ملخص
سبق أن قامت دور الحضانة ورياض الأطفال ببعض التجاوزات استدعت تدخل الحكومة الجزائرية، إذ حذرت من تجاهل تلقين الأطفال القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والثوابت الوطنية، وهددت بعقوبات ردعية وغلق فوري للمؤسسة والسحب النهائي لرخص الاعتماد.
شهد مؤسسات التعليم والتربية في الجزائر حركية كبيرة تزامناً مع الدخول الاجتماعي، وبينما يستعد التلاميذ لعام دراسي تواجه عائلات مشكلة مع أبنائهم دون سن الدراسة في ظل خروج الزوجة للعمل إلى جانب زوجها، إذ يجد الزوجان نفسيهما أمام مأزق "ترك" الأطفال الصغار بين أيادٍ آمنة، مما جعل الإقبال على دور الحضانة والروضات كبيراً.
انتشار لافت وتساؤلات
تنتشر دور الحضانة والروضات في مختلف أزقة وشوارع مدن الجزائر بصورة لافتة في السنوات الأخيرة، مما يكشف عن تغير صامت داخل المجتمع، وحتى وقت قريب تعد تربية الأبناء من اهتمامات واختصاص الزوجة، غير أن خروج المرأة إلى العمل في ظل ارتفاع كلف الحياة لاعتبارات عدة، أسس لنشاط اختلفت الآراء في تصنيفه، ووصفه بين تجاري وتربوي، لكنه يتجه إلى أن يملأ الفراغ وتعويض بعض دور "الأمهات"، إنها الروضات ودور الحضانة.
وأمام الوضع المجتمعي والأسري الجديد، وفي ظل زيادة الحاجة، لجأ كثر إلى الاستثمار في مجال "تربية الأطفال" أو "حراسة الأطفال" أو الاحتفاظ بالأطفال"، وباتت اللافتات والإعلانات، وصفحات وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي، تكشف عن التنافس الكبير على استقطاب الأولياء، إذ يقدم كل واحد عروضاً تربوية ونشاطات رياضية وترفيهية وعلاجية، وتعرض أخرى أسعاراً تنافسية، بينما تحدد دور شروط تغذية معينة، فيما تمنح روضات للأولياء حرية في إطعام أبنائهم، لكن يبقى التدريس وما يتم تقديمه من برامج تربوية يشغل بال السلطات قبل الأولياء.
أسعار مرتفعة
تجولت "اندبندنت عربية" قرب بعض دور الحضانة والروضات بمدينة الشراقة بالعاصمة، والتقت أمهات يشتكين وأخريات ترحبن، وقالت أمينة وهي عاملة بإحدى الشركات الخاصة بأجر متواضع يقدر بنحو أربعة ملايين سنتيم (نحو 290 دولاراً)، إن المقابل الذي تطلبه هذه الروضة التي تطبق أسعار مقبولة لا تتعدى 100 دولار، "يرتفع كل سنة بصورة جعلتني أتجاوز متطلبات عدة مثل الذهاب إلى الحلاقة واقتناء الملابس وغيرها"، لا سيما مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية.
وأضافت أمينة أن استمرار هذه الحال يدفعني إلى التفكير في مقترحات عدة، مثل التوقف عن العمل، وتساءلت "ما جدوى الخروج إلى العمل ووضع ابني في دار الحضانة وأنا لا أستطيع وضع جزء من الأجرة جانباً؟"، منتقدة سعي أصحاب الروضات ودور الحضانة إلى كسب المال على حساب حاجة الأهالي، إذ لا يخرج الاهتمام بالأطفال عن دائرة الإطعام واللعب والترفيه بعيداً من التعليم والتدريس والتربية.
إيجاد مكان ثقة أولوية
فضيلة موظفة بإحدى الشركات العمومية تكسب مرتباً محترماً يفوق ثمانية ملايين سنتيم (ما يعادل 580 دولاراً)، كان لها رد آخر، فهي ترحب بانتشار الحضانات والروضات، وأشارت إلى أنها وجدت الطمأنينة بـ"وضع" طفليها في روضة "الجميلة" التي تقدم خدمات مقبولة وتحتفظ بأبنائي إلى غاية عودتي من العمل وفق تعبيرها، مبرزة أن الأسعار معقولة مقابل الخدمات المقدمة.
وتواصل فضيلة "ما يهمني إيجاد مكان ثقة للاحتفاظ بأبنائي، أما مسألة التعليم فعندما يحين الوقت، لأن المدارس الحكومية تقوم بواجبها على أكمل وجه، إضافة إلى ما نقدمه أنا وزوجي من مساعدة تربوية في البيت". وأردفت أن مراقبة هذه الدور من طرف الجهات الوصية يجعل خروجها عن البرنامج الرسمي غير ممكن.
تجنب "ضياع" جيل المستقبل
إلى ذلك يرى متخصص علم الاجتماع أحمد دريدي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن اقتحام المرأة لأماكن العمل، ومع تغير أساسات المجتمع الجزائري، حيث كانت الجدة من الجهتين، الزوج والزوجة، تتكفل فرحاً بتربية الصغار إلى حين، وجدت العاملة نفسها مجبرة على إيجاد من يعتني بالأبناء الصغار دون سن الدراسة، ولعل دور الحضانة والروضات المقصد، مضيفاً أنه لا يوجد أحسن من تربية الأولياء، لكن الظروف الاقتصادية الصعبة تمنع الكثيرات عن الاستقالة من مناصبهن، على رغم المجازفة المترتبة عن "وضع" الأبناء في مثل هذه المراكز، على اعتبار أن بعضها تفتقر إلى أدنى الشروط القانونية والمعايير اللازمة، كما أن كثيرين لا يهتمون إلا بالربح السريع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع دريدي أن هناك دوراً إيجاباً لدور الحضانة التي توفر عناصر التعليم الأولية قبل الانتقال إلى المدرسة الابتدائية، لكن لا يمكن للحاضنة والمربية تعويض دور الأم، لا سيما أن الطفل يشعر أن عائلته تتخلى عنه، مضيفاً أن تشديد الرقابة على دور الحضانة والروضات ضروري لتجنب "ضياع" جيل المستقبل، بعدما أصبح نشاطاً تجارياً أكثر منه تربوياً، وإلا كيف يمكن تفسير انتشارها اللافت في مختلف مدن البلاد. وختم بأن توحيد البرامج التربوية ضرورة ملحة حماية للهوية.
توحيد البرامج
من جانبها دعت رئيسة المنظمة الجزائرية لمراكز استقبال الطفولة الصغيرة ريم صالحي إلى ضرورة توحيد البرامج في رياض الأطفال، وتأطيرها بالكفاءات، لأنها اللبنة الأول لبناء وتنشئة الطفل تنشئة اجتماعية، وتكوين شخصيته المستقبلية، موضحة أنه من المهم تكامل المجهودات بين كل الأطراف المعنية، والتنسيق والتعاون بينها، لوضع برنامج طفولة مدروس. وأكدت أن الروضة جسر تواصل يهدف إلى وضع الطفولة في أيادٍ آمنة، كما أنها مشتلة للطفولة في الجزائر.
وأشارت صالحي إلى أن تقليد برامج مستوردة ومقتبسة دون دراسة من طرف المتخصصين والوصاية قد يؤثر سلباً في مستقبل الطفل الدراسي، مشددة على أنه من أجل طفولة سليمة وسعيدة، يجب وضع برنامج موحد وفق منهج مدروس يراعي الشريحة العمرية ومعطيات الأسرة الجزائرية، لافتة إلى أن الروضة ودور الحضانة تسمح بالاكتشاف المبكر لأمراض الطفل النفسية والبيولوجية، منها صعوبة النطق ومشكلات الكتابة والتوحد وغيرها، وتعمل على معالجتها ببرنامج ممنهج مدروس ومسطر، وبنشاطات معينة يفرضها متخصصون.
ورداً على تساؤلات الأولياء حول ارتفاع الرسوم قالت صالحي إن رياض الأطفال تقدم خدمات كثيرة يشارك فيها مربون وطاقم تقني، مشيرة إلى أن القانون يلزم رياض الأطفال بتشغيل طباخ مؤهل حاصل على دبلوم، ويلزم كذلك متخصصين نفسيين، وفوق كل هذا إلزامية التعاقد مع أطباء.
تجاهل تلقين القيم الدينية والأخلاقية
وسبق أن قامت دور الحضانة ورياض الأطفال ببعض التجاوزات استدعت تدخل الحكومة، إذ حذرت من تجاهل تلقين الأطفال القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والثوابت الوطنية، وهددت بعقوبات ردعية وغلق فوري للمؤسسة والسحب النهائي لرخص الاعتماد، بعدما تم رصد نشاطات غير قانونية.
وفي حين لم تتطرق تعليمة وزارة التضامن إلى نوع التجاوزات، فإن شكاوى الأولياء فضحت المستور، إذ تقيم بعض هذه المراكز احتفالات أعياد رأس السنة الميلادية من طريق إحضار شجرة الميلاد وتقديم الهدايا للأطفال، وكذا عيد "الهلوين" أو عيد الرعب، فيما تعتمد أخرى على اللغة الفرنسية في التخاطب مع الأطفال.
دور الحضانة وحسب القانون ملزمة بتسليم برنامجها السنوي إلى الوزارة الوصية، بحسب ما ينص عليه دفتر الشروط، قبل حصولها على الاعتماد، كما أن البرنامج المسطر وقبل الموافقة عليه، تطلع عليه لجنة مختلطة تضم إطارات من وزارة الشؤون الدينية، ومن وزارة التربية الوطنية.
إلى جانب ذلك فإن دور الحضانة تابعة لهيئات متعددة، وهي وزارة التضامن الوطني التي تمنح الاعتماد، ووزارة التجارة التي تراقب السجل التجاري، إضافة إلى الولاية أو المحافظة.