Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل استوحى أورويل رواية "1984" من ألكسندر تشايانوف؟

البطل الروسي استيقظ في العام نفسه ليعاين الواقع الشيوعي الذي طرأ على بلاده

الكاتب الروسي ألكسندر تشايانوف (مواقع التواصل)

ملخص

في رواية الكاتب الروسي ألكسندر تشايانوف(1888-1937) "رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين" التي صدرت ترجمتها العربية حديثا،ً يستيقظ البطل أليكسي فاسيليفيتش كرمينيف صاحب الرقم المهني "34713"، عام 1984 بعد 60 سنة من النوم، في بلاده روسيا، ليعاين الواقع الشيوعي الذي آلت إليه البلاد. اعتبر نقاد كثر أن البريطاني الشهر جورج أورويل استوحى منها روايته "1984".

لقد صح أن الثورات والانقلابات الفكرية في العالم الحديث يمكن أن تقتل أبناءها، ولنا أمثلة كثيرة على ذلك، منها الثورة الفرنسية (روبسييير، وغيره) أواخر القرن الـ18، والثورة الروسية البلشفية، والثورة الصينية (لا تُحصى أسماؤهم) مطلع القرن الـ20، وما نجم عنها من قتل عشرات الآلاف من المفكرين والكتاب والشعراء والفنانين والأكاديميين، لمجرد تهديدهم سلطة بعض الأفراد، أو مخالفتهم أيديولوجيا منحرفة عن مسارها الطوباوي المثالي. ومن هؤلاء المفكر الاقتصادي والأديب والعالم ألكسندر تشايانوف الروسي الذي صدرت ترجمة عربية لروايته القصيرة تحت عنوان "رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين"، عن دار "أوكسيجين" (2024) ونقلها من الروسية إلى العربية الكاتب العماني أحمد م. الرحبي.

من هو تشايانوف؟

هو ألكسندر فاسيليفيتش تشايانوف (1888-1937) المفكر الاقتصادي الروسي (السوفياتي) ذو الـ40 عملاً، ومبتكر المصطلحات الآتية: العمل الجماعي، والتعاونيات الزراعية، والاقتصاد الأخلاقي، والأمن الغذائي، وغيرها. إلى ذلك، كان لتشايانوف إسهامات "في الفن والأدب والدراما" بحسب ما ورد في المقدمة التي أعدها المترجم أحمد م. الرحبي. ولئن كان مواكباً التحولات السياسية في بلاده روسيا، لا سيما تولي الحزب الشيوعي زمام السلطة، وقيام الاتحاد السوفياتي على أساس الفكر الماركسي- اللينيني، فإنه كثيراً ما أبدى معارضته للتسليم بأولية طبقة العمال (البروليتاريا) في بنيان المجتمع السوفياتي الروسي، من دون أن يغفل الإشارة إلى الطابع الفلاحي لبلاده، وبعض السمات الثقافية الناجمة عن العقيدة الأرثوذكسية المتجذرة في نفوس الناس، التي تعصى على الانقلاب السياسي. ولهذا وغيره اتهم تشايانوف وغيره من المفكرين الروس "بالشعبوية الجديدة" لدفاعه عن الملكية الخاصة، وهي رؤية نفصلها لاحقاً، لدى الكلام على أبعاد النوفيلا التي بين أيدينا، وصولاً إلى اعتقاله بدعوى كونه عدواً للشعب، وسجنه سبع سنوات وإعدامه عام 1937.

ومفاد الحبكة أن البطل الرئيس فيها، "صاحب الرقم المهني، والمدعو في العالم البورجوازي أليكسي فاسيليفيتش كرمينيف "34713" يستيقظ، بعد 60 عاماً من النوم، عام 1984، في بلاده روسيا، ليعاين التحولات التي آلت إليها البلاد، ورسمت لها سبيل التقدم والازدهار على غرار البلدان الأوروبية، بعد أن عرفت الاشتراكية وجعلتها نظاماً لها. وقد رافقت شارلي مان، وهو اسم كريمينيف الآخر إلى بلاد اليوتوبيا الفلاحية امرأة موسكوفية، ولازمته مراجع كبرى، مثل "الشيوعية المثالية" لريزانوف، و"ممارسة الاشتراكية" لمؤلفه شير.

