ملخص
يرى متخصصون أن "حزب الله" راهن على ضعف إسرائيل والتدخل الدولي لكنه وقع في فخ استنزاف طويل استمر 11 شهراً... فهل يتطور التصعيد إلى حرب شاملة؟
في وقت دخل فيه التصعيد بين "حزب الله" وإسرائيل مراحله القصوى وسط إخفاق المساعي الدولية في التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار، تزايدت التساؤلات حول ارتكاب الحزب خطأ استراتيجياً في الحسابات أوقعه في "فخ" الحرب التي بدت خلال الأشهر الماضية أنها غير متكافئة لمواجهة القدرات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية.
يجمع عدد من المحللين الاستراتيجيين على أن "حزب الله" قرر فتح جبهة "الإسناد" عقب معركة "طوفان الأقصى" خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 انطلاقاً من قاعدتين أساسيتين، الأولى أن إسرائيل في حال من الإرباك ولن تذهب إلى مواجهة مفتوحة معه، والثانية الرهان على التدخل الدولي للجم التصعيد في المنطقة خلال الأسابيع الأولى، بالتالي النتيجة ستكون تحصيل مكاسب إضافية في الداخل اللبناني وتحسين شروط إيران في مفاوضاتها الإقليمية والدولية.
إلا أن المفاجأة كانت بتمكن إسرائيل من جر "حزب الله" إلى معركة استنزاف طويلة استمرت 11 شهراً، تمكنت خلالها من قلب المعادلة في "غزة" والتحضير لمعركة "لبنان الثالثة" والتي أطلق عليها اسم "سهام الشمال"، والمفارقة بينت أن إسرائيل استغلت حرب "المساندة" لتمرير الوقت مع "حزب الله" لتركيز قدراتها العسكرية على قطاع "غزة" قبل نقل جهدها العسكري إلى الحدود الشمالية.
العمق الاستراتيجي
في السياق ذاته، يوضح المتخصص العسكري والاستراتيجي العميد إلياس حنا أن إسرائيل تستهدف بصورة ممنهجة قيادات "حزب الله" وبنيته العسكرية بالضاحية الجنوبية ومناطق نفوذه، في مقابل تركيز الحزب على استهداف المواقع العسكرية شمال إسرائيل ولا يزال يتجنب الحرب الشاملة.
وفي قراءة عسكرية للتصعيد المتواصل، يشير حنا إلى وجود نمط واضح في الاستهدافات الإسرائيلية. ويقول إن الهجمات تركزت في مناطق نفوذ "حزب الله" وتكشف عن ثغرة أمنية خطرة في صفوفه سهلت الاغتيالات التي طاولت قيادات بارزة، لافتاً إلى أن الاستهدافات بمناطق في البقاع الأوسط والغربي وكذلك منطقة الهرمل التي تعد جزءاً من العمق الاستراتيجي والبيئة الحاضنة لـ"حزب الله"، معتبراً أن إسرائيل تسعى بذلك إلى تقويض القدرات العسكرية واللوجيستية للحزب باستهداف قادة هذه الوحدات، كاشفاً عن أن البقاع يعد ممراً حيوياً لإمدادات الحزب ومعبراً للسلاح المقبل من سوريا.
وفيما يتعلق برد "حزب الله" يؤكد المتخصص العسكري والاستراتيجي أن الحزب يحاول الحفاظ على توازن دقيق في رده، فقد ركز على استهداف المواقع العسكرية الإسرائيلية مثل القاعدة البحرية في حيفا، والتي تعد هدفاً عسكرياً مهماً، واستُهدفت مواقع عسكرية أخرى في شمال إسرائيل، بما في ذلك مركز القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي.
ويرى أن هذا النمط من الاستهدافات المتبادلة قد يستمر لفترة طويلة مع سعي كل طرف لإنهاك الآخر من دون الانزلاق إلى حرب شاملة، فإسرائيل تسعى من خلال حملتها الجوية إلى إضعاف قدرات الحزب وإجباره على الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، بينما يحاول "حزب الله" الحفاظ على قدراته الردعية وإثبات قدرته على الرد.
حرب فيتنام؟
وخلال وقت تلوح إسرائيل بإمكانية شن هجوم بري وإقامة شريط حدودي بعمق يراوح بين 15 و20 كيلومتراً وعرض 100 كيلومتر والعودة إلى واقع ما قبل انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 حال فشل المساعي الدبلوماسية، يشير الإعلامي المقرب من "حزب الله" فيصل عبدالساتر إلى أن هكذا خطوة ستكون "مقبرة" للإسرائيليين، وبخاصة أن الحزب متجذر في تلك الأرض ويتحكم بجغرافيتها إضافة إلى خبرته في حرب العصابات.
وبدوره يشير مصدر مقرب من "حزب الله" إلى أن الحزب استفاد من الأعوام الماضية في إعداد دفاعاته وتحصين مواقعه تحت الأرض وفوقها، مما يجعل أية عملية برية إسرائيلية مكلفة للغاية، خصوصاً أنه أجرى مناورات "هجمات الكر والفر"، مما يحول الصراع إلى مستنقع شبيه بما حصل مع الجيش الأميركي في حرب فيتنام.
ولفت المصدر إلى أن مقاتلي "حزب الله" اكتسبوا خبرة أكبر من القتال خلال الحرب في سوريا، إذ قاتلوا إلى جانب القوات الروسية والإيرانية وتعلموا تقنيات القتال للجيوش التقليدية، كاشفاً عن أنه في حرب 2006 تمكن "حزب الله" من إنشاء موقع إطلاق النار والاختباء في أقل من 30 ثانية، بالاعتماد على معدات مسبقة التمركز وملاجئ تحت الأرض ودراجات نارية جبلية.
الاختراق الإسرائيلي
وفي رأي المتخصص العسكري والاستراتيجي اللواء ركن المتقاعد محمد الصمادي فإن المعركة الحالية قد تكون طويلة، معتبراً استراتيجية "حزب الله" الحالية خاطئة، إذ تستغل إسرائيل عمليات إطلاق الصواريخ عليها لكي ترسل رسالة لحلفائها مفادها أنها ضحية لطلب مزيد من الدعم السياسي والعسكري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى تخفيف القدرات القتالية لـ"حزب الله" على مراحل، مضيفاً "ستسمح هذه الوتيرة لإسرائيل بزيادة عمليات الاغتيال وتدمير البنية التحتية"، لافتاً إلى أنه كان على الحزب استخدام كامل قدراته، إلا أن الخرق الاستخباري الإسرائيلي في منظومة القيادة والسيطرة والاتصالات ربما يكون السبب في محاولة تجنب الحرب الشاملة، وإن الحملة الجوية الإسرائيلية المكثفة قد تمهد لاحقاً لعملية برية بالعمق اللبناني.
صاروخ "نينجا"
مع كل تطور لتصاعد المواجهة يدخل إلى ميدان المعركة سلاح جيد، وكأن لبنان بات ساحة لاختبار أنواع جديدة من الأسلحة وأساليب حديثة للقتال، إذ أدخلت إسرائيل سلاحاً جديداً لتنفيذ الاغتيالات تمثل في صاروخ موجه يحمل شيفرات حادة يعرف باسم صاروخ "نينجا"، تزامناً مع محاولة اغتيال أخرى لقيادي في "حزب الله" بالضاحية الجنوبية لبيروت بصواريخ تكتيكية.
ووفق مصدر أمني لبناني، فإن هذا الصاروخ استخدم للمرة الأولى وهو صاروخ "أي جي أم"، مما يؤدي إلى إصابة المستهدف بجروح بليغة تؤدي إلى الوفاة وإلى بتر أعضاء.
ويعرف عن الصاروخ أنه من المجموعة التي لا تحوي متفجرات بل مزود بشيفرات حادة تنفتح عند الاصطدام بالهدف، ما يتسبب في إصابات بالغة للهدف من دون إلحاق أضرار كبيرة بالمحيط، ويمكنه اختراق السيارات والمباني.
انحسار الدور الإيراني
وفتحت تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حول التقارب مع أميركا والغرب تزامناً مع تنصلها من الحرب الإقليمية وعدم الرد على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، التساؤلات حول إمكانية وجود صفقة إقليمية على حساب الميليشيات الموالية لها ومن ضمنها "حزب الله".
وفي رأي الكاتب السياسي طوني عيسى هناك خلل معين داخل "الحلف المقدس" الذي تقوده إيران لم يكن متوقعاً، خصوصاً في هذا التوقيت الصعب. وقد عبر عنه "حزب الله" وحلفاؤه وجمهوره بحملات تخوين شرسة وغير مسبوقة لإيران ومسؤوليها، ذكرتهم بفضل الحزب على إيران في خدمة أهدافها من سوريا والعراق إلى غزة واليمن وسواهما.
ولفت إلى أن إيران بلا "أذرعها" تعود دولة عادية على الطرف الشرقي للشرق الأوسط و"الحزب" بلا إيران يأخذ حجماً طبيعياً كأي حزب لبناني آخر، مشيراً إلى أن إيران خسرت "حماس" في غزة وكذلك خسرت بشار الأسد جزئياً بلجوئه إلى أحضان موسكو، وفي العراق تراجع نفوذ حلفائها لمصلحة رغبتهم في التعايش مع القوى الأخرى، أما في اليمن فباتت إيران محشورة بسبب تفاهماتها مع السعودية ودول الخليج العربي، في وقت خسارتها "حزب الله" في لبنان سيؤدي إلى انحسار نفوذها الإقليمي الذي قاتلت طويلاً للحفاظ عليه بما أوتيت من قوة.
ويبدو أن هذا التراجع الإقليمي ينطلق من قراءة المعطيات الدولية المتغيرة، إذ تيقنت إيران من عجزها عن مواجهة الضغوط المتصاعدة الهادفة إلى إسقاطها، فاختارت أن تنحني للعاصفة مرحلياً بمسايرة الولايات المتحدة والإيحاء باستعدادها لإحياء اتفاق فيينا 2015 وفقاً لشروطها، أي بالتخلي عن طموحاتها الإقليمية والهرب من مساعي إسرائيل الراغبة في شن ضربات تؤدي إلى تدمير منظومة طهران النووية وإضعاف النظام.