرضت للسخرية بسبب كونها من الطبقة العاملة واتُهمت باستخدام حملة على موقع "غو فاند مي" GoFundMe لجمع التبرعات من أجل "ملء جيوبها" بعد اختفاء ابنها في جزيرة تينيريف. تقول ليستر: "لم أشارك مطلقاً في اللغط الجاري حول جاي سليتر، بسبب تجربتي في العمل على قصة اختطاف كلوي".

من يدري كيف ينبغي لضحية الصدمة أن تتصرف، ما لم يمر بالتجربة بالفعل؟

كانت هناك تشابهات لافتة أيضاً بين قضية كلوي آيلينغ وقضية أماندا نوكس من عام 2007. فقد قضت نوكس ما يقارب أربعة أعوام بالسجن في إيطاليا بعد إدانتها بالخطأ في جريمة قتل مريديث كيرشر، زميلتها في الدراسة التي كانت تشاركها السكن في بيروجيا. في ذلك الوقت، سرب الادعاء العام في إيطاليا إلى الإعلام قصصاً عن "نوكس الماكرة" التي تؤدي "حركات بهلوانية" في الحجز، وظهرت صور لها وهي مبتسمة في كل مكان. مثلها مثل نوكس، وجدت آيلينغ أن كل تحركاتها كانت محل تحليل وتُستخدم ضدها: شديدة الابتسام، باردة بصورة مبالغ فيها، وتبدو متماسكة أكثر من اللازم. طالبت الصحافة البريطانية والجمهور برؤية امرأة مبعثرة وتبكي، لكنهم بدلاً من ذلك رأوا شخصاً يظل متماسكاً خلال المقابلات، يبتسم وهو يقول للكاميرات: "كنت أخشى على حياتي، ثانية تلو الأخرى، دقيقة بدقيقة، ساعة بساعة"، ويبدو دائماً في أكمل صورة في كل ظهور إعلامي.

تتساءل ليستر "من يمكنه أن يعرف كيف يجب أن تتصرف ضحية الصدمة، قبل أن يمر بالتجربة نفسها؟"، مشيرة إلى أن ما رآه الناس في الصحافة لم يكن الصورة الكاملة. تلاحظ كيف أن الإعلام البريطاني، في الحقيقة، لم يرَ كلوي آيلينغ في أعقاب الحادثة مباشرة، لأن التحقيقات معها استمرت في إيطاليا لأسابيع بعد الاختطاف. تقول: "لدينا محاضر تُظهر أنها بكت وعاشت نوبة ذعر خلال استجوابها من قبل الشرطة... كانت هناك ثلاثة أسابيع حبست نفسها خلالها في غرفتها الفندقية في إيطاليا، قابعة في خوف مطلق وقلق دائم من أن يُعاد اختطافها. ثم عادت إلى المملكة المتحدة لتكتشف أنها أصبحت هدفاً للصحافة ومصوري المشاهير".

تقول ليستر إنه يجب أن نركز على كيفية تعاملنا مع الضحايا بدلاً من الحكم على تصرفاتهم، موضحة: "هذه شابة تعرضت لصدمة كبيرة بعدما اختُطفت، وعندما تخرج لتتمشى مع كلبها، يتعرض لها رجال عشوائيون لالتقاط صور لها".

تأمل ليستر أن يصدق المشاهدون كلوي آيلينغ بعد مشاهدة السلسلة، وتقول: "أريد من الناس أن يتفكروا قبل الانغماس في التكهنات، وأن يتجاوزوا العناوين الرئيسة، وأن ينظروا بتمعن قبل أن يذهبوا إلى الحانة ويسخروا من مصائب الآخرين". كما تحث ليستر الناس على عدم الحكم على شخص لأنه لا يبكي. كما قالت آيلينغ هذا الأسبوع: "كنت سعيدة بعودتي إلى الوطن. كنت سعيدة لأن هذه المحنة انتهت، فكيف لا أبتسم؟"

جميع حلقات سلسلة "مخطوفة" متوفرة للمشاهدة عبر منصة "بي بي سي آي بلاير"

© The Independent

المزيد من منوعات