 

 

ولسوف يكتشف كريمينيف أو السيد شارلي مان، على التوالي، كيف دمرت العشرات من ناطحات السحاب في موسكو، وجعلت الساحة المركزية في المدينة كائناً اجتماعياً. كما خصصت بيوت للفلاحين، وزرعت أشجار التوت في ما بينها، وصار التخلي عن التقسيم القديم بين الريف والمدينة. وفيما جرت أحداث وتحولات حاسمة في أوروبا، بحسب ما يتعرف كريمينيف من كتب التاريخ لذاك العام (1984) منها أن وحدة النظام الاشتراكي العالمي لم تدم طويلاً، وأن شخصاً فرنسياً يدعى جوستاف هرفيه قام بثورة اجتماعية في فرنسا، وأسس أوليغارشية من العمال السوفيات الملتزمين، وأن النظام السوفياتي فشل في تحويل الفلاحين إلى الشيوعية.

 

 

وبموجز العبارة، لم تتشكل النوفيلا من سلسلة أحداث متعاقبة أو مطردة وفقاً لما هو متداول في بنية القصة، وإنما تقوم بنيتها على حدث أوحد غير مألوف، وغير منطقي، وهو قفز البطل كريمينيف عبر زمن الكتابة الواقعي (في ثلاثينيات القرن الـ20) إلى منتصف الثمانينيات من القرن نفسه، واستعراض كل التحولات المتخيلة والمنسجمة مع رؤية الكاتب المفكر ألكسندر تشايانوف.

أبعاد رؤية تشايانوف

قبل الخوض في رؤية تشايانوف نشير إلى المصادفة الغريبة، وهي تماثل تاريخ 1984، عنده مع رواية جورج أورويل الكاتب البريطاني ذات العنوان "1984" التي أنجزها عام 1949، قبل عام من وفاته (1950)، وهي رواية ديستوبية عن مناخ الدولة الشمولية (التوتاليتارية) التي تسخر الناس والقوانين لسلطتها. وقد يكون تاريخ يقظة البطل كريمينيف، عام 1984، في رواية تشايانوف الطوباوية، أوحى للكاتب أورويل بكتابة رواية ديستوبية معارضة للأولى، مستندة إلى التاريخ نفسه، علامة للتماثل والافتراق في آن معاً.

وأياً يكن الأمر، وبعيداً من الحبكة الضعيفة أو البسيطة التي تشكلت منها رواية "رحلة أخي ألكسي في يوتوبيا الفلاحين"، فهي تحمل في خطابها الضمني، عدداً من الأبعاد الفكرية والاقتصادية والسياسية التي يسعنا اعتبارها أسساً في رؤية تشايانوف. ومن تلك الأبعاد، اعتباره الثقافة والفنون والفلسفة والرياضة معايير أساسية في بناء المدينة بل المدن المندمجة بالريف، والمتصالحة معه. وهذا بخلاف التقسيم التقليدي والحاد الذي كان لا يزال قائماً، إلى حينه، في الثلث الأول من ثلاثينيات القرن الـ20، بين المدينة والريف في موسكو، وفي سائر المدن الغربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن الأبعاد أيضاً أن يكون ثمة إطار بيئي رائق وهني في المدينة المريفة، على الطراز التشايانوفي. على أن تداخلها نكهة أرثوذكسية تتمثل في الالتفات إلى فن الأيقونات الذي تتقنه مدينة نوفغورود، وغيرها. وهذه جميعاً كان البطل كريمينيف، الناطق بلسان الكاتب تشايانوف، قد عاينها على أبهى صورة، في موسكو عام 1984، أي على ما تخيلها أن تكون في المستقبل البعيد. وهذا ما يتنافى مع الصورة الواقعية التي صارت إليها المعتقدات الدينية المحظورة، الأرثوذكسية منها وغيرها، بأوامر من السلطات السوفياتية الملحدة، في حينه. وفي الأمر إقرار من الكاتب بمكانة الدين في نفوس المواطنين الروس، وما يتبعه من تقاليد وعادات وطقوس وظواهر فنية، مثل الأيقونات التي سبق الكلام عليها.

الحكومة الفلاحية

ومن أبرز الأبعاد في رؤية تشايانوف، تصويره الحكم في البلاد الروسية عام 1984 تولته الحكومة الفلاحية بعد ثورة عام 1930 المظفرة -والمتخيلة- التي قام بها دعاة العودة إلى روسيا الفلاحية، وحققت عديداً من المكاسب التي كانت الحكومات العمالية سعت إلى تجنبها لدواع أيديولوجية، ومن تلك المكاسب، على ما ورد بلسان ألكسي ألكسندروفيتش مينين المفكر الروسي لدى استقباله مستر شارلي مان أو كريمينيف، زيادة تحفيز الفلاحين على العمل والإبداع فيه، بإنشاء التعاونيات الزراعية، وتمكينهم من التملك، وتنظيم الحياة الاجتماعية للجماهير العريضة، وتجسيد "القيم الثقافية والروحية" في نفوس أفرادها، واعتماد سياسة ضرائبية متدرجة وغير مباشرة في معظمها، وإشاعة جو من المنافسة المشروعة بين الفلاحين لحثهم على مزيد من الإبداعية، بخلاف ما عليه فكر الاشتراكية "التي ولدت خلف جدران المصانع الرأسمالية الألمانية وأنضجتها نفسية البروليتاريا الحضرية المنهكة من أعمال السخرة، جيلاً بعد جيل، منكرة عن نفسها أي عمل وفكر إبداعي فردي" (ص:55).

الحب والثقافة والفن

لا تكتمل رسالة تشايانوف، بل رؤيته الفكرية التي حملها في روايته القصيرة (النوفيلا) إلا بثلاثة عناصر تضمن رقي الفرد، على ما بينه الكاتب، إذ جعل بطله كريمينيف يخوض مغامرة ريفية، ستكون الأخيرة، أفضت به إلى حب فتاة تدعى كاترينا، في أجواء رومنطيقية وطبيعية رائقة، كانت مشرفة على معرض للفنون الجميلة في إحدى القرى.

 

 

فتبين له "أن الفنون الجميلة قد أصبحت راسخة في حياة الفلاحين اليومية، وأنها تستقبل بوعي ممرن". (ص:66) ولا بأس عندئذ، من خلطة فولكلورية روسية رائقة، بين الموسيقى، والطبخ المحلي، والأغاني، والطقوس الاحتفالية الأرثوذكسية، "بعد استراحة، ووفقاً للعادات الأرثوذكسية بعد الغداء، جر الشباب كريمينيف على أكوام التبن واقتادوه إلى سوق في بيلايا كولب" (ص:64)

نهاية ديستوبية

غير أن كريمينيف، وبينما كان لا يزال يستعرض المتاحف في موسكو، ويصف مواقع الترفيه فيها، ويستكشف 4500 من محطات الطاقة المغناطيسية التي يسعها التحكم بالمناخ، تنبهت كاترينا، معشوقته إلى أنه ليس شخصية أميركية تسمى شارلي مان، وأن "نطقه الضعيف للغة الإنجليزية ونقاء لغته الروسية" يعززان الاعتقاد أنه روسي، وأنه ينتمي إلى تيار باطني شبه علمي، وأن السلطات يمكن أن تعتقله بهذه الحجة. وبالفعل، لم تكد تنهي كاترينا كلامها حتى اعتقل كريمينيف بدعوى التكتم على هويته الروسية الحقيقية، واحتجز موقتاً في "فندق الزوار والوافدين من ريازان"، وتم استجوابه في "قاعة الحفلات الموسيقية في الفندق، التي تم تحويلها إلى سجن" (ص:88).

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة