Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوروبا واللاجئون... نهاية زمن الأذرع المفتوحة

ألمانيا تبدأ تفتيشاً على الحدود البرية وإيطاليا تفكر في حصار بحري

تحرك الاتحاد الأوروبي لوضع ميثاق جديد للهجرة والمهاجرين واللجوء واللاجئين (أ ف ب)

ملخص

ما الأسباب التي تجعل مشكلة الهجرة إلى شمال أوروبا غير قابلة للحل؟ ولماذا ينسى أو يتناسى الأوروبيون هجراتهم إلى شمال أفريقيا وبقية الدول العربية؟

قبل بضعة أيام كان رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى مصر، السفير كريستيان برجر، يصرح بأن حركة الهجرة تزداد في الوقت الحالي بخاصة بعد الأزمات الحالية بالشرق الأوسط.

السفير كريستيان لفت إلى أن أعداداً كبيرة من اللاجئين والمهاجرين من منطقة بلاد الشام، ومن دول شمال أفريقيا، بل ومن وسط القارة السمراء يتجهون إلى أوروبا، وربما مع التوترات الأخيرة والحروب الدائرة، سيزداد التدفق مرة أخرى، مما يجعل الأوروبيين يخشون من تكرار موجات الهجرة التي زحفت إلى القارة العجوز، في أزمنة ما عرف بـ"الربيع العربي".

هل أوروبا بالفعل تواجه معضلة كبيرة؟

 غالب الظن أن كثيراً من العوامل الحياتية والمناخية باتت تدفع اليائسين والبائسين، عطفاً على كل المعذبين في الجنوب، للتفكير في التوجه إلى الشمال البارد الغني، وحتى لو كلفهم حياتهم غرقاً في البحر المتوسط.

من هنا تبدو المعضلة في واقع الأمر صعبة، لا سيما أن الداخل الأوروبي تتحول دفته السياسية لناحية تيارات اليمين السياسي، تلك التي تعد اللاجئين خطراً داهماً لأكثر من سبب، ففي البداية، تمثل هذه الموجات البشرية الهادرة، ضرباً من ضروب التغير الديموغرافي، مما يجعل بعض الأفكار المغرقة في تشددها، لا سيما فكر "الاستبدال الكبير"، يجد رواجاً عن المواطنين الأوروبيين.

 عطفاً على ذلك فإن أصابع الاتهامات توجه إلى اللاجئين والمهاجرين، باعتبارهم "مصاصي دماء" للاقتصادات الأوروبية، وفي وقت يعاني فيه العالم برمته أزمات مالية طاحنة.

في هذا السياق، تحرك الاتحاد الأوروبي في الأشهر القليلة الماضية لوضع ميثاق جديد للهجرة والمهاجرين واللجوء واللاجئين، غير أن عواراً كبيراً يعتريه، واتهامات قاسية تطاوله من قبل جماعات حقوق الإنسان حول العالم.

 كيف تمضي أزمة أوروبا مع الهجرة والمهاجرين؟ وهل هي حقاً من غير أفق للحل؟ وبين هذا وذاك، لماذا تتغاضى غالبية الدول الأوروبية عن سماع أصوات روحانية تدعوها إلى عدم التنكر لهؤلاء البشر وتنسى أو تتناسى أن في القارة من كانوا قبل بضعة عقود بدورهم لاجئين في أفريقيا وعديد من الدول العربية؟

حق اللجوء... عن اللاجئين والمهاجرين

ربما لا يمكن مشاغبة أوضاع أوروبا وأزمات اللاجئين والمهاجرين، من غير اقتراب مفاهيمي محدد وواضح من مصطلحات مثل "حق اللجوء"، وتعريفات تشمل اللاجئين والمهاجرين، ماذا عن ذلك؟

من دون استفاضة أكاديمية، ليس هنا موقعها أو موضعها، حق اللجوء هو مفهوم قضائي قديم يقضي بإعطاء الشخص الذي يتعرض للاضطهاد بسبب آرائه السياسية أو المعتقدات الدينية في بلده التي قد تكون محمية من قبل سلطة أخرى ذات سيادة أو بلد أجنبي الفرصة له للتعبير عن آرائه.

وبالعودة إلى التاريخ القديم، نجد أن المصريين والإغريق اعترفوا بحق اللجوء، أو ما كان يعرف بحماية المضطهدين من الإجراءات القانونية.

 وفي الأزمنة المعاصرة جاءت المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتنص على أن لكل شخص الحق في طلب اللجوء والتمتع به في بلدان أخرى حتى لا يتعرض للاضطهاد في بلده الأم.

أما الأمم المتحدة فحاولت جاهدة ضمان هذا الحق من خلال دفع باقي الدول إلى التوقيع على عدد من التشريعات في هذا الإطار بما في ذلك الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين التي سنت عام 1951.

تاريخياً تعد فرنسا أول دولة تعترف بالحق الدستوري في اللجوء، وذاك بحسب ما جاء في المادة 120 من دستور 1793، أي بعد الثورة الفرنسية على الملكية مباشرة.

ثمة أسباب عديدة تجعل من بقاء الأشخاص في بلدانهم أمراً في غاية الصعوبة أو الخطورة، وعلى سبيل المثال، يفر الأطفال والنساء والرجال من العنف والجوع، من الفقر المدقع، أو بسبب أهوائهم وميولهم الشخصية، وحديثاً عرفت الإنسانية مصطلحاً جديداً وهو "اللجوء الإيكولوجي" أي ذاك الذي تتسبب فيه الظروف المناخية حول الكرة الأرضية، وتغيرات الطبيعة المرعبة كما في حال الفيضانات والتسونامي والزلازل والبراكين وغيرها.

وإذا كان من اليسير تقديم تعريف للاجئ، فإنه ليس هناك تعريف متفق عليه دولياً للمهاجر، ولكن عند منظمة العفو الدولية، فإن مروحة المهاجرين تراوح ما بين من يغادرون بلدانهم سعياً وراء العمل أو الدراسة، أو للالتحاق بعائلاتهم، وحتى في هذا السياق كثيراً ما يكون خط التماس بين المهاجرين واللاجئين ضيقاً للغاية.

ما الجديد الذي طرأ على الساحة الأوروبية في الأيام القليلة الماضية وعاد بحديث حق اللجوء واللاجئين إلى دائرة الضوء مرة جديدة؟

ألمانيا والتفتيش عبر الحدود البرية

هل بدأت ألمانيا رحلة التضييق على المهاجرين واللاجئين، لا سيما غير النظاميين منهم؟

 يبدو أن هذا ما سنراه في القريب العاجل، لا سيما بعد أن أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايزر أنها ستبدأ في فرض عمليات تفتيش على طول حدودها البرية التسعة، لمواجهة تسرب المهاجرين أو اللاجئين.

هل كان لتصاعد اليمين الألماني تأثير وراء هذا القرار؟

مؤكد أن الأمر مضى بالفعل على هذا النحو، لا سيما بعد أن صرحت الرئيسة المشاركة لحزب "البديل من أجل ألمانيا" أليس فايدل أن حزبها يريد وضع حد لما سمته "جرائم القتل والاغتصاب والطعن" في الشوارع الألمانية، ولهذا السبب قالت إن ألمانيا في حاجة إلى سياسة هجرة جديدة لن يحصل عليها الناخبون من أحزاب أخرى.

والثابت أن إلغاء حق اللجوء وإعادة اللاجئين إلى الحدود، هذا ما يريده المعارضون، ولكن بعد المكاسب الانتخابية التي حققها حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف في الشرق، يردد حزب من الائتلاف الحاكم مطالب مماثلة.

 بعد يوم واحد من الانتخابات المحلية في ولايتي ساكسونيا وتورينجن، ظهر رئيس الحزب الديمقراطي الحر كريستيان ليندنر، أمام الجمهور وقد امتلأ وجهه بالإحباط، وقال "لقد سئم الناس من الدولة التي ربما فقدت السيطرة على الهجرة واللجوء في ألمانيا".

تشير استطلاعات الرأي التي أجريت بعد الانتخابات إلى أن اللجوء والهجرة كانا القضيتين الرئيستين في قرارات التصويت التي اتخذها الناس، وفي نهاية عام 2023 بلغ عدد اللاجئين في ألمانيا نحو 3.2 مليون نسمة، بما في ذلك أكثر من مليون أوكراني، أما المجموعة الثانية فهي السوريون.

وحتى الساعة هناك قرابة نصف مليون طلب لجوء معلق حالياً، ووفقاً لوزارة الداخلية الألمانية، صدرت أوامر لما يقارب 227 ألف شخص في ألمانيا بمغادرة البلاد، ومع ذلك تم تعليق ترحيل 80 في المئة منهم موقتاً بسبب عقبات ترحيلهم.

 هل تردى الوضع في ألمانيا تجاه المهاجرين واللاجئين وسوف يتردى أكثر مستقبلاً؟

 غالب الظن أن الأمور ستمضي في هذا الاتجاه، فهناك تسارع في حركة السياسات الصارمة في ما يتعلق بالهجرة والأمن في ألمانيا في أعقاب هجوم بسكين جرى في مدينة زولينغن غرب ألمانيا من قبل رجل سوري صدر أمر بمغادرته البلاد، قبل أن يتمكن من قتل ثلاثة أشخاص وجرح ثمانية آخرين.

هل ما يجري في ألمانيا يمكن أن يجد له رد فعل وصدى مشابهاً في عديد من الدول الأوروبية الأخرى؟

ربما يكون الجواب عن علامة الاستفهام المتقدمة متضمناً بالفعل ضمن ثنايا وحنايا ميثاق الهجرة الجديد للاتحاد الأوروبي، الذي جرت الموافقة عليه في النصف الأول من العام الحالي 2024، وإن تسبب في جدل كبير وواسع في الداخل الأوروبي.

ميثاق هجرة يقوض حق اللجوء

هذا هو العنوان الذي يوصف به ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد في شأن الهجرة واللجوء، والتعبير لمنظمة العفو الدولية، وهو نتيجة ثلاث سنوات من المفاوضات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإنشاء سياسة مشتركة للهجرة واللجوء، وتم التوصل إليه عبر المفوضية الأوروبية ومجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي في ديسمبر (كانون الأول) 2023، وتم التصويت عليه في فبراير (شباط) الماضي.

 

 

بدأت مفاوضات الميثاق رداً على أزمة الهجرة الأوروبية عام 2015، عندما وصل أكثر من مليون طالب لجوء إلى أوروبا هرباً من الحرب والصراع العرقي في سوريا وأفغانستان والعراق وليبيا وإريتريا.

 بدأ الميثاق بهدف إيجاد طريقة للدول الأعضاء للعمل معاً لاستقبال طالبي اللجوء بصورة عادلة، وتخفيف الضغط على دول الحدود الجنوبية لأوروبا التي تستقبل غالبية المهاجرين.

 ومع ذلك بدلاً من تقاسم عدد طالبي اللجوء اتفق الميثاق على "آلية تضامن" جديدة ومعقدة، تسمح هذه الآلية للدول بالتخلي عن استقبال طالبي اللجوء ودفع الأموال بدلاً من ذلك إلى صندوق لتعزيز الحدود ودفع الأموال للدول خارج الاتحاد الأوروبي، لمنع المهاجرين بنشاط من شق طريقهم إلى الاتحاد الأوروبي.

هل من بنود معينة بعينها في هذا الميثاق تجعله يقوض بالفعل إمكانات الحصول على حق اللجوء؟

 هناك بالفعل عدد من النقاط المثيرة للجدل، منها على سبيل المثال أن البنية الهيكلية للميثاق الجديد تؤدي إلى زيادة استخدام إجراءات اللجوء السريعة دون المستوى المطلوب على الحدود، حتى بالنسبة إلى الأطفال في الأسر، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى زيادة استخدام نظام الاحتجاز، كما يزيد نظام الميثاق الأخير من استخدام القياسات الحيوية والمراقبة، حتى بصمات الأصابع للأطفال منذ سن ست سنوات.

 ماذا يعني هذا بالنسبة إلى اللاجئين؟

 الهدف المؤكد من السياسة الجديدة هو منع اللاجئين الفارين من الحرب، أو الاضطهاد أو الكوارث الطبيعية من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، وبمجرد وصولهم إلى أراضي الاتحاد، سيصبح من الصعب على أولئك الذين يحتاجون إلى الحماية الحصول على اللجوء.

 ومن جهة ثانية، سيواجه اللاجئون نظاماً قاسياً لمعالجة طلبات اللجوء، مما قد يعيدهم إلى مواقف خطرة وحتى الموت، إذ سيتم تحفيز الدول الحدودية على تجاهل القوارب المنكوبة وسيضطر اللاجئون إلى البقاء في "دول ثالثة آمنة"، خطرة أو إرسالهم إليها، وبالفعل أدت سياسات "الإخراج" هذه إلى إساءة معاملة المهاجرين في تونس وتعذيبهم في ليبيا.

في هذا السياق أجرت الحكومة السويدية بالفعل تحقيقاً في تكييف سياسة اللجوء السويدية إلى الحد الأدنى المطلوب من قبل الاتحاد الأوروبي.

 وفي كل الأحوال، فإنه يمكن القول إن اتفاقية الميثاق النهائية تركت صدوعاً مقلقة في أسس نظام الهجرة واللجوء الجديد في الاتحاد الأوروبي، ومن غير المرجح أن تخفف هذه الاتفاقية الضغوط على دول الدخول الأولى، وقد تؤدي إلى انتهاكات أكبر لحقوق الإنسان على حدود أوروبا.

ومن المرجح أن نشهد تراجعاً أكبر لحق الناس في طلب اللجوء، والمزيد من الاحتجاز على الحدود بما في ذلك للأسر التي لديها أطفال، وفرص أقل للناس لمعالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم بصورة كاملة وعادلة، وزيادة عمليات الإعادة القسرية، ومزيد من المحاولات "لإسناد" معالجة اللجوء إلى جهات خارجية من خلال تحويل مسؤوليات الاتحاد الأوروبي إلى البلدان التي تستضيف بالفعل أكبر عدد من اللاجئين.

 تهديدات الاتحاد لا تخيف دوله

ولعل التساؤل المهم هو هل خرجت بعض دول الاتحاد الأوروبي عن الإجماع الخاص بهذه الوثيقة على رغم تهافتها مغلبين مصالحهم الخاصة على الصالح العام للقارة الأوروبية؟

 هذا ما جرى بالفعل، على رغم التهديدات الرسمية التي صدرت عن وزيرة الداخلية في الاتحاد الأوروبي ميشيل بسلو، التي توعدت بإجراءات قانونية ضد أي عضو يخرج عن الحدود الواضحة للوثيقة.

وفي لغة واضحة لا تقبل أي تفسير، أضافت إيفا يوهانسون وهي المفوضة الأوروبية التي قادت الإصلاح الشامل لوكالة "يورو نيوز"، "يتعين على جميع الدول الأعضاء تنفيذ وتطبيق ما جاء في الوثيقة، وأنه إذا لم يحدث هذا، فإن المفوضية ستتحرك بالطبع وتستخدم إجراءات المخالفة إذا لزم الأمر".

هل تعكس الاستهانة بمقررات هذا الميثاق خللاً ما داخل الاتحاد؟

 بعد وقت قصير من التصويت، أعلن رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك عن موقفه الرافض لهذا الإصلاح واعتبره غير مقبول، وهاجم نظام التضامن الإلزامي المقترح وهو أحد المستجدات الرئيسة في الميثاق الجديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وبموجب هذا النظام، سيكون أمام الدول الأعضاء ثلاثة خيارات لإدارة تدفقات الهجرة وهي، نقل عدد معين من طالبي اللجوء، أو دفع 20 ألف يورو (22.27 ألف دولار) عن كل طالب لجوء ترفض نقله، أو تمويل الدعم التشغيلي مثل الموظفين والمعدات.

وتهدف بروكسل إلى نقل 30 ألف لاجئ سنوياً، لكنها تصر على أن النظام لن يجبر أي دولة على قبول اللاجئين ما دامت تسهم من خلال أي من الخيارين الآخرين.

لماذا هذا الموقف من جانب بولندا تحديداً، وهي الدولة التي لجأت إليها ملايين عدة من أوكرانيا؟

 يقول المتحدث باسم الحكومة البولندية للشؤون الدولية، زولتان كوفاكس، خلال إفادة صحافية في بروكسل "من المؤسف أنه بعد تسع سنوات من ذروة أزمة الهجرة توصل البرلمان إلى حل يمثل في الأساس انتهاكاً خطراً لسيادة الدولة الوطنية". وأضاف أن "الميثاق لن يوفر حلاً عملياً لأي دولة عضو في الاتحاد"، وأصر كوفاكس على أن بلاده "ستتحدث بصوت عال ضد الميثاق الجديد بحجة أنه لا يأخذ في الاعتبار التجربة المجرية، ومحكوم عليه بالفشل".

ولعله من المثير أنه في الفترة التي سبقت التصويت في البرلمان الأوروبي أثار الإصلاح معارضة من اليمين واليسار على حد سواء، وشعرت بعض الأصوات التقدمية بأن العهد الجديد استسلم للضغوط من قوى اليمين المتطرف ووضع حقوق الإنسان لطالبي اللجوء في خطر.

 لاحقاً أظهر استطلاع حصري أجرته "يورو نيوز" أن 16 في المئة فقط من مواطني الاتحاد الأوروبي يؤيدون سياسة الاتحاد في شأن الهجرة، بينما يعارضها أكثر من النصف (51 في المئة).

هل من حلول بديلة عند الأوروبيين لمعالجة أزمة الهجرة واللاجئين؟

فكرة الحصار البحري ودعوة إيطالية

في مقدمة الأصوات الأوروبية المتشددة للغاية في معالجة قضية الهجرة واللاجئين، يأتي صوت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، التي تساندها أصوات ملايين الإيطاليين، وعشرات الملايين من الأوروبيين بصورة عامة.

خلال زيارة لها أخيراً إلى جزيرة لامبيدوزا، الموقع الذي عادة ما يرسو عليه اللاجئون لا سيما الأفارقة بعد رحلتهم الخطرة والشاقة في مياه البحر الأبيض المتوسط، صرحت ميلوني بأن "ضغط الهجرة الذي تشهده إيطاليا منذ سنوات لا يمكن تحمله".

 والشاهد أنه مع انتشار صور الفوضى في الجزيرة تتعرض ميلوني حالياً لضغوط تسائل وفاءها بوعد حملتها الانتخابية بخصوص الهجرة.

 والمعروف أنه لسنوات عديدة تلقت إيطاليا دعماً مالياً من الاتحاد الأوروبي لمراكز الاستقبال والتسجيل، لكن أكثر من 127 ألف مهاجر وصلوا إيطاليا بحدود نهاية العام السابق، أي ما يقارب ضعف الرقم في الفترة ذاتها من عام 2022، كما توفي أكثر من 2000 شخص أثناء العبور بين شمال أفريقيا وأوروبا، وفقاً لوكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة.

في هذا الإطار تفتق ذهن ميلوني عن فكرة تشكيل مهمة بحرية أي قوات بحرية أوروبية مسلحة، يمكنها أن تمثل نوعاً من الحصار حول دول جنوب المتوسط.

هل تستقيم هذه الفكرة قانونياً؟

 من المؤكد أن مثل هذا الإجراء من شأنه أن ينتهك القانون البحري الدولي، إذ لا يسمح للسفن الإيطالية أو غيرها من سفن الاتحاد الأوروبي بالعمل في المنطقة الإقليمية البالغ طولها 12 ميلاً (19.3 كيلومتر) قبالة الساحل التونسي، إذ تتمتع تلك الدولة وحدها بالولاية القضائية، وحتى خارج هذه المنطقة، لن يسمح للسفن البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي بالتدخل على الإطلاق ما دامت القوارب التي تحمل المهاجرين صالحة للإبحار.

من جهة أخرى لا تستطيع إيطاليا أن تمنع القوارب من الرسو في موانئها بصورة دائمة، على رغم أن السلطات هناك يمكنها في البداية رفض الوصول إلى القوارب الصالحة للإبحار لأسباب تتعلق بالسلامة وبعثها لموانئ أخرى، لكن يجب أن يتم تخصيص ميناء آمن للأشخاص الغرقى على متن قوارب الإنقاذ من قبل مركز تنسيق الإنقاذ الإيطالي في روما، على رغم أن هذا الميناء قد يكون بعيداً في شمال إيطاليا.

والثابت أنه ومنذ العام الماضي تحاول الحكومة الإيطالية عرقلة عمل سفن الإنقاذ الخاصة، لكن لم يكن لذلك أي تأثير يذكر في عدد الوافدين، وفقاً لخفر السواحل، إذ يقوم 90 في المئة من المهاجرين بالعبور بمفردهم، ويتوقفون في مكان ما داخل أو خارج ميناء في إيطاليا.

 هل من أفكار أخرى لمجابهة الأزمة عند الأوروبيين؟

الدول الثالثة

يبدو أن حلول البعد الخارجي باتت مفضلة على أكثر من جانب بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبي، فمن جهة تسعى بروكسل جاهدة لتفعيل اتفاقات مع دول شمال أفريقيا التي يتسرب منها المهاجرون لا سيما الأفارقة، مثل مصر وتونس وليبيا وموريتانيا، إذ يتم ضخ أموال الاتحاد الأوروبي في اقتصادات هذه البلدان في مقابل تدابير مستهدفة لتقليل تدفقات المهاجرين والحد من المتاجرين بالبشر.

غير أن هذه الصفقات تعرضت لانتقادات شديدة من قبل أعضاء في البرلمان الأوروبي والمدافعين عن حقوق الإنسان لفشلها في الاعتراف بالأدلة المتزايدة على انتهاكات حقوق الإنسان، من قبل بعض من تلك الدول.

فعلى سبيل المثال، في العام الماضي 2023، كشف تقرير للأمم المتحدة عن ارتكاب قوات خفر السواحل الليبية التي تلقت دعماً من الاتحاد الأوروبي، جرائم إنسانية بما في ذلك إجبار النساء على العبودية الجنسية والاحتجاز التعسفي، والقتل والتعذيب والاغتصاب، وكذلك الاستعباد والاختفاء القسري.

إلى جانب هذا الطرح، هناك طريق آخر تسعى فيه دول الاتحاد الأوروبي، يتمثل في إيجاد شركاء دوليين لتفريغ طالبي اللجوء.

في هذا الصدد تقول المديرة المساعدة لشؤون أوروبا في معهد سياسة الهجرة، كامبل لو كرز "الجديد هو شعبية فكرة إمكانية تكليف جهة خارجية بمعالجة طلبات اللجوء، ومن المرجح أن نرى مزيداً من التقدم في هذا الاتجاه على رغم الأسس القانونية الهشة".

 

 

هل سيكون الحل النهائي أو شبه النهائي هو تحويل تيار الهجرة إلى أوروبا، إلى تيار عكسي لجهة دول أفريقية تحديداً، تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة، وعليه فإنه سيكون من الممكن لها أن تقبل دعماً مالياً مليونياً كل عام، بهدف توطين مثل هؤلاء اللاجئين؟

الحكومات الأوروبية غالباً تفكر في مثل هذا الاتجاه، حتى ولو نددت المنظمات غير الحكومية بالاتفاق ووصفته بأنه "ضربة مدمرة لحق طلب اللجوء في الاتحاد الأوروبي، معتبرة أن هذه الإجراءات تؤدي بصورة أو بأخرى إلى تآكل معايير الحماية الدولية".

