Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خسارة هنا مكسب هناك... صفقة هيلاري في الحياة والحب والحرية

كتاب جديد للوزيرة الأميركية السابقة لا يخلو من سعي السياسي إلى نيل الاستحسان وخشيته من ضياع أصوات الناخبين

خلال احتفالها بإصدار كتابها الجديد على مسرح دولبي، 20 سبتمبر 2024، كاليفورنيا (أ ف ب)

ملخص

تبقى هيلاري كلينتون - وقد بلغت الـ76 وعملت في السياسة الوطنية لثلاثة عقود - شخصية قيادية ومؤثرة ورائعة، غير أن كتبها للأسف ليست كذلك.

سنحت الفرصة في انتخابات 2016 الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية لأن تحقق هيلاري كلينتون سبقاً تاريخياً بأن تكون أول امرأة تشغل البيت الأبيض رئيسة له وليس سيدة أولى. ولكن الفرصة كما نعلم ضاعت، على يد دونالد ترمب. لذلك قد لا يكون الالتزام الحزبي وحده هو الذي يدفع هيلاري كلينتون إلى دعم كامالا هاريس في الانتخابات الجارية التي تفصلنا عن نهايتها أسابيع قليلة، بفصل في كتابها الجديد، الذي صدر حديثاً بعنوان قد نترجمه إلى "خسارة هنا، مكسب هناك: تأملات في الحياة والحب والحرية" عن دار "سيمون أند تشوستر" في نحو 324 صفحة.

تكتب كلينتون أنها تفضل الكتابة في السياسة على ما سواها، ولكنها جمعت في كتابها هذا بين نقيضين، لعلهما السياسة والتأملات الشخصية، وكتبت "أرجو أن يكون الجمع بين الاثنين - أي البروكلي والآيس كريم إن شئتم - صالحاً لوجبة لذيذة".

غير أن كارين هيلر تعاجلها في استعراضها للكتاب ["واشنطن بوست"، الـ14 من سبتمبر (أيلول) 2024] إذ تكتب أن الوجبة في الحقيقة "غير شهية بالقدر الذي تظهر عليه في الصورة الدعائية. فالكتاب أقرب إلى "تناول ما في طبقك من طعام"، وفي الطبق كثير من البروكلي وقليل من الحلوى".

"تبقى هيلاري كلينتون - وقد بلغت الـ76 سنة وعملت في السياسة الوطنية لثلاثة عقود - شخصية قيادية ومؤثرة ورائعة. غير أن كتبها للأسف ليست كذلك. فكثير مما في كتابها هذا - الذي استلهمت عنوانه من أغنية لجوني ميتشل، ويمثل في الوقت نفسه إشارة إلى انتخابات 2016 - يبدو أقرب إلى خطاب حال الاتحاد الذي كثيراً ما حلمت بإلقائه عضوة الكونغرس ووزيرة الخارجية السابقة".

"لو أنك ممن يقرأون الأخبار فلن تجد في الكتاب جديداً يذكر. فهيلاري تعظ أتباعها من فيلق المعجبين المستعدين لدفع 30 دولاراً عن طيب خاطر مقابل هذا الكتاب، لعلمهم أين تقف كاتبته بالضبط، وليقابلوا هيلاري في جولات الترويج الكثيفة للكتاب".

من أغنياتي المحببة

لعل نيكولا ستورجن رئيسة وزراء اسكتلندا السابقة واحدة من أبرز من تصفهم كارين هيلر بـ"فيلق المعجبات" بهيلاري كلينتون وجماهيرها، فهي تبدأ مقالتها عن الكتاب ["نيوستيتسمان"، الـ17 من سبتمبر 2024] بقولها إن هيلاري كلينتون "إحدى بطلاتي في السياسة، وفي وقت كنت أحمل على كتفي مسؤوليات القيادة، كنت أبحث عندها عن الإلهام"، ثم إنها تمضي خطوة أبعد فتقول بنبرة أم منهكة تشكو جحود من حولها ونكران الجميل "إن الترشح للمناصب العامة صعب على أي شخص، وكذلك توليها، والصعوبة على النساء أشد، لأننا معشر النساء نخضع لمعايير مختلفة، فلا يرجح أن نلقى جزاء أو شكوراً في حال الإحسان، في حين يرجح أن نتعرض للصلب في حال الإساءة".

"وما من سياسية في العالم الديمقراطي كله عانت التشهير - أو أبدت من الصمود في مواجهته - بقدر ما عانت هيلاري كلينتون وما أبدت. فكنت كلما تمكن مني الإحباط، بحثت عن هيلاري وتطلعت إليها. ولم أزل أفعل هذا في بعض الأحيان. فلو أنها استطاعت أن تصمد لكل ما رميت به فأنا أيضاً قادرة".

غير أن إعجاب ستورجن العميق بهيلاري كلينتون، ومحبتها المعلنة للكتاب، لا يمنعانها من الإدلاء برأي سلبي في كتابات هيلاري كلينتون بعامة، فـ"الجانب الذي يصيبني بشيء من الإحباط لديها هو كتابتها، باستثناء كتاب (ما جرى) الذي كتبته غداة انتخابات 2016. أجد كتبها مملة بعض الشيء، لا تخلو من سعي السياسي إلى نيل الاستحسان، وخشيته من قول ما قد يكلفه أصوات الناخبين. فتبدو كل كلمة محسوبة - بل لعلها خاضعة لتقييم جماعي - ومن ثم فهي مجردة من المعنى".

 

 

"هكذا أقبلت على الكتاب الأخير بتوقعات عظيمة. أيكون هذا أخيراً الكتاب الذي تتحرر فيه هيلاري؟ ففي عنوان الكتاب إشارة إلى أغنية ’كلا الجانبين الآن‘ لجوني ميتشل، وهي من أغنياتي المحببة، وتتناول موضوع الحكمة والرؤية اللتين تتحققان مع مرور الزمن ومراكمة التجارب". تكتب هيلاري كلينتون، "على المستويين الشخصي والمهني، مررت بكثير من النجاحات والكبوات، فشعرت أحياناً بأني على قمة العالم، وأحياناً بأني في قاع حفرة عميقة مظلمة. وبعد كل هذه السنين، صرت الآن بحق أنظر إلى الحياة والحب من كلا الجانبين".

تنقل نيكولا ستورجن عن كلينتون قولها إنها الآن باتت أقل اكتراثاً بآراء الآخرين، فتكتب "لقد كنت في ما مضى أبدد طاقتي في القلق مما قد يقوله المنتقدون أو من رد الفعل المحتمل من الإعلام، والآن يسهل عليَّ أن أنحي كل هذا جانباً وأفعل فقط ما أشعر أنه الصواب والمهم". وبناء على هذا تتوقع ستورجن أن تنطلق هيلاري لتكشف ما أخفته الكتب السابقة، وتجد ذلك بالفعل "ولكن في حدود".

"لقد وجدت في نفسي ضيقاً عابراً وأنا لم أزل في مستهل الكتاب، إذ تحكي هيلاري كلينتون قصة نزهة نظمتها صديقاتها بعد انتخابات 2016، وكانت النزهة عبارة عن زيارة لفال كيل، أي كوخ إليانور روزفلت [سيدة أميركا الأولى بين عامي 1933 و1945] في حديقة "هايد بارك" بنيويورك. قالت إحدى صديقات هيلاري "هيا بنا نسكر في صالة كوخ إليانور". وما كدت أقول لنفسي إنها فكرة عبقرية تماماً، حتى حطمت هيلاري الفكرة قائلة، "لا، لم نسكر". ولا أدري ما الذي جعلها تشعر أنه يجب عليها أن تقول هذا. فلا يمكن أن أكون الشخص الوحيد الذي يحلو له التفكير بأنها سكرت فعلاً حتى الثمالة بعد تلك الهزيمة المريعة (وإن لم يكن ذلك بالضرورة في صالة بيت إليانور) ولا يمكن أن أكون الوحيدة التي كانت لتجد إثارة كبيرة في حديثها عن ذلك".

"غير أنني أجافي المنطق في هذا. فأولاً، ليس من الإنصاف أن نتوقع من امرأة تعمل بالسياسة أن تعري روحها على نحو لا نطالب به الرجال. وأنا، قبل كل الناس، يجب أن أقدر هذا. وثانياً لأن هذا الكتاب شخصي بدرجة عميقة، إذ تتكلم فيه كلينتون بإسهاب وعاطفية عن الصداقة والأسرة والإيمان. وتكشف عن زوجها بيل أكثر مما سمعت من قبل فــ(شأن كل الزيجات، اقتضت زيجتنا جهداً، بل كثيراً من الجهد)".

 

 

تكتب ستورجن أنه يصعب على قارئ هذا الكتاب أن يهرب من استنتاج أن هيلاري تحب بيل حباً عميقاً، فالرجل حتى بعد أكثر من نصف قرن من حياتها معه لا يزال قادراً على إثارتها أشد الإثارة، ولا يزال في عينها كما تكتب "أكثر الرجال وسامة حيثما يكون".

لكن حتى الحب لا يمنع غضب ستورجن من هيلاري فتكتب قائلة "إنها حينما تعبر عن تأنيب للذات، فمن الصعب عدم الشعور بالغليان". والسبب في تأنيب هيلاري نفسها هو أنه (حتى في يومنا هذا لم أزل أشعر بذنب كبير لما كبدته لبيل حينما ترشحت للرئاسة)". وهنا تفقد ستورجن أية قدرة على تمالك غضبها فتكتب "لعل شيئاً ما فاتني، ولكنني لا أتذكر قط بيل كلينتون وهو يتأمل أثر قراره المماثل عليها".

على رغم ضيق ستورجن من قصة حفلة الشراب في "فال كيل" وما أبدته هيلاري كلينتون من تحرج وتحفظ وهي تسردها، وعلى رغم غضبها من عدم تساوي كفتي المشاعر بين هيلاري وبيل، نجدها تؤكد أن كتاب "خسارة هنا، مكسب هناك" هو من أكثر الكتب التي قرأتها في الفترة الأخيرة تأثيراً، "فكلينتون تكتب بوضوح نافذ، ومن دون أدنى تردد، عن حال عالمنا، فيمثل الكتاب في بعض جوانبه صرخة ألم، لكن الأهم من ذلك أنه يمثل دعوة إلى العمل".

"فهي تكتب عن الوضع الحرج الذي يمر به المناخ، لا بمصطلحات مجردة، ولكن من خلال أعين النساء العاملات في المستنقعات المالحة في الهند. ولو أن لهيلاري كلينتون من ميزة فهي نسويتها العارمة. إذ إنها تفهم أن النساء يحتملن عبئاً هائلاً وغير متناسب من جراء علل العالم اليوم من تغير المناخ والصراعات والانزياح عن الديمقراطية إلى الأوتوقراطية، لكنها صلبة الإيمان أيضاً بأن حلول هذه المشكلات جميعاً إنما هي لدى النساء، "ولا يعني ذلك أن النساء يولدن خارقات القوى"، بحسب ما تكتب كلينتون، "ولكنه يعني أنه في مواجهة القمع واللامساواة وكراهية النساء في شتى أرجاء العالم أصبحت النساء دواهي واسعات الحيلة".

قصص ما قبل النوم

تسرد هيلاري كلينتون في الكتاب قصة إسهامها في ريادة عملية إجلاء النساء الأفغانيات من أفغانستان بعد استعادة "طالبان" السلطة عام 2021، وترى ستورجن أنها حكاية ملهمة، وأنها تذكرنا أيضاً بـ"أن هيلاري لم تزل بارعة في انتقاء كلماتها. فالغضب الذي تشعر به من تخلي إدارة بايدن عن الأفغان - والنساء الأفغانيات بصفة خاصة - محسوس، ولكنه ليس صارخاً على الإطلاق".

"تربط هيلاري كلينتون بين نقاط عديدة من انتهاكات حقوق النساء والأقليات التي نشهدها في أرجاء العالم اليوم. فتلتفت التفاتاً خاصاً إلى رفض قضية (رو ضد ويد) في الولايات المتحدة بما كان له من آثار مرعبة على حرية النساء الإنجابية. وفي حين أن كثيراً من الساسة قد يتغاضون عن الحقائق الأساسية فإنها تقولها جهيرة، "ثمة مؤامرة يمينية كبيرة تسعى إلى دفع أجندة متطرفة على حساب الجميع، حتى إن الديمقراطية نفسها ليست في مأمن من أذاهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقضية "رو ضد ويد" المشار إليها هنا تعد قضية تاريخية في مسيرة حقوق المرأة الأميركية، إذ كفل الحكم الصادر فيها عام 1973 الحق في الإجهاض، ثم أعيد النظر في القضية عام 2022 وتغير الحكم إلى عكسه تماماً بما يعني عملياً نقض حق الإجهاض في أميركا.

تشير نيكولا ستورجن أيضاً إلى أن كلينتون توجه إدانة شديدة للتكنولوجيا غير الخاضعة للضوابط وإيذائها العمدي للشباب من خلال خوارزميات مصممة لحملهم على إدمانها، إلى حد أنها تقارن شركات التكنولوجيا بشركات التبغ الكبرى التي تروج للسجائر على رغم أخطارها المعروفة، وتثني على صراحة كلينتون في الحديث عن الأخطار التي تواجه الديمقراطية داخل الولايات المتحدة وفي العالم، من دون أن تتبنى مواقف غائمة شأن كثير من الساسة، ولا يفوت ستورجن هنا أن تعلي من شأن مواقف كلينتون مقارنة بمواقف توني بلير كما ظهرت في كتابه الذي صدر أخيراً هو الآخر.

ترى نيكولا ستورجن أن التيمة الغالبة على كتاب كلينتون هي ضرورة اليقظة والمقاومة فـ"التاريخ يعلمنا أن أقلية جيدة التمويل، قوية الدوافع، قد تثبت أنها أقدر سياسياً من غالبية مطمئنة"، وتشير إلى أن أقوى فصول الكتاب هو الذي يأتي تحت عنوان "الالتزام باليقظة خلال الانقلاب"، وتستدعي فيه الكاتبة كلمات مارتن لوثر كينغ لتحذر المواطنين من أن الإرهاق واللامبالاة قد يحملانهم على إغماض أعينهم فلا يرون التغيرات الاجتماعية الهائلة الجارية من حولهم، وترسم كلينتون صورة مريعة لما قد تكون عليه ولاية ثانية لدونالد ترمب".

في مقابل ذلك الثناء الذي تكيله ستورجن للكتاب، قد تلزم الموازنة ببعض من توبيخ كارين هيلر الحاد للكتاب وكاتبته. صحيح أن كيلر تثني على كلينتون لالتفاتها إلى محنة نساء أفغانستان والنساء في كل مكان، وأخطار قضاء الأطفال وقتاً كبيراً أمام الشاشات ولكن تثني عليها كسياسية، "أما ككاتبة، فالكلام مكرور".

 

 

وتبرز كيلر أيضاً تهافت بعض تقديرات هيلاري كلينتون السياسية من قبيل رؤيتها فلاديمير بوتين جريحاً، وأن "دوافعه" أكثر من أي شيء آخر "هي الإحساس بالخسارة" وبـ"المذلات التي يتصور" أن إمبراطورية روسيا الضائعة قد تعرضت لها، وأنه لم يقم بغزو أوكرانيا ومعاقبة المعارضين "لشعوره بالقوة" بحسب ما تكتب وإنما "فعل ذلك لشعوره بالخوف". وهي لا تزال غاضبة من الزعيم الروسي لأمره بقرصنة أجهزة الكمبيوتر الخاصة بمسؤولي الحملة الانتخابية الديمقراطية ولإفساده حملتها الرئاسية.

وتسخر كيلر من الفصل الذي تخصصه كلينتون في كتابها لما يمكن أن يكون عليه شكل ولاية ثانية لترمب، فهي تتجاوز في ذلك رواية "المؤامرة على أميركا" لفيليب روث، حتى لتجعلها أشبه بقصص ما قبل النوم.

تمضي كيلر فتقول إن كلينتون كانت تقوم بتدريس السياسة الدولية في جامعة "كولومبيا" في الخريف الماضي، لذلك "تسخر في كتابها من المتظاهرين الذين يفتقرون إلى فهم السياق التاريخي قائلة "إنني لا أحمل ذرة تسامح تجاه أولئك الذين لعلهم لا يستطيعون تعيين موقع غزة على الخريطة، ومع ذلك يصرون على أنه لا حق لإسرائيل في الوجود". وتكتب عن إسرائيل وغزة فتقول إن "القضايا شائكة على نحو لا يصدق، وإن الألم الذي يستشعره الطرفان من جولة الصراع الأخيرة تزيدها استعصاء على الحل. ولكن لا بديل عن العمل من أجل السلام".

وأخيراً تكتب كيلر لتجهز تماماً على الكتاب، "في ست صفحات من الشكر والتقدير تضم ما يقارب 300 اسم، كتبت كلينتون أن (طبع كتاب يقتضي قرية بأكملها). وقد يكون هذا صحيحاً بالنسبة إلى طبع كتاب، ولكنه لا ينطبق على تأليفه. لقد ذكرت هيلاري ثلاثة أشخاص في الأقل باعتبارهم مؤلفين مشاركين في الكتاب. وذلك لأن كلينتون لا تزال مشغولة كما كانت دائماً. ولا يبدو من حجم أهدافها والتزاماتها أن ثمة علامة على تغير ذلك. لكن التأليف من خلال لجنة أمر يستحسن أن تتخلى عنه في كتبها المستقبلية، التي يرجح أن تكون كثيرة، بالنظر إلى إنتاجها الهائل حتى هذه اللحظة".

عنوان الكتاب: Something Lost, Something Gained: Reflections on Life, Love, and Liberty

تأليف: Hillary Clinton

الناشر: Simon & Schuster

المزيد من كتب