ملخص
في عام 2006 تعرض لبنان لهجمات إسرائيلية استمرت 33 يوماً. والبلاد تعيش اليوم كابوس الدمار، وتزداد المخاوف لناحية عدم القدرة على التعافي من نكبة حرب جديدة.
ما زال كابوس حرب يوليو (تموز) 2006 ماثلاً في الذاكرة اللبنانية، واستمرت هذه الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" 33 يوماً، وخلفت ما لا يقل عن 1200 قتيل ونحو 440 مصاباً، فضلاً عن خسائر فادحة في الاقتصاد اللبناني.
وبعد مرور 18 عاماً على هذه الحرب، ثمة تخوف أكبر من اتساع رقعة الهجمات لتشمل مناطق كانت حتى الأمس القريب تصنف بأنها آمنة في كسروان وجبيل (جبل لبنان)، والطريق الساحلي بين بيروت والجنوب.
المرافق في خطر
ويستعيد اللبناني في معرض متابعته لما يجري اليوم، قائمة الأحداث الرئيسة في حرب عام 2006، عندما استهدفت الغارات الإسرائيلية البنى التحتية، وتحديداً الجسور على نطاق واسع، إذ قطعت صلة الوصل بين عدد من المناطق اللبنانية وسوريا. ومن أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، وصولاً إلى البقاع دمرت إسرائيل 91 جسراً من الجسور الأساس، أبرزها جسر "المديرج" الذي يصل بيروت والبقاع بالمعابر السورية، إلى جسر "كازينو لبنان" الحيوي الذي يصل الشمال وجبيل كسروان وبيروت، وصولاً إلى جسر "الأولي" الرابط بين العاصمة والجنوب، وغيرها من الطرقات ونقاط العبور التي تربط الجنوب اللبناني بباقي المحافظات.
واستهدف قطاع الاتصالات وهوائيات الإرسال في أكثر من منطقة. ففي الشمال التي شكلت جزءاً من المنطقة الآمنة التي آوت النازحين، شن الطيران الإسرائيلي غارات على جبل تربل، إذ أعمدة إرسال البث التلفزيوني والإذاعي وخطوط الاتصال الأساس. كما هاجم الطيران مدرج مطار بيروت، ومحطات رادار تابعة للجيش اللبناني، ومخازن تجميع الفيول والنفط ومحطات إنتاج كهربائية وكهرومائية، وخطوط التوتر العالي، وشبكات الصرف الصحي وأنابيب المياه والري.
ووفق دراسة قامت بها "هيومن رايتس ووتش" عقب حرب 2006، نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية نحو 7000 غارة بالقنابل والصواريخ إلى جانب جولات القصف المدفعي والبحري. ولم تقتصر الهجمات على البنى التحتية، وإنما استهدفت عدداً كبيراً من منازل مدنيين في "حزب الله"، ومؤسسات مدنية كالمدارس والمؤسسات الخيرية. كما استخدمت بكثافة الذخائر العنقودية وخلف الإسرائيليون ما يقدر بمليون قذيفة عنقودية صغيرة، في الحقول والبساتين وعشرات البلدات والقرى.
وألحقت حرب يوليو دماراً هائلاً بالمساكن، وتضرر نحو 345 قرية وبلدة من الهجمات حسب رئاسة مجلس الوزراء، كما تدمر 17853 منزلاً بالكامل، و2686 منزلاً تدميراً جزئياً، كما لحق الأذى بقرابة 110 آلاف وحدة سكنية أخرى، أي ما مجموعه 130523 وحدة في مختلف المناطق اللبنانية. وتعرضت للتلف قرابة مليون شجرة، ومساحات كبيرة من الأشجار المثمرة الأخرى.
وأدت تلك الحرب إلى خسائر اقتصادية هائلة، تفوق قدرة لبنان على الاحتمال، وقدرت بـ7 مليارات دولار أميركي، منها 3.6 مليار نتيجة تدمير البنية التحتية، و1.6 مليار دولار خسائر في المالية العامة، و2.4 مليار دولار طاولت الناتج المحلي. وأسهم أصدقاء لبنان، وفي مقدمهم الدول الخليجية في تخفيف تلك الأعباء، وقدموا نحو 1.174 مليار دولار، في أعقاب الحرب، لبدء عملية إعادة بناء ما دمر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كابوس يتكرر
حتى الساعة لم تدخل البنى التحتية ومؤسسات الدولة الرسمية المدنية والعسكرية في دائرة الاستهداف والهجمات الإسرائيلية. إلا أن هذا الافتراض لا يمكن الركون إليه في ضوء التجارب السابقة، وزيادة حدة الاعتداءات التي يمكن أن تتسع، لتشمل ما تبقى من بنى تحتية في البلاد التي تعاني جراء الانهيار المالي والاقتصادي المتسارع منذ خمس سنوات. وقال الباحث في العلوم العسكرية العميد الركن هشام جابر "يجب ألا نطمئن، لأن لا ضمانات دولية وإسرائيلية لعدم استهداف المؤسسات الرسمية والبنى التحتية اللبنانية بمختلف صورها، سواء كانت جسوراً أو مؤسسات رسمية، ووزارات"، مضيفاً "أبلغ مسؤولون أميركيون الحكومة اللبنانية بأنهم لا يضمنون عدم تعرض إدارات رسمية لهجمات، وهذا يشي بعدم وجود خطوط حمراء"، رافضاً التشخيص القائل إن "الهجمات الحالية هي دون مستوى عدائية حرب 2006، لأننا شهدنا قصفاً وحشياً خلال الساعات الـ48 الماضية لم نشهده خلال عشرات السنوات". وتابع جابر، "تنتهج إسرائيل استراتيجية جديدة تعتمد القتال من بعد، لتجنب الصدام المباشر الذي يتسبب بخسائر كبيرة لها". من هنا، رجح العميد جابر "الاعتماد على اختراقات برية يسبقها غطاء جوي، من خلال دخول مناطق محددة لمدة يوم أو يومين، وعدم اللجوء إلى اجتياح بري واسع". وتخوف جابر في الوقت عينه من تكرار سيناريو غزة، "في ظل غياب الرادع والغطاء الأميركي والدولي، الذي يعتمد التدمير، والاغتيالات، وقتل المدنيين، على حساب تحقيق الإنجازات العسكرية الكبرى".
