Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"صمت" مسرحية كويتية تسترجع انفجار مرفأ بيروت

المخرج سليمان البسام يطلق صرخته المدوية في توليفة تجريبية جديدة

عرض "صمت" واحد من العروض المهمة المصنوعة بعناية (فرقة سبب المسرحية)

ملخص

قدم المخرج والكاتب الكويتي سليمان البسام، مع فرقته "سبب" عرض "صمت" على مسرح الجامعة الأميركية في القاهرة، ضمن عروض المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وحصل البسام على جائزة أفضل نص، وحصلت بطلة العرض السورية حلا عمران على جائزة أفضل ممثلة.

لعل أهم ما يميز تجربة المخرج والكاتب الكويتي سليمان البسام، هو إدراكه أن التجريب المسرحي لا يعني القفز في الفراغ، فهو يبرهن دائماً على أنه يمكنك أن تكون تجريبياً ومغامراً، وفي الوقت نفسه ملتزماً بقضاياك، ومعبراً عنها، ولا مانع من أن تكون مباشراً أحياناً، لتقيم تلك الصلة مع جمهورك، وتشركه في حدثك، حتى لا تكون منفصلاً عنه، فيذهب جهدك سدى.

منذ ثلاثة أعوام، قدم البسام عرضه" أي ميديا" في الدورة الثامنة والـ20 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وهو عرض اعتمد على الكلمة لا على الدراما الحركية، كما في غالب العروض التي تشارك في هذا المهرجان، وتمثلت تجريبيته في معالجته لنص "يوربيدس" الذي تم تقديمه للمرة الأولى عام 431 قبل الميلاد، وكذلك في المزج بين التمثيل والحكي والغناء، بين الخطاب المباشر الواضح والخشن، وبين التلميح الناعم والمبثوث في ثنايا الكلمات أو الإيماءات، فهو لم يستدع شخصية ميديا الأسطورية ليعيد تقديمها كما كانت، بل استدعى تركيبتها النفسية وأزماتها التي حلت بها وأفضت إلى نزعتها الانتقامية، فهي هنا واحدة ممن لجأوا إلى النزوح الجماعي جراء الحرب في بلدها العربي، ليدين من خلالها أكاذيب الغرب حول حقوق الإنسان، وغيرها من الادعاءات التي صدعنا بها هذا الغرب.

في الدورة الأخيرة من المهرجان عاد البسام مع فرقته نفسها "سبب" ليقدم عرضه المسرحي" صمت" مع الممثلة السورية حلا عمران وهي بطلة عرضه السابق منطلقاً من حدث كارثي، هز المنطقة كلها، وهو انفجار مرفأ بيروت في أغسطس (آب) 2020.

 

 

شهد مرفأ بيروت انفجاراً غير نووي بين الأضخم في التاريخ، وشكلت التداعيات الكارثية لما جرى رمزاً لانفجار بحجم بلد، انفجار يكشف عن الفساد السياسي وانسداد الأفق والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وحلقات العنف المركبة، وكل نتائج تهميش الإنسان والمجتمع والبيئة.

قراءة متأنية

قد يفكر أي مسرحي كثيراً قبل إقدامه على صناعة عرض مسرحي يتناول حدثاً ضخماً ومروعاً كهذا، من أين وكيف يبدأ، وإلى أين ينتهي، خصوصاً إذا كان يسعى إلى تقديمه في صيغة جديدة وغير تقليدية، وهو ما يبدو أن البسام فعله، بهدوء وروية، وقراءة متأنية في الحدث، وكذلك استشارة أهل العلم والخبرة، حتى إذا تشكلت مادته الخام، شرع في صياغتها على نحو فني، فيه من النضج والعمق والشاعرية، ما يجعله ذا أثر يبقى.

العرض لا يتناول كارثة انفجار المرفأ، على طريقة السرد التقليدي لما حدث، لكنه ينطلق منها ويضعها على خلفيته، وهو يطرح تساؤلاته، تلك التي تنسحب على الوضع العربي برمته، والعرض هنا يمثل، بحسب ما يقول البسام نفسه "استعارة لشخصية المفكر والفنان والإنسان الذي يختار الصمت كشكل مطلق للتعبير".

الصمت هنا إدانة، تكتسب بلاغتها من قدرتها على الوخز العميق والمؤلم، والساخر أيضاً، من واقع مهترئ، صار الكلام فيه بلا معنى أو صوت أو صدى.

 

 

هو عرض بمثابة الصرخة التي يطلقها البسام في وجه ظلام حالك، يدين من خلاله الأنظمة السياسية الفاسدة، إذ يعرج على مدن عربية أخرى، لا بيروت وحدها. بيروت هنا مجرد رمز، يكشف من خلاله محاولات الإفقار والجهل الممنهجة، وضيق الرؤية وانسداد الأفق، في واقعنا العربي كله، عبر خطاب سياسي شاعري، يراوح ما بين التأمل والانفعال، الهدوء والصخب، الحركة والسكون، الجد والهزل، في كوميدياه السوداء، وسخريته المرة.

خطاب مباشر

يبدأ العرض بخطاب موجه من سليمان البسام إلى الجمهور يشير فيه إلى ظروف كتابة النص، وكيف أنه ليكون أكثر قرباً من الحدث واستيعاباً وفهماً له، استعان بمرجعية فنية متخصصة لتكون عوناً له على فهم ما حدث، وطبيعة الانفجار، وأسبابه، سياسياً وعلمياً، وتمثلت مرجعيته في المهندس الكيماوي الأميركي راسل أوغل، وهو متخصص في التحقيق في الحوادث وتقييم أخطار الانفجار، وكذا العميد اللبناني المتقاعد إلياس فرحات الباحث العسكري والاستراتيجي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عند هذه النقطة لا بد أن نرصد دأب وإصرار المخرج والكاتب سليمان البسام، على التغلغل في موضوعه والحفر عميقاً في أسبابه وتداعياته ليكون أكثر قدرة وصدقاً، في تشكيل مادته الفنية التي تعكس موقفه ووجهة نظره بشكل مدروس، بعيداً من الضرب العشوائي، غير المستند سوى إلى الانطباعات الشخصية، التي قد لا تكون دقيقة أو وافية تماماً.

 

 

نجح سليمان البسام في العثور على هذه التوليفة المسرحية العربية، المقتصدة في أدواتها، المكثفة في شعريتها، والمعاصرة في شكلها ومضمونها، والتي تكتسب دراميتها من ذلك "النثار" إذا جاز الوصف الذي بدت عليه من غناء وتمثيل واشتباك مع الجمهور، ليشكل ذلك كله معاً، دراما شديدة التماسك والتأثير، كأنه يعيد صياغة مفهوم المقاومة الفنية، بعيداً من فكرة الحدث والسرد والشخصيات، التي يلجأ إليها كثيرون عند معالجة مثل هذه القضية.

ديكور مقتصد

خشبة عارية تماماً، لا ديكورات تشغلها، فقط ثلاث منصات، في الوسط واحدة أقل ارتفاعاً من الأخريين اللتين تم توزيعهما يمين ويسار المسرح وفوق كل منهما عازف موسيقي (اللبنانيان علي حوت وعبدالرضا قبيسي) أما منصة الوسط فهي مخصصة للمثلة السورية حلا عمران، وإن كانت لا تستخدمها طوال العرض، إذ تتحرك هنا وهناك، تمثيلاً وغناء واشتباكاً مع الجمهور، مستخدمة السجع والطباق، في أداء بديع ومتنوع، فهي هنا لا تؤدي شخصية ما، لكنها ربما تمثلنا جميعاً، فلم يكن غريباً أن تحصد جائزة أفضل ممثلة في المهرجان، ويحصد سليمان البسام جائزة أفضل نص، وهما نفس الجائزتين اللتين حصل عليهما العرض، العام الماضي، في مهرجان أيام قرطاج المسرحية، فضلاً عن جائزة أفضل عرض متكامل.

 

 

اعتمدت الإضاءة (تصميم الفرنسي إيريك سواييه) على لون واحد بتدرجاته المختلفة لتشكل عنصراً من عناصر الصورة المسرحية، وتبرز، بصورة واضحة، حركة الممثلة وتعبيراتها وإيماءاتها. كما عمد السينوغراف الفرنسي إلى وضع بعض الكراسي على الخشبة ليصعد إليها من يريد من الجمهور، حتى يحدث ذلك التلاحم بينه وبين صناع العرض.

عرض "صمت" واحد من العروض المهمة المصنوعة بعناية، يستفيد مبدعوه من كل التطورات التي شهدها المسرح في العالم من حولهم، وينجحون في توظيفها عبر صيغة تمزج السياسي بالفني، في توليفة عربية، تخصهم وتعبر عن قضاياهم، وهي في الوقت نفسه تخاطب الإنسان، فكرياً وجمالياً، في أي مكان.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة