Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي المادة الرابعة من الدستور التركي التي أثارت الجدل؟

تغير أكثر من 26 مرة، والتبدل المحتمل المرتقب من شأنه أن يمنح الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان فرصة الترشح لولاية جديدة

تحاول تركيا منذ 200 عام وضع دستور يحتضن أو يرضي المجتمع بأكمله (اندبندنت التركية)

ملخص

الدستور الذي وضعه أتاتورك عام 1921 نص على أن دين الدولة هو الإسلام، ولم تتم إضافة مبدأ العلمانية لتركيا حتى عام 1937، أما المادة الرابعة التي تمنع تغيير ما قبلها فلم ترد في دستور أتاتورك، ووردت للمرة الأولى في 1982 بالدستور الناتج من انقلاب عسكري.

في هذه الفترة بالوسط السياسي التركي هناك عاصفة تتشكل حول المادة الرابعة من الدستور، يحاول منتقدو المادة ومؤيدوها الرد على بعضهما البعض بإهانات لا توصف وشتائم مع غياب النقاش المنطقي. فما هي هذه المادة الرابعة من الدستور؟ ولماذا أثارت كل هذا الجدل وهذه المناقشات؟

لدى تركيا قصة دستورية بدأت منذ فترة الإصلاح في الدولة العثمانية بين عامي 1808 و1856، لكن أول دستور بمناقشات برلمانية كان عام 1876، واستمر الوضع كما هو حتى الفترة الأخيرة من عمر الدولة العثمانية فحصلت مناقشات دستورية في أواخر عهد السلطان عبد الحميد الثاني في 1908، تضمنت هذه المناقشات "الملكية الدستورية". وإلى يومنا هذا بين كل فترة وأخرى تظهر مسألة "الدستور" وتتكرر الخلافات بشأنها، باختصار يمكن القول إن تركيا تحاول منذ 200 عام وضع دستور يحتضن أو يحتوي أو يرضي المجتمع بأكمله.

بداية لنتعرف إلى الدستور بالمعنى العام، الدساتير هي نصوص توافقية اجتماعية تحدد الطريقة التي يعيش بها المجتمع معاً، الدستور يكون قصيراً وواضحاً، وإذا كان جزء كبير من المجتمع غير راض عن هذا الدستور، أو إذا كان هناك أفراد ومجتمعات من السكان متضررة من هذا الدستور، فلن يكون حينها دستوراً، وإنما قانون مفروض أو شمولي أو حكم ديكتاتوري.

نص المادة الرابعة من الدستور

تقول المادة الرابعة من الدستور التركي: "لا يجوز تغيير المواد الأولى والثانية والثالثة من الدستور"، إذاً المادة الرابعة تمنع تغيير المواد الثلاث التي قبلها، وهذه المواد هي:

المادة الأولى: شكل الدولة: الدولة التركية جمهورية.

المادة الثانية: خصائص الجمهورية: الجمهورية التركية دولة قانون ديمقراطية وعلمانية واجتماعية، في إطار فهم السلام الاجتماعي والتضامن الوطني والعدالة، واحترام حقوق الإنسان، والتمسك بقومية أتاتورك، واستناداً إلى المبادئ الأساسية المذكورة في البداية.

المادة الثالثة: سلامة الدولة ولغتها الرسمية وعلمها ونشيدها الوطني: دولة تركيا واحدة لا تتجزأ ببلدها وأمتها، لغتها تركية، العلم هو راية حمراء ذات هلال ونجمة بيضاء اللون، ويحدد القانون شكلها، نشيدها الوطني هو نشيد "مسيرة الاستقلال"، وعاصمتها مدينة أنقرة.

المادة الرابعة: أحكام لا يمكن تغييرها: الأحكام الواردة في المواد الثلاث السابقة لا يمكن تغييرها، ولا حتى اقتراح تغييرها.

بعيداً من المهاترات، بمناقشة هذه المادة بهدوء، هل يمكن وضع شروط وأحكام على الشعب في دستور ينص على أن "السيادة للشعب" من دون قيد أو شرط؟ عند فرض شروط على الشعب في دستور ينص على أن السيادة للشعب يصبح هذا الدستور كالدستور الإيراني، أو كما هي الحال في دستور كوريا الشمالية، التي تضع شروطاً على شعبها في دستورها، على الجدار العلوي للبرلمان التركي كتبوا لوحة فيها: "السيادة للأمة من دون قيد أو شرط"، وهذا يعني أن الشروط حتى لو كانت في الدستور فهو أمر غير مقبول. ووفقاً للمنطق فإنه في الأماكن التي تكون فيها السيادة مشروطة، فإن الدولة لا تكون جمهورية، وعلى رغم هذا فإن صلب النقاش في تركيا هو ضمن دائرة "هل يجوز فرض شروط وأحكام على الشعب أم لا".

الطرف الآخر الذي يدافع عن المادة الرابعة من الدستور، وينادي بالحفاظ عليها، يتهم معارضيه بالـ "الرجعية وحب السلطان، والرغبة بالعودة لحكم الشريعة، واللعب لتغيير المواد الثلاث الأولى من الدستور".

لكن ما لا يعرفه الكثير من الأتراك أن المادة الرابعة من الدستور لم يضعها أتاتورك، وإنما تمت إضافتها في التعديل الدستوري عام 1982، والذي نتج من انقلاب عسكري حصل في 1980، حينها أضيفت هذه المادة بهدف "الحفاظ على شكل الدولة وعلمانيتها".

حزب "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة التركية، يعتبر المادة الرابعة من الدستور بمثابة "وصية تأسيسية"، ولا يجوز المس بها أو تغييرها أبداً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العلمانية

الوصية التأسيسية التي يتحدث عنها حزب "الشعب الجمهوري" وردت للمرة الأولى في قانون التنظيم الأساسي الصادر عام 1921، أعقبه صدور أول دستور للجمهورية التركية الحديثة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وبعد اتفاقية لوزان تم عام 1924 إجراء تعديل دستوري أكثر تفصيلاً، دستور عام 1924 كان ينص على أن "دين الدولة هو الإسلام"، وهذه المادة تكفي للرد على الذين يقولون إن "التعديل الدستوري يهدف للعودة إلى الشريعة"، كيف يمكن قول ذلك على رغم أن الدستور الذي وضعه أتاتورك يقول إن دين الدولة هو الإسلام؟

عند تأسيس تركيا كان هناك خليفة "ولو بشكل رمزي" على رأس الدولة، وكان السلطان عبد المجيد آخر خليفة قبل إلغاء الخلافة، لكن على رغم إلغاء الخلافة لم ينص دستور أتاتورك على أن "الدولة علمانية"، بل على العكس تماماً، أكد أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام. وفي 1928 بعد أعوام قليلة من قيام الجمهورية، جرى تعديل دستوري تم خلاله إجراء بعض التعديلات، إلا أن المادة التي تنص على دين الدولة لم تتغير، حتى عام 1937، أي قبل عام واحد من وفاة أتاتورك، تم إدراج العلمانية ضمن الدستور التركي، وأصبحت تركيا دستورياً دولة علمانية. لكن هذا التعديل أيضاً لم يضع شرطاً أو قيداً كما أنه لم ينص على منع تغيير أي مادة في الدستور، واستمر هذا حتى عام 1982، الذي نص على المادة الرابعة.

الدستور التركي تغير أكثر من 26 مرة، والتغيير المحتمل المرتقب من شأنه أن يمنح الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان فرصة الترشح لولاية جديدة، لكن هل بالفعل يسعى الساسة الأتراك إلى تغيير جذري للدستور من شأنه أن يغير المواد التي وضعها دستور 1982 الناتج من انقلاب عسكري؟ أم أن التغيير المرتقب لا يتجاوز مواد بسيطة الهدف منها إبهار الجمهور ومنح أردوغان فرصة ترشح جديدة، كون الدستور الحالي ينص على أن فترة رئاسته الحالية هي الأخيرة؟ ومع ذلك السؤال الأبرز، إذا كان أتاتورك نفسه لم يفرض في دستوره أي مادة ممنوعة من التغيير، فكيف يقبل الأتراك أن يقوم قائد عسكري بإضافة مادة غير قابلة للتغيير؟ والأدهى أن بعض أنصار حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، ومن بينهم بعض الإسلاميين، يعارضون تغيير المادة الرابعة من الدستور.

بالدخول إلى الحياة العائلية للسلطان الأخير عبد المجيد، نجد أن أبناءه كلهم علمانيون، وبقية النسل العثماني كانوا منعزلين عن الجمهور في الفترة التي تلت قيام الجمهورية، كانوا يعيشون حياة يستمعون فيها إلى الموسيقى الغربية، ويهتمون بالأوبرا والفنون الغربية، حتى أن عدداً منهم كانوا يشربون الخمر، وأغلبهم كان يعيش على الطراز الغربي، فلو استمرت السلطنة العثمانية، وكان نظام الحكم اليوم هو نظام سلطنة، لكان أكبر معارضيها هم الإسلاميون.

المادة الثالثة، التي تمنع المادة الرابعة تغييرها، تنص على أن عاصمة تركيا هي أنقرة، بالطبع يتفق الأتراك حالياً على أن أنقرة هي المدينة الأنسب لأن تكون العاصمة، لكن في حال كانت هناك مصلحة للأمة يوماً ما بأن تكون العاصمة على سبيل المثال مدينة "قسطمونو"، فما هو المانع المنطقي لمنع تغيير العاصمة إذا كان الشعب التركي يريد ذلك، ومصلحة تركيا تقتضي ذلك؟

بالنسبة لموضوع اللغة، المادة الثالثة أيضاً تنص على أن اللغة الرسمية هي اللغة التركية، صحيح أن اللغة التركية هي اللغة الرسمية للدولة، لكنها ليست هي لغة كل الشعب، في تركيا يوجد ملايين السكان الأصليين من الأكراد والعرب، وهناك دول فيها أكثر من 10 لغات رسمية، إذا اقتضت الضرورة أن تكون هناك لغة ثانية رسمية إلى جانب اللغة التركية، ما الضرر في ذلك؟

أما قضية العلمانية، الكثير من الأتراك يفسر كلمة العلمانية على أنها "القتال ضد الإسلام"، وهذا السبب وحده يدفعنا لإعادة تعديل الدستور وشرح مصطلح العلمانية بشكل أوضح كي يعم السلام بين الدولة ومختلف أطياف الشعب.

المقاربة هنا هو أنه لا يمكن وضع دستور يرضي كافة أطياف الشعب، ولا يمكن وضع دستور تعترض عليه غالبية الشعب، لكن على الأتراك أن لا يرموا الكرة بملعب "الحماقة"، وأن يجروا مناقشات مبنية على المنطق، وعلى مبدأ "السيادة للشعب".

ملاحظة: الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة "اندبندنت تركية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير