ملخص
بحسب تقديرات المحللين، فإن الذكاء الاصطناعي بحاجاته الهائلة من الطاقة لمراكز البيانات يضغط بشدة على شبكة الكهرباء في الولايات المتحدة
على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي جرت مناقشات ضمن "أسبوع مدينة نيويورك للمناخ" لم يكن الجدل السائد فيها حول الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم كالعادة، بل كان الخطر الذي يهدد بعدم تحقيق أهداف مكافحة التغيرات المناخية يأتي من شركات التكنولوجيا الكبرى، بخاصة التي تعمل على تطوير الذكاء الاصطناعي، ومن عدم كفاية مصادر الطاقة المتجددة لتغذية شبكة الكهرباء الأميركية.
بحسب تقديرات المحللين، فإن الذكاء الاصطناعي بحاجاته الهائلة من الطاقة لمراكز البيانات يضغط بشدة على شبكة الكهرباء في الولايات المتحدة، التي تعاني أصلاً، بما يهدد قدرة أميركا على تحقيق أهداف مكافحة التغيرات المناخية التي تعهدتها. وقدر هؤلاء زيادة غير مسبوقة في الطلب على الطاقة نتيجة كميات الطاقة المضاعفة التي تستهلكها مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي وتباطؤ مشروعات الطاقة المتجددة أكثر من المتوقع وما تطلبه من وقت لربطها بشبكة الكهرباء.
وعدل غالب المحللين سيناريوهات خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة نتيجة العوامل السابقة، إضافة إلى تمديد فترات عمل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم عن المواعيد التي كانت محددة سلفاً في إطار التزامات خفض الانبعاثات.
وهكذا تركزت مناقشات أسبوع المناخ ليس على شركات النفط والغاز إنما على شركات التكنولوجيا الكبرى باعتبارها مسؤولة عن الإخفاق في تقليل الانبعاثات وتحقيق الأهداف المناخية، ليس في أميركا فقط، بل في العالم كله تقريباً.
شره الذكاء الاصطناعي
على رغم أن بعض شركات التكنولوجيا الكبرى لديها مشروعات للحصول على الطاقة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي من مصادر متجددة، سواء باستثماراتها هي أو بالتعاقد مع موردين ينتجون طاقة نظيفة، فإن كميات الكهرباء التي تستهلكها من الشبكة العام تتزايد بصورة هائلة وصفه البعض بأنه "شره الطاقة للذكاء الاصطناعي"، بحسب ما نقلت صحيفة "فايننشال تايمز".
حذر التقرير الأخير لمؤسسة "بلومبيرغ لتمويل الطاقة الجديدة" الصادر هذا الأسبوع من تباطؤ التقدم الأميركي على طريق خفض انبعاثات الكربون متوقعاً أن تنخفض الانبعاثات بنسبة 34 في المئة فقط بحلول عام 2030 عن مستوياتها عام 2005. بينما التقديرات الرسمية الأميركية كانت بخفض الانبعاثات بنسبة ما بين 50 و52 في المئة عن مستوياتها عام 2005 بحلول عام 2030، والوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050، ضمن التزامات الولايات المتحدة بأهداف اتفاق باريس للمناخ.
تقول كبيرة محللي الطاقة في مؤسسة "بلومبيرغ لتمويل الطاقة الجديدة" للأبحاث تارا يارانايان إن ذلك الوضع بالنسبة إلى تحقيق أهداف المناخ الأميركية "ليس جيداً على الإطلاق"، وتعد الزيادة في الطلب من الذكاء الاصطناعي على الكهرباء "سبب اضطراب كبيراً" في جانب العرض.
يضاف إلى طلب الذكاء الاصطناعي المتزايد على الطاقة مشكلات البنية التحتية للشبكات، ليس في الولايات المتحدة فقط إنما في العالم كله تقريباً، وعلى سبيل المثال تعتزم الصين إنفاق 800 مليار دولار من الاستثمارات في السنوات الست المقبلة للتغلب على مشكلات نظام الطاقة لديها في إطار تحولها السريع من توليد الطاقة بالفحم إلى المصادر المتجددة.
الشبكات والطاقة المتجددة
ظل الطلب على الطاقة في الولايات المتحدة شبه ثابت مدة عقدين من الزمن، أما التوقعات الآن فهي بزيادته بنسبة 9 في المئة بحلول عام 2028، كما تقدر مجموعة "آي سي أف" الاستشارية التي تتوقع زيادة الطلب على الطاقة في أميركا بحلول عام 2033 بنسبة 20 في المئة، وترجع ذلك إلى زيادة الطلب من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وكذلك نقل الصناعات التي كانت بالخارج إلى أميركا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توقع معهد أبحاث الطاقة الكهربائية هذا العام أن يتضاعف نصيب مراكز البيانات من استهلاك الكهرباء في السنوات المقبلة حتى نهاية هذا العقد، فإن وزيرة الطاقة الأميركية جنيفر غرانهولم قالت في مقابلة مع "فايننشال تايمز" إنها تعتقد أن بإمكان أميركا تحقيق هدف صفر انبعاثات في وقت تلبي فيه الطلب الهائل والمتزايد على الطاقة. وأشارت إلى ما جرى تخصيصه في قانون خفض التضخم من الدعم للطاقة الخضراء بقيمة 370 مليار دولار.
إلا أن الشركات التي تعمل على تطوير مشروعات الطاقة المتجددة ترى أن إنتاج ما يكفي منها لتلبية الزيادة في الطلب صعب في ظل احتياجها خمس سنوات كي تصبح فاعلة نتيجة التأخير في الإجراءات وفي وصل إنتاجها بالشبكة.
وأدت زيادة الطلب على الطاقة، بخاصة من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، إلى تأخير وقف العمل في محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم التي كان مقرراً خروجها من الخدمة. وعدلت شركة "غلوبال كومودتي إنسايتس" التابعة لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" توقعاتها لبقاء نسبة 40 في المئة من محطات الطاقة العاملة بالفحم بنهاية العقد الحالي، حتى مع زيادة الإنتاج من مصادر متجددة.
وعلى رغم أن الولايات المتحدة زادت إنتاجها من الطاقة المتجددة فإن الزيادة الهائلة في الطلب على الكهرباء لن تبقي فقط على محطات الطاقة العاملة بالفحم فحسب، بل إن غالب محطات الطاقة العاملة بالغاز ستستمر لسنوات طويلة، كما أن زيادة توليد الكهرباء بمحطات تعمل بالطاقة النووية هو الآن محط اهتمام الشركات الأميركية.