ملخص
يحتاج جرحى الحرب إلى جراحات عدة حتى يتماثلوا للشفاء لكن لا يتوفر في غزة أطباء ولا دواء لهذه المهمة الصعبة.
على كرسي متحرك يجلس غسان غير قادر على تحريك ساقيه، ويقول "أطلقت طائرة إسرائيلية من نوع كواد كابتر النار صوبي، واخترقت الرصاصة الحبل الشوكي، وعلى رغم أن الأطباء حاولوا إنقاذي فإن الحال انتهت بي أن أصاب بشلل في الأطراف السفلية".
يقلق غسان على مستقبله ويكره الكرسي المتحرك الذي غيّر طبيعة حياته وجعله مقيد الحركة، ولكن الأطباء أخبروه أن الشلل ليس مصيره الدائم، ويمكنه التعافي منه إذا أجريت له ثلاث جراحات.
يزور المستشفيات ويطلب العلاج
لامس الأمل قلب غسان وأخذ يزور مستشفيات القطاع باستمرار ويطلب من الأطباء أن يخضعوه للجراحات لكن لا أحد يستجيب له، ويضيف الرجل "دائماً ما يعتذر لي الأطباء، يبلغونني أنهم لا يستطيعون إجراء الجراحة لي في الوقت الحالي، بسبب الحرب التي أدت إلى نقص في المستلزمات الطبية والعلاجات ومعدات العمليات".
في الواقع، انهارت المنظومة الصحية في قطاع غزة بسبب الحرب الطويلة التي خلفت عدداً ضخماً من الضحايا والمصابين وهؤلاء استهلكوا الأدوية المتاحة، وفي الوقت ذاته تقيد إسرائيل التي تسيطر على المنافذ تدفق الأدوية والمستهلكات الطبية.
ليس هذا فقط ما يعانيه القطاع الطبي في غزة، وإنما الانهيار فيه وصل إلى أن الجيش الإسرائيلي اقتحم المرافق الصحية والمستشفيات وعاث فيها خراباً ودماراً. ومن بين 36 مؤسسة طبية كانت في غزة، هناك أربع فقط لا تزال تقدم خدمات علاجية، والبقية دُمرت مبانيهم وأجهزتهم الطبية.
لا أجهزة ولا أطباء
في حالة غسان يشرح الطبيب ظافر القرناوي، "لإجراء جراحة له نحتاج إلى جهاز الرنين المغناطيسي وهذا غير متوفر في أي مرفق طبي داخل القطاع، والإمكانات اللازمة لإجراء هذه العمليات الخطرة كلها غير متوفرة".
بعد إصابته يلازم غسان الكرسي المتحرك، ويسعى باجتهاد إلى التحرر منه، ومثله هناك 94 ألف مصاب بحاجة إلى إجراء جراحات ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية.
ويقول الوكيل المساعد لوزارة الصحة الفلسطينية عبداللطيف الحاج، إن "كل مصاب يحتاج إلى أربع عمليات جراحية ليتماثل للشفاء". ويضيف أن "جرحى الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع يحتاجون إلى نحو نصف مليون جراحة في ظل انهيار المنظومة الصحية، ولا يوجد كادر طبي قادر على إتمام هذا العدد الضخم من العمليات، ولا توجد أدوات صحية تساعد الفرق على تنفيذ هذه العمليات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شظايا صغيرة لا يستطيع الأطباء إخراجها
ومن بين الجرحى الذين يحتاجون إلى سلسلة عمليات، المصابة أميرة أبو شنب، التي تقول إنه "في قصف على مخيم نازحين تطايرت شظايا صغيرة من خيمتي اخترقت جسدي واستقرت في منطقة البطن والأمعاء والكبد، للأسف لم يتمكن الأطباء من إخراجها". وتضيف "خضعت لجراحة استأصل الأطباء خلالها جزءاً من الكبد والأمعاء، ولكنني لا أزال بحاجة إلى عمليات أخرى عدة لإزالة بعض الشظايا التي لا تزال عالقة في أجزاء عدة من جسدي".
بقاء شظايا الصواريخ الإسرائيلية في جسد أميرة يعني تهتك أعضائها، وأخبرها الأطباء أنهم لا يمكنهم إجراء أية جراحة لها في الوقت الحالي لعدم توفر أجهزة تصوير طبية للتعرف إلى أماكن وجود الشظايا. وأبلغ الأطباء أميرة أنها قد تموت في أية لحظة إذا تفاعلت المواد الكيماوية التي تحملها الصواريخ مع أعضاء جسدها، ومنذ ذلك اليوم وهي تعيش في خوف مستمر، وتسأل دائماً الأطباء إذا كان بإمكانهم إجراء أية جراحة لها.
قائمة متطلبات صحية
يعجز الأطباء في غزة عن إجراء الجراحات البسيطة حتى، لأن إسرائيل دمرت المنظومة الصحية، ويؤكد الحاج أن جميع الجرحى هم ضحايا ميتون مع وقف التنفيذ، ومن أجل إجراء هذه العمليات للمصابين تحتاج غزة إلى مستشفيات ميدانية، وترميم مستشفيات القطاع المدمرة، وإدخال فرق جراحية كاملة من دول العالم، فضلاً عن إدخال أجهزة طبية وأدوية ومستلزمات صحية بصورة عاجلة.
ويوضح الحاج أن "المنظومة الصحية في غزة تعاني جراء فقدان 70 في المئة من القدرة السريرية بسبب قصف إسرائيل للمستشفيات وخروجها عن الخدمة"، لذلك يعتقد أنه من الضروري إنشاء مستشفيات جاهزة تضم غرف جراحات متكاملة، إضافة إلى تجهيزات الأشعة وأجهزة الرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية والمخبرية ومولدات كهربائية حديثة لحل أزمة نصف جراحة تنتظر الإجراء.
في غزة هناك أربعة مستشفيات تعمل على خدمة 2.3 مليون نسمة، يقول الحاج "هذه المرافق رفوفها خالية، هناك نقص في 50 في المئة من الأدوية، و60 في المئة من المواد المخبرية غير موجودة حالياً في غزة، ولا يتوفر 80 في المئة من المستهلكات الطبية".
لا يستطيع أطباء غزة إجراء نصف المليون من الجراحة المطلوبة ويوضح الحاج أن عدد الكوادر الطبية في القطاع بات قليلاً جداً، إذ قتلت إسرائيل 990 عاملاً صحياً منذ بداية الحرب، كل منهم كان له دور مهم وبعضهم كان متفرداً بدوره الطبي بالمنظومة الصحية، أما الأحياء منهم فعددهم لا يتجاوز 170 طبيباً والبقية متطوعون.