ملخص
فتحت قضية اتهام محمد الفايد وغيره بالاغتصاب والاعتداء الجنسي باب الاعترافات أمام ضحايا كثر، وهن نساء تشجعن للتكلم عما تعرضن له ومشاركته مع آخرين بهدف وضع حد للإساءات الجنسية، بعدما أحسسن بالأمان للقيام بمثل هذه الخطوة الصعبة.
لا أذكر كيف فتحنا الموضوع لكن لسبب أجهله، وجدت نفسي منذ عدة أشهر طرفاً في جدال محتدم داخل الحانة مع رجلين التقيت بهما للتو. كنا نتكلّم عن إسقاط أعلى محاكم نيويورك حكم إدانة هارفي واينستين بتهم الاغتصاب.
وأخذ أحد الرجلين يحاجج بأن قرار المحكمة منطقي نظراً لأن بعض الاعتداءات المزعومة وقعت منذ فترة طويلة جداً. وتساءل "ما الذي يدفع أي أحد إلى التقدم بمزاعم اغتصاب عشوائية بعد سنوات عديدة من الواقعة؟ إنّ الأمر غير منطقي ببساطة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بل هو منطقي- إذ تقول منظمة مكافحة الاعتداءات الجنسية رايب كرايسيس Rape Crisis، إنّ خمس نساء من بين كل ست يتعرّضن للاغتصاب لا يبلغن عن ذلك إطلاقاً ولا سيما بعد مرور سنوات من وقوع الحدث. وأسباب عدم الإبلاغ عديدة وقد ذكّرني الأسبوع الجاري بها كلّها في ضوء ظهور سيل جديد من مزاعم الاعتداءات التي ارتكبها رجل نافذ آخر منذ عشرات السنين.
وفي التفاصيل أن أصابع الاتهام وجّهت إلى مالك متجر هارودز السابق محمد الفايد، باغتصاب خمس نساء والاعتداء جنسياً على 15 غيرهن على الأقل خلال فترة عملهن في المتجر الفاخر الواقع في منطقة نايتسبريدج. واستناداً إلى تحقيق جديد أجرته إذاعة "بي بي سي"، يعود تاريخ هذه المزاعم إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث قيل إن غالبيتها وقعت داخل ممتلكات يملكها الفايد شخصياً في لندن وباريس وسان تروبيه وأبو ظبي.
ووصفت إحدى السيدات التي كانت مراهقة عند تعرّضها للاعتداء المزعوم بأنه "وحش ومفترس جنسي لا يملك ذرّة أخلاق" كان يعتبر موظفي هارودز "أشياء يمكنه العبث بها".
توفي الفايد، الذي قُتل نجله دودي في حادث سيارة أودى بحياة الأميرة ديانا أيضاً في عام 1997، العام الماضي عن عمر ناهز 94 سنة. ويقول مالكو متجر هارودز إنهم "مرتاعون من هول" الادعاءات، وأضافوا أنها تصرفات "شخص عازم على استغلال نفوذه أينما عمل".
منذ صدور أولى المزاعم يوم الخميس، تكشّف المزيد منها كما يحدث عادة في هذا النوع من الأمور للأسف. وعلى رغم ما يظنّه الرجل الغريب في الحانة على ما يبدو، أعتقد بأن سيل الادعاءات لن يتوقف. لأننا نعرف جيداً بعد قضية واينستين التي ظهرت أولى الادعاءات فيها في عام 2017 أنه عندما تُشرّع الأبواب أمام الاعترافات تكون بمثابة دعوة لناجيات أخريات: أي إشارة إلى أن الكلام بات آمناً ويمكن أن يقول المرء "أنا أيضاً".
إنما يبدو أننا لم نتعلّم الشيء الكثير من ذلك الحساب- وهذا ما يعيدني إلى أسباب عدم إفصاح الناجيات من الاغتصاب عما حدث لهن سوى بعد سنوات، هذا إن أفصحن عن ذلك أساساً.
يعتبر الخوف من الانتقام سبباً مهماً- ولا سيّما إن كان المعتدي المزعوم يحتلّ، مثل الفايد، موقع سلطة مهنية مباشرة عليك.
بعد ذلك، يأتي الشعور بالعار: عندما يحمّل الإنسان نفسه اللوم على تصرفات مغتصبه كما اعتاد الناجون، ولا سيّما الناجيات، أن يفعلوا ("أكثرت من الشرب"؛ و"كان من الأفضل ألا أقول ما قلته"، و"أنا استدرجته" إلى آخره).
ونهايةً، لدينا الخوف من ألا يصدّقك الآخرون، والمسؤولية الضخمة التي يفرضها عليها التعامل مع صدمة جسدية ونفسية مهولة يخبرك المجتمع بأنها غير حقيقية.
كما أنّ الإبلاغ عن حالات الاغتصاب ليس سهلاً على فكرة، كما كتبت سابقاً في هذا الموقع- نحو 70 في المئة من ضحايا الاغتصاب ينسحبون من التحقيق في منتصف الطريق.
وإن أضفنا إلى أحدث المزاعم التي ظهرت إلى العلن، قضية الإتجار بالجنس المُرتقبة ضد مغني الراب الأميركي "ديدي" (اتُهم النجم باختطاف النساء وتخديرهن وإرغامهن على القيام بأفعال جنسية) وعمليات الاغتصاب الجماعية التي ارتكبها دومينيك بيليكو وأصدقاؤه المغتصبون الكثر، وكل اتهام بالعنف الجنسي ضد آندرو تيت، من الصعب ألّا يشعر الإنسان باليأس ويتساءل إن كانت "حركة أنا أيضاً" قد ظهرت حقاً؟
والجواب هو أنها بالطبع حدثت، بل أعتقد أنّ أياً من هذه الأفعال ما كانت لتظهر في العلن لو لم تحدث حركة #أنا_أيضاً، وإن شعرنا بأننا نتراجع في هذا المجال.
لكن ما يزعجني هو معرفتي بوجود قصص كثيرة كهذه، لا تزال طيّ الكتمان. وأنّ مغتصبين كثراً ما زالوا يجوبون الشوارع بحرية ويتنقلون بيننا- ليس فقط لأنّ أقل من 3 حالات اغتصاب من بين كل 100 حالة سجّلتها الشرطة بين أبريل (نيسان) 2023 ومارس (آذار) 2024 أدّت إلى توجيه اتهامات لشخص ما في العام نفسه.
بل لأنّ الناجين لن يدلوا بشهاداتهم ما لم يشعروا بالأمان لفعل ذلك- والحقيقة المحزنة هي أنّ الوضع لا يكون آمناً أبداً تقريباً.
© The Independent