ملخص
الإحصاءات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية تؤكد وفاة 5 أشخاص في العالم كل دقيقة بسبب أخطاء طبية في العلاج.
تعرض يوسف وهو شاب مغربي في عقده الثالث، لما عده خطأ طبياً أدى إلى شلل جزئي في يده اليمنى، بعد عملية جراحية لكسر في إصبعه، تحولت إلى كابوس لم يفارق هذا الشاب الذي لم يتوانَ عن رفع دعوى قضائية ضد الطبيب الذي قال إنه تسبب له في شلل يده في إحدى المصحات الخاصة بمدينة الرباط.
يوسف واحد من مئات ضحايا الأخطاء الطبية في المغرب الذين ينقسمون حيال ما وقع لهم بين من يسارعون إلى المحاكم لمقاضاة الطبيب أو الممرض، ومن يختارون التواري والصمت لأسباب مختلفة.
ويرى فاعلون في الرعاية الصحية بالمغرب أن غالب الأخطاء الطبية تعود إلى "الإهمال أو التقصير البشري" للطبيب أو مقدم الخدمة الطبية أو إلى "ممارسات الربح السريع"، أو جراء عطل في المعدات والتجهيزات الطبية، وغيرها من العوامل المتداخلة.
وفي وقت تغيب فيه أرقام رسمية أو حتى شبه رسمية في شأن عدد ضحايا الأخطاء الطبية في المغرب، فإن منظمة الصحة العالمية تتحدث عن تعرض مريض واحد من كل 10 مرضى للضرر بسبب "العلاج غير المأمون"، وعن وفاة خمسة أشخاص في العالم كل دقيقة بسبب أخطاء طبية في العلاج.
قصص مؤلمة
يحكي يوسف كيف أنه ولج ذات يوم إلى أحد المستشفيات الخاصة من أجل عملية جراحية على يده، تطلبت وضعه تحت تخدير كامل، غير أنها عملية ليست صعبة ومضمونة النجاح كما أخبره الطبيب بنفسه.
تفاجأ يوسف بعد مدة من إجراء العملية الجراحية على يده، وبعد إزالة الجبيرة، أنه لا يقوى على تحريك يده وأنها صارت أسوأ مما كانت عليه من قبل، على رغم حصص الترويض الفيزيائي ومحاولات أطباء آخرين أكد بعضهم أن هناك احتمالاً قوياً لأن يكون خطأ طبياً في التدخل الجراحي سبب ما وقع له، الشيء الذي دفع الشاب إلى التماس طريق المحاكم في قضية لا تزال معروضة على القضاء.
وأما قصة الطفلة سلمى اليسيني فقد كانت أكثر إيلاماً ومأسوية، تناولتها وسائل الإعلام المغربية منذ أشهر خلت، وبعد أن توفيت داخل مستشفى بمدينة تطوان شمال البلاد، بسبب تداعيات لعملية جراحية بسيطة أجرتها قبل أشهر من وفاتها لاستئصال اللوزتين.
وبعد تداول في قضية وفاة سلمى طوال أشهر، أقرت المحكمة بأن الطفلة تعرضت لخطأ طبي جسيم متمثل في جرعة التخدير أثناء عملية إزالة اللوزتين، تسببت في وفاتها بعد زمن، وهو ما سبب لأفراد أسرتها أضراراً نفسية ومعنوية".
ووفق المصدر ذاته، عانت الطفلة سلمى بسبب هذا الخطأ الطبي الخطر، من "فقدان جميع الحواس، كما أصيبت بحالة الصرع"، وذلك طوال ثلاثة أشهر كاملة بعد إجراء العملية المذكورة، لتقضي المحكمة بتعويض مالي ضخم لفائدة الأسرة عن وفاة ابنتها.
وأشار نشطاء حقوقيون إلى وجود جمعية تلم شمل ضحايا هذه الأخطاء الطبية في المغرب، إذ تعمل على الإنصات ودراسة ملفات الأشخاص الذين يدعون تعرضهم لأخطاء طبية، لتوجههم بعد ذلك إلى السبل القانونية التي يمكن سلكها بهدف الحصول على حقوقهم المادية والمعنوية.
الأسباب
ويرجع عبدالهادي أقرون وهو نقابي في مجال الصحة وطبيب في القطاع الخاص، ارتكاب الأخطاء الطبية في المغرب إلى عوامل عدة رئيسة منها ما هو ذاتي يتعلق بالطبيب أو الطاقم المساعد له، ومنها ما هو موضوعي يتعلق بالظروف الاجتماعية والنفسية المحيطة به.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشرح المتخصص الصحي المذكور أن الأسباب الذاتية تتمثل في نقص في التكوين وعدم دراية بآخر مستجدات الطب والجراحة مثلاً، وأيضاً في الإهمال المهني أحياناً أو في الخطأ في اتخاذ القرار في الوقت المناسب عند علاج المريض.
واستطرد المتكلم ذاته بأن الأسباب الذاتية للخطأ الطبي تتلخص في الإرهاق الذي قد يطال الطبيب جراء التعب في العمل ساعات طويلة، لا سيما في المستشفيات العمومية، وأيضاً في محاولة السرعة في تنفيذ العلاجات والعمليات الجراحية، إما لربح الوقت أو طلباً لأكبر ربح ممكن.
الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، أفادت من جهتها بمناسبة "اليوم العالمي لسلامة المرضى" الذي خلده العالم قبل أيام قليلة، أن الأخطاء الطبية بالمغرب تنجم عن "التشخيص الطبي الخطأ أو تأخير التشخيص، مما يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية للمرضى، مما يفضي إلى عاهات أو أضرار جسدية أو إلى وفيات أحياناً".
ويورد رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة علي لطفي، أن غالب الأخطاء الطبية بالمغرب سببها "الإهمال أو ممارسات الربح السريع أو الاعتماد على نتائج غير دقيقة للمختبرات البيولوجية أو اختبارات الكشف بالأشعة السينية أو جراء عطل في المعدات والتجهيزات الطبية المستخدمة أثناء التشخيص أو إجراء استشارة طبية غير كافية".
وتبعاً لرئيس الشبكة "هذه الأخطاء الطبية قد تكون ناتجة أيضاً عن تنفيذ العلاج بشكل خطأ من طرف الممرضات والممرضين أو القابلات، فضلاً عن ضعف التواصل الكافي مع المرضى وأسرهم أو خصاص في المهنيين من أطباء وممرضين وتقنيين صحيين".
تعقيدات ومماطلات
على رغم القوانين التي تعاقب مرتكبي الأخطاء الطبية بالمغرب، غير أنه في عدد من الحالات لا تتم معاقبتهم بالشكل الذي يضمن حقوق الضحايا أو أنه مسارات القضاء تكون طويلة ومعقدة بسبب تعرجات مثل هذه الملفات.
هذه المعطيات الواقعية تدفع كثيرين من ضحايا الأخطاء الطبية إلى تفضيل عدم رفع دعاوى قضائية ضد الأطباء أو العاملين في الرعاية الصحية الذين تسببوا في أخطاء طبية، لعلمهم بتعقد التدابير القانونية وطول مسارها الزمني.
جمعية ضحايا الأخطاء الطبية ترى في هذا السياق أن أحد أكبر الأسباب التي تؤدي إلى عدم مقاضاة مرتكبي الأخطاء الطبية عند كثير من الضحايا، يتمثل في ما سمته تكتل الأطباء في ما بينهم، وانحياز بعضهم لبعض خلال القيام بالخبرة الطبية المضادة التي تطلبها المحاكم".
ويذكر أن القاضي غالباً ما يطلب إجراء الخبرة الطبية أكثر من مرتين، خبرة مضادة بعد الخبرة الأولى، من أجل تقييم مدى صدق ادعاء ضحية الخطأ الطبي، وأيضاً تقييم حجم الضرر الطبي الواقع.
وينص القانون الجنائي المغربي في الفصل 433 أنه "يعاقب الطبيب بعقوبة جنائية قد تصل إلى سنتين إذا ثبت أن الجرح أو الجروح ناتجة من عدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم والقوانين التشريعية والتنظيمية لمهنة الطب".