غير أن الحقيقة المؤكدة هي أن صوت هذه المؤسسات الحقوقية يخفت في مواجهة التيارات اليمينية المتصاعدة التي ترى أن هناك بالفعل رغبة واضحة، ولو بطريق غير مباشر، في القفز على أسوار الحديقة الأوروبية من الأحراش الخارجية، وإحداث نوع من أنواع الزلازل الديموغرافية، عبر استبدال بسكان القارة البيض المسيحيين التاريخيين، آخرين ينتمون إلى أعراق مختلفة وأديان مغايرة، وهو أمر بات ملايين الأوروبيين يعتنقونه كفكر تقدمي حقيقي لا هامشي.

 على أن الموضوعية تقتضي منا التساؤل هل انعدمت من أوروبا ومؤسساتها الروحية والمجتمعية أصوات أكثر إنسانية تذكر الأوروبيين بأنهم وقبل عقود عدة، كانوا بدورهم لاجئين من الفقر تارة، ومن نيران الحرب تارة، إلى دور أفريقية وعربية، وهو ما يحتاج إلى قراءة مفصلة قائمة بذاتها؟

فرنسيس صوت ضد التطرف اليميني

نهار الأربعاء الـ28 من أغسطس (آب) الماضي، وخلال لقائه العام مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس، ندد البابا فرنسيس بابا روما، بمعاملة المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط لدخول أوروبا، وقال إن عدم تقديم المساعدة لسفن المهاجرين "خطيئة جسيمة"، وأضاف "هناك من يعملون بصورة منهجية وبكل الوسائل لرفض المهاجرين، وهذا عندما يتم بضمير ومسؤولية فهو خطيئة جسيمة".

والمعروف أن البابا فرنسيس تحدث مراراً وتكراراً عن معاملة المهاجرين خلال فترة ولايته التي استمرت 11 عاماً، ولكن كلماته في تلك المرة التي استخدم فيها المصطلحات الكاثوليكية لوصف أحد أسوأ أنواع الخطايا كانت قوية خصوصاً.

في ذلك النهار دعا البابا فرنسيس إلى توسيع طرق الوصول إلى المهاجرين، وطالب بإدارة عالمية للهجرة تقوم على العدالة والأخوة والتضامن، مضيفاً أن القضية لن تحل من خلال عسكرة الحدود.

وفي بداية تصريحاته في ذلك اليوم، قال البابا إنه أرجأ السلسلة التقليدية من التأملات التي بدأ فيها، للنظر في "الأشخاص الذين يعبرون البحار والصحارى للعثور على مكان يمكنهم العيش فيه في سلام وأمان".

في المقابل يتعرض فرنسيس لهجمات ضارية من اليمين الأوروبي، لا سيما أن أحاديثه تتفق مع أقواله، وقد أحضر من قبل عدداً من اللاجئين معه أثناء زيارة سابقة إلى اليونان، كما أوصى رعاة الكنائس وكاثوليك إيطاليا بفتح أبوابهم واسعة أمام هؤلاء المساكين الذي يعانون ألم الحياة.

وفي الخلاصة، من المقطوع به أن أوروبا باتت اليوم منقسمة وبقوة في مواجهة إشكالية الهجرة، وبخاصة بعدما فاقمتها أزمة الصراع الروسي - الأوكراني، هذا الانقسام يزيد من أزمات العنصرية في الداخل، وحكماً سيولد ردود فعل أصولية خارج أوروبا.

 هل تدفع أوروبا أكلاف أخطاء سياساتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

 تبدو ليبيا مثالاً، وما فعلته فرنسا – ساركوزي حاضراً أمام الأعين لا يغيب، غير أن الطامة الكبرى قد تنبع حال مضى القيصر الروسي في مزيد من الهجمات ضد دول تقع في منطقة أوروبا الشرقية، وساعتها ستكون القارعة أشد وقعاً في الحال والاستقبال.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات