Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوروبا وحرب غزة... من تأييد إسرائيل إلى المطالبة بوقف القتال

الضغط الشعبي أسهم في تبدل المواقف ولكن الانقسام أعاق بلورة إجراءات موحدة    

الدول الأوروبية تطالب بوقف حرب غزة ولكنها لم تتخذ إجراءات موحدة للضغط على إسرائيل (اندبندنت عربية) 

ملخص

تبدلت مواقف دول أوروبا تجاه الحرب على غزة خلال عامها الأول، فتحول التأييد المطلق لإسرائيل إلى مطالبة بوقف القتال والعودة إلى الخيارات السياسية لحل أزمة القطاع، إلا أن انقسام دول القارة أعاق اتخاذ خطوات موحدة للضغط على تل أبيب من أجل إنهاء هجومها، وبقيت كل الخطوات الفردية خجولة التأثير. 

مر عام على حرب غزة تبدلت خلاله المواقف الأوروبية عموماً من التأييد المطلق لإسرائيل إلى الرغبة في إنهاء القتال في القطاع، وبين النقيضين إن جاز التعبير، ثمة درجات عدة لرفض استمرار المأساة التي خلفت حتى الآن أكثر من 41 ألف قتيل وما يقارب 100 ألف جريح، إضافة إلى دمار مهول ونزوح مئات الآلاف.

المعارضة الأوروبية لاستمرار حرب غزة بدأت بالدعوة إلى وقف القتال ووصلت لدى بعض دول القارة إلى حدود الاعتراف بفلسطين للضغط على إسرائيل كما فعلت النرويج وإيرلندا وإسبانيا في مايو (أيار) الماضي، أو عبر تقليص محدود لصادرات السلاح إلى تل أبيب كما فعلت المملكة المتحدة مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي.

والرفض الأوروبي لاستمرار الحرب واكب تململاً شعبياً منها تزايد مع مرور الوقت وتجلى أولاً في تظاهرات بدأت تجوب شوارع العواصم وتنظم ضمن جامعات عدة بعد أشهر من تفجر الهجوم الإسرائيلي على غزة، وثانياً في التصويت ضد أحزاب وحكومات مؤيدة للحرب أو متراخية في الضغط لإنهائها كما حدث في بريطانيا

التبدل البريطاني

ولعل المملكة المتحدة تعكس التبدل الأوضح في مواقف الدول الأوروبية إزاء الحرب، فعندما هاجمت حركة "حماس" إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 كانت حكومة لندن تحت قيادة حزب المحافظين المعروف بتأييده لتل أبيب، وأظهر رئيس الوزراء حينها ريشي سوناك كل تعاطف ودعم لنظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

المعارضة العمالية حينها بقيادة كير ستارمر وقفت إلى جانب إسرائيل أيضاً، مما دفع الجالية المسلمة والمؤيدين لوقف الحرب إلى التصويت ضد "العمال" في الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في يوليو (تموز) الماضي، وبعد فوز ستارمر وحزبه بالسلطة تبدل موقف بريطانيا من تأييد تل أبيب إلى رفض استمرار الحرب.

حكومة العمال الجديدة أوقفت 30 نوعاً من الأسلحة تصدر لإسرائيل، كما سحبت اعتراضها على مذكرات الاعتقال التي تعدها المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو ووزير دفاعه بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، والموقفان برأي المؤرخ البريطاني جون ماكيوجو يعكسان تبدل موقف لندن ولكن تأثيرهما متواضع.

ماكيوجو في حديث إلى "اندبندنت عربية" يقول إن حكومة ستارمر نجحت في إظهار رفضها لما يجري في غزة، ولكن بوسعها فعل مزيد مثل توسيع حظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل ووقف التعاون معها في مجالات مختلفة، إضافة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية كما فعلت دول أوروبية قبل حرب السابع من أكتوبر وبعدها.

ويلفت المؤرخ البريطاني إلى أن اعتراف المملكة المتحدة بفلسطين سيكون له أثر كبير بسبب الدور التاريخي لبلاده من القضية الفلسطينية، فلندن برأيه تتحمل مسؤولية إنسانية تجاه تلك القضية منذ "وعد بلفور"، وهذه المسؤولية تستدعي منها فعل مزيد من أجل إنهاء الصراع في الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الانقسام الأوروبي

فضلت بريطانيا التروي في مسألة الاعتراف بفلسطين إلى حين التنسيق مع الحلفاء واختيار التوقيت المناسب، لكن بعض دول الاتحاد الأوروبي لجأت إلى الاعتراف كوسيلة للاحتجاج على الحرب، فارتفع عدد أعضاء الاتحاد المتبنين للخطوة إلى 12 من أصل 27 دولة، ولكن هذا كشف عن عمق الانقسام داخل الاتحاد إزاء الموقف من إسرائيل، وإلى أي مدى يعوق اتخاذ إجراءات موحدة ضد استمرار أزمة غزة.

برأي الباحث في مركز "الإصلاح الأوروبي" لويجي ساكزيري عزز عجز الاتحاد الأوروبي عن اتخاذ مواقف عملية وواضحة ضد إسرائيل من وجهة النظر القائلة إن "الغرب يعيش ازدواجية في المعايير، إذ إنه تجاهل ما يحدث في قطاع غزة بينما وقف إلى جانب أوكرانيا وساعدها في مواجهة غزو روسيا لأراضيها". 

وقالت الباحثة في "اتحاد الجامعات المتوسطية" كلوديا دي مارتينو من جهتها إن "حرب غزة تمثل انقساماً سياسياً جديداً في الاتحاد الأوروبي بين ثلاث مجموعات في الأقل من دول التكتل، كما تعكس فجوة متمددة بين المواقف الحكومية والرأي العام، وبالتوازي مع ذلك تزيد بصورة كبيرة من معاداة السامية وكراهية الإسلام".

وتُعدّ ألمانيا أبرز دول المجموعة المؤيدة لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي، فهي مصدر لـ 30 في  المئة من الأسلحة التي تستوردها تل أبيب، وهي لا تظهر بحسب الصحافي الألماني يورغ لاو، تأييداً كبيراً لوقف الحرب في غزة ليس لأنها تعيش "عاراً تاريخياً" بسبب ماضيها مع اليهود، بل لأنها مقتنعة بضرورة القضاء على "حماس".

ويلفت لاو إلى أن حكومة المستشار أولاف شولتز لم تعُد تثق بالدبلوماسية في التعامل مع كل من روسيا وإيران، وعندما هاجمت "حماس" إسرائيل في أكتوبر 2023، أدركت برلين ضرورة القضاء على أذرع طهران المسلحة في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها "حماس" و"حزب الله" اللذان يحاصران إسرائيل من الشمال والجنوب.

 

التأثير الأميركي

وبعيداً من الرغبة الذاتية، لا يمكن تجاهل تأثير الولايات المتحدة الأميركية في مواقف الدول الأوروبية من إسرائيل والحرب على غزة، فجزء كبير من الأسلحة الأوروبية تصل إلى تل أبيب عبر واشنطن التي لا تكترث لاتفاقات "المستخدم الأخير"، على حد تعبير الصحافي المتخصص في الشأن الأوروبي إيفالد كونيغ.

ويقول كونيغ لـ"اندبندنت عربية" إن حسابات التحرك الأوروبي في الملفات الكبرى مثل ما يجري في الشرق الأوسط لا يمكن أن تتجاهل المشيئة الأميركية، و"كل المواقف التي تأخذها الدول في تلك الملفات بما فيها دول القارة العجوز، إما أن تكون منسجمة مع حسابات واشنطن أو لا تؤثر فيها سلباً في أحسن الحالات".

ويلفت كونيغ إلى أن الانتخابات الأميركية أثرت كثيراً في سياسة واشنطن تجاه التوتر في الشرق الأوسط، بالتالي في مواقف دول العالم مما يجري في غزة أولاً ثم في لبنان اليوم، ولذلك من الصعب أن تتبلور الحلول والسيناريوهات المتفق عليها أوروبياً وأميركياً للمنطقة إلا بعد اختيار الساكن الجديد للبيت الأبيض.

وأردف أن الغرب بصورة عامة بات يريد انتهاء حرب غزة ولكن الذي يخضع للنقاش هو اليوم التالي للحرب، وكيف سيدار القطاع إلى حين اتضاح طريقة التعامل مع القضية الفلسطينية ككل. وهذا النقاش سيخوض فيه الرئيس المقبل للولايات المتحدة مع قادة أوروبا ودول معنية بالشرق الأوسط.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير