Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شرخ أوربان في الصف الأوروبي هل يأتي بثماره؟

عملية كورسك لم تغير الوضع جذرياً ورئيس الحكومة المجرية يدعو الغرب إلى العدول عن الحسم في ساحات القتال

الواقع الراهن يؤكد عدالة كثير من أطروحات أوربان ويدعم ما يطرحه من توجهات (أ ف ب)

ملخص

يقول أوربان "إن أردت أن تساعد أوكرانيا فعليك بالحديث مع روسيا، فالمحادثات هي الحل الوحيد".

عاد رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان، ومن منصبه كرئيس لمجلس الاتحاد الأوروبي في دورته الحالية، لسابق جنوحه بعيداً من الغالبية الأوروبية، ليقول إن هذه الغالبية مدعوة إلى ترك مشاعرها المؤيدة لحسم الأزمة الأوكرانية في ساحات القتال، والتفكير في المحادثات سبيلاً لوقف النزاع الدموي الذي يستمر للعام الثالث على التوالي.

ينطلق أوربان في ذلك مما يلمسه من اتفاق في الرأي وإجماع في الرؤى تجاه ما يجري من تطورات على صعيد هذه الأزمة مع التيار السائد الذي يحدد مسار توجهات السياسة في إيطاليا وفرنسا وعدد من البلدان الأوروبية، بما فيها بلدان شرق أوروبا، ومستنداً إلى ما حققته بلاده من استقرار في الوضع السياسي الداخلي أسهم في احتفاظ ائتلاف حزب الشعب الديموقراطي (فيديس) بدعم الغالبية في الانتخابات الأخيرة التي جرت هناك.

وثمة من يقول إنه "لا بديل حقيقياً لأوربان يحظى بما يتمتع به ذلك السياسي العتيد من شخصية كاريزمية داخل الحزب الحاكم بين زملائه من المجموعة القيادية، ممن يمكن أن يصبحوا نظرياً خلفاء أوربان على عرش السياسة في المجر".

اتساع جبهة الرفض

وجاءت مواقف أوربان من الأزمة الأوكرانية لتزيد حدة الخلافات بين رئيس الحكومة المجرية والمعسكر الغربي المؤيد لاستمرار الحرب حتى آخر جندي أوكراني، على حد قول مراقبين كثر، وحسم المعركة في ساحات القتال، كما أثار ما رفعه أوربان من شعارات، ومنها "إذا أردت أن تساعد أوكرانيا فعليك الحديث مع روسيا"، ليؤجج سخط وغضب الإدارة الأميركية وقيادات الاتحاد الأوروبي من رئيس الحكومة المجرية.

 

 

غير أن الواقع الراهن يؤكد عدالة كثير من أطروحات أوربان ويدعم ما يطرحه من توجهات، فالصراع الذي يحتدم في الداخل الأوكراني وأسهم إلى حد كبير في الإطاحة بالقائد العام السابق للقوات المسلحة فاليري زالوجني الذي أُبعد سفيراً لبلاده في لندن، وما تلا ذلك من إقالة أو تغيير ستة من كبار قيادات الدولة والحكومة وفي مقدمهم وزير الخارجية دميتري كوليبا، يقول إن تياراً واسعاً داخل أوكرانيا سئم استمرار القتال ويرغب في الجنوح إلى المحادثات، كما أن ما أحدثه أوربان من شرخ في وحدة الصف الأوروبي يأتي بثماره، وهو ما يتمثل في اتساع جبهة رفض الحرب والتوقف عن التأييد غير المشروط لأوكرانيا في صراعها الموجه مع روسيا لخدمة أهداف الإدارة الأميركية وخطتها للإطاحة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وننقل عن صحيفة "فيجارو" ما كتبته حول "أن أوكرانيا سئمت الصراع ومن الواضح أنها ترغب في الخروج منه، ولكن لا يزال هناك كثير من العقبات التي تحول دون ذلك"، مشيرة إلى أن "غزو القوات الأوكرانية بعض أراضي مقاطعة كورسك الحدودية جعل الأمور أسوأ بالنسبة إليها"، على حد قولها، فهذه العملية الأوكرانية لم تغير الوضع بصورة جذرية إلا أنها ربما أخرت بدء المفاوضات"، ومن هنا تصبح مبادرات السلام بما فيها أطروحات أوربان، فرصة يجب الالتفات إليها.

"إما التنازلات أو الانهيار"

ورد هذا العنوان الفرعي ضمن مقالة لصحيفة "فيجارو" الفرنسية انطلاقاً من التطورات الجارية على أرض الوقع، فالجانب الروسي يطور هجومه وتقدمه وتحريره كثيراً من الأراضي الأوكرانية في جنوب شرق أوكرانيا، جنباً إلى جنب مع جهوده الرامية إلى استعادة ما استولت عليه أوكرانيا من أراض في مقاطعة كورسك الحدودية، وقد أصدر الرئيس الروسي بوتين قراراً برفع تعداد الجيش الروسي حتى مليون ونصف المليون مقاتل، ليصبح ثاني أكبر جيش في العالم بعد الصين، في الوقت تعاني أوكرانيا أزمات مادية وديموغرافية ونقصاً في مواردها وتعداد سكانها، كما أن تعداد سكان روسيا وناتجها المحلي الإجمالي أكبر بأربعة أضعاف من نظيره في أوكرانيا، فضلاً عن أن العقوبات المفروضة عليها لم تمنعها من مضاعفة إنتاجها من الأسلحة لدعم قواتها في الخطوط الأمامية بصورة منهجية، وهو ما نشهد نتائجه على مختلف الجبهات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير المراقبون المحليون والأجانب إلى عدالة ما ذكره أوربان حول حتمية "سيناريو المحادثات" في تقريره الذي سبق وأرسله إلى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل حول مهمته لحفظ السلام، وقد خلص خبراء غربيون كثير إلى أن الأحداث الأخيرة أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أنه لم يعد هناك أي سبب للاعتقاد بأن الصراع يمكن حله عسكرياً وبطرق تخدم مصالح كييف منذ أكثر من عام، وكان من الواضح أن كييف لن تكون قادرة، نظراً إلى قوتها الداخلية الأضعف كثيراً، على تحقيق النصر في صراع الاستنزاف، فضلاً عن أنه من الصعب متابعة كيف سيعود قبول الكلف الهائلة المترتبة على إعادة بناء أوكرانيا بالنفع على دافعي الضرائب الغربيين، وهو ما يقدر البنك الدولي كلفه بنصف تريليون دولار.

وثمة من يقول إن مثل هذا الأمر الأكثر أهمية يمكن أن ينجم عنه ازدياد حدة العلاقة العدائية المستمرة بين الغرب وروسيا والتي هي في سبيلها إلى أن تدفع معها ما تملك من موارد هائلة تبلغ، بحسب تقدير المراقبين الروس، ما يزيد على ثلث رصيد العالم من المواد الخام والمعادن والمياه العذبة إلى الطاقة بكل أنواعها من غاز ونفط وفحم، إلى أحضان الصين، وهذا الرصيد الضخم هو ما يمنحها الاكتفاء الذاتي، كما سبق ووفر لها آليات المقاومة لهذا الكم الهائل من العقوبات التي تواجهها لما يقرب من عقد من الزمان، في وقت يُتوقع تعزيز التحالف بين موسكو وبكين بما يتعارض بشدة مع المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية الغربية.

 وترتكز إستراتيجية روسيا في هذا الصدد على حقيقة مفادها "أن تطور ميزان القوى العالمي ليس في مصلحة الغرب، وذلك ما دفع فلاديمير بوتين نحو التحول إلى القارة الآسيوية لينطلق منها إلى بقاع أخرى كثيرة من العالم، وكجزء من هذه السياسة نجحت موسكو في استبدال تجارتها مع الغرب بصادرات مربحة إلى العمالقة الآسيويين مثل الهند والصين"، ولعل هذه النافذة هي ما وافر لروسيا وزعيمها بوتين البديل الذي توسع في الاستفادة منه لكسر طوق العزلة، وهو ما كان سبيلاً إلى التوسع في المنظمات الإقليمية والدولية التي كان بادر إلى تشكيلها مع هاتين الدولتين مع البرازيل خلال ولايتيه الأوليين، ومنها مجموعة "بريك" التي سرعان ما تحولت الى "بريكس" بعد انضمام جنوب أفريقيا، ثم "بريكس+" بعد ضم آخرين مطلع العام الحالي.

مبادرات أوربان للسلام

أدرك فيكتور أوربان منذ بداية اندلاع الازمة الأوكرانية أن ما ترومه أوكرانيا ومن يسمونهم "رعاتها" من أهداف لا يتفق مع الواقع وغير قابل للتنفيذ، كما أن ما قاله بوتين "عن الشقيقة السلافية أوكرانيا" وما آلت اليه من واقع يقول إن حدود أوكرانيا المستقبلية ستكون مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل عام 2022، ولن تعود لسابق ما كانت عليه من حدود عام 1991 التي كانت ضمت وراءها ما حصلت عليه من هدايا أغدقها الزعماء السوفيات السابقون، وفي مقدمهم زعيم الثورة الاشتراكية لينين وخلفاؤه من ستالين إلى خروشوف الأوكراني القومية، الذي قام بإهداء شبه جزيرة القرم إليها عام 1954، وكلما أسرعت كييف في فهم وقبول هذا الواقع الموضوعي الذي لا مفر منه كلما أصبح من الممكن تحقيق السلام والحد من الخراب والدمار لكثير من آليات الحياة في أوكرانيا، وما كانت تملكه من ثروات مادية وبشرية كما يقول مراقبون آخرون.

 

 

كما أن روسيا لا يمكن أن تتخلى، سلماً كان أو حرباً، عن أي من الأراضي التي ضمتها إليها اعتباراً من عام 2014، وقد خلص إلى النتيجة نفسها مراقبون غربيون كثر، ومنهم من قال صراحة إن "موسكو لن تتخلى سلمياً عما اكتسبته نتيجة الكفاح المسلح والتفكير بخلاف ذلك هو قمة الجنون، كما أن النهج الذي يتبناه الغرب لإنهاء الصراع لا ينبغي له أن يهدف فقط إلى الحفاظ على دولة أوكرانية محايدة وغير منحازة جيوسياسياً خارج حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي". وقالوا أيضاً إنه "يتعين على الغرب أن يدرك ضرورة تسليم الأراضي الأوكرانية الواسعة إلى موسكو في مقابل التوصل إلى تسوية طويلة الأمد، وهذه حقيقة يرغب عدد متزايد من المسؤولين الأوكرانيين في قبولها".

ونقلت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية عن فيتالي كليتشكو عمدة كييف، الذي وصفته بـ "القوي سياسياً"، ما قاله حول أن "إنهاء الصراع من المرجح أن يتطلب تسوية إقليمية مع بوتين"، ولا بد من أن يعقبه استفتاء يمنحه الشرعية السياسية اللازمة، وذلك كله ما خلص إليه فيكتور أوربان بما طرحه من مبادرات سلمية استهل مهمته كرئيس لمجلس الاتحاد الأوروبي بعرضها خلال جولة واسعة زار خلالها موسكو وبكين وكييف، فضلاً عن زيارته الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وهو ما تناولته "اندبندنت عربية" في أكثر من تقرير سابق لها من موسكو، ويقول أوربان في هذا الشأن إنه لكي تتمكن أوكرانيا من الحفاظ على مكانتها كدولة مستقلة، بما يتفق مع مصالحها الخاصة ومصالح أوروبا، فلا بد من إسكات الأسلحة على وجه السرعة، أما عن شروط وقف إطلاق النار والتحول إلى المحادثات فهو ما يجب أن يتكاتف العالم للتوصل إليه.

واشنطن ترفص سياسات المجر

وكشفت سياسات الإدارة الأميركية الحالية عن موقف متشدد من فيكتور أوربان ومعارضة سافرة لسياساته المستقلة التي تميل بعيداً من "الأجندة الليبرالية"، بما تتخذه من مواقف على الصعيدين الداخلي والخارجي، كما وقفت واشنطن وراء ما اجتاح بودابست وعدداً من المدن المجرية من تظاهرات مضادة لسياسات الحكومة المجرية ومؤيدة للتوجهات المنافية للقيم والتقاليد المجرية المحافظة وللتقارب مع روسيا، وكانت في ذلك إضافة إلى ما اتخذه الاتحاد الأوروبي من مواقف وسياسات مضادة لتوجهات الحكومة المجرية تجاه الهجرة غير الشرعية والحركات المثلية والحرب في أوكرانيا، وكل مبادراتها السلمية لوقف الحرب والتحول نحو المحادثات بين روسيا وأوكرانيا.

وجاء الموقف الواضح لفيكتور أوربان وانحيازه الصريح لتأييد المرشح الأميركي للرئاسة دونالد ترامب ليزيد حدة مواقف الإدارة الأميركية تجاه رئيس الحكومة المجرية، ولعل الموقف الذي يتخذه فيكتور أوربان تجاه الأزمة الأوكرانية وإصراره على المضي في سياساته الرامية إلى التقريب بين مواقف الجانبين الروسي والأوكراني، ودفعهما إلى المحادثات المباشرة، يظل في صدارة مواقف واشنطن من رئيس الحكومة المجرية، وها هي تعود مرة أخرى لاتهامه بالسير في ركاب بوتين وسياساته والانحياز إلى ما يدعو اليه، فضلاً عما يلوح به الاتحاد الأوروبي للزعيم المجري من تهديدات بلغت حد الطرد من الاتحاد الأوروبي، بكل ما يلي ذلك من تبعات.

المزيد من تحلیل