Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عن جيل مهووس بالوساوس الصحية بسبب تيك توك وكورونا

بين فحوصات كوفيد وتطبيقات العناية بالصحة والفيديوهات التي تعدد ما يبدو أنها "علامات الإنذار" بالإصابة بالسرطان، أصبح وعي الإنسان بصحته من أيسر الأمور وأبسطها. أوليفيا بيتر تتساءل عما قد يحدث عندما تصبح مهووساً بأن تكون بصحة جيدة لدرجة قد تخلق عندك وسواساً

ينتشر القلق في شأن الصحة بين أبناء جيل الألفية في أعقاب كورونا (غيتي)

ملخص

جيل شب أثناء الإغلاق العام في الجائحة صار شاغله الوساوس الصحية 

بالنسبة إلى ماريا*، 37 سنة، يبدأ الشعور عندما تكون قريبة جداً من أشخاص غرباء. وتعود بالذاكرة إلى حدث جرى أخيراً فتقول "حضرت فعالية للتشبيك والعلاقات العامة منذ فترة قصيرة وشعرت بأن الهواء ثقيل وخانق لدرجة أنني ما عدت أقدر أن أستمع إلى أي كان إلى حد ما. بعد قليل، ما عاد بإمكاني التنفس بسبب قربهم الشديد مني"، ثم مرت دقائق قليلة تفاقم بعدها شعور الذعر وزاد على حده فغادرت المكان. "كنت أركز بصورة مفرطة على الجراثيم التي يحتمل أنها تنتقل في الجو".

تتجنب ماريا معانقة الآخرين ومصافحتهم، كما توقفت عن شرب الكحول وأكل اللحوم الحمراء اللون وترفض الوجود قرب مدخنين. وهي تحاول كذلك عدم الاجتماع بأشخاص في أماكن مغلقة. تعاني ماريا، مثل كثيرين غيرها، حالة القلق في شأن الصحة، وهو اعتلال يعرف رسمياً باسم وسواس المرض، ويصف حالة الأشخاص الذين لا يبارحهم القلق من أن مرضاً إما ألم بهم أو قد يلم بهم. وفقاً لهيئة الخدمات الصحية البريطانية، تشمل أعراض هذا الاعتلال قلق المرء المتواصل على صحته، وتفحص جسمه باستمرار بحثاً عن مؤشرات إلى وجود المرض، والهوس بالبحث عن معلومات صحية على الإنترنت. يمكن أن يعطل هذا الوسواس الحياة وقد يرتبط في حال وجود أفكار دخيلة باضطراب الوسواس القهري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عشت هذه الحالة كثيراً في الآونة الأخيرة. بعدما كنت أركز بشكل خفيف في البداية على بعض الاعتلالات مثل السعال أو الكدمات، تطور الأمر مع تقدمي بالعمر ليصبح شيئاً قادراً على استنفاد حياتي اليومية بالكامل. إذ قد يتحول صداع واحد إلى مصدر قلق في شأن صحتي يشغلني لساعات عدة في النهار، فيما يتسبب ظهور أي شامة جديدة على جلدي في انهماكي إلى ما لا نهاية بالبحث عن أسباب وعلاجات سرطان الجلد على الإنترنت. وعلى هذا المنوال، لو سمعت بوفاة شخص في مقتبل العمر فجأة بمرض نادر وغير متوقع، أقتنع بأن دوري سيحين بعده.

قلة من الدراسات تبحث في انتشار القلق في شأن الصحة نظراً لصعوبة تحديد هذه الحالة وتشخيصها، وما يزيد الأمر تعقيداً هو أن الذين يعانون وسواس المرض غالباً ما يواجهون السخرية ويقلل من شأنهم ويستخف بهم. ولم يعترف بهذا الاعتلال كحالة مرضية سوى في عام 2013 عندما أطلقت عليه الجمعية الأميركية للطب النفسي اسم "اضطراب القلق من المرض". وفي الأحوال كلها، يجب النظر إلى هذه الحالة بجدية [ألا يستخف بها] لا سيما في ضوء دراسة سويدية أخيرة وجدت أن من يعانون اضطراب القلق من المرض قد يتوفون قبل غيرهم.

مع توفر كم [محتوى] غزير من المعلومات الصحية في العالم الافتراضي، وفيديوهات "تيك توك" كثيرة المنتشرة حول "مؤشرات التنبيه" إلى أي حالة مرضية في العالم، لا عجب في أن الخبراء يرون أن ثمة زيادة في حالات القلق في شأن الصحة. وتنتشر هذه الحالة خصوصاً بين الشباب الذين ينشطون أكثر على الإنترنت. وفي الوقت نفسه، يبدو أن هناك سيلاً من التقارير حول تدهور صحة الشباب. وفي هذا السياق مثلاً، ارتفع عدد الإصابات بالسرطان بين الأفراد تحت سن الـ50 بنسبة 24 في المئة في غضون 20 سنة، ولا شك في أن إحصاءات كهذه تفاقم المخاوف الموجودة أساساً.   

وتقول الدكتورة لويز غودارد-كرولي، المعالجة النفسية المتخصصة بالقلق من الشؤون الصحية، إن "الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أتاحت سهولة الاطلاع على كميات هائلة من المعلومات الطبية (والمعلومات المغلوطة كذلك). وبينما تفسح هذه الإمكانية المجال للناس كي يمسكوا بزمام شؤونهم الصحية، فهي تعرضهم في الوقت نفسه إلى أسوأ الاحتمالات الممكنة وتؤدي إلى زيادة مخاوفهم من أي أعراض بسيطة".

 

هذا ما حصل مع إيما لاست، 49 سنة، ومؤسسة منظمة الذهن [النفس] المتقدم [الانفتاح على سبل جديدة للعلاج] Progressive Minds المتخصصة بتعزيز الرفاه والعافية في مكان العمل. وتذكر السيدة أنها وجدت "كتلة في صدري تبين أنها كيس صغير لكن الأسابيع القليلة التي قضيتها في انتظار النتيجة كانت الأطول في حياتي. صار شاغلي احتمالات شتى من قبيل 'ماذا لو' وكتبت ذهنياً رسائل إلى أطفالي في حال وقوع أسوأ الاحتمالات. حتى إنني انتهيت من وضع تفاصيل جنازتي خلال أحد مشاويري في السيارة".

وربما لا يسهم ازدياد الوعي بأمور الصحة والعافية الذي شهدته الأعوام الأخيرة في التحسين من هذا الوضع. فهذا الاهتمام الذي اتخذ في البداية شكل الحرص على تناول الأكل الصحي من السهل أن يتحول إلى شيء من الهوس الذي تفاقمه زيادة عدد المؤثرين المهتمين بالطعام السليم، الذين يروجون لفوائد بذور الشيا ومساحيق الأغذية الخارقة. 

وتضيف الدكتورة غودارد-كرولي، أنه "مع وجود التنبيهات المستمرة حول تناول الأكل الصحي وممارسة التمارين الرياضية وتفادي الضغوط النفسية، قد يبالغ الأفراد في مراقبة صحتهم. ومن الممكن أن يؤدي فرط الاهتمام هذا إلى انشغال كبير باحتمال الإصابة بالأمراض حتى عندما يكون هذا الاحتمال ضعيفاً".  

كما أسهم ازدهار الأدوات التكنولوجية المعنية بالصحة والعافية في تفاقم هذا العبء، لأن المنتجات المصممة لمساعدة الأشخاص على مراقبة صحتهم يمكن أن تفضي بكل سهولة إلى قلق جدي على صحتهم. وتقول الدكتورة غودارد، كرولي إن "تكنولوجيا مراقبة الصحة التي تأتي على صورة أجهزة يمكن ارتداؤها أو تطبيقات، قد تكون مفيدة لتعزيز عافية الإنسان لكنها قد تشجع كذلك على التركيز المهووس على وظائف الجسم مثل نبض القلب أو نمط النوم، فتحول التقلبات الطبيعية إلى مصادر قلق".

قد يطور الأشخاص الذين شهدوا معاناة غيرهم انتباهاً مفرطاً لصحتهم خوفاً من عيش تجربة مماثلة

الدكتورة لويز غودارد- كراولي معالجة نفسية

وتسهم في المسألة أيضاً عناصر اجتماعية وبيئية أشمل. فالبعض يرى في أزمة تغير المناخ نذيراً لهلاك قادم وهو شعور من السهل أن يبث الذعر في نفس الإنسان من [احتمال] فنائه الشخصي، ويفيد استطلاع آراء أجرته يوغوف أن 67 في المئة من البريطانيين قلقين من تغير المناخ. وتقول المعالجة النفسية سوزي ماسترسون "بالعادة، يقرن القلق في شأن الصحة بصحة البيئة لأسباب وجيهة. فكروا في تلوث الهواء وزيادة أعداد الإصابات بالربو في المملكة المتحدة". ومن الصعب عدم الإشارة في هذا الإطار إلى فاجعة خسارة إيلا أدو كيسي ديبرا ابنة السنوات التسع التي كانت وفاتها جراء أزمة ربو حادة أول حالة يشار فيها إلى تلوث الهواء كعنصر مساهم في الوفاة.  

لا شك في أن الجائحة لعبت دوراً في هذه المسألة. وتقول الدكتورة غودارد-كرولي، إن "دفق المعلومات المتواصل حول الفيروس، إضافة إلى أن وجود المرض المعدي جداً والقاتل أحياناً على أرض الواقع أدى إلى انتشار الخوف. وطلب من الناس مراقبة أنفسهم باستمرار والتنبه لظهور أي أعراض للمرض، وهذا ما عزز تركيزهم على الإحساس الجسدي وأي مؤشرات محتملة على المرض". كما أن الابتعاد عن الوسط الاجتماعي لفترات طويلة خلال فترات الإغلاق العام المختلفة فاقم كل هذه المسائل، تماماً كما حدث بسبب خسارة أقارب توفوا بالمرض. وتضيف الدكتورة غودارد-كرولي، "قد يطور الأشخاص الذين شهدوا معاناة غيرهم انتباهاً مفرطاً لصحتهم خوفاً من عيش تجربة مماثلة".

لكن من دواعي السخرية أنه في معظم الأحيان، كلما ازداد قلقك في شأن صحتك، ترتفع احتمالات تدهورها أكثر. وتقول الدكتورة غودارد-كرولي، "عرفت امرأة كانت تعاني هواجس عميقة في شأن صحتها بسبب وفاة والدها بعمر الـ39 جراء سرطان الرئة، بعد مرور أسبوعين فقط على تشخيصه بالمرض. أصبح الخوف من عيش المصير نفسه يلازمها، في العشرينيات من عمرها وبعدما انتابتها أوجاع في الصدر بعد ضربة شمس، أصبحت مقتنعة بأنها تعاني بدورها من سرطان الرئة". وخضعت عندها لسلسلة من الفحوصات الطبية التي لم تجد فيها أي علة جسدية. لكن قلقها تفاقم سوءاً خلال الجائحة. "وبلغ درجة جعلتها تخاف من الإنجاب. حتى الأحداث التي تبدو بسيطة، مثل ثقب أذنها، أثارت هواجس صحية شديدة بالنسبة إليها، وفي هذه الحال، اقتنعت بأنها تعاني تسمماً في الجسم وهذا ولد لديها أفكاراً انتحارية".  

هناك طرق للتعاطي مع القلق حول الصحة، طالما يقر المرء بالحالة التي يتعامل معها [يواجهها]. ما هي أول نصيحة مهمة؟ تفادى التشخيص على الإنترنت. إذ تشرح الدكتورة غودارد-كرولي بأنه "لن يؤدي سوى إلى مزيد من القلق. في المقابل، عليك بطلب مشورة متخصص في مجال الرعاية الصحية. حاول أن تكشف أنماط التفكير غير المجدية وأن تتصدى لها، مثل التهور في استخلاص الاستنتاجات في شأن صحتك، وبدل التفكير المهووس في الأمراض المحتملة، ركز على المحافظة على أسلوب حياة صحي. فممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وتناول غذاء متوازن، والنوم الكافي عوامل كفيلة بتحسين الصحة الجسدية والعقلية على حد سواء". ويمكن لمساعدة المتخصصين أن تفيدك جداً، لا سيما إن عثرت على معالج نفسي متخصص في القلق من الشؤون الصحية.

لكل شخص طريقته في معالجة قلقه. شخصياً، أحاول أن أركز على عيش حياة صحية قدر الإمكان وأن أمنع نفسي من السقوط في دوامة التشخيص الشخصي الكارثي كلما شعرت بألم جديد. لكن القول أسهل من الفعل. إنما إجمالاً، تساعدني ممارسة بعض تقنيات التأمل الواعي mindfulness techniques مثل اليوغا والتنبه إلى بداية ظهور هذه الأفكار في رأسي، وهو وقت أقول فيه لنفسي إنه يجب أن أكبحها. وهذا ما يحدث، إن تمكنت من الابتعاد عن غوغل، طبعاً.

*غير الاسم

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات