سيتعين على جهاز "الخدمة السرية" التعامل مع موجة جدل جديدة وتساؤلات كثيرة متعلقة بأدائه بعد محاولة اغتيال دونالد ترمب الأحد الماضي في فلوريدا، وهي الثانية التي يتعرض لها الرئيس السابق خلال شهرين بعد محاولة اغتياله في بنسلفانيا.
وعلى رغم أن محاولة الاغتيال الثانية ليست بدموية الأولى، إلا أنها تثير استفهامات أكثر حول جاهزية "الخدمة السرية"، وفي هذا التقرير نستعرض خمسة مؤشرات تدل على مخاوف متزايدة حيال أمن الرئيس السابق، وهي متعلقة بالموقع الجغرافي ومجريات الحادثة والتصريحات التي تلتها.
1. اختراق المسلح محيط الملعب
احتمى راين روث المشتبه به في إطلاق النار بالقرب من سياج مع بندقيته، ويشير اقتراب روث من الرئيس السابق مسافة تتراوح ما بين 275 متراً إلى 455 متراً إلى حجم الخرق وخطورته.
وربما لو كانت مسافة الـ275 تلك أقل بـ125 متراً لتتحول الحادثة دموياً كما حدث في بنسلفانياً، إذ بلغت المسافة الفاصلة بين ترمب وتوماس ماثيو كروكس نحو 150 متراً.
ويتراوح البعد النموذجي لأي قناص ما بين 300 إلى 600 متر، والجندي الأميركي لا يؤهل لحمل بندقية M16 حتى يصبح قادراً على قنص مجسم على هيئة إنسان من بعد 150 متراً.
2. الاختباء والهرب قبل الاعتقال
بقي راين روث نحو 12 ساعة بالقرب من ملعب الغولف، من الساعة 2 صباحاً إلى 1:31 ظهراً وفق وثائق الادعاء، وهو ما يكشف تأخر الخدمة السرية والشرطة في ملاحظته.
ولم يلاحظ عملاء الخدمة المسلح إلا بعدما أصبح على بعد نحو 360 متراً من المرشح الجمهوري، إذ برزت فوهة بندقية من طراز "آي كي" من وراء الشجيرات المزروعة على طول الملعب، وبادر أحد الحراس بإطلاق النار عليه، فأسقط روث البندقية.
وتمكن المسلح من إدخال بندقية وحقيبتي سلاح ومنظار للتصويت وكاميرا إلى منطقة حساسة، لكن اللافت أنه استطاع الفرار من منطقة يفترض أنها مؤمنة على متن سيارة من نوع نيسان، قبل أن توقفه الشرطة المحلية لاحقاً في مقاطعة مجاورة.
وأشار وليام سنايدر قائد الشرطة في مقاطعة مارتن إلى أن روث كان هادئاً ومتمالك الأعصاب عندما اعتقل، ولم يطرح أي أسئلة.
3. الموقع الجغرافي
المنطقة التي أقيم فيها التجمع في ولاية بنسلفانيا لم تكن مألوفة لديهم، وعلى رغم أن ذلك لا يبرر فشل "الخدمة السرية" في تأمين سقف المستودع الذي اختبأ فوقه مطلق النار، إلا أن احتمال ارتكاب الأخطاء في تأمين موقع غير مألوف أكبر.
لكن ما يصعب غض النظر عنه هو أن يحدث الخرق في موقع اعتاد ترمب على زيارته وهو ملعبه للغولف، فضلاً عن أن الملعب يبعد 15 دقيقة من منزله الكائن في "ويست بالم بيتش"، وهي مدينة راقية لا تشيع فيها جرائم إطلاق النار.
وكتب الباحث الأميركي بول سوليفان في تغريدة على منصة "إكس"، بأن الولايات المتحدة تملك ثقافة سلاح، إلا أنه لم يلحظ ذلك من قبل في مناطق ثرية مثل "بالم بيتش".
4. تصريح قائد الشرطة
لا يمكن تجاهل تصريح قائد شرطة مدينة "ويست بالم بيتش" ريك برادشو في المؤتمر الصحافي بعيد إطلاق النار، إذ قال إن إجراءات حمايته الأمنية كانت "أخف" وأقل صرامة لأنه ليس الرئيس الحالي، وإنما مرشح للرئاسة.
ويثير هذا التصريح تساؤلاً حول مستويات حماية ترمب على مدى الأشهر الماضية والمقبلة، وتحديداً مستويي الحماية قبل محاولة الاغتيال الأولى وبعدها، إذ اعترف جهاز الخدمة السرية بأنها رفضت طلبات حملة ترمب لتعزيز الفريق الأمني قبل محاولة الاغتيال في يوليو(تموز).
وبعد تلك الحادثة، أكدت "الخدمة السرية" ترقية مستوى الحماية المقدمة لترمب بعدما أقر الجهاز بأن ما حدث يرقى لوصف "الفشل" من جانبه، لكن يظل هناك تساؤل حول ما تعنيه هذه الترقية، والأكيد أن الموارد المقدمة لترمب ليس بنفس حجم الموارد المقدمة للرئيس الحالي، إذ يقول قائد الشرطة إن ترمب لو كان الرئيس لطوقوا كامل محيط ملغب الغولف، لكن لأنه ليس الرئيس، فإن التطويق الأمني مقتصر على المناطق التي تستطيع الخدمة السرية تغطيتها".
وبطبيعة الحال، لا تنشر الخدمة السرية تفاصيل حول مستويات الحماية المقدمة للمسؤولين وتباينها، لكنها تقرر نوع الحماية المقدمة لكل شخص بعد تقييم أمني يشمل فحص التهديدات المعرض لها والمعلومات الاستخبارية والقدرات المتوفرة لديها.
5. طلب تعزيز الحماية
يشير بيان الرئيس جو بايدن حول الحادثة إلى أن جهاز الخدمة السرية يملك موارد وقدرات لم يوظفها لحماية ترمب، إذ قال بايدن إنه وجه فريقه "لمواصلة ضمان حصول جهاز الخدمة السرية على كل الموارد والقدرات والتدابير الوقائية اللازمة لضمان استمرار سلامة الرئيس السابق".
وفي الأسابيع التي تلت محاولة الاغتيال الأولى، عززت الخدمة السرية الحماية، حتى أن مستشاري ترمب قالوا إن مستوى الحماية كان يوازي ما تحصل عليه عندما كان رئيساً.
وحالياً، يحضر ترمب إلى أنشطته الانتخابية برفقة فرق من الحراس والقناصين وتم تعزيز الأمن في قصره في مارلاغو عبر تأمين أسطحه بالقناصة، ومعدات لاعتراض الطائرات من دون طيار، وتفتيش السيارات، وإغلاق الطرق، وفق "واشنطن بوست".
وفي أغسطس (آب) الماضي وافقت "الخدمة السرية" على استخدام الزجاج المضاد للرصاص لحماية ترمب في الأحداث الخارجية المستقبلية، وهو إجراء أمني لا يعتمد إلا للرئيس ونائب الرئيس عند الضرورة.
وليس من الواضح ما إذا كان توجيه بايدن الأخير للخدمة السرية سيعني ترقية حماية ترمب لتكون بمستوى حمايته نفسه.
وصرح الرئيس الأميركي لاحقاً بأن جهاز الخدمة السرية الأميركي يحتاج إلى مزيد من الأفراد لأداء واجبه، وأوضح في حديث للصحافيين "أمر واحد أريد توضيحه، أن الخدمة (السرية) تحتاج إلى مساعدة إضافية، وأعتقد أن الكونغرس يجب أن يستجيب لحاجاتها".
جدل جديد
وهذه المرة الثانية خلال شهرين التي يخترق فيه مسلح إجراءات الحماية للرئيس السابق ويصبح على بعد مئات الأمتار منه، إذ أصيب ترمب بأذنه في الـ13 من يوليو (تموز) الماضي أثناء إلقائه كلمة خلال تجمع انتخابي في الهواء الطلق في بتلر بولاية بنسلفانيا.
وواجهت الخدمة السرية الأميركية، المكلفة حماية الرؤساء والرؤساء السابقين وغيرهم من كبار الشخصيات، انتقادات بعد حادثة بنسلفانيا، واستقالت رئيسة الجهاز كيمبرلي شيتل بعد الحادثة ووضع خمسة من موظفيها في إجازة إدارية.
وبلغت موازنة جهاز الخدمة السرية لهذا العام 3.1 مليار دولار، بزيادة تسعة في المئة عن العام السابق، وهذا المبلغ يفوق ما طلبت الحكومة تخصيصه، ففيما طلب بايدن 2.9 مليار للجهاز، اقترح الجمهوريون في مجلس النواب زيادة هذا الرقم إلى 3.2 مليار.