Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترليونات من الدولارات لمقابلة الطلب على النفط... ولكن

تشير الدراسات إلى أن ما تنشره الشركات لا يشبه سلوكها الاستثماري وهذا يعني أن لديها استشرافاً سرياً يختلف عن المعلن

أشارت "أوبك" إلى أن متوسط الطلب العالمي على النفط هذا العام سيصل إلى 104.2 مليون برميل يومياً (أ ف ب)

ملخص

أكبر بلد منتج للنفط في العالم هو الولايات المتحدة الأميركية، التي أغلقت الجامعات لأكبر عدد من الأقسام والتخصصات المتعلقة بصناعة النفط.

في استشرافها الأخير حتى عام 2050، عدلت "أوبك" من توقعاتها للطلب على النفط صعوداً، إذ ذكر التقرير أن الطلب على النفط سيستمر في النمو عاماً بعد عام حتى يصل إلى نحو 120 مليون برميل يومياً بحلول 2050. وأشارت "أوبك" في تقريرها الشهري الأخير إلى أن متوسط الطلب العالمي على النفط هذا العام سيصل إلى 104.2 مليون برميل يومياً، هذا يعني أن "أوبك" تتوقع زيادة في الطلب العالمي على النفط خلال الأعوام الـ26 المقبلة بنحو 16 مليون برميل ويومياً.

غالب التوقعات من الهيئات والشركات المختلفة ترى أن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى ذروته خلال الأعوام الـ10 المقبلة، بعضهم يرى أن الطلب العالمي بعدها سينخفض، بينما يرى آخرون أنه سيستقر عند الذروة لسنوات.

أصدرت شركة "إكسون موبيل" استشرافها السنوي حتى عام 2050 قبل صدور "أوبك" بنحو شهر، وترى الشركة أن الطلب على النفط سيرتفع ثم سيصل إلى ذروته ثم سينخفض بعدها إلى نحو 100 مليون برميل. منذ أكثر من شهرين أصدرت شركة النفط البريطانية استشرافها السنوي الذي توقعت فيه وصول الطلب العالمي على النفط ذروته في العام المقبل، وكانت الشركة توقعت في الماضي أن يصل الطلب العالمي إلى ذورته عام 2019، ولكن توقعاتها فشلت بعد أن ارتفع الطلب العالمي على النفط بنحو 4 ملايين برميل يومياً منذ ذلك الوقت. مشكلة تقارير الاستشراف التي تصدرها كبرى شركات النفط أنها تقارير "علاقات عامة" ولا يمكن الاعتماد عليها كاستشراف، ففشل توقعات شركة النفط البريطانية، وتركيزها على الكلام الذي تكرره وكالة الطاقة، يقللان من قيمة الاستشراف بشكل كبير. كما تشير الدراسات إلى أن ما تنشره الشركات يختلف عن سلوكها الاستثماري، وهذا يعني أن لديها استشرافاً سرياً يختلف عن المنشور علناً.

وتقرير "إكسون موبيل" هو رد على أحلام وكالة الطاقة الدولية ومكتب الأمين العام للأمم المتحدة اللذين يطالبان بوقف مباشر للاستثمار في النفط والغاز والفحم، مما يؤكد أنه تقرير هدفه العلاقات العامة وإرسال رسائل للأطراف المختلفة، ويختلف عن السيناريو الاستثماري الذي تتبناه الشركة. فالشركة شرحت بالتفصيل ماذا سيحصل لو تم فعلاً وقف الاستثمار في النفط والغاز، وأوضحت أن العالم سيعاني كارثة اقتصادية. وعلى رغم أن الطلب العالمي سينخفض إلى نحو 100 مليون برميل بحلول 2050، إلا أن الشركة أكدت أن إنتاج هذه الكميات في ذلك الوقت يتطلب استثمارات ترليونية منذ الآن وحتى ذلك الوقت. ثم جاء تقرير "أوبك" ليؤكد الفكرة نفسها، إذ ذكر التقرير أن مقابلة الطلب المتوقع على النفط يتطلب استثمارات يبلغ مجموعها 17.4 تريلون دولار بين 2024 و2050. وهذا مبلغ ضخم جداً إذ إنه يساوي تقريباً قيمة الناتج المحلي لكل الدول العربية على مدى خمسة أعوام. ولو قسم المبلغ بالتساوي سنوياً فإنه يبلغ 640 مليار دولار سنوياً، منها 525 مليار دولار للجزء الأعلى من الصناعة: التنقيب والإنتاج. 

الأزمة المقبلة

في ظل الأوضاع الحالية وهرب عدد من صناديق الاستثمار من صناعة النفط، يتوقع ألا يستثمر بشكل كاف لتأمين إمدادات النفط والغاز التي يحتاج إليها العالم في العقود المقبلة. فاستشراف "أوبك" يرى أن العالم بحاجة إلى 525 مليار دولار سنوياً للاستثمار في عمليات الاستكشاف والإنتاج، إلا أن استثمارات العام الحالي وما قبله أقل من ذلك بكثير. ففي العام الماضي بلغ مجموع الاستثمارات في مجال الاستكشاف والتنقيب 234 مليار دولار، ويتوقع أن تكون بحدود 246 مليار دولار في العام الحالي، أي أقل من نصف المطلوب كمعدل سنوي. لهذا فنحن مقبلون على أزمة طاقة، حتى لو أخذنا بالتوقعات الأقل تفاؤلاً من "أوبك"، مثل توقع "إكسون موبيل"، لأن كميات الاستثمار لن تكون كافية على كل الحالات. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن المشكلة الأكبر، وهذا هو بيت القصيد من مقالة اليوم، هو العجز الكبير في الموارد البشرية في الصناعة. فحتى لو توافرت الأموال، واستخدمت التقنية للتخفيف من الحاجة إلى الموارد البشرية، سيكون هناك عجز كبير في عدد المهندسيين والفنيين والعمال.  والسبب أن دعاية التغير المناخي ومعاداة صناعة النفط بدأت منذ أكثر من عقدين في مدارس الأطفال، وعندما كبروا، عزفوا عن تخصصات هندسة البترول والجيولوجيا وكل ما يخص صناعة النفط، مما أدى إلى إغلاق غالب هذه الأقسام في الجامعات الغربية، ونظرة سريعة إلى ما تبقى منها يظهر أن الطلاب الموجودين كلهم أو غالبهم من الأجانب!  

الآن تصوروا هذا المشهد معي: أكبر بلد منتج للنفط في العالم هي الولايات المتحدة الأميركية، وفيها أغلقت الجامعات لأكبر عدد من الأقسام والتخصصات المتعلقة بصناعة النفط. كيف ستستمر صناعة النفط الأميركية إذاً؟ ولكن المشكلة أكبر من ذلك، إذ إن كثيراً من الدول النفطية التي كانت تستعين بالخبرات الأميركية على مدى العقود الماضية لن تجدها، لأنه ليس هناك أميركيون في أقسام الدراسات العليا في أشهر الجامعات في هذا المجال إلا ما ندر! وفي الوقت نفسه نجد أن هناك دولاً دخلت صناعة النفط بقوة وتحتاج إلى خبرات كثيرة مثل البرازيل وغايانا والآن ناميبيا.

من هذا المنطلق أطالب منظمة "أوبك" وشركات النفط العالمية بأن تخصص جزءاً من استشرافها السنوي للموارد البشرية اللازمة بالتخصصات المختلفة حتى تستنير به الجامعات والمعاهد المتخصصة. فكما هو معروف، أي صناعة تقوم على عنصري رأس المال والعمل، والتركيز على رأس المال وتجاهل الموارد البشرية غير منطقي، بخاصة في ظل الظروف الحالية، إذ إن أزمة الطاقة القادمة قد لا يكون سببها عدم كفاية الاستثمار في الصناعة فقط، وإنما عدم توافر الموارد البشرية لإنتاج ما يحتاج إليه العالم. أذكر هذا في وقت تدرك فيه بعض الشركات هذه المعضلة، لهذا فهناك توجه للأتمتة والروبوتات والذكاء الصناعي، ولكن كل هذا لا يكفي في ضوء إغلاق الجامعات للتخصصات المهمة لصناعة النفط. 

وأختم بهذه المعلومة: النرويج تحتاج إلى نحو 3 آلاف موظف في قطاع النفط والغاز خلال الأعوام الأربعة المقبلة، بسبب تقاعد الموظفين الحاليين! 

اقرأ المزيد

المزيد من آراء