Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نجيب معين يبدع أشكالا معاصرة لأساطير الأسلاف

معرض لأعماله النحتية يجمع بين التراث المصري والرؤية الحديثة

منحوتة للفنان المصري نجيب معين (خدمة المعرض)

ملخص

يستضيف غاليري "وادي 99" معرضاً لأعمال الفنان المصري نجيب معين تحت عنوان "المملكة" ويجمع المعرض عدداً كبيراً من الأعمال النحتية للفنان، وهو أول معرض له في العاصمة اللبنانية.

يُعدّ نجيب معين الذي يقيم أول معرض لأعماله في بيروت  في غاليري "وادي 99" (حتى الـ23 من نوفمبر- تشرين الثاني) واحداً من الفنانين المصريين البارزين في مجال النحت المعاصر. تخرج في قسم النحت الميداني في كلية الفنون الجميلة، جامعة الإسكندرية عام 2003، وتقدم بخطى متسارعة في الحقل الأكاديمي. وكانت الخطوة الفارقة في مسيرته الأكاديمية حين سافر إلى إيطاليا لدراسة النحت في أكاديمية كرارا للفنون الجميلة، فحصل على دبلوم النحت، وهي درجة أكاديمية معادلة لدرجة الدكتوراه في مصر.

في أكاديمية كرارا قد يكون من الصعب أن يتعلق الدارس بخامة أخرى غير الحجر، لكن معين لم يكُن من هذا النوع الذي يطمئن إلى المعتاد وينساق وراء الشائع. فبين عشرات الفنانيين والأكاديميين الذين امتلأت بهم المدينة الإيطالية كان وحده من اختار العمل على خامة مغايرة، وهي خامة الخشب. غير أن وجود الفنان وسط هذه الأجواء الداعمة للنحت على الحجر، كان لا بد من أن يترك أثراً في تجربته، مما تجسد لاحقاً في جمعه بين خامتي الخشب والحجر.

يذكر الفنان كيف أن البقايا الناتجة من عمله على الخشب خلال عمله هناك، كانت تتناثر فوق مسحوق الرخام الأبيض على الأرض، لتصنع أمامه مزيجاً بصرياً مثيراً. كان مشهد هذا المزيج من الخشب والحجر بلونيهما وطبيعتهما المختلفة، نابضاً ومعبراً، وكان أشبه بالضوء الذي كشف له عن مسار مختلف لتجربته.

كانت التجربة الأولى للفنان في الجمع بين الخامتين كما يقول من قبيل الارتجال والتجريب. لكن معين لم يقف عند تجربته الأولى في الجمع بين خامتي الحجر والخشب، بل وصلها بتجارب ومحاولات أخرى حتى استقر على هذه التوليفة التي تميز تجربته النحتية. كان الأمر أشبه بالاكتشاف، أو كأنه عثر أخيراً عما يبحث عنه، فاستمر في سبر أغوار هذه التجربة التي امتد تأثيرها على عمله إلى اليوم.

كان لسفر نجيب معين إلى إيطاليا أثر في تجربته بلا شك، فقد أكسبته الدراسة هناك تمرساً ورؤية، واستلهم عناصر وأساليب، غير أن الإطار الكبير الحاكم لتجربته ظل مرتبطاً بالمكان الذي جاء منه. إن تجربة نجيب معين ترتبط بصرياً وبنائياً في جوهرها، بالفن المصري القديم، حتى إن بدت متشبعة بتأثيرات أخرى. إن هذه المعالجات البصرية التي يقدمها معين وبحثه الدؤوب في الخامة وصوغه للكتلة كوحدة مكتملة وتشكيله للتفاصيل وتوظيفه للزخارف، لا تنفصل عن الموروث البصري والثقافي.

حين تشاهد أعمال نجيب معين لا تستطيع أن تُبعد من مخيلتك هيئة المومياوات والتوابيت الحجرية، أو تستعيد مثلاً صورة التمثال الشهير للكاهن المصري القديم "كا عبر" المعروف بشيخ البلد من الأسرة الرابعة والمصنوع من خشب أشجار الجميز، بعينيه المطعمتين بالكريستال الصخري والنحاس. من الصعب أن تعبر على صوغ نجيب معين لهذه العلاقة بين الرأس والجسد، وأنت تستعيد صور التماثيل ذات الشعر المستعار التي أبدعها المصري القديم، أو التوظيف والتوليف بين خامات مختلفة، كالذهب والنحاس والأحجار والخشب، ناهيك عن الزخارف والنقوش والتلوين.

لا شك في أن نجيب معين استفاد من وجوده في إيطاليا ورؤيته المكثفة للفن الإيطالي والروماني، وعبوره بين إبداعات الفن القوطي، غير أن سر رؤيته البصرية للكتلة يظل مرتبطاً بأرض النشأة. ما فعله نجيب أنه ضفر خبراته البصرية هذه مع جيناته المصرية فخرج بهذا المزيج البصري الخاص الذي يعكس أكثر ما يعكس، مراوحته بين حضارته القديمة وحضارة أخرى لا تقل أهمية على الجانب الآخر من المتوسط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن رسوخ الكتلة في المنحوتات المصرية القديمة، والحرص على وحدة الشكل يستندان إلى فكرة الخلود والاستدامة. غير أن غاية نجيب معين من استلهام هذه الروح تختلف بلا شك، مما أعطاه فسحة أكثر في التعامل والأداء وتجاوز الحلول نفسها. إن معين كأي فنان آخر يسعى إلى حلول بصرية للكتلة ويبحث عن مواءمات جديدة لعلاقاتها مع الفراغ المحيط بها، ومن بين تلك المواءمات والحلول، مزجه لعناصر مستلهمة من الفنون القوطية والعمارة الرومانية القديمة، واستخدامه بعض الصيغ البنائية والزخرفية.

لم يستغرق معين في هذه الجماليات أو ينصهر في داخلها كما قد يبدو، بل قام بصهرها داخل مرجل ثقافته، بخاصة أن استلهامه البصري من الفن المصري القديم لم يكُن من قبيل التقليد أو التغني العاطفي بحضارة الأسلاف بقدر ما كان ابتداعاً واستكمالاً لهذا المسار الذي انقطع.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة