Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصندوق الأسود لرحيل الإنجليز "العاجل" عن شبه القارة الهندية

عوامل سياسية وشخصية دفعت النائب الملكي مونتباتن إلى إعلان مفاجئ لتفويض السلطة مما أدى لموت الآلاف

النائب البريطاني الأخير اللورد مونتباتن وزوجته مع مؤسس باكستان محمد علي جناح (اندبندنت أوردو)

ملخص

قادت الصراعات المحتدمة بين المسلمين والهندوس في الهند المتحدة إلى قرار بريطانيا تقسيم الدولة الجديدة إلى دولتين مستقلتين، الهند ذات الغالبية الهندوسية وباكستان ذات الغالبية المسلمة.

استدعى رئيس الوزراء البريطاني السابق كليمنت أتلي خلال مارس (آذار) 1947 النائب البريطاني للهند لورد مونتباتن ووجهه بأن يقنع القادة الهنود بالوصول إلى اتفاق حول مستقبل بلادهم بعد رحيل الإنجليز بحلول أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، ويخبرهم بأن لندن ستنسحب في منتصف عام 1948 على كل حال.

بعد أشهر قليلة من هذا اللقاء وقبل عام تقريباً من موعد الرحيل الذي حدده أتلي، برزت دولتان مستقلتان على الخريطة العالمية وسط هجرة جماعية لملايين المسلمين والهندوس من طرفي الحدود وأعمال شغب راح ضحيتها حياة مئات الألوف من الأبرياء علاوة على عدد كبير من المهاجرين المفقودين وضحايا الأمراض القاتلة والاغتصاب والعالقين على الطرف الآخر من الحدود من دون ذويهم.

في ظروف صعبة وأجواء دموية، أعلنت باكستان والهند استقلالهما فيما استمرت هجرة المسلمين من الهند المستقلة إلى باكستان وهجرة الهندوس إلى الهند خلال الأعوام التالية، لكن السؤال الذي يحير الجميع هو لماذا استعجل البريطانيون الذين كانوا يحكمون المنطقة لقرابة قرنين بالرحيل؟ ولماذا لم يأبه قادة باكستان والهند بالضحايا والدمار الذي خلفه هذا "الرحيل الآني"؟

اللورد الملكي كان متردداً

اللورد مونتباتن كان آخر نائب للملك في الهند عند تقسيمها إلى باكستان والهند، واختير ممثلاً لبريطانيا على المستعمرة من قبل الملكة نفسها. ووفقاً لأحد الآراء فإن اللورد الذي ينتمي للعائلة المالكة وخدم في البحرية البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية كان متردداً في تولي هذا الدور.

بعد مئتي عام من الاستعمار البريطاني جرى تكليف مونتباتن بمسؤولية تحرير الهند بصفته النائب الأخير عليها لأن حركات التمرد زادت في البلد الآسيوي من جهة، فيما أصبح من الصعب على لندن الاحتفاظ برأس مال ضخم في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور بعد الحرب العالمية الثانية من جهة أخرى.

 

 

 

وكانت الصراعات تحتدم بين المسلمين والهندوس في الهند المتحدة لذلك تقرر تقسيم الدولة الجديدة إلى دولتين مستقلتين، الهند ذات الغالبية الهندوسية وباكستان ذات الغالبية المسلمة. أعاد مونتباتن تاريخ التقسيم إلى الوراء عاماً واحداً منذ عام 1948 إلى عام 1947 على أمل تهدئة الوضع العام، لكن إعلان الاستقلال الذي صدر خلال منتصف ليل الـ15 من أغسطس (آب) 1947 أدى إلى نتائج عكسية ليضطر الملايين من الناس إلى الفرار من منازلهم حفاظاً على أرواحهم إلى الطرف الآخر من الحدود. وشهدت الهند آنذاك أكبر هجرة جماعية في تاريخ البشرية أسفرت عن صدام دموي بين المسلمين والهندوس والسيخ، مات فيها ملايين الأشخاص ونزح عشرات الملايين وتمزقت العائلات.

لكن مما يحير الجميع هو عدم اهتمام القادة المحليين بالنتائج الكارثية لتقسيم الهند. يبدو أن زعيم الكونغرس وأول رئيس وزراء للهند المستقلة جواهر لال نهرو كان يعتقد أن التقسيم الطائفي سينتهي فور إعلان الاستقلال عن بريطانيا وأن السكان المحليين لن يؤذوا بعضهم، كما أن زعيم الرابطة الإسلامية محمد علي جناح كان مهتماً بالحصول على وطن مستقل للمسلمين فحسب، ولم يكن أي من الزعيمين يعلم أن التسرع في تقسيم المنطقة سيؤدي إلى مأساة تتوارثها الأجيال.

