ملخص
كانت جنوب أفريقيا أول بلد يحرك دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "جريمة إبادة جماعية" في قطاع غزة، وانضمت دول أفريقية عدة إلى هذه الدعوى.
عام 2016، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كينيا، ومن هناك قال إن "إسرائيل عائدة إلى أفريقيا وأفريقيا عائدة إلى إسرائيل" في تصريح بدا لافتاً، إذ قادت تل أبيب خلال العقدين الماضيين حملة من أجل ترسيخ موطئ قدم لها في القارة السمراء الغنية بثرواتها.
وبعد عام من الهجوم على قطاع غزة وما رافقه من انتقادات لها، طرحت تساؤلات حول ما إذا كانت العلاقات التي بنتها إسرائيل مع دول أفريقية تضررت جراء هذا الهجوم، خصوصاً أن دولة أفريقية دشنت حملة قضائية دولية واسعة ضد تل أبيب.
ومنذ إعلان قيامها، تراوحت علاقات إسرائيل مع دول أفريقيا ما بين البرود والفتور والتقارب والتحالف مدفوعة بجملة من التناقضات كما المصالح على غرار الشراكات الأمنية والاقتصادية التي أبرمتها تل أبيب مع دول مثل إثيوبيا وكينيا ورواندا والسنغال وغيرها.
وفي أحدث مثال على تداعيات الهجوم على قطاع غزة، دعت السنغال على لسان رئيس وزرائها عثمان سونكو إلى عزل إسرائيل دولياً، على رغم أن دكار تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع تل أبيب، مما فتح باب التكهنات في شأن مصير العلاقات السنغالية – الإسرائيلية.
ميزات إسرائيلية نسبية
وفي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 شنت حركة "حماس" هجوماً على مستوطنات غلاف غزة في تطور أحدث صدمة في الشارع الإسرائيلي حيث قضى وخطف نحو 1200 إسرائيلي، وهو أمر ردت عليه تل أبيب بشن هجوم بري وجوي وبحري كاسح على قطاع غزة حيث تتحصن "حماس".
وعلى الصعيد الدولي، كانت جنوب أفريقيا أول بلد يحرك دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "جريمة إبادة جماعية" في قطاع غزة، وانضمت دول أفريقية عدة إلى هذه الدعوى، مما يضع العلاقات بين تل أبيب والعواصم الأفريقية أمام مفترق طرق.
وقالت الباحثة في الشؤون الأفريقية وشؤون الشرق الأوسط ميساء نواف عبدالخالق إن "بعد أحداث أكتوبر تأثرت العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية، خصوصاً أن بلداً أفريقياً كان سباقاً بالفعل بتقديم شكوى ضد إسرائيل، بالتالي قد نشهد تراجعاً في الفترة المقبلة للانفتاح الإسرائيلي على القارة السمراء والاستثمار فيها".
وتابعت عبدالخالق في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "الانتكاسة الإسرائيلية في أفريقيا ليست بمعزل عما يحدث في العالم من تأثر للعلاقات الإسرائيلية مع دول العالم، ذلك أن حصيلة الهجوم على غزة والمجازر التي سجلت هناك أثّرتا في صورة تل أبيب".
وشددت على أنه "تاريخياً، عملت إسرائيل على الاستفادة من الميزات النسبية التي تمتلكها في بعض القطاعات كالطاقة الخضراء وتعزيز الإنتاج الزراعي والتقنيات العالية، فالتزمت شركة ’إنيرجيا غلوبل‘ الإسرائيلية عام 2017 على سبيل المثال، استثمار ما يصل إلى مليار دولار خلال الأعوام المقبلة لتطوير مشاريع الطاقة الخضراء في 15 دولة أفريقية".
ولفتت إلى أنه "عام 2021 افتتحت شركة ’غيغاوات غلوبل‘ ومقرها إسرائيل، أول محطة للطاقة الشمسية في بوروندي بما يزيد قدرة التوليد بنسبة 10 في المئة قبل أن تعلن عن نيتها مضاعفة حجم المشروع عام 2023".
وأكدت عبدالخالق أن "اهتماماً إسرائيلياً على مستوى تقوية الروابط الدبلوماسية مع القارة الأفريقية تبلور من خلال دبلوماسية الجولات والقمم الثنائية والجماعية مع القادة الأفارقة، إذ كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور القارة الأفريقية عام 2016 منذ خمسة عقود، وشملت زياراته في شرق القارة كينيا وإثيوبيا وأوغندا، وسبقه بأعوام وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان الذي زار البلدان الثلاثة عام 2009".
وأوضحت أن "نتنياهو يُعدّ أيضاً أول زعيم غير أفريقي يشارك في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عام 2017، كذلك عملت تل أبيب على افتتاح سفارات جديدة في بلدان مثل رواندا وغانا، واستثمرت في تطوير العلاقات مع دول أفريقية كغينيا في 2016 وتشاد 2018 والمغرب عام 2020 والسودان في 2020".
محطات حاسمة
عند الحديث عن العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية لا يمكن التغافل عن محطات حاسمة في مسارها، فشكلت "اتفاقية كامب ديفيد" بين تل أبيب والقاهرة في سبتمبر (أيلول) من عام 1978 منعرجاً في هذه العلاقات.
كما شكلت "اتفاقية أوسلو" عام 1994 إلى جانب تبلور مشروع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، حافزاً لدول أفريقية عدة للخروج من دائرة التردد وإقامة علاقات مع تل أبيب على رغم أن الرفض الشعبي لذلك كان كبيراً.
وعام 2014 حاول بنيامين نتنياهو إعطاء زخم جديد للعلاقات مع الأفارقة من خلال إنشاء اللوبي الإسرائيلي – الأفريقي في الكنيست، بالتزامن مع زيارة مثيرة للسياسي الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى أفريقيا شملت دول رواندا وساحل العاج وغانا وإثيوبيا وكينيا.
وقال ليبرمان آنذاك إن "أفريقيا هي غاية مهمة في السياسة الخارجية الإسرائيلية". وعام 2018، عندما طرحت الولايات المتحدة الأميركية مشروع قرار يستهدف إدانة حركة "حماس" في الأمم المتحدة صوتت لمصلحته ثماني دول أفريقية، فيما تغيبت أو امتنعت عن التصويت بقية دول القارة.
وعلى رغم مساعيه لتحقيق اختراق أكبر في أفريقيا، إلا أن اللوبي الإسرائيلي أخفق في تنظيم أول قمة أفريقية – إسرائيلية التي كان مقرراً عقدها عام 2017 في توغو.
أسلحة ناعمة
في محاولاتها لفك عزلتها الإقليمية مع العداء المستمر بينها وإيران وجماعات مثل "حزب الله" اللبناني وغيرهما، راهنت إسرائيل على أسلحة ناعمة مثل التجارة وتصدير السلاح من أجل التسلل إلى أفريقيا التي كانت تاريخياً محل أطماع كثير من القوى العالمية مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا وغيرها.
وعام 1996 أنشأت إسرائيل "غرفة التجارة الإسرائيلية – الأفريقية"، ورسمت لها هدفاً واضحاً ألا وهو تعزيز العلاقات مع دول أفريقيا جنوب الصحراء، وهي دول تئن تحت وطأة أزمات عدة على غرار الفوضى الأمنية والانهيار الاقتصادي.
وتعتبر إسرائيل من أوائل مصدري الأسلحة والمعدات الأمنية إلى أفريقيا، ففي حين بلغت صادراتها من هذه المواد عام 2019 نحو 7.5 مليار دولار أميركي، فإن نحو 400 مليون دولار منها كانت مخصصة لأفريقيا.
وتنفذ إسرائيل كذلك مشاريع للبنى التحتية والزراعة في أفريقيا، وعام 2000 أنجزت تل أبيب مشاريع في 10 مقاطعات متضررة من الجفاف في دولة أوغندا، فيما قدمت بين 2011 و2015 نحو 30 مليون يورو (نحو 33 مليون دولار) إلى السنغال من أجل الاستثمار في المناطق الفقيرة، مما يعكس تركيز الجهود الإسرائيلية في القارة السمراء.
وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية سلطان ألبان إن "الزراعة والتجارة والأمن والتكنولوجيا أبرز الأسلحة الناعمة التي تسخدمها إسرائيل لتعزيز علاقاتها في القارة الأفريقية".
وأوضح في تصريح خاص أن "إسرائيل بدأت خلال الأعوام الأخيرة بتوسيع دائرة وجودها في القارة وتعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية، مما يفسر ارتفاع سقف طموحهم للحصول على مقعد مراقب في الاتحاد الأفريقي، إذ قدمت إسرائيل طلباً رسمياً عام 2017 للحصول على ذلك ضمن مساعيها الحثيثة نحو أهدافها الاستراتيجية في القارة السمراء".
واستدرك المتحدث بالقول "لكن هذه الخطوة التوسعية تصطدم ببعض التحديات والعراقيل أبرزها الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والقضايا السياسية المتعلقة به لأن معظم الدول الأفريقية تناهض الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وحتى البلدان الحليفة لإسرائيل بعضها يرفض الهجوم المستمرعلى قطاع غزة".
وقال ألبان "بالتالي فإن الحضور المنحسر يزداد الآن انحساراً بفعل الحرب على غزة المستمرة منذ نحو عام، وهناك عامل آخر مهم وهو أن الدول الأفريقية التي فيها حضور كبير من المسلمين ترفض أي نوع من التعاون مع إسرائيل وتشهد من حين لآخر تظاهرات رافضة للسلام معها، مما يجعل مستقبل إسرائيل في القارة الأفريقية غامضاً في الأقل وسط الظروف الراهنة".