Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غضب جزائري جديد على عتبات باريس

"الخارجية" تستدعي السفير الفرنسي احتجاجاً على التمييز ضد مواطنيها في مطاري "شارل ديغول" و"أورلي"

هي واحدة من أسوأ فترات العلاقات الجزائرية – الفرنسية على رغم تعقيداتها جراء الماضي المشترك (أ ف ب)

ملخص

طلبت الجزائر من السفير الفرنسي إبلاغ حكومته بضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لوضع حد، وبصورة عاجلة، لهذه التصرفات والممارسات غير المقبولة التي تهين سمعة الحكومة الفرنسية في المقام الأول والأخير.

يبدو أن العلاقات الجزائرية- الفرنسية تأبى الهدوء بعد أن تطورت الأمور إلى إقحام المواطنين في التوتر الحاصل بين البلدين عبر "معاملات استفزازية تعرض لها بعضهم في مطارات باريس" وما تبعها من استدعاء الجزائر للسفير الفرنسي احتجاجاً.

وقالت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان إن الجزائر تسجل بقلق بالغ شهادات متطابقة لعدد من المواطنين حول المعاملة الاستفزازية والمهينة والتمييزية التي يتعرضون لها من قبل شرطة الحدود في مطاري "رواسي- شارل ديغول" و"أورلي".

وأوضحت أنه على أثر التأكد من صحة هذه المعلومات، ترفض الجزائر رفضاً قاطعاً أي مساس، مهما كان نوعه أو شكله، بكرامة مواطنيها أو استخدامهم كأداة للضغط أو الاستفزاز أو الابتزاز ضد بلدهم.

وطلبت الجزائر على لسان كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلف الجالية الوطنية في الخارج سفيان شايب، من السفير الفرنسي إبلاغ حكومته بضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لوضع حد، وبصورة عاجلة، لهذه التصرفات والممارسات غير المقبولة التي تهين سمعة الحكومة الفرنسية في المقام الأول والأخير.

في المقابل، أوردت وزارة الخارجية الفرنسية أن "إجراءات فحص الركاب عند مراقبة الحدود لا تخضع لأي تمييز في ما يتعلق بمنشأ الرحلات أو جنسية الركاب"، وأكدت نائبة المتحدث الرسمي باسم الوزارة جوزيفا بوغنون، أن "الوقائع المقدمة خلال استدعاء سفيرنا إلى الجزائر ستخضع للتحقق المعتاد". 

 

وأعادت المتحدثة التذكير بما سبق أن أعلن عنه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، حين قال إن "لا مصلحة لفرنسا ولا الجزائر في استمرار التوتر بين البلدين الجارين". 

ضغط وانتقام

وهذه ليست المرة الأولى التي تستدعي فيها الجزائر السفير الفرنسي لديها، إذ عرفت الأعوام الأخيرة محطات توتر عدة بين البلدين بلغت حد تبادل التصريحات والوعيد بين المسؤولين السامين في واحدة من أسوأ فترات العلاقات الجزائرية – الفرنسية، على رغم تعقيداتها جراء الماضي المشترك بينهما، وقد انطلقت الشرارة منذ يوليو (تموز) عام 2024 حين أغضب الرئيس إيمانويل ماكرون الجزائر بالاعتراف بخطة للحكم الذاتي لمنطقة الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية.

 

وتعليقاً على بيان الخارجية الجزائرية، يقول الباحث في العلاقات الدولية سليم طاليس إن باريس تحاول الضغط على الجزائر انتقاماً لما بدر منها من إجراءات اقتصادية وقرارات سياسية تصب كلها في إطار ممارسة السيادة الكاملة، موضحاً لـ"اندبندنت عربية" أن "إقحام المواطنين في التوتر الحاصل بين البلدين هو خطوة مقززة على اعتبار أن الشعبين الجزائري والفرنسي غير مسرورين بما يحدث نظراً إلى ما يجمع بينهما من روابط اجتماعية وتاريخية وثقافية، فالمستفيد الأكبر من ذلك جزء بسيط من الفرنسيين المتطرفين الذين لا يزالون يحنون إلى الجزائر الفرنسية".

ويتابع أنه "ما كان ينبغي نقل التوتر إلى المواطنين سواء الفرنسيين أو الجزائريين، بل كان يجب ترك أمور السياسة للسياسيين والاقتصاد للاقتصاديين"، مشيراً إلى أن طرق الابتزاز والمساومة والضغط والرد لا ينبغي أن تتعدى الحدود، ومن الأفضل أن تبقى في دائرة ضيقة تجنباً لمزيد من التصعيد.

وختم بأنه "لا يمكن قبول استعمال المواطنين في مثل هذه الخلافات، بل يجب العودة للتعامل بالاحترام المتبادل مما قد يعيد الأمور إلى نصابها، بل يجعل العلاقات الثنائية متينة وقوية أكثر مما كانت".

ما يجمعنا أكثر

وعلى رغم التصعيد المتواصل بين البلدين، فإن العلاقات الدبلوماسية لم تنقطع، مما يكشف عن أن ما يجمعهما أكثر مما يفرق، كما أن التغيرات الحاصلة في العالم وما ترتب عليها من أزمات سياسية مثل الذي يحدث في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، وكذلك التوترات الاقتصادية التي باتت ظاهرة في مختلف الدول وظهور قوى جديدة، كلها عوامل تدفع إلى سوء العلاقات بين الدول، ولعل ما يحدث بين الجزائر وفرنسا يندرج في هذا السياق، إذ صرح مسؤولون فرنسيون بأن الجزائر تتبنى سياسة تستهدف محو الوجود الاقتصادي الفرنسي من البلاد بعد أن انخفض التبادل التجاري بنحو 30 في المئة منذ الصيف، كما يمكن تصنيف تصريحات وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو حين قال "أنا مع اتخاذ إجراءات قوية لأنه من دون توازن القوى لن ننجح"، في الاتجاه نفسه.

وتناقلت وسائل إعلام معاناة مسافرين جزائريين في عدد من مطارات فرنسا من خلال سوء الاستقبال والمعاملة التمييزية مقارنة مع باقي المسافرين، مثل إغلاق جميع أكشاك الجوازات مع ترك كشك واحد فقط للرعايا الجزائريين، إضافة إلى تطبيق إجراءات تفتيش طويلة جداً تتجاوز أحياناً مدة الرحلة نفسها، مما أفرز نوعاً من الانتقادات والغضب كاد يتحول في حالات إلى مشادات، غير أن اللافت هو الغموض حول من يقف وراء هذه الأوامر على رغم أنه بالعودة لتصريحات وزير الداخلية الفرنسية فإن أصابع الاتهام تشير إليه من مختلف الأطراف.

لإرضاء اليمين

وأخذت الحادثة حيزاً واسعاً من اهتمامات الصحافة الفرنسية، وربطت الموضوع باليمين الذي يريد أن يضرم النار في العلاقات بين البلدين، فقال موقع "أوريان 21" إن إستراتيجية وزير الداخلية برونو روتايو ترمي إلى صب الزيت على النار لإرضاء اليمين الفرنسي المتطرف، مما يجعل البحث عن حلول للمشكلات المطروحة للنقاش أكثر صعوبة، وأضاف أن الوزير أعلن بوضوح عن نيته تصفية الحسابات مع الجزائر، بخاصة في ما يتعلق بمسألة الجوازات القنصلية التي يصعب الحصول عليها وتُعدّ ضرورية لتنفيذ قرارات مغادرة التراب الوطني الصادرة عن السلطات الفرنسية.

 

وأشارت صحيفة "لو باريزيان" إلى أن التصعيد الحالي أدى إلى شعور وزير الداخلية بالإذلال، في حين استعرضت "لو موند" البيان الذي عبرت فيه الجزائر عن "قلقها العميق من المعاملة الاستفزازية والمهينة والتمييزية التي يتعرض لها عدد من المواطنين الجزائريين في معبر رواسي- شارل ديغول"، وذكّرت بتدهور العلاقات بين البلدين بعد أن أعلنت باريس نهاية يوليو الماضي أنها ستدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، وتصاعدت الأمور مع اعتقال الكاتب الفرنسي- الجزائري بوعلام صنصال في الجزائر.

أما صحيفة "لو فيغارو"، فاستعرضت الإجراءات التي اقترحها الوزير الفرنسي السابق بيير لولوش للتعامل مع الجزائر، بدعوته إلى إلغاء جميع التأشيرات وتصاريح الإقامة لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد ووقف التحويلات المالية إلى الجزائر وإلغاء مساعدات التنمية العامة (200 مليون دولار سنوياً) وإغلاق الحدود، في انتظار أن تطلق الجزائر سراح صنصال وتلتزم استعادة رعاياها المطرودين وتوقف التصريحات المهينة ضد فرنسا وقادتها.

المزيد من تقارير