لماذا أنهى مونتباتن مهمته قبل الموعد؟

أنهكت الحرب العالمية الثانية بريطانيا ولم يكن لديها الأعداد العسكرية اللازمة للحفاظ على السلام ولا الإرادة السياسية لمحاولة السيطرة على الوضع في مستعمراتها، لذا قرر البريطانيون التخلص من "عبء المستعمرات" في أسرع وقت ممكن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا السياق، أرسل رئيس الوزراء البريطاني أتلي بعثة وزارية إلى الهند عام 1946 بهدف إيجاد حل وسط للقادة الهنود من الكونغرس (الحزب العلماني) والرابطة الإسلامية (الحزب الذي يدعي تمثيل المسلمين). ووفقاً للخطة التي طرحتها البعثة فإن الهند تبقى فيدرالية موحدة لـ10 أعوام ليكتسب الهنود خبرة حكم المنطقة خلال هذه الفترة، ويقرروا بعد ذلك بين بقاء الفيدرالية موحدة أو تقسيمها إلى دولتين. وقبِل محمد علي جناح الخطة بشروط لكن الكونغرس رفضها، وانتهى بهذا الخلاف أي خيار لإبقاء الهند موحدة.

بعد فشل خطة البعثة البريطانية، أعلنت الرابطة الإسلامية عن يوم "تعديل المسار" في البنغال مما أدى إلى أسوأ أعمال شغب في مدينة كلكتا البنغالية والتي قتل فيها من 3 إلى 4 آلاف شخص بما أنهى فعلياً أي أمل للتعايش بين المسلمين والهندوس.

أدى فشل البعثة الوزارية إلى تغيير رؤية الحكومة البريطانية للوضع في الهند، إذ تم تعيين اللورد مونتباتن حينها نائباً للملك في بريطانيا وتم تكليفه ضمان انسحاب الإنجليز بأية طريقة ممكنة بحلول يونيو (حزيران) 1948. ووصل مونتباتن إلى الهند خلال فبراير (شباط) 1947 وكان أمامه 16 شهراً لتسليم السلطة إلى الهنود، ولكن بدلاً من طلب مزيد من الوقت للتقسيم المعقد لبلد يزيد عدد سكانه على 320 مليون نسمة أعلن الـ15 من أغسطس خلال العام نفسه موعداً لتقسيم الهند وتسليم السلطة إلى الهنود. وهكذا لم يكن أمام الإدارة سوى 73 يوماً فقط لتقسيم البلد الشاسع والمكتظ بالسكان. وكان اللورد مصمماً على تقرير مصير شبه القارة الهندية بأكملها في وقت لا يكفي حتى لحل خلاف بسيط بين شقيقين.

وهناك حديث عن أسباب شخصية للورد مونتباتن جعلته يتسرع في اتخاذ هذه الخطوة المصيرية واختيار منتصف أغسطس موعداً للتقسيم النهائي. ويقال إن مونتباتن أراد إنجاز الأمور بسرعة والعودة إلى إنجلترا حتى يتمكن من استئناف مسيرته البحرية هناك، إضافة إلى ذلك زادت وتيرة أعمال الشغب الطائفية بمجرد وصول مونتباتن إلى الهند إذ قتل 70 شخصاً في باتا وأصيب أكثر من 1000 آخرين، كما لقي 160 حتفهم في أمريتسار إلى جانب الفوضى في مدينة مردان، لذا رأى اللورد أن المناسب هو الرحيل من المنطقة في أسرع وقت ممكن. ومن جانب آخر، يرى بعض المحللين أن اللورد كان مكلفاً بأعمال البحرية في شرق آسيا عندما استسلم اليابانيون في الحرب العالمية الثانية، الحدث الذي وافق منتصف أغسطس الذي كان يعده اللورد إنجازاً شخصياً له، لذا اختار هذا الموعد ليكون تاريخ "إنجازه" الآخر في الهند.

تشرشل... مؤيد فكرة التقسيم

 يقول الدبلوماسي والكاتب الهندي كريشنا رانا في كتابه Churchill and India: Manipulation or Betrayal أن ونستون تشرشل الذي تولى رئاسة وزراء بريطانيا العظمى مرتين كان أكبر مؤيد لإقامة دولة باكستان.

 

 

"أمضى ثلاثة أعوام في المناطق القبلية لباكستان الحالية في شبابه عام 1896 حيث كان ضابطاً عسكرياً في الحروب الأنغلو-أفغانية إضافة إلى كونه مراسلاً حربياً لصحيفة "تلغراف" اللندنية. وفي وقت لاحق عندما دخل السياسة كان يرى أن الحدود الغربية للهند ستكون دائماً تحت التهديد. وعلى رغم وجود فارق كبير في عدد السكان بين الهندوس والمسلمين فإن عدد المسلمين في جيش الهند أكبر من نسبتهم، وهو ما ينبئ بقدراتهم العسكرية القوية".

لم يكن تشرشل من المعجبين بالانقسام الطبقي بين الهندوس وكان من أشد المنتقدين لغاندي، لذا أصبح مقرباً ومؤيداً لمحمد علي جناح الذي يعده الباكستانيون القائد الأعظم لحقوق المسلمين في شبه القارة الهندية، إضافة إلى ذلك كانت فكرة إقامة دولة عازلة بين الاتحاد السوفياتي والهند حاضرة في ذهن القيادة البريطانية آنذاك. ويمكن فهم مدى اهتمام القوى العالمية بمستقبل المنطقة بأن خريطة الطريق للهند كانت رأس جدول الأعمال في لقاء الرئيس الأميركي هاري ترومان، رئيس الوزراء البريطاني كليمنت أتلي.

المزيد من تقارير