ونبه جابر من "بلوغ الهجمات الإسرائيلية مناطق جديدة لاستهداف بيئة المقاومة (حزب الله) والسكان المحليين، من خلال شن غارات على أقضية مسيحية، مما لم يحصل عام 2006". ولفت جابر إلى أن قوة "حزب الله" هي في القتال على الأرض وحرب العصابات البرية، ولا بد من استغلال ذلك، "واستدراجهم إلى جغرافية جنوب لبنان، واستخدام الصواريخ الدقيقة". وقال أيضاً، "لبنان حالياً في قلب الحرب الواسعة، ولم ينزلق بعد إلى الحرب الشاملة التي يمكن أن تؤدي إلى دمار المنطقة بأكملها، ومشاركة مختلف القوى، وصولاً إلى تورط الأميركي والإيراني فيها".
الإعمار ضحية الإفلاس
وتتصاعد التساؤلات حول قدرة لبنان على إطلاق عملية الإعمار في أعقاب انتهاء الحرب الحالية، تمهيداً لإعادة النازحين الذين قارب عددهم النصف مليون نسمة حسب وزير الخارجية اللبنانية عبدالله بو حبيب.
وأعربت الباحثة في الشأن العسكري أغناس الحلو عن خشيتها من عدم قدرة لبنان وحده على إعادة الإعمار في ظل الظروف الراهنة، مشيرة إلى "فارق كبير على مستوى علاقة لبنان بأشقائه العرب، والمجتمع الدولي، من خلال الاحتضان في أعقاب حرب يوليو 2006".
من جهته لفت المتخصص في إدارة الأزمات ألفريد رياشي إلى تركيز الهجمات الإسرائيلية على الشخصيات المستهدفة من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، "لذلك فإن الاغتيالات لقيادات الصف الأول والعناصر الفعالة من خلال هجمات جوية تتصدر قائمة الاهتمامات، والتركيز على خطوط الدعم الأمنية والعسكرية، وعدم اللجوء إلى عمليات تستفز مختلف الشرائح الشعبية اللبنانية وازدياد منسوب النقمة على الإسرائيلي"، متحدثاً عن "استغلال تراجع شعبية (حزب الله) بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، والتحالف مع النظام السوري، وما تبعها من أحداث، وتدهور العلاقة مع الحلفاء المسيحيين، ناهيك إلى تراجع الغطاء العربي والدولي، والامتناع عن الاستثمار في لبنان". وتابع رياشي "قد يتأخر الجيش الإسرائيلي في خوض هجوم بري لتثبيت مكاسب، طالما هو قادر على تحقيق مكاسب من خلال أدواته الجدية، التي أفقدت الحزب، خلال أسبوع، جزءاً كبيراً من قدراته"، قائلاً "خلال أسبوع واحد ألحقت الهجمات الحالية، ما لم تتمكن من إحداثه حرب 33 يوماً في عام 2006".
وأشار رياشي إلى اتساع الهجمات الجوية الإسرائيلية إلى "مناطق شهدت انفلاشاً عسكرياً لـ(حزب الله) داخل المكونات والبيئة المتعاونة من الطوائف الأخرى". واستبعد موافقة الجانب الإسرائيلي على هدنة طويلة، و"قد تكون لأيام قليلة لضرورة المفاوضات، وتقييم الأوضاع الميدانية، وكذلك هناك موقف رافض في أوساط (حزب الله) للمفاوضات والعروض التي لا تتوافق مع الشروط المعلنة منذ بداية الحرب".
عودة مشروطة
وفي ما خص أزمة النازحين لفت رياشي إلى صعوبة لوجيستية لعودتهم بسبب حجم الدمار الكبير، وغياب الحاضنة الدولية التي بادرت تاريخياً للمساعدة، متسائلاً عن "قدرة الدولة اللبنانية المفلسة على إعادة النازحين والإعمار في ظل غياب الهبات العربية السخية". وطالب رياشي بالمبادرة لمساعدة واحتضان النازحين في المناطق الآمنة. وختم بأن "الإسرائيلي لن يسمح بعودة النازحين قبل عودة سكان الشمال إلى الجليل".